2013/05/29

سقف الرقابة الوهمي بين «تخت شرقي» و «لعنة     الطين»
سقف الرقابة الوهمي بين «تخت شرقي» و «لعنة الطين»

  فاديا ابو زيد - الحياة تكرر سؤال الجرأة في الأعمال السورية في هذا الموسم حين ربطها كثر بارتفاع وصل إلى سقف الرقابة، خصوصاً في «تخت شرقي» للكاتبة يم مشهدي، الذي احتوى على جرأة اجتماعية، وفي «لعنة الطين» للكاتب سامر رضوان بصفته حاملاً للجرأة السياسية، التي ما زالت تعتبر عالماً بكراً بالنسبة الى الدراما السورية. ومع ذلك اتى تصريح مشهدي في اكثر من مناسبة بأن سقف الرقابة «المعوقة» لم يرتفع كفاية، أو ما زال منخفضاً عن إبداع الكتاب، ومثله اكد رضوان أن ما شاهدناه في «لعنة الطين» ليس اكثر من 50 في المئة مما كان مكتوباً... ما أثار التساؤل من جديد حول آلية عمل الرقابة والقوانين الناظمة لعملها، والتي تبدو في كثير من المفاصل مبهمة وملتبسة، خصوصاً في تصرف ما زال يتكرر حين منعت رقابة التلفزيون بث بعض المشاهد من «لعنة الطين» على الفضائية السورية في الوقت الذي عرض كاملاً على فضائية «الدنيا». التباس ليس له تفسير منطقي إلا الاستخفاف بعقل المشاهد الذي حار من طرق تعبير الرقابة عن حرصها. وفي المقابل مرّت في «تخت شرقي» حوارات كثيرة من شأنها ان تكرس شقاقاً وأزمة بين السوريين والنازحين والفلسطينيين، ليغدو ما اصطلح على تسميته جرأة ليس اكثر من وجهة نظر مغلوطة، أو سوء فهم شخصي وفردي، لأن ما ينطبق على النازح او الفلسطيني هو نفسه الذي ينطبق على كل السوريين اجتماعياً وطائفيـاً او طبقياً. من هنا يأتي السؤال عن الرقابة ودورها المفترض في اظهار بعد نظرها وإدراكها لدور الدراما وتأثيرها، خصوصاً في عمل فاض بالكلام والمطبات التي لم تقدم سوى فوضى وتشتت وضبابية في الأفكار والآراء... فهل لهذا السبب كانت الرقابة كريمة معه؟ اما العمل الآخر، «لعنة الطين» الذي اتهم هو الآخر بالجرأة حين دخل ثكنة عسكرية فكان من أشد الأعمال إثارة للتساؤل على المستوى الفني والمعرفي خصوصاً بعد تصريحات من أسرة العمل بأن العمل يوثق لمرحلة الثمانينات من القرن الماضي. وبصرف النظر عن ماهية التوثيق إن كانت سياسية أو اجتماعية، فإن ما شاهدناه لا يقارب الوثيقة بل ربما يحرّفها؛ لأن من خرّب المدينة وطال هويتها كان أهل الريف المهاجرون إليها وليس العكس، بما أحدثوه من خلل في البنية الديموغرافية حين قرروا ترك أرضهم ومهنتهم الأساسية والقدوم الى المدينة كي يمارسوا فيها مهناً أخرى ليست من طبيعة هذه المدينة وبنيتها وعراقتها. اما المسلسل فحاول ان يثبت أن الخراب كان بسبب فساد متجذر في المدينة وأهلها من خلال محاور عدة بدت مقحمة. كما بدت الحكاية مفبركة ومنسوجة على قياس شخصية «عامر» والمقولة التي أراد سامر رضوان إيصالها من خلاله، كانت بدايتها من القرية حين تصارع أهلها على مدى ثلاث حلقات على الكلب الذي استقدمه «ابوعزيز» من المدينة، في ضرب لطبيعة القرية التي يعتبر فيها الكلب حيواناً أليفاً يستفاد منه في حراسة القطيع والبيوت المفتوحة الكبيرة المساحة. ثم يتابع رضوان سرد الحكايا لإدانة فساد أهل المدينة من خلال شخصية «جواد» الآتي من مدينة حمص حاملاً الفساد في شخصيته قبل قدومه الى دمشق حين سرق شهادة صديقه ودخل بها الجامعة، ليجد في خدمته العسكرية فسحة اكبر لتطوير فساده في الجمارك. في الوقت الذي بالغ فيه المسلسل في رسم رومانسية «عامر» وبراءته كي يكون التمايز أشد وضوحاً للتعاطف معه ضد «جواد». أما الخلل الفكري الذي مارسه علينا رضوان فكان من خلال منح صك البراءة لـ «عامر» عن افعاله وتبرير استغلاله لسلطته في الجيش بأنها رد فعل على فساد أهل المدينة الذين اساؤوا اليه ايما اساءة وأفقدوه ذكورته، من خلال حدث مفتعل يقود الى مشهد بصري أُريد منه انتزاع تعاطف قسري من المشاهد. اما الاتكاء على مافيا «طلال» فلم تقنعنا بأن التهريب وبؤر قوته وسلطته، كانت اصلاً في المدينة، في دمشق ومن اهل دمشق، من خلال عائلة «طلال» وأخته المغطاة بملاءة سوداء على طريقة أهل الشام العتيقة. وهذا ليس صحيحاً بالنظر إلى المنافذ الحدوديـة الأكثر سلطة وسيطرتها على التهريب، خصوصاً في الثمانينات من القرن العشرين. لم يكن في الإمكان تجاهل الدلالات في مسلسل «لعنة الطين»، خصوصاً انها كانت بعيدة من الواقع، ومن الوثيقة لمصلحة حكايا وشخوص وأحداث افتراضية، لا تقدم تشريحاً أو توضيحاً أو أي استقراء أو إعادة قراءة سياسية او اجتماعية حقيقية... ما اسقط عن العمل مفهوم الجرأة، إلا في ما خص العبث بالوثيقة، معيداً التشديد على عجز الدراما السورية عن دخول ميدان السياسة.