2012/07/04

شاشة مهرجان برلين لا تعرف العربية
شاشة مهرجان برلين لا تعرف العربية

          محمد رضا-دار الخليج تتحدّث شاشة قصر المهرجانات في برلين بدءاً من الخميس المقبل ثماني عشرة لغة عالمية ولن يكون بينها اللغة التي يتحدّث بها يومياً نحو 300 مليون فرد وهي العربية . ستكون هناك لغات لاتينية وشرق آسيوية (صينية ويابانية) وفرنسية وايطالية وألمانية وبلقانية وإنجليزية من بين أخرى، لكن العربية غائبة هذا العام كما كانت في معظم الأعوام الستين التي يتألّف منها عمر مهرجان برلين . لا تلم الغرب، فهذا يبحث عن الفيلم الجيّد ويعرضه، وإذا ما تحامل على السينما العربية فلم يأخذ منها عملاً جيّداً، فلأن هذا العمل الجيّد إما هو غير موجود أساساً أو أنه سبق له، وعلى ندرة نوعيّته، أن عُرض في مهرجانات أخرى . ومع افتراضية أن الغرب الثقافي متورّط بتهمة الانحياز، فإن ما يساعده على ذلك عدم وجود سينما عربية فاعلة . القليل الجيّد الذي يأتي من المغرب ومصر ولبنان (صاحبة الإنتاجات الأعلى الموزّعة عالمياً) لا يلبّي حاجة السوق، وفي أحيان كثيرة ينتمي إلى حقيقة أن ليس كل فيلم جيّد هو فيلم مهرجان كبير . لو لم يكن ذلك حقيقياً لكنّا شاهدنا عشرات الأفلام في مسابقات السينما العالمية عوض حفنة منها في كل مرّة . تجاوزاً لهذا القصور العربي الذي نعيش حضيضه دوماً ويؤثر، مثل سواه، على سمعتنا الثقافية والاجتماعية، فإن أحد الأفلام المشتركة في المسابقة آت من دولة اسلامية شقيقة وقريبة منا جغرافياً وتاريخياً هي تركيا . الفيلم هو “عسل” ويتكوّن من حكاية آسرة حول صبي اسمه يوسف يذهب أحياناً مع أبيه يعقوب إلى جبال القرية الكبيرة حيث يجمع العسل . في ذات يوم، ينطلق الأب باحثاً عن النحل الذي انقطع فجأة . غياب الأب يطول والصبي لم يعد راغباً في الحديث مطلقاً . أمه تأخذه في رحلة بحث عن أبيه وهنا تختلط الحكاية بالمراجع الدينية كما توحي أسماء الشخصيات المستخدمة هنا . هذا الفيلم التركي هو واحد من عشرين فيلماً داخل مسابقة برلين هذا العام التي يبدأها الفيلم الصيني الجديد للمخرج توان يوان “منفصلان معا” ويختتمها الفيلم الياباني “حول أخيها” . والملاحظ بعد الكشف عن القائمة الكاملة لأفلام المسابقة كيف تختلف المواضيع المطروحة في نواح عدّة وكيف تلتقي، أحياناً، من نواح عدّة في الوقت ذاته . وفي حين هناك العديد من الأفلام التي تنتقي، مثل “عسل” مواضيعها على نحو يخص هوية البلد الذي تنطلق منه، هناك أفلام أخرى تشترك في طرح الموضوع الواحد، من وجهات نظر متعددة في مقدّمتها هذا العام أفلام تتعلّق بالحروب التي نشبت من أربعينات، القرن الماضي وخمسيناته وصولاً إلى العصر الحالي . هذه الأفلام لها دلالاتها الإنسانية الكبيرة حتى ولو كانت مطروحة في إطارها الجغرافي المحدد . فيلم الافتتاح مثلاً، “منفصلان معاً” يمكن اعتباره مثالاً، فهو عن زيارة نادرة يقوم بها جنود تايوانيون إلى الصين للقاء أقاربهم الذين خلفوهم وراءهم حين انسحبوا إلى الجزيرة القريبة التي سرعان ما تشكّلت واعلنت استقلالها . إلى جانب ما يتيحه هذا اللقاء من العزف على وتر الإنسان الواحد في كلا البلدين، هناك مراجعة، تقول المعلومات المتوفّرة عن الفيلم، للذات كما للتاريخ خصوصاً حين تأتي تلك الزيارة، كما هو متوقّع، لتفتح باب الذاكرة على تداعيات لا تود أن تنتهي . أيضاً في نطاق حروب ذلك العصر، نجد الفيلم الياباني “يرقانة” . ومثل المعنى التي تعبّر عنه الكلمة التي تصف حال فراشة في مطلع تكوينها، يعود محارب ياباني إلى بلدته من الحرب الدائرة بين اليابان والصين مبتور الأطراف الأربعة . وعلى الزوجة أن تكشف عن أصالتها الحقيقية متحمّلة وضعاً معيشياً ونفسيا صعباً في سبيل البرهنة لسكّان القرية على حسن أخلاقها وحفاظها على التقاليد . ومن ذات الفترة يأتي الفيلم الألماني “اليهودي سوس- صعود وهبوط” وهو عن الممثل الذي لعب شخصية حقيقية سنة 1939 في فيلم اعتبر معادياً للسامية عنوانه “اليهودي سوس”، في حين أن الفيلم الحالي الذي أخرجه الألماني أوسكار روهلر يتحدّث عن ذلك الممثل و”مأساته” كونه شارك في ذلك العمل . مسألة البحث عن الحقيقة في حياة الشخصية المعنية، واسمها الكامل جوزف سوس، تبدو حاضرة في أضيق نطاق . في الواقع فإن هذا رجل الأعمال هذا، الذي عاش في القرن الثامن عشر، مارس عملية سيطرة واسعة على العديد من المستوردات مثل الجلد والدخّان وتدخّل في شؤون القضاء ومارس العمل الاقتصادي لمصلحته طويلاً قبل أن يُحاكم ويُعدم . صحيح ان الآلة النازية في الثلاثينات سعت لإنتاج فيلم يخدم أغراضها، الا أن أحداً لم يتحدث بعد عن الحقائق ذاتها . هذا المد من الأفلام المتعاملة مع الحرب تمتد لتصل إلى أيامنا هذه . فيلم “على الدرب” للمخرجة البوسنية ياسميلا زبانيتش يتابع مشوار بدأته منذ سنوات للحديث عن الحرب التي وقعت في بلادها والمذابح التي تعرّض إليها شعبها في التسعينات . مثل الحروب الحديثة في كل مكان (اللبنانية، الفلسطينية، الأفغانية) هناك الكثير مما يمكن قوله في هذا الفيلم الذي من شأنه تأريخ فترة ما زالت ماثلة بكل آلامها