2013/05/29

سـيف الديـن السـبيعي: دمشـق حنونـة
سـيف الديـن السـبيعي: دمشـق حنونـة


رغد مخلوف – السفير

خلال 25 عاماً من التردّد على بيروت، حفظ سيف الدين السبيعي كلّ حارات المدينة. كغيره من الفنانين السوريين العاملين في لبنان حالياً، صار وجه السبيعي وجهاً ثابتاً في حانات ومقاهي شارع الحمراء البيروتي. «أتيت إلى بيروت وفي جعبتي الكثير من الأحلام. تخيّلت أنّ بلداً مثل لبنان، مليئاً بالدراما في الحياة اليومية، تستطيع فيه صناعة دراما مهمة، إلا أنني صدمت بالفكر الإنتاجي اللبناني، فقررت إنهاء التزامي الحالي والابتعاد عن بيروت كمكان عمل، والعودة إلى علاقتي العاطفية بها».

حين نسأل المخرج والممثل السوري عن دمشق، يصمت طويلاً، ثمّ يقول: «لا مكان في العالم مثل دمشق. سافرت إلى بلدان كثيرة، ولا تزال لحظة العودة إليها أجمل لحظات حياتي. وجودي في بيروت ليس هرباً من العاصمة السوريّة، إذ انّي أتيت بناءً على عقد عمل. أفهم حبي لدمشق كوني دمشقياً ولكنّي لا أعرف ما سر تعلق الآخرين بها. هي مدينة غريبة تذيب كل إنسان فيها، حتى أنّه لا يعود يشعر بغربته. دمشق حنونة».

أن يتعلق السبيعي بدمشق ليس بالأمر الغريب، إذ انّه ابن حيّ القيمرية، بحاراته الضيقة، وبيوته المشرّعة أبوابها أمام الزوار، كقلب السبيعي، المعروف بشخصيّته العاطفيّة، رغم كلّ محاولاته ليكون أكثر عقلانيّةً.

للوحدة معه حكاية أخرى، فهي رفيقة دربه منذ الطفولة. «كنت طفلاً هادئاً وحيداً. الوحدة جزء من تركيبة شخصيتي، أحب أن أمضي معظم الوقت وحدي، وربما هذا سبب حبي للّيل». رافقه عشقه للوحدة في سنوات المراهقة، إلى جانب توق إلى المعرفة. كان يهرب مع أصدقائه من المدرسة للعب الشطرنج أو مشاهدة فيلم سينمائي في بيت أحدهم، بغياب الأهل. «كنت أقرأ الروايات وتمتعني مشاهدة الأفلام بشدة، ما جعلني أجمع مكتبة غنية سينمائياً، وأعيد مشاهدة الأفلام التي أحبها أكثر من مرة». حبّه للمعرفة جعله لا يكتفي بصداقات أبناء جيله، فبنى صداقات مع فنانين أكبر منه سناً. وكان أكبرهم تأثيراً في شخصيته الفنان الراحل يوسف حنا. «نشأت بيني وبينه صداقة طريفة، إذ كنت أذهب يومياً إلى منزله لنتابع فيلماً، ومن ثم نناقشه على مائدة العشاء، فيأخذنا الحديث من الفن إلى السياسة والفلسفة. ساعدني يوسف على تكوين شخصيتي. معه كان للمفاهيم الإنسانية معنىً أعمق، ربما بسبب شخصيته الخاصة، إذ كان مثقفاً وبسيطاً في آن، ويحمل في قلبه طاقة كبيرة على المحبة».

حمل السيبعي كلّ ما اكتسبه في مراهقته إلى ميدان العمل الذي دخله مبكّراً. قرّر ترك دراسته الجامعيّة في كليّة الاقتصاد، ليعمل مديراً للعلاقات العامة في شركة المطبوعات. إلا أنّه لم يجد شغفه هناك، فقرَّر الاتجاه إلى الفن. لكنَّ والده الفنان رفيق السبيعي لم يشأ تعريضه لعذابات المهنة، لكنّه تراجع بعد إصراري على المواصلة. «والدي من الجيل الأول المؤسس للدراما السورية، الذي عانى كثيراً، وتعرّض لضغط مجتمع كان ينظر باحتقار إلى التمثيل». لكنّ طريق الفنّ لم تكن ممهّدة السبيعي الابن، رغم شهرة والده، خصوصاً أنّه أراد إثبات وجوده بجهده الخاص. «حفرت في الصخر لأثبت نفسي ولم أنتظر الفرصة بل سعيت إليها، ودخلت خلال سعيي هذا، بمغامرات كثيرة، كإنتاج ثلاثية وسهرة تلفزيونية كان مخرجهما حاتم علي. لم أعطِ نفسي دور البطولة، بل تعاملت مع الموضوع باحتراف وعملت كممثل دور ثان. كان هدفي حينها إيجاد مكان لي في الوسط الفني، وفرض حضوري واحترامي تدريجياً».

بدأ السبيعي مسيرته أمام الكاميرا ممثلاً، لكنّه انتقل بعد فترة للعمل مخرجاً منفّذاً لمدة خمس سنوات، إلى جانب المخرج هيثم حقّي. «كان العمل معه بمثابة تمرين عملي لي كمخرج، إذ قدّم لي الوزن النوعي في فهم الفن والهدف منه، حتى أنّي على استعداد اليوم، وبعد كل سنوات عملي مخرجاً، للعودة إلى العمل معه مخرجاً منفذاً إذا ما طلب منّي ذلك».

يعتبر سيف الدين السبعي «الحصرم الشامي» (2008 ـ 2009) و«طالع الفضة» (2011) محطتين مفصليتين في حياته. «كان الحصرم خطوةً مهمة لي باتجاه الأعمال الضخمة، إلا أن شرط عرضه حصرياً على قناة «أوربت»، لم يعطه حقه لناحية نسبة المشاهدة. ولذلك كان «طالع الفضّة» نقلة نوعية لي كمخرج، فتلك كانت المرة الأولى التي أقدّم فيها عملاً تاريخياً يحكي عن دمشق خارج الإطار التقليدي للأعمال الشامية، كما استخدمت فيه تقنيات جديدة».

يرى السبيعي أنّ الدراما السوريّة تعاني من نقاط ضعف وقوّة تتحكّم بمسيرتها، إلا أنّه يرى في المقبل من الأيام نقلةً نوعية لها على مستوى النص. «يتجلى ضعف الدراما السورية في مواضيع الكتابة إلا أنّها مشكلة سيتمّ تجاوزها في المستقبل، ويمكن للواقع الحالي في سوريا أن يجعلنا نتجه للعمل على ورشات كتابة».

بعد تجربته الطويلة في الدراما التلفزيونيّة، والتي بدأت قبل عقدين من الزمن، يقول السبيعي اليوم إنّ طموحه لا ينحصر بالعمل في الدراما العربيّة، «فأنا أفكر بالأقصى، وأؤمن بأن لدي القدرة على تحقيق ما هو مهم».