2013/05/29

شارة الأعمال الدرامية .. قراءة جديدة تمنح المادة الدرامية بعدها الثالث
شارة الأعمال الدرامية .. قراءة جديدة تمنح المادة الدرامية بعدها الثالث


أوس داوود يعقوب – تشرين

إن إحدى ميزات الدراما التلفزيونية أنها تنهض على مفردات كثيرة من النص والتمثيل والديكور والأزياء والإكسسوارات والإضاءة والموسيقا التصويرية... إلخ،

ولا تقلّ المقدمة الموسيقيّة للمسلسلات أو ما يسمى «شارة البداية»، والتي يطلق عليها أيضاً «الجنريك» أو «التترات» أهميةً عن حبكة القصة ونجوم العمل، ولهذا السبب بالذات تظل أغنية الشارة ضرورة لوضع حروف أولى على جمل مقتضبة تقولها الصورة أو بالأدق الصور المقتطعة من العمل كلّه، والتي تأخذ من السياق مفرداتها أيضاً.

وشارة أي عمل فني تمنح المادة الدرامية بعدها الثالث، وهي بمنزلة الإعلان الخارجي الذي يراد له أن يكون صاحب انطباعنا الأول ووسيلة اجتذابنا للمشاهدة. هنا، بالذات تحضر الأغنية الخاصة بالمسلسل، والتي تكتب وتلحن من وحي الدراما والمضامين التي تتناولها، وبالطبع هي أغنية تأخذ نجاحها من بساطتها وجمالية لحنها وحسن أداء من يغنيها.

ولقد باتت شارة الأعمال الدرامية نمطاً فنياً خاصاً في درامانا السورية، وأحد أهم أعمدة نجاح أي عمل درامي، وهي تتوزع–  على الأغلب – بين نوعين، الأول شديد «الالتصاق» بالحكاية التلفزيونية، وهو يذهب معها، ولا نتذكَرها إلا معه، فيما النوع الثاني يقوم على المزج بين قيم العمل الاجتماعية والأخلاقية والقيم المطلقة، العامة وغير المرتبطة بزمن ما، ناهيك بالطبع  بارتباطها بالحكاية التلفزيونية وحدها.

وعلى الأغلب تشكل الشارة هوية العمل الدرامي وتشكل معه وحدة عضوية، ويؤكد صناع الدراما أن الشارة جزء حقيقي من العمل الدرامي وليس- كما يراها البعض- مجرد استعراض لبطاقة العمل، كما أنها الحالة السمعية الموسيقية التي تفشي لنا القليل من أسرار أحداث العمل إلى جانب كونها عنصر تشويق لمعرفة تفاصيل أكثر. وهناك من يرى من المؤلفين الموسيقيين أن وظيفة الشارة هي تهيئة المشاهد لتلقي ما بعد الشارة أي أحداث العمل الدرامي، وتالياً, يجب أن تكون الشارة تشبه العمل من حيث الفكرة والمقولة إضافة إلى ضرورة أن تكون البنية الموسيقية للشارة من جنس الموسيقا التصويرية الخاصة بالعمل لأن كلتيهما يجب أن تكون مرتبطة بخطوط العمل الدرامية، وهنا تكمن صعوبة وضع ألحان الشارة حيث يتطلب الأمر تلخيص فكرة موسيقية كاملة في ثلاث دقائق مع ما يلائم أحداث المسلسل الدرامي.‏

كما أن هناك عوامل تحدد نمط أغنية شارة المسلسل وهي رسالة العمل، مضمون التسلسل المطروح درامياً، رؤية المخرج وإيقاعه الإخراجي، المقدرات الإنتاجية، بيئة العمل، إضافة إلى تقنيات التسجيل المتاحة وغير ذلك.

ويحتاج بناء الشارة لأن يكون لدى المؤلف الموسيقي أكثر من مقترح ذهني من أجل أن يتوصل مع المخرج إلى رؤية صحيحة وهذه المقترحات يجب أن تكون قبل مشاهدة الطبيعة البصرية من أجل أن يتوسع أفق المخيلة لدى المؤلف ومن ثم يتم التعديل عليها للوصول إلى أبعاد جديدة للحالة الدرامية.

ولا يمكننا أن نخفي أنه من خلال الجهود التي بذلها الكثير من المؤلفين الموسيقيين المحليين أمثال: (طاهر مامللي، وسعد الحسيني، ورعد خلف، ورضوان نصري، وسمير كويفاتي، وغيرهم) في مجال شارات المسلسلات السورية تم اكتشاف وتقديم أصوات قديرة سورية ومواهب شابة مميزة وجميلة إضافة إلى طرح الأغنية الدرامية بشكل فعّال من خلال شارات نالت إعجاب الجمهور واهتمامهم.

ولقد أسست بعض المقدمات الغنائية للمسلسلات السورية لأغنية سورية جديدة أو بالأحرى قد صنعت تلك الأغنية، ناهيك بأنها أسست لحالة فنية تعتمد على الموسيقا العالمية بطريقة تفكير سورية.

ووفقاً لأهل الاختصاص فإنه ليس من المفترض أن تكون المقدمات الغنائية للمسلسلات الدرامية ذات طابع تجاري أسوة بالأغنية الرائجة؛ حيث إن أغنية المسلسل الدرامي تحمل مفهوماً ورسالة وفكراً ابتعد عنه للأسف معظم الأغاني الحديثة. فالأغنية الرائجة اليوم لا تحتوي لغة بصرية، وإنما تقتصر على لغة الإبهار السمعي الذي على الأغلب ما يعتمد على الإيقاع لا على التلحين، أما الأغنية الدرامية فيجب أن تحتوي على لغة سمعية بصرية بغض النظر عن نوعية اللحن والهارموني والإيقاع.


طاهر مامللي.. علامة فارقة


تعد الدراما منذ مرحلة النهوض أهم نافذة فتحت أمام الموسيقيين السوريين لإظهار إبداعاتهم، التي ألزمت مؤلفها في كثير من الأحيان بقراءة نص العمل كاملاً، بحثاً عن روحه، والتي أكدت أنّ التتر عنصر أساس في جذب المشاهد

ولقد عرف الجمهور السوري والعربي مؤلفين موسيقيين كباراً تركوا بصمة واضحة في المشهد الدرامي والموسيقي السوري، لعل من أبرزهم المؤلف الموسيقي طاهر مامللي صاحب موسيقا «التغريبة الفلسطينية»، والذي استطاع من خلال مجمل أعماله أن يقدم مستوى عالياً من القيمة الفنية بالموسيقا الدرامية التي تحمل اللحن الشرقي الذي يعبر عنا كشرقيين. وقد قدم (مامللي) في هذا العام موسيقا مسلسل «أرواح عارية» إضافة إلى «دليلة والزيبق 2» و«بقعة ضوء 9» و«صبايا»  التي يقول عنها: «فيما يتعلق بمسلسلات الأجزاء فقد قمت بإعادة توزيع جديد للموسيقا التي ألفتها سابقاً أما مسلسل «أرواح عارية» فأحببت أن أدخل نوعاً من الموسيقا الحديثة أقرب إلى «التكنو» إضافة إلى «الميلودي» البطيئة المحملة بالشجن والحزن بصوت المبدعة ليندا بيطار وكلمات الشاعر علاء الزي». ويحسب لـ(مامللي) انجازه جمع - من خلال موسيقا مسلسل «الثريا» - الصوت البشري الأوبرالي مع «صولو» لآلة شرقية على خلفية كلاسيكية. وهذه هي المرة الأولى التي تصاغ فيها مثل هذه الخلطة الموسيقية في الدراما السورية، وهي ما جعلته يكرس الصوت البشري في موسيقاه الدرامية التي اشتغلها في مسلسلات مثل: «خان الحرير»، و«سيرة آل الجلالي»، و«الفصول الأربعة»، و«الخربة»، وغيرها.


موسم الأصوات السورية..

يرى العديد من النقاد وصنّاع الدراما أن أبرز ما يمكن أن يسجل هذا العام في باب النقد للمنتج الدرامي المحلي هو غياب الاهتمام بشارات الأعمال التي شكلت في الأعوام القليلة الماضية أصعب شروط العمل, وأخذ المنتجون يتسابقون للتعاقد مع أهم الملحنين والمطربين لوضع أصواتهم على شارات أعمالهم.. لتنحسر هذه الظاهرة في مسلسلات هذا الموسم الرمضاني حيث غابت أسماء النجوم العرب التي لمعت في الأعوام السابقة كمعين شريف وعاصي الحلاني وملحم زين وكارول صقر عن «تترات» الأعمال باستثناء مسلسل «أوراق بنفسجية» الذي سجل شارته بصوت ربيع الأسمر اللبناني .. و«زمن البرغوت» للفنّان اللبناني علي عطّار.

وخلافاً للموسمين الماضيين على الأقل لا يوجد الكثير من الصخب حول شارات المسلسلات السورية وموسيقاها التصويرية في موسم 2012م، ولقد أصبح لأغنيتي المقدّمة وربما النهاية وزن عادل في بعض الأحيان, قيمة المسلسل ذاته من حيث الأهميّة، وربما السمة الأبرز لشارات المسلسلات هذا العام ان جميعها تقريباً بأصواتٍ سوريّة. ومن الممكن أن تكون مثل هذه «التترات» فرصةً  لتقديم أصوات محلية جديدة يمكن أن تحقق انتشاراً في العالم العربي قد يوازي انتشار الدراما ذاتها. وذلك بعد أن بات العديد من كبار أصحاب الأصوات الناجحة عربياً يرون من خلال الدراما السورية بشكل خاص والعربية بشكل عام متنفساً مهماً لاستمرار دعم جماهيريتهم في الوسط الغنائي، وذلك بعد أن بتنا نسمع تلك الأغاني بشكل دائم باعتبارها باتت عنصراً مستقلا ومعبراً في حد ذاته.

ولقد أنتجت عجلة الإنتاج الدرامي هذا العام ما يزيد على العشرين مسلسلاً تلفزيونياً، أي أن هناك عشرين «تتراً»، بعضها مغنى والبعض الآخر موسيقي بلا غناء. من ذلك مسلسل «بنات العيلة»، الذي استطاع الحصول على «تتر» بصوت الفنانة ميادة بسيليس، في المقابل نرى أعمالاً كثيرة استعانت بموسيقيين ومغنين مغمورين لأداء شاراتهم فمسلسل «طاحون الشر» الذي روج صناعه كثيراً بأن عاصي الحلاني سيسجل صوته على الشارة أدى شارته الفنان الشاب مجد فوعاني, وأدت شارة «أرواح عارية» المطربة ليندا بيطار .. أما شارة «المفتاح» فقد كانت من نصيب الفنان جوزيف طرطريان.

وفي الغناء المشترك أيضاً كانت تجربة الفنان محمد الباش خريج برنامج «ستار أكاديمي» والفنانة زينة أفتيموس مع مسلسل «أيام الدراسة»، لتسجل أفتيموس حضوراً منفرداً مع مسلسل «رومانتيكا».

واستمرت أغاني شارات الأعمال ذات الجزء الثاني مثل: مسلسل «ساعات الجمر / الولادة من الخاصرة 2» بصوت المغنية الشابة فرح يوسف، والتي عدت من أفضل الشارات التلفزيونية لموسم 2011م، ومسلسل «بقعة ضوء» بصوت ديمة أورشو، ومسلسل «صبايا» بصوت سارة الهاني.

في المقابل لتلك الأصوات نجد أن مسلسل «رفة عين» استغنى عن الصوت بشكل كامل لتقتصر شارته على الموسيقا فقط التي ألفها الموسيقار سعد الحسيني.


ممثلون مغنون وكتاب..

كذلك رأينا أبطال الأعمال يغنون لبطولاتهم فالفنان سامر المصري بطل «أبوجانتي 2 » سجل بصمة صوته على «تتر» العمل بأغنية الجزء الأول ذاتها في شارة البداية مع تعديلات بسيطة، وللأسف بعدما فرض الوضع المتأزم في سورية أن ينتقل طاقم التصوير والقصة بحيثياتها إلى دبي، تنطلق صور الشارة من شوارعها لتكشف مرآة السيارة العاكسة أسماء ووجوه أبطال المسلسل الذي غاب عن جزئه الجديد كل من فادي صبيح وشكران مرتجى وجيني إسبر وأيمن رضا، لتبرز قصص أخرى تضيء على معاناة الشباب العربي الباحث عن فرصة عمل في الخليج.

الفنان أيمن رضا قام هو الآخر بتسجيل أغنية شارة عمله الأخير «سيت كاز»، بالاشتراك مع الفنانة نسرين الحكيم في تجربتها الغنائية الأولى.

إضافة لما تشهده الدراما السورية من ظاهرة تتمثل بقيام الممثلين بالغناء، سجل هذا الموسم ظاهرة كتابة كلمات الشارة حيث قام الفنان عباس النوري بكتابة كلمات شارة البداية لمسلسل «الأميمي» الغنائية، التي تتغنّى بالشام وعذوبة مياهها. تقول الكلمات: «الشام يالبعدا واتحمموا بدمها/ ريتو نعيماً عطرها وياسمينها وهمها/ حطو الشام بالأميم وبتاريخها شو عليه/ وتحمموا بسخونة أصلها ومياتها شو عليه/ مية الشام بديعها جنة وإن أنعشت شو عليه/ بتقلب نار بقلوب العدا وأيامها شعلت». والأغنية من ألحان الموسيقار رضوان نصري، وغناء الفنانة الشابة فرح يوسف والمغني صفوان العابد.