2013/05/29

سلوم حداد في «أبو نجيب» النحت في الشخصيات الصعبة
سلوم حداد في «أبو نجيب» النحت في الشخصيات الصعبة


علاء الدين العالم – تشرين


لعل عامل الأداء هو من العوامل الكثيرة التي ارتقت بالدراما التلفزيونية السورية ودفعت بها نحو الأمام حتى غدت قريبة لقلوب المشاهدين على امتداد الوطن العربي، فبوجود أسماء ممثلين كبيرة ابتداء بالقديرين «نهاد قلعي، دريد لحام، رفيق سبيعي... وغيرهم الكثير»،

وانتهاء بالجيل الشاب من الممثلين الذين أثبتوا أنفسهم في الدراما السورية، فبحضور هؤلاء كان فن التمثيل هو أحد الأعمدة التي قامت عليها الدراما التلفزيونية السورية، ومن بين هذه الأسماء سطع اسم «سلوم حداد» من خلال أعمال نقشت في ذاكرة المشاهد العربي والسوري منها «الخشخاش، خان الحرير.....وصولاً إلى الدور الأكبر الذي أداه وهو «الزير» في مسلسل «الزير سالم» والذي كرس «حداد» كأحد أهم أعمدة التمثيل في سورية.

أبو نجيب....الحرفة في صنع الكاركتر

على الرغم من قوة الأدوار التي لعبها صاحب الخشخاش في السنوات الأخيرة، إلا أن دور «أبو نجيب» في المسلسل الشامي «زمن البرغوث» تأليف محمد زيد ومن إخراج أحمد إبراهيم أحمد كان الأهم والأبرز بين تلك الشخصيات، إن شخصية «أبو نجيب» ذلك الرجل الدمشقي البخيل، استفزت إبداع حداد ودفعته لإظهار أدواته كفنان يلج إلى شخصيته ويعي العناصر التي ركبت منها, إن هذا الوعي للشخصية نراه من خلال شغل «حداد» على شخصية أبو نجيب الشخص البخيل الذي لا ينفك عن التطفل على سفرة هذا وذاك، ويبقى على الدوام يجمع بالمال ويكدس به في سبيل الجمع والتكديس ليس إلا، وأقل إنفاق يحوله إلى ثور غاضب، فحداد يعكس هذه الصفات من خلال صنعه كاركتر لأبي نجيب يعكس هذا الصفات النفسية على شكله الخارجي، فبخل «أبو نجيب» يمثله حداد من خلال الملابس الرديئة الممزقة (المهركلة) التي يرتديها «أبو نجيب» طيلة العمل ولا يستبدلها إلا نادراً، يضاف إليها لامبالاته مع شكله الخارجي، فلحيته شعثاء وشعره غير مرتب على الدوام، أما جمع المال تلك الصفة المتأصلة بأبي نجيب فنرى «حداد» يعكسها كممثل من خلال اشتغاله في هذه الشخصية على السرعة في الحركة والطراوة في اللسان الدمشقي، وأما على صعيد حركة الشخصية فنجد «أبو نجيب» رجلاً سريعاً في المشي خفيفاً في الحركة بالرغم من كبر سنه وكل ذلك ساعده على التقاط البراغيث من هنا ومن هناك، كذلك نشاهده يتكلم بلكنة دمشقية أصيلة وبلغة محنكة منمقة مكرساً جملة «سيد راسي» التي تعبر عن لغة «أبو نجيب» البسيطة ليبتدئ بها أي حديث، ويحسب لفناننا القدير أنه استطاع أن يدرك أن «أبو نجيب» يتخذ البخل كعادة يستمتع بها، وهذا ما يميزه عن سواه من البخلاء في الدراما التلفزيونية السورية، إن هذا الجانب، أعني جانب البخل كمهنة ممتعة، يبرزه حداد عبر إظهاره لمشاعر الفرح على شخصية «أبو نجيب» عندما يقتصد في ذاك الموقف ويبخل في آخر، كذلك الضحكة البسيطة التي ترتسم على وجهه عندما يتمكن من جمع البراغيث أو حينما يتطفل على أحد وجهاء الحارة وينجح في الحصول على مبتغاه مالاً كان أم طعاماً دسماً. كما تظهر مقدرات الفنان سلوم حداد في «أبو نجيب» بتلك المواقف التي يعلم بها أن زوجته أسرفت في الإنفاق، وقتها يبدأ «أبو نجيب» بالقفز وهو يستشيط من الغضب، إن فعل القفز الذي يقوم به حداد يضاف إليه التلعثم بالنطق منح شخصية «أبو نجيب» بعداً كوميدياً أثناء غضبه، وعكس مدى البخل الذي وصلت إليه الشخصية في الوقت ذاته, إن أداء الفنان سلوم حداد لشخصية «أبو نجيب» وعمله على إبراز الصفات المكونة لهذه الشخصية ساعد في كسر الصورة النمطية للبخيل الدمشقي الذي طالما رأيناها في أعمال ما يسمى بدراما البيئة الشامية، وجعل شخصية «أبو نجيب» تترنح بين الكوميديا التي عمل على إبرازها «حداد» وبين صفات البخل والاقتصاد المتأصلة بالشخصية، وكأن حداد مدّ جسراً من خلال مقدراته الأدائية العالية وحرفته في صنع كاركتر كوميدي لأبي نجيب، بين هذه الشخصية وبين المشاهدين الذين أحبوها بالرغم من سلبيتها في بعض المواقف.

إن أداء الفنان سلوم حداد لشخصية «أبو نجيب» في زمن البرغوث بهذه البراعة، أعطاها الأفضلية على غيرها من الشخصيات التي أداها «حداد» في هذا الموسم، ولاسيما شخصية «مراد بيك» في مسلسل «الأميمي» تأليف سليمان عبد العزيز وتامر إسحاق ومن إخراج الأخير، حيث ظهرت حرفية حداد هنا أيضاً عندما أكسب هذه الشخصية الوقار والقسوة التي تمتلكها، لكن بالرغم من شغله المميز في الأميمي إلا أن شخصية «أبو نجيب» بقيت هي الأقدر على الجمع بين محبة المشاهدين والحرفة المهنية.