2013/05/29

طاحون الشر.. هل تكفي الحكاية لنصنع مسلسلاً..؟
طاحون الشر.. هل تكفي الحكاية لنصنع مسلسلاً..؟


عمر محمد جمعة – البعث


إذا سلّمنا بأن أرسطو عرّف الدراما بأنها "محاكاة لفعل إنسان"، وفسّرها النقاد المعاصرون فيما بعد بأنها فعل يتكوّن من عناصر جوهرية أهمها على الإطلاق الحكاية وما يتفرع عنها من صياغة الحدث بأبعاد سردية بصرية متباينة، وحوار له سمات وخصائص محدّدة، وسيناريو يؤديه ممثلون أمام جمهور أو مشاهدين، فستغدو "الحكاية الدرامية" بهذا وكتعبير مقارب للنص التلفزيوني هي المعيار الأهم والحامل الجمالي الأول في نجاح أي عمل درامي. لكن السؤال الذي يزاحم هذا كلّه: هل تكفي الحكاية لنصنع مسلسلاً..؟!.

ما سبق ربما يصلح لأن يكون توطئة ومدخلاً نستند إليه في قراءة ماقدمه مسلسل "طاحون الشر" الذي كتبه السيناريست مروان قاووق، وأخرجه ناجي طعمي، وأنتجته شركة غولدين لاين للإنتاج الفني، وأدى أدوار البطولة فيه عدد من الفنانين السوريين نذكر منهم: رفيق سبيعي، بسام كوسا، وفيق الزعيم، ناهد حلبي، صباح جزائري، لينا حوارنة، ليلى سمور، وائل شرف، ميلاد يوسف، لمى إبراهيم، ليليا الأطرش، لينا دياب وسواهم. إذ وفي استعراض بسيط لهذا العمل الذي عُرض في الموسم الدرامي الفائت سنلمس أن الحكاية الجديدة المركبة في بنيتها الدرامية والتي اعتمدت تقنيات مختلفة منها "الفلاش باك" وتعدّد المستويات التاريخية، كانت بحق بطل هذا المسلسل وعاملاً من عوامل النجاح بل حاملاً جمالياً للعمل برمته، الذي يعدّ التجربة الأولى لناجي طعمي في أعمال البيئة الشامية.

فحكاية "طاحون الشر" تعيدنا التي الفترة الأولى من احتلال الفرنسيين لدمشق، أي بداية العشرينيات من القرن الماضي، حيث تتعرض حارة الكبادة لأبشع صور القهر، وتراكم الأحداث الاجتماعية، وتنامي الصراع بين المتناقضات "السلطة والمال، الثأر والحب"، فتقوم "فخرية" بإبعاد الطفل "زيدو" عن أمه التي قتلت بعد مخاضها بدقائق، ليعيش "زيدو" بعيداً عن أبيه الزعيم وعن حارته وحين يكبر تصطدم "فخرية" بعودته، فتتصاعد الأحداث عندما يقرر "عاصم" شقيق "فخرية" قتل الزعيم والتخلّص منه طمعاً بماله وسلطته في الحارة، ولكي يمنع "زيدو" من التعرف على أبيه. لينتقل الصراع من بين "عاصم" و"الزعيم" إلى مابين "عاصم" و"زيدو" الذي تُجمع الحارة على أنه السبب الأساسي في اجتماع شملها بعد أن فرقتها بغضاء عاصم بيك وإثر اكتشافه أنه ابن الزعيم المقتول. مشيرين هنا إلى أن عقدة الحكاية وجماليتها، رغم بعض محاورها الكلاسيكية المتمثلة بالصراع الأزلي بين الخير والشر، كانت في ذلك السر واللغز المحيّر والقصة المشوقة التي بدأت فصولها منذ ولادة أم زيدو لابنها في القبر، وسماع حارس المقبرة لصراخه، إضافة إلى الداية التي تعرف وحدها سر الطفل الذي وُلِدَ في القبر، فتغادر الحارة لتعود إليها بعد ثلاثين عاماً بعد مقتل زوجها وابنتها، لتكشف ذلك السر واللغز المحيّر.

على أنه ورغم هذه الحكاية الجديدة في سيرورة السيناريوهات التي كتبها مروان قاووق، فإن المسلسل أنشأ عند المشاهد حالة من الحكم المسبق ولاسيما مع تكرار دراما البيئة الشامية نفسها، وتصدي ممثلين بعينهم لأدوار البطولة، حتى استهلكتهم هذه الدراما كثيراً، وشكلوا انطباعاً بأنهم لن يقدموا جديداً عما سبق وقدموه في أعمالهم السابقة.

وكي لا نبتعد كثيراً عن المقصود مما سبق نؤكد مثلاً أن وجود الفنانين: رفيق سبيعي، بسام كوسا، صباح جزائري، وفيق الزعيم، وائل شرف، ميلاد يوسف، ليليا الأطرش.. وسواهم، قد يقيّد المشاهد بشخصياتهم التي أدوها سابقاً ويدفعه قسراً إلى المقارنة التي نعتقد أنها ستكون ظالمة بالتأكيد، يتحمّل مسؤوليتها هنا الكاتب أو المخرج على حدّ سواء والذي كرر الوجوه ذاتها. فالفنانة صباح الجزائري التي لعبت شخصية أم عصام في "باب الحارة" وأم وضاح في "زمن البرغوث"، كانت تكرّر نفسها في شخصية "فخرية" زوجة الزعيم في "طاحون الشر" وكذا الأمر بالنسبة للفنان بسام كوسا في شخصية "عاصم بك" الذي نزعم أنه لم يضف جديداً إلى أدواره السابقة "نصار" أو "الإدعشري" وغيرها التي كانت بحق أفضل وأكثر تأثيراً من شخصيته الحالية، فيما ظل الفنان وائل شرف في تعبيراته وحركاته في "طاحون الشر" أسيراً لشخصية "معتز" التي أداها في "باب الحارة"، وبالقدر ذاته ينطبق الأمر على شخصية "بري" التي جسّدها الفنان ميلاد يوسف، وشخصية "نرجس" التي أدّتها الفنانة ليليا الأطرش، وعلى الرغم من محاولة الفنان وفيق الزعيم التنويع للخروج من شخصية "أبو حاتم" في "باب الحارة" إلا أن حصره دوماً كشخصية من زعامات الحارة وقبضاياتها أفقده كثيراً من وهجه وتألقه كواحد من الفنانين الذين أبدعوا في أدوار البيئة الشامية.

لقد وقعت الشخصيات التي ذكرناها في "طاحون الشر" في فخ التنميط القسري، وغدت ضحية لرؤى إخراجية قاصرة لم تكبّد نفسها عناء البحث عن وجوه جديدة تتصدى لمثل هذه الحكاية المشوقة، وتجسّد شخصياتها المركبة تركيباً محكماً، ونزعم أن هذا الخيار قد ساهم إلى حد بعيد في محدودية تلقي هذا المسلسل بالشكل الصحيح، ذلك أنه وكما قلنا سابقاً أن الانطباع الأول المتكوّن لدى المشاهد كان في المقارنة بين وجوه هذا الموسم والمواسم الماضية، دون النظر إلى العناصر الأخرى التي ميزت العمل والتي كان في طالعها الحكاية بالتأكيد.

ونضيف على ما سبق ونذكّر أن إحدى مآزق وسقطات الدراما المصرية مثلاً كانت حصر وجوه بعينها بأدوار من النسق الدرامي ذاته، اجتماعياً كان أم كوميدياً، وإسناد أدوار البطولة إلى أسماء محدّدة، وصولاً إلى كتابة سيناريو أو دور لفنان أو فنانة مشهورين بأدوار محددة، الأمر الذي دفع الكتاب والمخرجين والمنتجين إلى البحث جدياً عن حلول تخرج الدراما المصرية من مآزقها. وهو ما يتكرر اليوم في الدراما السورية التي تجرها بعض الحسابات إلى النفق المصري نفسه، فاحذروا هذا النفق المظلم.