2012/07/04

سينما المؤلف في السينما السورية الهرولة في المكان ذاته!
سينما المؤلف في السينما السورية الهرولة في المكان ذاته!


علاء الدين العالم – تشرين

استطاعت سينما المؤلف ان تكرس نفسها في السينما العالمية كأسلوب سينمائي ظهر في منتصف القرن الفائت، يتصف هذا الأسلوب السينمائي بأن كاتب الفيلم السينمائي ومخرجه هو الشخص ذاته.

وكانت هناك تجارب سينمائية مميزة على مستوى العالم اندرجت تحت إطار سينما المؤلف. لكن سينما المؤلف في سورية لم تبق عند حدود أسلوب سينمائي يزاحم أساليب اخرى في الساحة السينمائية في سورية، بل تكاد سينما المؤلف تصبح الأسلوب السينمائي الوحيد في الحراك السينمائي السورية، وفي البحث عن الأسباب التي جعلت سينما المؤلف تكرس بهذا الشكل في سورية، نجد انه ليست هناك علة واحدة لهذه السيادة، بل هناك أكثر من سبب يستحق الوقوف عنده ودراسته قبل ان يغدو أسلوب سينما المؤلف هو الأسلوب الأوحد في السينما السورية.

سينما المؤلف.... والمخرجون الشباب


لم يقف أسلوب سينما المؤلف عند تجارب المخرجين السوريين الكبار، بل تعداه ليصل إلى جيل المخرجين الشباب الذين يروا في سينما المؤلف تحقيقاً لذواتهم وتجسيداً لأفكارهم كمخرجين لديهم هم إنساني يريدون طرحه، ومن هؤلاء المخرجين الشباب، المخرج الشاب «غطفان غنوم» والذي يحضّر لفيلم بعنوان (وصايا الذاكرة) والذي يندرج تحت إطار سينما المؤلف، يعبر «غنوم» عن رأيه بسينما المؤلف واعتناقه لهذا الأسلوب في السينما بقوله: «إن سينما المؤلف هي تيار نشأ كردة فعل على مدارس سينمائية، فالمدرسة الواقعية على سبيل المثال كانت تتكلم عن أيدلوجيا معينة متعلقة بالمجتمع، فلجأ بعض المخرجين أمثال ميتشكوف وفيليني لكي يكتبوا الهم الإنساني من وجهة نظرة شخصية متعلقة بالتجربة الذاتية للمخرج، ولذلك سينما المؤلف استطاعت أن تكرس نفسها كأسلوب سينمائي منتشر في كل العالم يفسح للمخرج أن يحاكي الهم الإنساني من خلال تجربته الشخصية، وبرأيي الظروف الموضوعية للإنتاج السينمائي في سورية هي التي تلعب دورا مهما في طغيان سينما المؤلف على الأفلام السينمائية السورية، فانا كمخرج وبسبب ظروف موضوعية مضطر ان اكتب نص الفيلم بنفسي لكي أستطيع ان أخرجه، لكن هناك بعض المخرجين الكبار أمثال محمد ملص وأسامة محمد وغيرهم كان لهم هم إنساني يريدون ان يطرحوه في فيلم سينمائي من خلال رؤيتهم ككتاب وكمخرجين، والجدير ذكره ان سينما المؤلف ليس لها قبول جماهيري لان المخرج في اغلب الأحيان يقدم مشكلته وتجربته الشخصية، فهذه الذاتية الظاهرة بوضوح في أفلام سينما المؤلف تؤثر على جماهيرية الفيلم، بعكس السينما الواقعية، وأنا اشعر أن سينما المؤلف هي أكثر الأنواع اقترابا من الإبداع، فسينما المؤلف لا تتأطر بأي اطر ولا تلتزم بأي قواعد، فالمخرج المؤلف يسعى دائما إلى كسر القوالب فهو يحاول في كل فيلم يكتبه ويخرجه ان يتجاوز ما وصل اليه من تجارب»

اختلفت الأسباب والنتيجة واحدة

في البحث عن الأسباب التي أدت إلى انتشار سينما المؤلف وسيادتها على الإنتاج السينمائي في سورية، يرى الناقد السينمائي الزميل «نضال قوشحة» أن موضوع انتشار سينما المؤلف في سوريا وطغيانها على الأساليب الأخرى «متعلق بخيارات المخرجين في سورية، فالسادة المخرجون درجت العادة ان يقدموا نصوصهم التي يكتبونها إلى المؤسسة لكي يقوموا بإخراجها» ويوضح الناقد «قوشحة» رأيه بسينما المؤلف، وضرورة وجود وجهتي نظر من الكاتب والمخرج في الفيلم الواحد بقوله : «إن سينما المؤلف ليست سبة او منقصة تنال من المخرج، فهي سينما موجودة في كل العالم، لكن انا أتحفظ على سينما المؤلف عندما أراها سينما غالبة على السينما السورية، فوجود وجهتي نظر في فيلم سينمائي واحد بين كاتب ومخرج يعطي الفيلم المنتج حيوية ومنظوراً آخر وزوايا رؤية أخرى، ولعل قلة إنتاجنا السينمائي تلعب دورا في طغيان أسلوب سينما المؤلف على الأفلام السورية، لكن هذا لا يعني أن سينما المؤلف هي أسلوب سينمائي جيد أثبت نفسه في السينما العالمية، ولدينا أمثلة شهيرة جدا على سينما المؤلف منها «فيلم التايتنك» من تأليف وإخراج المخرج جيمس كاميرون، لكن أؤكد دائما وأبدا إنني لست مع طغيان نمط سينمائي على حساب الآخر، ولو كان هذا النمط قد حقق نجاحا على مستوى العالم. الناقد علي العقباني ينطلق في تحليل أسباب سينما المؤلف من البحث في ماهية هذا الأسلوب السينمائي، فيقول: لم تظهر سينما المؤلف إلا مع مجموعة من المخرجين الغربيين المتميزين كالمخرج جان رينوار، وجان فيغو، وفرانسوا تروفو، وجان لوك غودار، والمخرجة الفرنسية أنييس فاردا كما في فيلمها «الرأس القصير» (1954م)، ويمكن القول: إن سينما المؤلف ظهرت كرد فعل على السينما الواقعية الاجتماعية التي ترصد هموم الإنسان في علاقته بالمجتمع من خلال أطروحات إيديولوجية معينة.  وعندما ظهر مصطلح سينما المؤلف «Auteur» كان يقصد به وضوح رؤية صانع الفيلم - المخرج غالبا - للعالم وفلسفته من خلال أعماله الفنية، كما أن سينما المؤلف تساعد المخرج ليجعل لنفسه شكلا وأسلوبا ينفرد به عن أقرانه.

في السنوات الأخيرة أصبح مسمى سينما المؤلف يطلق على كل صانع أفلام يشارك في أكثر من عملية إبداعية في صناعة الفيلم ككتابة الفيلم وإخراجه وتحريره وإنتاجه وغير ذلك،. وهذا النوع من السينما حاضر في السينما العربية، فمن المخرجين نذكر المخرج المصري شادي عبد السلام وتحفته الخالدة «المومياء»، كما أن يوسف شاهين نجح في إبراز شخصيته من خلال عدد كبير من أفلامه. ويعود «عقباني» ليخصص حديثه عن سينما المؤلف وأسباب انتشارها في السينما السورية بقوله: «تحضر السينما السورية سينما القطاع العام - بقوة كنموذج عن / سينما المؤلف / في نتاجاتها المختلفة، فكل تجربة حملت البصمة الخاصة لصانع الفيلم في الخلق والإبداع ورؤية الفنان المثقف جنباً إلى جنب مع قضايا وهموم عامة كانت متنوعة على مساحة المجتمع والوطن وتلك الأعمال بمجملها، وإن تضمنت ذاتية المخرج بمكوناتها المختلفة البصرية الفكرية والجمالية فإنها لم تبتعد عن الواقع العام وتمكنت من أن توسم السينما السورية ككل بالنوعية، والأمثلة أكثر من أن تعد، إذا استثنينا سنوات البدايات فإن العدد الأكبر من الأفلام السورية المنتجة في المؤسسة العامة للسينما طبعت نفسها بسينما المؤلف، وذلك سببه في اعتقادي لتخرج مجموعة من المخرجين السوريين الذين برعت أسماؤهم في العالم، وفيما بعد، وبعد ما كانوا قد تخرجوا في معاهد السينما في الدول التي كان يتم إيفادهم إليها في منظومة الدول الاشتراكية السابقة، وفي تلك المعاهد درسوا إلى جانب الإخراج كتابة السيناريو على يد أهم المخرجين في العالم، ثم، عند عودتهم، كانت الحالة السينمائية لدينا تفتقر إلى كتاب سيناريو متخصصين ومتمرسين في هذا النوع، وكانت موجة سينما المؤلف والموجة الجديدة في العالم مع تخرج هؤلاء الشبان وعودتهم إلى بلادهم، ناهيك أنه لدى كل منهم هاجس فكري وإنساني وسينمائي كان يرغب في الحديث والتعبير عنه، وكان يجد في نفسه خير من يعبر عن كل ذلك... لكن علينا ان نعلم ان لسينما المؤلف مقوماتها وشروطها وأسبابها، ولها أيضاً مقومات نجاحها وأسباب فشلها، وهي في العموم تجربة سينمائية وحياتية خاصة جداً لصاحبها، لكنها اليوم وعلى مستوى العالم باتت في حكم النادرة والقليلة جداً نظراً لشروط الإنتاج السينمائي في العالم اليوم ولطرق التسويق وأنظمة التوزيع والعمل لدى شركات الإنتاج الكبرى في العالم، كما أن معظمها يعتمد اليوم على ورشات العمل والكتابة عن فكرة أو نص أو رواية، هذا ما هو متبع اليوم في أمريكا ومعظم الدول الأوروبية، لكن في معظم السينمات العربية ما زال المخرج هو من يكتب سيناريو الفيلم أو يشارك فيه على أقل تقدير.

بينما يتكلم المخرج الشاب محمد عبد العزيز، والذي يعتمد أسلوب سينما المؤلف في أعماله السينمائية، عن أسباب طغيان سينما المؤلف بقوله: «حقيقة لا أعلم ما هي الأسباب، ربما ليس من هاجسي البحث فيها، ولكن قد يشكل غياب الإنتاج السينمائي من حيث الكم بالشكل المطلوب سببا في ذلك، إضافة لانشغال ولجوء معظم كتاب السيناريو إلى فردوس الدراما التلفزيونية التي كانت سببا رئيسا في بروز سينما المؤلف في المشهد السينمائي السوري وعليه أيضا نؤسس: أين هم مؤلفو النص السينمائي وأين هي نصوصهم ؟ بكل الأحوال عندما ينشط الحراك السينمائي فإن كل هذه الأسئلة التي تتكرر منذ سنوات ستزول.. إلى ذلك الحين جميعنا ندور في طاسة القحط كالخنفساء ذهابا إيابا» اما الكاتبة ديانا فارس فهي ترى أن «هناك عدة أسباب لانتشار سينما المؤلف في إنتاجات السينما السورية، أبرزها قناعة عدد كبير من المخرجين السينمائيين بأن النص والإخراج عنصران لا ينفصلان في المشروع السينمائي ولاسيما أنهم يقضون قسماً من دراستهم في الخارج في تلقي مادة خاصة عن كتابة السيناريو وطريقة تحويله إلى لغة بصرية سينمائية ما يعزز قدرتهم أكثر من غيرهم في التعامل مع النص والسيناريو الذي يقدمونه للمؤسسة وهذه قناعتهم من الناحية الفنية». من جهته يحاول الناقد «منصور ديب» إرجاع أسباب انتشار سينما المؤلف في السينما السورية بهذا الشكل إلى الدراسة الأكاديمية التي تلقاها مخرجونا الكبار، فيقول: «في البداية، إن معظم السينمائيين السوريين تخرجوا في فترة السبعينيات وهي فترة كانت لا تزال تعلي من قيمة سينما المؤلف التي تعد الفيلم هو النص الذي تقدم من خلاله رؤية المخرج للعالم وفلسفته تجاه أزمة الإنسان المعاصر ولاسيما بعد الحرب العالمية الثانية ، حيث تحول المخرج من فنان فقط إلى مفكر والسينمائي الذي ينتمي إلى سينما المؤلف إلى صانع فيلم filmmaker مسؤول عن كل كادر فيه.. وهذه المدرسة لا تزال تدرس بشكل رئيس في المعاهد السينمائية الراقية وهذه المعاهد لا تزال تكن لهذه المدرسة الكثير من الاحترام والتبجيل. هذا بداية.. لكن يجب ألا نغفل أن المخرجين الذين عملوا في المؤسسة العامة للسينما ربما لم يجدوا شركاء حقيقيين يستطيعون نقل أفكارهم وتصوراتهم الجمالية للأفلام التي يريدون العمل عليها، لذلك اتكلوا على أنفسهم ولاسيما أن هؤلاء السينمائيين درسوا السيناريو في المعاهد».


التحصيل المادي والسبب القديم المتجدد

لعل الجانب المادي هو من أهم الجوانب التي ساعدت على انتشار سينما المؤلف في سورية، وهذا ما جاء على لسان الكاتبة «ديانا فارس» إذ تقول: «من الناحية المادية نحن نعلم أن المؤسسة العامة للسينما تلتزم بتعرفة رسمية بالنسبة لأجور الفنيين والمخرجين وفي حال قدم المخرج السيناريو فهذا سيرفع من أجره المادي نوعاً ما مايحقق له تعويضاً عن الجهد الذي يبذله طوال تنفيذ الفيلم وحتى يتم تجهيزه كنسخة للعرض»، ويؤكد الناقد منصور ديب دور الجانب المادي في انتشار سينما المؤلف بقوله: «يجب ألا نغفل أيضاً العائد المادي كثمن لسيناريو الفيلم والذي يوازي تقريباً ما يناله المخرج مالياً من عمله كمخرج في هذا الفيلم ولاسيما أن لديه الوقت الكافي والطويل بين فيلم وآخر لينجز أكثر من سيناريو».  أما المخرج الشاب «غطفان نعوم» فهو يعد اقتصار النتاج السينمائي في سورية على إنتاجات المؤسسة هو احد أهم الأسباب التي أدت إلى انتشار سينما المؤلف في سورية بذلك الشكل، ويشرح فكرته قائلا: «السينما لدينا في سورية محصورة في القطاع العام بشكل أساس، والقطاع العام دائما يهتم بالناحية الفكرية أكثر من الناحية الربحية، ولذلك إذا لم يكن هناك إنتاج سينمائي خاص في سورية فلن تجد سينما المؤلف هي السائدة، لأن الفيلم الذي تنتجه المؤسسة العامة للسينما ليس هدفه الربح بل يسعى إلى الهدف الثقافي الفكري، وفي رأيي أن طغيان سينما المؤلف على الأفلام في سورية، ليس بالشيء السلبي او الخطير.. وإذا كان هذا الأسلوب السينمائي سيقدم مقولات فكرية مهمة، فما المانع من انتشاره، لأننا في سورية نبحث عن الفن الحقيقي ولا نبحث عن فيلم لا يمتلك صفة السينما في الأصل، يعرض للتسلية فقط كما في التجربة المصرية المحكوم عليها بالفشل.

في الإجابة عن السؤال القائل: هل سيؤثر طغيان سينما المؤلف في الإنتاجات السينمائية في سورية ويزيد من الأزمة السينمائية في سورية؟؟ يجيب الناقد «منصور ديب» بقوله: أتحفظ على كلمة طغيان وأجدها كلمة كبيرة على الإنتاج السوري الذي لم يصل إلى أكثر من ثلاثة أفلام في السنة، وأعتقد بأن من يشاهد هذه الأفلام يجد أن عيوب الفيلم السوري ليست في السيناريو فقط ولكن في أكثر من مجال، ولكن بالتأكيد فإن سينما المؤلف التي تمحورت في معظمها حول تجارب خاصة بالمخرجين لم تصل في معظمها للجمهور ولكنني لا يمكن أن أحمل سينما المؤلف تلك الأسباب فهناك عوامل لا تقل أهمية مثل آلية الإنتاج السينمائي السوري وطريقة العرض والتوزيع ومشكلات الصالات التي ربما لم تسمح لكل الأفلام السورية بالعرض بطريقة مناسبة لمعرفة صدى هذه الأفلام عند الجمهور. في حين لا يعتقد المخرج محمد عبد العزيز بأن سينما المؤلف ستؤثر في الإنتاجات السينمائية في سورية، ويسوغ هذا الاعتقاد بقوله: لا يمكن أن يؤثر طغيان سينما المؤلف في النتاج السينمائي في سورية لأنه في الأصل ليس هناك حراك سينمائي طاغ وبارز حتى تطغى عليه سينما المؤلف، وسينما المؤلف ليست جزءاً من الأزمة السينمائية  حتى تعززها او تخفف من حدتها، بل على العكس وبمقارنة سريعة نجد أن أفضل الأفلام السورية التي برزت وشكلت إلى حد ما هوية الفيلم السوري كانت تندرج تحت نمط سينما المؤلف كأحلام المدينة ورسائل شفهية ونجوم النهار والليل وليالي ابن آوى وصندوق الدنيا.

أما الكاتبة ديانا فارس فتجيب عن هذا السؤال قائلة: «أما فيما يخص تأثير تلك الظاهرة في أزمة السينما السورية فأنا لا أعد أن هناك أزمة سينمائية في السنوات الأخيرة بل هناك أزمة ثقافية في فهم المشروع السينمائي، حيث ان المؤسسة العامة للسينما عملت بشكل واضح على تفعيل دورها الإنتاجي من خلال زيادة عملية إنتاج الأفلام وتطوير البنية التقنية ورفع التعرفة المخصصة للأجور وترميم الصالات وتفعيل دور مهرجان دمشق السينمائي ليصبح أكثر انتشاراً وحضوراً في الجو الثقافي العربي والعالمي وتنشيط التظاهرات السينمائية على مدار العام لعرض أحدث الأفلام العالمية.. وفي رأيي أن معاناة السينما السورية تكمن في قلة الأفكار والموضوعات التي تعيد طقس المشاهدة للناس وتجذبهم للمتابعة كما أن هناك قلة في عدد صالات العرض وعدم توزيعها بشكل مدروس في المناطق الحيوية سواء في دمشق أو في بقية المحافظات. وفي رأيي أيضاً هناك عدم تنوع في المدارس الإخراجية حيث يتم تبني كل مخرج أسلوبية خاصة وتكرارها في معظم أعماله، فبمجرد أنك تقرأ اسم المخرج على أفيش الفيلم تمكنك معرفة أسلوبية الفيلم وما يمكن أن يطرحه من أفكار علماً بأن المؤسسة لديها بعض المخرجين الذين حافظوا على المستوى الثقافي والإبداعي للسينما وحاولوا التنويع في أسلوبهم لكنهم ما زالوا قلة.. وأيضاً هناك سبب مهم، وهو ضعف حماس القطاع الخاص للإنتاج السينمائي وانصرافه لدراما التلفزيون التي يجد فيها السرعة في التسويق والانتشار وتوفر الكوادر الإخراجية المتخصصة بالإخراج التلفزيوني وتنوع أسلوبيتها»

من البدهي أن أسلوب سينما المؤلف يغيّب دور الكاتب السينمائي عن الساحة السينمائية، فلا داعي لوجود كاتب يكتب النص إذا كان المخرج هو من سيقوم بهذا الفعل، وبذلك تكون سينما المؤلف، ومن خلال انتشارها بين المخرجين السوريين في سورية، تقوم بفعل تغييب الكاتب السينمائي، وهذا ما يؤكده الناقد «منصور ديب» بقوله: «طبعاً ساهمت في تحييد الكثير ممن يرغبون في الكتابة للسينما والابتعاد عن الكتابة لأن الإنتاج السينمائي في سورية انحصر في المؤسسة العامة للسينما، وأسلوب الإنتاج في المؤسسة يجعل المخرج هو سيد العمل وهو الذي يتقدم بالمشروع بشكل عام فغابت مشاريع الكتاب لأنه ليس هناك مخرج يفكر في تبني مشاريع كتبها غيره». ويثني الناقد «قوشحة» بقوله: «بالطبع سيؤثر، لان هذا الأسلوب يمنع وصول أصوات مؤلفين للساحة السينمائية في سورية، وهذا المنع سيولد لدى هذه الأصوات ردة فعل متمثلة بعدم كتابتهم للسينما حتى لو أتيحت لهم الفرصة لاحقا، ولكن لا يمكننا البت بشكل نهائي في مدى هذا التأثير وإمكانيته، فالزمن هو الكفيل بإظهار النتيجة، ولذلك، فإن الاحتمالات مفتوحة، فقد تتنشط الحركة السينمائية في سورية وبذلك تتنوع الأساليب السينمائية في أفلامنا ويأخذ الكتاب فرصتهم في توصيل أفكارهم، وممكن أيضا أن نبقى على ما نحن عليه.» في الجهة المقابلة يعد المخرج «غنوم» انه «مادام ليست لدينا في سورية دراسة مختصة وأكاديميات سينمائية اختصاصية، فأعتقد بأن الشخص الأقرب لكي يكتب أفلاماً سينمائية هو المخرج، لأن المخرج قادر على أن يعبر عن الصورة بشكل جيد، فنحن هنا في سورية محكومون بعدم وجود خريجي سيناريو اختصاصيين، وبالمناسبة حتى الإخراج المسرحي يعاني المشكلة ذاتها، فالمعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق لا يخرج كتاباً أو مخرجين، بل يخرج ممثلين فقط، ولذلك فتجارب الكتابة السينمائية في سورية مازالت تجارب هواة وليست تجارب كتاب اختصاصيين».


ويبقى التنوع موجوداً

يؤكد الناقد «نضال قوشحة» أن انتشار سينما المؤلف بدأ بالتراجع في السنوات الأخيرة عما كان عليه منذ زمن بقوله: «في الحراك الأخير للمؤسسة العامة للسينما في السنتين الماضيتين بدأنا نلمس ان أسلوب سينما المؤلف بدأ بالانحسار في الإنتاج السينمائي السوري، حيث ظهر العديد من الأفلام كان فيها الكاتب والمخرج مختلفين» والأمر ذاته تؤكده الكاتبة «ديانا فارس» بقولها: «إن أسلوب سينما المؤلف كما قلت أنت هو مجرد أسلوب، أي نوع من المشروع الإبداعي لبعض المخرجين، وهو لا ينطبق على الجميع فمنهم من قدم مشروعه السينمائي مشتركاً مع بعض الكتاب مثل المخرج سمير ذكرى الذي تعاون مع الروائي فيصل خرتش في فيلمه تراب الغرباء والمخرج غسان شميط الذي كانت له تجربتان مع الكاتب وفيق يوسف والمخرج وليد حريب مع حسن سامي يوسف وغيرهم رغم أن هؤلاء المخرجين سبق أن قدموا أعمالاً من تأليفهم أثناء مسيرتهم الإبداعية».