2013/05/29

شريط صور من شاشات الـ 2012
شريط صور من شاشات الـ 2012


سناء الخوري - السفير

الدمّ


تفاديتُ مشاهد الدماء والجثث على الشاشات، خلال العام 2012. لكنّ القنوات الفضائية تبارت على عرض صور الدمّ، السوري منه على وجه الخصوص. روّاد فايسبوك تباروا في ذلك أيضاً. وكلّ صورة، كانت تعرض مرفقةً بتبرير مستوحىً من دافعٍ "أخلاقيّ" سامٍ ما: "فضح جرائم النظام" هنا، "وفضح جرائم المجموعات المسلّحة" هناك. قد يكون الأمر الوحيد الذي نجحت كثافة الصور الدامية في فضحه، هو العطش العام لصور الموت. كأنّه وسواس قهري جماعي، موضوعه "متعة التفرّج على الجثث". عرض صور المجازر بالمجان في العام 2012 فتح نقاشاً قديماً في أخلاقيات الميديا، من دون أن يحسمه. هل يعدّ عرض مشاهد المقابر الجماعيّة والمجازر، جزءاً من عرض الحقيقة كاملةً، ويندرج بذلك ضمن الدور الأسمى لأي وسيلة إعلاميّة؟ أم أنّ التمادي في تصوير الأطراف المقطّعة وعمليّات الإعدام والتعذيب، ينتهك بدوره خصوصيّة الضحايا؟ وما الحدّ الفاصل بين حقّ الضحيّة بأن يسمع العالم قصّتها، وبين حقّها بأن لا تصير وجبةً دسمة، للعيون الفضوليّة؟ أليس صحيحاً أنّ تراكم الصور المأساويّة، لا يؤدّي إلّا إلى جعل تلك الصور، صوراً "عاديّة"؟ الأكيد أنّ فعاليّة الصورة، وقدرتها على خلق صدمة ما في الوعيّ العام، لا تنبع بالضرورة من هول المأساة فيها. قد تتضمّن صورة واحدة تفصيلاً دقيقاً، قادراً على التأثير بالمتلقي أكثر من آلاف الأشرطة السابحة في الدماء. مثلاً، هول الألم على وجه الصحافي الفلسطيني جهاد المشهراوي، وهو يحمل طفله الرضيع بعدما قتل في غارة إسرائيلية على غزّة في حرب الأيام الثمانية. تلك الصورة التي عرضتها "واشنطن بوست" على صدر صفحتها الأولى، كانت أبلغ من آلاف الصور عن الغارات الإسرائيليّة خلال تلك الحرب.

وسط مشهديّة الدماء التي صنعها الإعلام في العام 2012، صورة واحدة تفوّقت على غيرها في قسوتها. إنّها صورة مراسلة قناة "الدنيا" ميشلين عازار، وهي "تحاور" أطفال مجزرة داريا، في تموز الماضي. افتتحت المراسلة بذلك تقليداً صحافياً جديداً، يقوم على استجواب جرحى الحروب، وهم يفارقون الحياة. قدرة عازار على السير بدم بارد بين الجثث، كانت لحظة مهمّة لكشف عقليّة الإعلام في التعاطي مع الأزمة السوريّة، ويمكن اختصارها باستخدام صور الضحايا كـ "حجّة أخلاقيّة" في معركة غير أخلاقيّة بتاتاً. والهدف من الصورة ليس الانتصار للضحيّة، بل إظهار بشاعة وإجرام الطرف الآخر. والأمثلة على ذلك كثيرة، من "العربيّة" و"الجزيرة" وصولاً إلى شاشات "فايسبوك" و"يوتيوب" والقنوات الرسميّة السوريّة.

أبو ابراهيم وآل المقداد

الأكيد أنّ عمار الداديخي الملقّب بأبو ابراهيم، كان الشخصيّة الأبرز على الشاشات اللبنانيّة خلال العام 2012. الكلّ كان يطلب رضاه، والصحافيون في المقدّمة. شخصيّة أبو ابراهيم الإشكاليّة، فتحت بدورها عهداً جديداً للتعاطي الإعلامي مع الخاطفين، تذكرنا بالعواطف التي قد تنشأ بين الرهائن، وخاطفهم، كما تصوّرها الأفلام الأميركيّة. هذه المرّة، علاقة العشق نشأت بين الكاميرات اللبنانيّة ومجموعة أبو ابراهيم. أيّ خاطف في العالم قد يحلم بالفرصة التي أتيحت لأبو ابراهيم... أن يستخدم الشاشات لصناعة نفوذ قد يكون أضخم بكثير من نفوذه الحقيقيّ على الأرض. وكان لافتاً طغيان عامل أبو ابراهيم على صور المخطوفين اللبنانيين أنفسهم. من الصور التي ترسخ في ذاكرة الشاشة اللبنانيّة للعام 2012، صور إعلاميين ينتظرون في المطار طائرةً لم تصل. من الصور التي لن تغيب عن ذاكرة الإعلام اللبناني، كلّ ذلك "التخبيص" المرافق لقضيّة المخطوفين، ماتوا لم يموتوا، عادوا لم يعودوا. بعض الشاشات دخلت للمرّة الأولى حيّ السلّم، نعني "أل بي سي" و"أم تي في"؟ في حين تنافست كلّ الشاشات على العبور إلى أعزاز، في مشهد كلّف الصحافي فداء عيتاني أياماً قاسية من الاحتجاز. وقد تكون الصورة الأبلغ لتجربة الإعلام اللبناني في قضيّة المخطوفين، هي صورة مراسلين صحافيين يطرحون الأسئلة على المخطوفين السوريين لدى آل المقداد، كأنّنا أمام استجواب علنيّ لرهائن مسلوبي الإرادة، وقد وقع في ذلك الفخّ مراسل "الميادين" أولاً، تلته مراسلتا "الجديد" و"أل بي سي".

جو وطوني ونديم.. وباسم يوسف

لا يوجد أي وجه شبه بين مدرسة جو معلوف وطوني خليفة ونديم قطيش.. ومدرسة الإعلامي المصري باسم يوسف. لا يوجد أيّ وجه للشبه بتاتاً. حين نشاهد برنامج "البرنامج؟" يمرّ الوقت بسرعة، نضحك، إضافةً إلى أننا نخرج بمعنويات عالية، بسبب منسوب الجرأة المرتفع. والأهمّ، أنّ باسم يوسف يعرف دوره ومهمّته جيداً، فهو ينتقد السياسيين والإعلاميين والفنانين، من دون أن يدّعي أنّه قاضٍ، أو شرطيّ، أو مصلح اجتماعي، أو أنّه، لا قدّر الله، المالك الحصري لحقوق توزيع الامتيازات الأخلاقيّة على المشاهدين. وهذا بالتحديد ما لم يتقنه الإعلاميون اللبنانيون الثلاثة في الـ 2012. جو معلوف واصل إطلاق الفتاوى بالجملة في برنامج "إنت حر". هو وحده، يريد أن يسجن "عبدة الشيطان"، ويضع حدّاً لـ"الشذوذ" والدعارة، ويصلح الجامعة اللبنانيّة، ويفضح تجار المخدرات. زميله طوني خليفة، لم يوفّر فرصةً للإثارة، في "شو" يبدو كأنّه مندهش من كلّ شيء. مندهش من الحياة نفسها. بدهشة، يتعاطى "للنشر" مع حالات الأطفال المرضى، والمتحوّلين جنسياً، والمتسولين، والراقصات، والعاملات الأجنبيّات، ويريد للمشاهدين الحائرين، أن يصابوا بالدهشة نفسها. أمّا نديم قطيش، فحسناً فعل حين دعا الشباب والصبايا المتظاهرين احتجاجاً على اغتيال اللواء وسام الحسن، للهجوم على السرايا الحكومية. لم يخطئ في ذلك، والدليل أنّه صامد في مكانه على الشاشة، من دون مساءلة. من حقّه ربما أن يكون منحازاً، لا بل متطرّفاً في انحيازه، يتقن الحكي، والوعظ، وإلقاء الحكم السياسيّة. لو كان باسم يوسف مهتماً بالشأن اللبناني، لكان هجر شخصيّته الأثيرة توفيق عكاشة، وصبّ اهتمامه على نديم قطيش وبرنامجه "دي أن آي". الأكيد أنّه كان سيخرج بمادة دسمة لـ "البرنامج؟"، تضحكنا لمئة حلقة متتالية. ومن المشهديات الإعلاميّة اللبنانيّة، التي كان بإمكانها أن توفّر مادةً لباسم يوسف أيضاً، الوزير مروان شربل، نجم الإعلام من دون منازع للعام المنصرم، بتصاريحه التي تحوّلت بمعظمها إلى وقفات فكاهيّة خالصة.

"صوّتوا لي"

في العام 2012، بدا أنّ كلّ عربيّ (وعربيّة)، يحلم بأن يصير نجماً تلفزيونياً... وأنّ ذلك العربي إن كان نجماً في الأساس، فسيكون طموحه الأجمل، أن يكون عضواً في لجنة تحكيم لأحد برامج الهواة. يمكننا أن نتوقّع المزيد من النجاحات التجاريّة لتلك البرامج في العام 2013. "أم بي سي" احتكرت السوق على ما يبدو، "ذا فويس"، "آراب آيدول"، "آراب غوتس تالتنت"، ثلاثة برامج تعرضها المجموعة السعوديّة، في حين حاولت أن تنافسها "روتانا" التي تطلق "ذا أكس فاكتر" قريباً، و"الحياة" المصريّة، من خلال "صوت الحياة". الغريب أنّ المواهب التي تتمتّع غالباً بأصوات جميلة، تختفي تماماً عن الشاشات بعد انتهاء المسابقة. لدرجة يمكن معها أن نقول، إن الصيد الأثمن للقنوات، ليس الموهبة الفائزة، بل الأرقام الضخمة التي تحصدها بفضل همّة الرعاة الإعلانيين، من مشروبات غازيّة وعطور وسيارات.

هيام وفاطمة وروبي

الحصّة الأكبر من اهتمام الشاشة للعام 2012، حصدتها السلطانة هيام، وروبي، وبعدهما فاطمة. اتفق الإعلام على أنّ سيرين عبد النور افتتحت عصراً جديداً للدراما اللبنانيّة، من خلال النجاح المبهر للمسلسل الشهير، والذي كتبته كلوديا مرشيليان، وأخرجه رامي حنّا. لكنّ ذلك لم ينعكس تغييراً في علاقة المتفرّج اللبناني بالدراما اللبنانيّة، رغم افتتاح "أل بي سي" في العام 2012، شاشة خاصّة بالدراما. بقيت الحسناوات التركيّات أكثر إثارةً لاهتمام الجمهور المحلّي. حتى أنّ برنامج "حلوة الحياة" على شاشة "المؤسسة اللبنانيّة للإرسال" خصص فقرة يوميّة للتعريف بشخصيات حرملك السلطان العثماني سليمان القانوني. ولم ينفع غضب أردوغان في ثني الجماهير عن حبّ هيام، أو فاطمة. قد يكون البحث عن سرّ انجذاب الجمهور إلى الدراما التركيّة، بحثاً باهتاً اليوم. الأمر واضح. فبغض ّالنظر عن المضمون الذي يحمل خلافاً ونظريات متنوعة، فمن الواضح أنّ المتفرّج يبحث أولاً عن صورة جميلة، ومتقنة. كيف ستكون الدراما اللبنانيّة قادرةً على التميّز في هذا المضمار، إن كانت كلفة الحلقة 20 ألف دولار فقط، أي ما يعادل كلفة دقيقة واحدة ربما من مسلسل "حريم السلطان"؟ في العام 2012، تفوّقت الدراما اللبنانيّة على نفسها في الرداءة، إن لناحية اختيار الممثلين (الكاستنغ)، أو لناحية النصوص، والإخراج، وسوء إدارة الممثل... وتشير آخر التوقّعات الفلكيّة إلى أنّ الكواكب لن تساهم في تحسّن حالة الدراما اللبنانيّة خلال العام 2013.

صور مشرقة

ومضات مشرقة عابرة عرفتها الشاشة في العام 2012. ففي وقت كان اللبنانيون يستمتعون بجولات المصارعة الحرّة على متاريس الـ "توك شو"، كانت عيون العالم شاخصة إلى الألعاب الأولمبيّة في لندن، والتي تحوّل افتتاحها إلى الحدث الأكثر مشاهدةً في تاريخ التلفزيون. عبرت على الشاشة أيضاً صور فرح وحماسة، أبرزها فوز إسبانيا بكأس العالم في كرة القدم، ومباريات "برشلونة" و"ريال مدريد"، وصورة فيليكس بومغارتنر يرمي بنفسه من الفضاء إلى الأرض، في قفزة حرّة تاريخيّة. من اللحظات اللطيفة على الشاشة أيضاً، كانت مشاركة التوأمين رومي ورينا شيباني في مسابقة "ملكة جمال لبنان" أمام لجنة تحكيم ضمّت مكلة جمال الكون السابقة جورجينا رزق. الهالة التي رسمتها "أل بي سي" حول فوز رينا شيباني بالمسابقة، سرعان ما أفسدتها المحطّة نفسها بالترويج المفرط للملكة، ودورها في استعادة "عزّ" لبناني ما. الصور الأجمل من العام 2012، جاءت من عالم الشاشات البديلة. وبرزت في هذا السياق أكثر من صفحة مبتكرة على "فايسبوك"، كان أكثرها إثارة للاهتمام والجدل على صعيد العالم العربي صفحة "انتفاضة المرأة العربيّة". نجح فريق الصفحة في تحويلها إلى حالة ذكّرتنا بصفحة "كلنا خالد سعيد"، وصار شعار الصفحة غرافيتي طبع على جدران العديد من المدن العربيّة.