2012/07/04

صاحبة الجلالة.. السينما
صاحبة الجلالة.. السينما


عوض القدرو: خاص بوسطة

نعم.. السينما تستحق أن نُطلق عليها صاحبة الجلالة، كونها دوماً هي الحلم الحي الباقي على مر العصور. إنها المُرتسم على الأرض وفي الخيال وفي الروح والقلب والوجدان.. إنها التاريخ الناصع لعبقرية الفنون، إنها التاريخ للأجيال القادمة التي إن أرادت أن تعرف المعنى الحقيقي لها فيجب أن تُطالع ما صنعه أولئك السينمائيون الذين أصبحوا في ذمة التاريخ وفي خزائن سينما الجمال.

المشاهد الجميلة والمبهرة لا تكفي لكي تسكن في العيون وتبقى فيجب أن تلامس الروح فأي شيء لا يلامس الروح قبل العين فهو بدون حياة.. كذلك الأمر بالنسبة للفيلم السينمائي.. إن لم يكن بدون روح فهو غير موجود.. هذا ما تفتقده السينما، وبالتالي السينما اليوم بدون جمهور ولا يعني الازدحام أو كثرة الإيرادات التي يحققها الأفلام أنه فيلم يبقى عبر الزمن فهو ليس بمقياس، وإنما المقياس الحقيقي للفيلم هو كم سيبقى هذا الفيلم أو ذاك الفيلم في ذائقة المتلقي.. هو سؤال دوماً بعهدة صُناع الفن السابع ويجب أن لا يغيب عن أذهانهم أبداً أن المشاهد هو الشريك الأساسي في صناعة الفن السابع الذي من أجله كانت هذه الأرض.. فيجب النظر إليه باحترام ورقي.. لأنه في النتيجة هو ذاكرة السينما، هو تلك العين الثاقبة التي تُميز الجمال وتكتشف كنوز الجمال.. فرفقاً يا صُناع الفن السابع بجمهور السينما، بجمهور ينتظر ما ستبثه الشاشة الفضية من جمال ليفُرغ من روحه سلبيات الحياة ويعيش مع السينما أحلاماً و أمنيات وحب و أشجان.

لو حاولنا قليلاً الرجوع إلى الماضي الذي لا غنى عنه في زحمة سينما اليوم التي تستخف بعقول مشاهديها، لوجدنا أن الأسس القديمة لصناعة السينما كانت أو تكاد أن تكون معايير ذات طبيعة مختلفة عن معايير صناعة السينما اليوم، فسينما الأمس القريب كان هدفها ترسيخ صناعة الفن السابع على أنها صناعة وفن راقٍ يدخل إلى ذاكرة البشرية من أوسع الأبواب ويتحول فيما بعد إلى حنين وشجن.

وجيل اليوم عليه البحث والسؤال دائماً لماذا كانت السينما ذات معنى؟ ولماذا اليوم لا تحمل ذات المعنى؟ الإجابة عن هذا السؤال بسيطة جداً وهي أن يبدأ جيل اليوم من محبي وعشاق الفن السابع بفتح خزائن التاريخ السينمائي ويبحث ويشاهد ويحلل ويعيش كل الحالات مع السينما التي قُدمت بكل أشكالها و أنواعها واتجاهاتها ومدارسها وذكرياتها، ليعرف تماماً ما هو المعنى الحقيقي للسينما وليعرف أيضاً كيف يُشاهد فيلماً سينمائياً.

فالإبهار البصري والتقني الحاصل والموجود بكثرة في أيامنا هذه لا يكفي.. لأن الحاجة أهم وأعمق.

دوماً أتساءل.. عندما كنا صغاراً ما هو الذي جعل سينما زمان تبقى عالقة في أذهاننا ومبهِرة في عيوننا  حتى يومنا هذا بالرغم من عدم توفر الإمكانيات التي تتوفر اليوم لصناعة السينما؟

أليس هذا بسؤال تصُعب الإجابة عليه اليوم أم ماذا؟

لو رجعنا إلى الوراء وفتحنا دفاتر التاريخ من كل جنسيات السينما سواء كانت عربية أم آسيوية أم أوروبية أم أمريكية ماذا سنجد؟؟ سنجد أسماء كبيرة وأفلام أكبر وجمهوراً أعرق وأبقى.. جمهوراً سيظل يذكر بمنتهى الوفاء لقاء الجمال والتقاء العيون والأفئدة من خلال شاشة فضية أبكت وأضحكت وأسرت الملايين والملايين.. سينما كانت مع الناس في أفراحهم وأتراحهم في حربهم وسلمهم.. والسينما جاءت إليهم من كل مكان في العالم وشعارها دوماً أعلى وأعمق و أبقى.

لو عُدنا قليلا إلى قبل شهرين أو ثلاثة وراجعنا قليلاً في الفيلم الذي حاز على أوسكار أفضل فيلم لهذا العالم، وبجدارة، فيلم "The artist" (الفنان)، وبنفس الوقت لو لاحظنا الأفلام الثمانية البقية المنافسة لهذا الفيلم على أوسكار أفضل فيلم لوجدنا أن جميع هذه الأفلام تكاد لربما تخلو من عنصر الإبهار البصري أو من الضخامة الإنتاجية ماذا يعني هذا؟

هذا يعني وبكل بساطة دعوة لصناعة سينما من أجل الإنسان وليس صناعة سينما من أجل ملء الجيوب فقط ولا شيء سوى ذلك.. هي دعوة لكل صناع الفن السابع ودقٌ لناقوس الخطر كي يدركوا أن هناك جمهوراً يريد سينما ليعيش معها وتعيش فيه. سينما تختصر الزمن بلحظات وسينما تخاطب العقل بهمزات وتأسر القلوب بإحساس.

كم من الأموال اليوم يتم صرفها على مئات الساعات التلفزيونية التركية واللاتينية والأمريكية والهندية وتتم دبلجتها إلى اللغة العربية وبالتالي ضخها في عيون لا عقول المتفرجين رغماً عنهم. هل هكذا أصبح الفن التلفزيوني أو السينمائي؟ وبدأت أيضاً دبلجة الأفلام الأمريكية والصينية والهندية واللاتينية. لا أعرف ماذا أقول.. و أنظر بحزن وحسرة على مصير سينما أصبحت في المجهول وبلا أفق سينما تتحكم فيها جيوب تبتعد كل البعد عن العقل البشري، سينما ترسخ في عقول الناس نهضة فكرية مزيفة.. وسينما تصرف أنظارهم بعد أن أفقدتهم قلوبهم عن الجمال في هذه السينما. ولكن دوماً يجب أن نعرف ولا نسقط من حساباتنا أن هناك سينما وأفلاماً باقية بقاء رسالة الفن السابع التي لا تموت.

فيا يا أصدقائي يجب أن نتذكر ونعي دوماً أن هناك سينما يجب علينا مشاهدتها والوقوف عندها طويلاً وهذا لا يمنع طبعاً من مشاهدة سينما اليوم والغد والأمس لنرسخ مقولة أن السينما.. صاحبة الجلالة.