2012/07/04

سورية دراما.. مواجهة التاريخ بالذاكرة !
سورية دراما.. مواجهة التاريخ بالذاكرة !


عمر محمد جمعة - البعث

إذا سلّمنا بأن الأهداف التي أُطلقت من أجلها قناة “سورية دراما”بتعبير الكثير من الكتّاب وافنانين والمخرجين تتلخّص بحماية المنتج الدرامي السوري الذي تحوّل خلال السنوات الأخيرة إلى صناعة حقيقيّة، ومراعاة البحث في مقوماته الأساسية المتمثلة بالتوزيع والعرض، فإن القناة وبعد سنوات من إنشائها تكون قد خطت خطوات مديدة في هذا المضمار، وسارت ضمن توجهها المرسوم والصحيح.

لقد أجمع الكثير من المتابعين على أن المشكلة الحقيقية التي عاشتها الدراما السورية حتى لكأنها معاناة مزمنة هي مشكلة العرض والتوزيع والتسويق، لأن الإنتاج الدرامي -كما هو معلوم- يتفاوت من سنة إلى أخرى طبقاً للظرف والشرط السياسي والاقتصادي، وبالتالي فإن قناة "سورية دراما" شكلت خطوة إيجابية ستصل بالتأكيد إلى أن تكون المادة الدرامية أو العمل الدرامي في سورية هما الهمّ والاهتمام. حيث إن البعض عوّل كثيراً على دور القناة في تفعيل الحراك الدرامي في سورية، (مسلسلات وبرامج) كي تفرز السلبي عما هو إيجابي. فيما اختصر آخرون أمنياتهم بأن تستذكر "سورية دراما" أعمال الرواد والمؤسسين الأوائل فتعيد عرض بعض مسلسلاتهم مثل: "البسطاء" و"حارة القصر" و"حارس الليل" و"أسعد الورّاق" كي يتسنى للغالب الأعم من شبابنا ممن لم يشاهد أو يسمع بتلك الأعمال (بالأبيض والأسود)، متابعتها والوقوف على تاريخ ومدى تطور الدراما السورية، مع الإضاءة على تجربة أي فنان بعيداً عن الكاميرا، ورصد مجمل تحولات الحركة الفنية بنطاقاتها المتلونة المختلفة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، فبعد البرامج النوعية التي قدمتها القناة، على قصر عمرها الزمني، وعرضها سابقاً لمسلسل "انتقام الزباء" للراحلة سلوى سعيد وغيره، انتهت مؤخراً من عرض مسلسلين أحبهما الجمهور كثيراً أثناء عرضهما قبل سنوات، ونقصد هنا مسلسلي "الطبيبة" و"فوزية" لتستكمل بذلك "سورية دراما" مشروعها في تلبية الرغبات المتباينة، ووضع المتلقي والمشاهد العربي والسوري أمام تاريخ درامي طويل، أسس له ثلة من الرواد والمبدعين، وتابعه المبدعون الشباب الذي ننتظر منهم دوماً كل جديد، ولاسيما أننا بتنا قاب قوسين من السباق الرمضاني السنوي، الذي سيكون لـ"سورية دراما" كما نظن الحصة الأكبر فيه.

إذاً بات مسلّماً أن خطة القناة يعود فيها الفضل لمديرها الأستاذ سعد القاسم والكادر الفني العامل فيها، بتوسيع خيارات المشاهدين بين ما هو كلاسيكي قديم وجديد معاصر وصولاً إلى المقارنة بين المستويين والوقوف على سير الخط البياني المتصاعد لدرامانا التي نافست خلال السنوات الأخيرة الدراما العربية برمتها.

ففي مسلسل "الطبيبة" للمخرج فردوس أتاسي والكاتبين رياض نعسان آغا وزهير براق، وبطولة أسعد فضة وجيانا عيد ورشيد عساف ورضوان عقيلي، إضافة إلى عباس النوري، وصباح السالم، ووفاء موصللي.. وسواهم، سيلمس المشاهد التطور الكبير الذي قدّمه هؤلاء المبدعون في الاحتراف والتعاطي مع الشخصيات التي يؤدونها، وهذا بالقراءة الفنية شيء طبيعي، غير أن تقديم الصورة بمستوياتها المذكورة يغني ذاكرة المشاهد وينمي ذائقته أكثر فأكثر.

وبالقدر ذاته سيلمس التحوّل الكبير في مسيرة الفنانة مها المصري بين أول مسلسل لها "فوزية" وأعمالها المعاصرة ليرى أنه وبعد مايزيد عن ثلاثين عاماً استطاعت المصري ترك بصمات واضحة في أعمالها، وخاصة أداءها المتقن في الأعمال الاجتماعية والكوميدية ونذكر منها "دموع الملائكة" و"الفصول الأربعة" و"سحر الشرق" و"نساء صغيرات" و"رجال تحت الطربوش" و"وشاء الهوى" فضلاً عن مشاركتها في سلسلة "مرايا" للفنان ياسر العظمة. مشيرين إلى أن قناة "سورية دراما" بهذا النهج تساهم إلى حدّ كبير في الإضاءة على أهم الأعمال الدرامية السورية قديماً وحديثاً، وبالتالي تستحق المكانة التي وصلت إليها وهي التي  حازت على المرتبة الأولى من حيث الحضور الدرامي في سورية والوطن العربي خلال أعوام سابقة، وحصدت أعلى نسبة مشاهدة خلال المواسم الرمضانية حسب استبيانات أجرتها الصحافة المحلية، فضلاً عن إضافتها إلى موقع "تي في تومورو" الشهير، كنتيجة لمتابعتها من قبل المشاهد السوري والعربي في بلدان الاغتراب. فيما تبقى العلامة الأنصع والدليل الأقوى لنجاح التوجه العام والخطة البرامجية للقناة هي حضور الفنانين الشباب الذين لم ينالوا حقهم في تسليط أضواء وسائل الإعلام على تجاربهم وتقييمها فنياً بالتنسيق مع النقاد والمعنيين بالشأن الدرامي.

قد لا يكفي مقال واحد لرصد الإنجاز والخطوات التي قطعتها "سورية دراما" كقناة محلية وطنية تُعنى بالشأن الدرامي السوري، غير أن الوقوف عند هذا المنجز تستوجبه الضرورة، ولاسيما أن الظروف الحالية التي تمرّ بها سورية، باتت مقلقة من أن تعود الدراما السورية وبعد الانتشار الهائل ونسب المشاهدة الكبيرة محلياً وعربياً إلى مربعها الأول مشكلة التوزيع والعرض والتسويق.. ويبقى الرهان على مواجهة التاريخ بالذاكرة!!.