2012/07/04

عابد فهد في حوار شامل وخاص جداً على «بوسطة»
عابد فهد في حوار شامل وخاص جداً على «بوسطة»

معظم المسلسلات البوليسية المحلية فيها ضعف في التكنيك والإيقاع ووقوع في شرك التقليد والأكشن والفيلم الأمريكي


الأستاذ ياسر العظمة ممثل استثنائي وهو أحد الظواهر السورية والعربية المتفرّدة.


مسلسل «توق» مشروع قائم ربّما نراه العام القادم.


صرتُ أخشى التصريح في الصحافة عن المشاريع المخطط لها خوفاً من أن تسرق أو أن ينفّذها أحد بشكل يسيء لها.


الليث حجّو طلب منّي المشاركة في "ضيعة ضايعة 2" ولكن وقتي لم يسمح.


يبدو أنّ المسلسل التركي هو الوصفة المناسبة للحالة النفسية العربية.


فائدة "أنا القدس" أنّنا اكتشفنا إلى أين تتجه هذه القضية للأسف.


دخولي مصر كان طبيعياً بعد مجموعة من الأعمال العربية وأنا معروف هناك منذ "الظاهر بيبرس".


فيلم "مملكة النمل" مشروع شوقي الماجري وهو يرتقي للمستوى العالمي في صناعته.


الممثل داخلي أقوى من المخرج وهو مشروع لم يكتمل بعد


أتمنّى أن أصعد على خشبة المسرح


نحن نعمل في الدراما السورية بالحب وكلمات مثل «ازرعا بهالدقن» وكأننا في سوق الحميدية


العقد الذي يوقعه الممثل مع شركة الإنتاج احتلال بشروط قمعية غير إنسانية


في اللاذقية أحبّ أن أمشي في كل الأماكن التي تحضر في ذاكرتي


الربو سبب مهم لوصولي إلى هذه المرحلة


زوجتي الإعلامية زينة يازجي هي الحب الحقيقي في حياتي

حاوره: علي وجيه

الحوار مع عابد فهد ليس تقليدياً أبداً، وأبعاده تتعدّى العلاقة المجرّدة بين فنان ومُحاور. ابن اللاذقية وحاراتها القديمة يشعرك بالألفة بمجرّد التحية والابتسامة. ردود أفعاله العفوية وحديثه التلقائي يزيل الحواجز منذ البداية، لينطلق الحوار في اتجاهات عملية وإنسانية لم تكن في الحسبان.


مراحل عديدة شهدتها مسيرة عابد فهد، وعناوين كثيرة رافقت مشاريعه المتنوعة. البداية كممثل كوميدي واعد، ثم التألق والنجومية في المسلسلات التاريخية، ولاحقاً الاتجاه نحو الأعمال العربية، تلفزيونياً وسينمائياً، ودخول الدراما المصرية في الموسم الفائت، قبل العودة إلى القواعد المحلية مؤخراً في عدّة أعمال اجتماعية وكوميدية.


إلى جانب التمثيل، أخرج عابد عملاً واحداً هو «أبيض أبيض»، ودخل في شراكة إنتاجية عرفت النجاح والفشل في أكثر من عمل، فهو خبير بخبايا الدراما السورية وكواليسها.


عابد فهد منحنا الكثير من وقته، وفتح لنا قلبه لحوار مطوّل وشامل، تحدّث فيه عن أعماله الجديدة والسابقة والشأن العام والخاص كما لم يفعل من قبل.

تعود هذا العام للتركيز على الساحة المحلية من خلال المشاركة بأعمال متنوّعة. نبدأ بالمسلسل البوليسي «كسر الأقنعة»، تأليف محمود الجعفوري وإخراج حسان داوود، الذي تقوم ببطولته. حدّثنا عن العمل عموماً ودورك فيه.

العمل البوليسي من الأنواع الصعبة، ويحتاج إلى حرفية في الكتابة. نحن غير معتادون على هذا النوع في الدراما العربية عموماً، مع ملاحظة وجود بعض المحاولات الجيدة على هذا الصعيد. معظم التجارب البوليسية التي رأيناها فيها ضعف في التكنيك والإيقاع صراحةً، إضافةً إلى وقوعها في شرك التقليد والأكشن والفيلم الأمريكي التقليدي. من هنا، يجب التعامل مع هذا النوع بحذر حتى نقدّم منتَجاً مختلفاً ومقنعاً للمشاهد.

دوري في المسلسل هو محقق يبحث في الجرائم مع فريق متخصص. كل جريمة تأخذ حلقتين أو ثلاثة ضمن إطار عام وشخصيات ثابتة ومتغيرة.

هل نحن قادرون على تقديم هذا النوع من الأعمال دون مبالغات أو عمليات تجميل وتبييض قد تكون غير واقعية بنظر المشاهد؟


نحن نعمل على هذا الأساس. لا يوجد مطاردات أو استخدام أسلحة بشكل استعراضي مبالغ فيه كما في الأعمال الأمريكية. وإنما يوجد متهمون وجريمة وفريق يحاول فك رموزها، من خلال دراما تشبه أيّ عمل عادي تحصل ضمن أحداثه جريمة قتل أو سرقة. أيضاً لدينا الجانب الشخصي لهذا الضابط وحياته الخاصة ومشاكله وعائلته وتأثير كل ذلك على تفاعله مع المحيط، وبالتالي سيحضر الوجه الإنساني إلى جانب البوليسي العملي.

تشارك أيضاً في مسلسل «الولادة من الخاصرة»، تأليف سامر رضوان وإخراج رشا شربتجي، بدور رئيسي هو رؤوف ضابط المخابرات المتسلط الذي يعاني من مشاكل نفسية عديدة. كيف قرأت هذه الشخصية المعقدة تمهيداً لتجسيدها على الشاشة؟

بدأتُ به من الخاص إلى العام وليس العكس. هذا الرجل متسلّط، متقلّب، صاحب ردود أفعال حادّة ومتباينة، خطير جداً لأنّه مجنون ويدرك ذلك. له تركيبة خاصة نتيجة ظروف معينة مرّ بها: اليتم، الحرمان، الجوع وغير ذلك، وبالتالي ما يحرّكه بهذا الشكل ليس الرتبة أو الموقع الأمني. قد يكون رجل أعمال أو موظّف فقير، ولكن التركيبة النفسية واحدة في النهاية. إذاً، علينا ألا نؤخذ بعنوان أو مانشيت خدّاع بأننا سندين جهازاً أمنياً معيناً، لأنّ هذا الرجل حالة فردية في النهاية، والرسالة أنّه قد يكون موجوداً ويشكّل خطراً في أيّ مكان.

هل هذا الرجل ضحية أم جلّاد أم الاثنان معاً؟

الاثنان معاً، وبامتياز. هذه الشخصية تحتمل «الماكسيموم» والتحليق حتى النهاية، وهذا جيد ومغر، لكنّه خطير في نفس الوقت.

انضممتَ لأسرة عمل النسخة الجديدة من «دليلة والزيبق»، تأليف هوزان عكو وإخراج سمير حسين، ما طبيعة مشاركتك في هذه السلسلة؟

تقتصر مشاركتي هذا العام على الحلقات الخمس الأولى من خلال شخصية «أحمد الدنف» التي تظهر بشكل رئيسي في الجزء الثاني، وهو الراوي الحقيقي لسيرة «العيّارين والشطّار».

تعود أيضاً إلى بيتك القديم مع الفنان ياسر العظمة في "مرايا 2011" الذي يخرجه سامر البرقاوي، ماذا تعني لك المشاركة في العمل الذي شهد بداية نجاحاتك؟

هذا صحيح، سأتواجد في بعض اللوحات. "مرايا" منبر عائلي هام بالنسبة لي. التواجد في لوكيشن ياسر العظمة له متعة خاصة، ويهمّني كثيراً أن أعود لذاكرة عزيزة عليّ كهذه، فأنا ابن "مرايا" في النهاية.

هل تعتقد أنّ هذا العمل ما زال جذاباً وقادراً على التأثير كما كان في السابق؟ هل هو قادر على تحديث نفسه؟

التحديث مناط بالمخرج في الدرجة الأولى. يجب أن يكون واعياً ومنتبهاً لهذه المسألة بشكل جيد. أعتقد أن الأستاذ ياسر العظمة مصرّ على تقديم الجديد والعودة بقوّة بعد غياب ثلاث سنوات.

الأستاذ ياسر العظمة ممثل استثنائي، وهو أحد الظواهر السورية والعربية المتفرّدة التي لا تشبه أحداً. على الجيل الجديد أن يفكّر بأسماء لن تتكرر مثل ياسر العظمة ودريد لحام وآخرين، ويجب أن يسأل نفسه: هل هو قادر على صنع نفسه بشكل حقيقي والوصول إلى مستوى هؤلاء الروّاد؟ هل يستطيع تأسيس مكانة راسخة لنفسه بحيث يستمر في التاريخ ولو بعد عشرات السنين؟

نفس السؤال بالنسبة للجزء الثامن من سلسلة "بقعة ضوء" الذي يتولى شقيقك عامر إخراجه هذا العام، هل ستشارك في هذا العمل أيضاً؟

نعم، سأشارك في بعض اللوحات حسبما يتسنّى لي. وهذه السلسلة، مثل "مرايا"، تواجه تحديات العودة هذا العام. أعتقد أنّ عامر يعمل على "بقعة ضوء" مختلفة، تميل نحو السخرية والترميز والتقاط المفارقة أكثر من الإضحاك المباشر، وأتمنّى أن يوفّق في رؤيته.

ذكرت بعض التقارير عن بطولتك لمسلسل بعنوان «توق» عن رواية بنفس الاسم للشاعر الأمير بدر بن عبد المحسن، من إنتاج إسماعيل كتكت وإخراج شوقي الماجري لرمضان القادم. ما صحّة هذه المعلومات؟

النص يُكتَب حالياً في مصر بإشراف شوقي الماجري، وما زال في مرحلة الحلقات العشرة الأولى. لا أعرف الكثير عن مساحة الدور وطبيعته حتى الآن، فربما يكون بطولة أو أحد الشخصيات الرئيسية، وعموماً لا تعنيني هذه المسألة. المهم أن يغريني الدور بغض النظر عن مساحته. هذا المشروع قائم، ولكن قد لا ينجز هذا العام، وربّما نراه العام القادم.

تستعدّ لفيلمك الأول في السينما المصرية، وهي نقلة جديدة أيضاً. حدّثنا عن هذه المشاركة؟

هو دور في فيلم "المصلحة"، تأليف وائل عبد الله وإخراج ساندرا نشأت وبطولة أحمد السقا وأحمد عز، وسنصوّر في بيروت على الأغلب. دخول السينما المصرية ليس مهماً بقدر أهمية المشروع والدور المغري ضمنه. هل هو مشروع مهم؟ هل الشخصية مكتوبة ومركبة وفيها مساحة للعب والاشتغال؟ هذا ما يغريني وليس مجرد العنوان.

ماذا حصل بمسلسل «محمد الفاتح» الذي تراهن عليه منذ عامَين؟

أعتقد أننا سنبدأ به هذا العام. هناك الكثير من المشاريع المطروحة حقيقةً، ولكن ثمّة ظروف معينة تحكم إمكانية تنفيذها الآن أو لاحقاً، مثل الإنتاج والتفرّغ والتوزيع وما إلى ذلك. الكثير من المشاريع تمنّيتُ لو نفّذت ولكن الظروف لم تسمح.

بصراحة، صرتُ أخشى التصريح في الصحافة عن المشاريع المخطط لها، خوفاً من أن تسرق أو أن ينفّذها أحد بشكل يسيء لها.

ماذا عن "الزبال" الذي كتبه فؤاد حميرة، هل ستشارك في العمل كما ذكر البعض؟

لا أعرف شيئاً عن هذا المشروع حتى الآن.

هل يوجد تحضيرات لأعمال غير معلنة يمكن الإفصاح عنها؟

هناك مشروع في مصر نحضّر له مع محمد أبو سيف عن رواية «الحب في زمن الكوليرا»، وصل في الكتابة إلى منتصف العمل تقريباً. حوّل أبو سيف مناخات الرواية إلى البيئة المصرية، واختار منطقة «النوبة» في الجنوب لخلق قصة حب رائعة جداً، وهو سيناريست مبدع مليء بالفيض والتدفق. سنرى إن كان هذا العمل سينفذ هذا العام أو في العام القادم.

في مصر، عموماً، هناك عروض كثيرة، والموافقة تتبع الوقت إذا كان يسمح أم لا.

إذاً، تعود هذا العام إلى الساحة السورية بقوّة بعد سنوات من الأعمال عربية الطابع مثل "هدوء نسبي" و"عرب لندن" و"أنا القدس" و"حكايات وبنعيشها" مع ليلى علوي في مصر الموسم الفائت، وفيلم "مملكة النمل" إخراج شوقي الماجري. هل هي عودة للتعويض عن غياب سابق أو لاستعادة موقع ما؟

فوجئتُ أنّني غائب عن الساحة السورية حقيقةً. كنتُ أظنّ أنّي موجود، ولكن مع تكرار سؤال «أين أنت؟» بدأتُ أكتشف أنّ بعض الأعمال لم تعرض أو توزّع بالشكل الكافي. بعضها قوميّ أو سياسيّ التوجّه فلم يُشاهَد كثيراً. ربّما سئم المشاهد العربي مشاهد العنف والانفجارات من نشرات الأخبار فلم يعد يبحث عنها في الدراما. صار يطلب العمل السلس البسيط، فكان التركي هو الوصفة المناسبة للحالة النفسية العربية، بالبيوت الجميلة والصورة الجذابة والتقنيات الحديثة. النوستالجيا أيضاً كانت أحد الحلول للهروب من الواقع، فحنّ الناس إلى أيام البساطة والاستقرار، لتزدهر الأعمال الشامية وتنتشر على بساطتها. هذه معطيات لا بدّ من دراستها للاستفادة منها حقيقةً.

هل يمكن القول إنّك ارتبطتَ بأعمال «نخبوية» نوعاً ما خلال السنوات السابقة؟

ربّما. هو ليس بحثاً عن النخبوية أكثر مما هو سعي خلف النوعية. بعد فترة ترتبط بنمط معين من الأعمال، فتصبح العروض التي تأتيك قريبة من هذا النوع. الدور المهم الذي يمنحني مساحةً للبحث وتقديم الجديد هو ما يغريني، وهذا قد لا يكون جماهيرياً.

أنا لا أقيّم أو أدين أحداً. بعض الممثلين، وخصوصاً الشباب منهم، مضطرون للعمل فيما يأتيهم من عروض، لأنّهم لا يملكون حرية أو رفاهية الاختيار في الوقت الحالي، وبعضهم يفعل ذلك عن جهل. النجومية حق مشروع للممثل الشاب، وليس عيباً أن يهمّه الانتشار، ولكن الاستعجال والجري خلف المظاهر لن يؤدي إلى نجومية مستمرة ومستقرة لوقت طويل. على الممثل الشاب أن يتواضع ويترفّع عن المظاهر الصغيرة ويبقى بسيطاً، وأن يكون أكثر ذكاءً ووعياً لما يحصل.

ننتقل إلى الموسم الفائت الذي قدّمتَ خلاله عملَين تلفزيونيين وفيلماً سينمائياً. كيف تصف تجربة "أنا القدس" مع المخرج باسل الخطيب؟

ما حصل مع مسلسل "أنا القدس" له دلالات خطيرة للغاية. فوجئتُ برفض الفضائيات العربية عرض هذا العمل رغم الأهمية الشديدة لطرحه هذه الأيام، بحجة أنّه غير جماهيري وغير مستقطب للإعلانات التجارية. ربّما تكون فائدة هذا العمل أنّنا اكتشفنا إلى أين تتجه هذه القضية بشكل مباشر، للأسف.

أقدمتَ على خطوة لافتة بدخول الدراما المصرية من خلال مسلسل "حكايات وبنعيشها: كابتن عفت" مع ليلى علوي. ما سبب دخولك الدراما المصرية؟ وكيف كانت تجربة "كابتن عفت"؟

دخولي مصر كان طبيعياً بعد مجموعة من الأعمال العربية، وأنا معروف هناك منذ "الظاهر بيبرس". النص الذي كتبه د. محمد رفعت لطيف وبسيط دون تكلف، وليلى علوي فنانة كبيرة تمتلك حضوراً لافتاً، وشركة الإنتاج محترمة. كلها عناصر تجعل الممثل مرتاحاً لدخول المشروع الفني الذي تشكّله. ما أغراني أكثر هو الشخصية الآتية من قلب البيئة الشعبية المصرية، أي أنّها بعيدة عنّي تماماً، وبالتالي تتطلب بحثاً وغوصاً لالتقاط تفاصيلها وإمساك مفاتيحها.

البعض يصف هذا النوع من الأعمال بأنّها مفصّلة على قياس نجمها الأوحد، هل فكّرتَ بنقطة «عمل ليلى علوي» قبل خوض التجربة؟

لم أفكّر بهذه النقطة لعدّة أسباب. مساحة الدور موازية لدور البطلة، والشخصية «عادل شاهين» مكتوبة بشكل جيد وليست مسطحة. كابتن عفت تحاول مساعدة الجيل الشاب ليصل ويحقق طموحه في عالم كرة القدم، حتى لا ينتهي مثل عادل شاهين الذي عانى من انتشار الفساد والمحسوبيات والظروف الصعبة. إذاً، الشخصية محورية أيضاً، وليلى علوي أرادت أن أكون موجوداً في العمل للوصول إلى حالة التفاعل التمثيلي التي رأيناها على الشاشة.

لماذا طلبتُ أنا للدور، ولم يذهب لممثل مصري ابن بيئة شعبية أصلاً؟ سألتُ المخرج والمنتج وليلى علوي عن ذلك. هي الرغبة بأن أقدّم هذا الكاراكتر بطريقتي، وهذا يشير إلى وجود تشابه بين الحارة الشعبية الكروية اللاذقانية وبين الحارة الشعبية المصرية. عادل شاهين موجود في حارات اللاذقية أيضاً.

قدّمتَ أيضاً فيلم "مملكة النمل" مع المخرج شوقي الماجري، حدّثنا عن هذه المشاركة السينمائية.

"مملكة النمل" هو مشروع شوقي الماجري الذي تبنّاه بكل موهبته وخبرته وإيمانه بالقضية الفلسطينية، وأعتقد أنّه موجّه للخارج بشكل أكبر. دوري هو ضابط إسرائيلي يمثّل الطرف الآخر من الصراع، وهو لا يتجاوز 5 مشاهد. من خلال ما شاهدته، أقول إنّه فيلم يرتقي للمستوى العالمي في صناعته، وهذا جيد لأنّه سيتوجّه أولاً إلى المهرجانات الكبيرة مثل برلين والبندقية.

يُخشى على هذه الأفلام الوقوع في مطبّ الشعاراتية والخطابية كونها تحمل همّ قضية كبرى، هل تمّ التنبّه لذلك في هذا الفيلم؟

الشعب الفلسطيني في موقع مقاومة احتلال ودفاع عن قضية كبيرة، وبالتالي من الطبيعي أن يحمل أي عمل عنه لغته ومفرداته. هنا ننظر إلى حلول المخرج وصورته التي قد تحوّل الشعارات إلى رؤية أو حل سينمائي شعري. كما قلتُ لك: الفيلم موجّه أكثر إلى الخارج، وبالتالي قد يضمّ بعض التفاصيل التي تجاوزناها في منطقتنا.

ما الحكاية الحقيقية لانسحابك من مسلسل "نجيب الريحاني" العام الفائت؟

النص كان مكتوباً لغاية الحلقة 20، وكان يُفترَض أن يبدأ التصوير قبل إنهاء الحلقات المتبقية، بمعنى أنّه لم يكن هناك زمن كاف لصناعة مشروع بهذه الأهمية. نحن في عام 1903، وهناك أزياء ومدينة وديكور ومناخ يجب إعادة خلقه بالكامل، وبالتالي الزمن الكافي للإنجاز مهم، خصوصاً أنني القادم إلى مصر للعب شخصية راسخة في الوجدان المصري، أي أنّ كل شيء محسوب عليّ في هذه التجربة.

بعد الحلقة السادسة، تحوّل العمل إلى استعراض لأعمال الريحاني وأدواره بشكل رتيب، فكان هناك خلاف مع الكاتب حول ضرورة الغوص في الجانب الآخر من الشخصية. من هو هذا الإنسان؟ من هو الممثل؟ وما هو عالمه؟ التعمّق في عالم الممثل يعني أنّك سترى نجيب الريحاني وفؤاد المهندس ودريد لحام ونهاد قلعي والأخوَين أبيض وعلي كسّار، وكل الكبار الذين يشبهون بعضهم. الممثل المهموم الذي لا ينام ولا يأكل ولا يتعامل مع المواقف كغيره. هنا ذهب العمل إلى محمد أبو سيف الذي بدأ بالكتابة وفق هذا الاتجاه، فحصل خلاف بين الشركة والمؤلف الأول الذي رأى أنّ من حقه كتابة العمل بطريقته، ما أدّى إلى توقف الأمور بهذا الشكل.

على ذكر الجانب الآخر من شخصيات السيرة الذاتية، قدّمتَ "الظاهر بيبرس" برؤية أقرب إلى المثالية رغم العديد من المواقف التاريخية الملتبسة في شخصيته. لماذا؟

النص كان مكتوباً بهذا الشكل حقيقةً. ربّما تكون الإشكالية التاريخية الملتبسة لهذا الرجل هي المشكلة. مثلاً، نهاية «قطز» متعددة الروايات. مَن قتله؟ هل هو «بيبرس» بالاتفاق مع «أقطاي»؟ أم «أقطاي» بالاتفاق مع «قلوون»؟ أم هذا الأخير بمفرده ليولّي ابنه؟ هكذا، قدّمنا مشهد قتل فيه ثلاثة متهمين، وأشرنا إلى «بيبرس» في مكان وبرّأناه في مكان آخر. هكذا هي السياسة، كما فعل الراحل ممدوح عدوان عندما غيّر في نهاية الزير سالم ليقول وجهة نظر معينة.

لماذا لا نرى، في معظم الأعمال التاريخية، قراءةً مختلفة ومغايرة مثل التي طلبتها في "نجيب الريحاني"؟ لماذا يظهر العرب «مبيّضين» في هذه المسلسلات؟

هذا صحيح. معظم الأعمال التاريخية قدّمت برؤية أحادية الجانب، وهذا ساهم في جعلها مملة وغير جاذبة. أعتقد أنّنا، في "الظاهر بيبرس"، نجحنا في أخذه باتجاه الاجتماعي أيضاً، من خلال حكاية أربعة أصدقاء وامرأة قتلوا بعضهم في سبيل السلطة والكرسي.

هل تدين بالفضل للأعمال التاريخية في نقلك إلى مرتبة متقدّمة مع ممثلي الصف الأول؟

التاريخي ملعب يجعل من الممثل علامةً، حيث تصبح الشخصية مسجّلة باسمه. الأعمال التاريخية صعبة ومرهقة، ولا أنكر فضلها الكبير في مسيرتي المهنية.

هل يمكن أن نرى مسلسل "الطريق إلى كابول" الذي تمّ إيقاف عرضه منذ بضعة سنوات؟

لا أعلم حقيقةً. ليس عندي أيّة معطيات إن كان تلفزيون قطر، منتج العمل، سيعرضه أم لا. أتمنّى أن يُعرَض ويُشاهَد.

في بداياتك قيل إنّك ممثل كوميدي واعد بعد "مرايا" و"البناء رقم 22" وغيرها، ثم وصفتَ بملك التاريخي بعد "الزير سالم" و"الحجاج" و"الظاهر بيبرس"، ليقترن اسمك بالساحة العربية والأعمال المشتركة الضخمة، وهذا العام تعود إلى القواعد المحلية بالاجتماعي

والكوميدي. كيف تحصل هذه التحوّلات في مسيرة الممثل؟ هل تتم بشكل مقصود؟

أعتقد أنّ الممثل شخص متقلب بطبعه ويحكمه المزاج وظروف العمل والسوق، كما يُفترَض أن يكون متلوّناً وأن يغيّر جلده ليكون متنوّعاً، وإلا أصبح مملاً.

دخلتَ لعبة الإنتاج من خلال شركة «إيبلا» بالشراكة مع هلال أرناؤوط. أين هذه الشركة حالياً؟ وما طبيعة توجهاتها؟

الشراكة قامت بيني وبين صديقي هلال أرناؤوط، ولكن حصل اختلاف في وجهات النظر لاحقاً. أنا، كممثل، لا أصلح لأن أكون منتجاً بالمعنى التجاري المطلق، وهذا يؤثّر على المشاريع الفنية والعلاقات والطموح. الممثل يصبح مشوّشاً ولا يرى فنياً بشكل صحيح. هناك ممثلون نجحوا في الجمع بين المهنتَين، في حين لم أتمكّن من ذلك.

الشركة قائمة حتى الآن تحت إدارة أخي عامر، وتعمل في الدوبلاج والأفلام الوثائقية.

عملتَ كمساعد مخرج في "مرايا"، ثم أخرجتَ عملاً كاملاً هو "أبيض أبيض" 2001. لماذا لم تكرّر التجربة؟

الممثل داخلي أقوى من المخرج، وهو مشروع لم يكتمل بعد. أحبّ أن أكون حراً وأن ألعب بمفردي. الإخراج يحتاج إلى تفرّغ لا أمتلكه حالياً. يمكن أن أكرر المحاولة في المستقبل بعد ازدياد الخبرة والنضوج.

رأيناك في التلفزيون والسينما دون الاقتراب من المسرح حتى الآن. لماذا؟

الوقت هو المشكلة. هناك أفكار مطروحة بالفعل، إحداها عرض تجري أحداثه في الشارع وناد ليلي، وآخر مونودراما عن شخص تربّى على الالتزام بالوقت والزمن، فيفشل ويحاكم والده. أتمنّى فعلاً أن تتحقق إحدى الأفكار لأصعد على خشبة المسرح أخيراً.

البعض يقول إنّكم تنسون المسرح بعد الشهرة والنجومية. هل السبب كونه غير مجدٍ من الناحية المادية؟

المسرح غير مجدٍ مادياً طبعاً، ونقطة النجومية فيها وجهة نظر إلى حد كبير. بالنسبة لي، أحاول تحقيق هذه المشاريع وأرجو أن أنجح في ذلك.

أنت ابن منطقة الشيخضاهر في اللاذقية. لماذا لم نشاهدك في أيّ من أعمال البيئة الساحلية التي قدّمت؟

لا يوجد سبب معين. ربما تواجدي مع العائلة في دبي وتنقلي الدائم أثّر على تواجدي في المسرح وفي بعض الأعمال السورية الهامة. الليث حجّو طلب منّي المشاركة في "ضيعة ضايعة 2"، ولكن وقتي لم يسمح حقيقةً.

خضتَ في غمار الدراما السورية واطّلعتَ على المصرية عن كثب. هل يمكن اعتبار الدراما السورية صناعة قائمة بحد ذاتها؟

بالتأكيد لا، ما زال من المبكر الحديث عن الدراما السورية كصناعة. ربما تكون «شبه صناعة». باعتبار أنّ الإنتاج المحلي قليل ولا يوجد سينما، فلا يوجد صناعة دراما في سورية. نحن نعمل في الدراما بالحب وكلمات مثل «المَونة» و«ماشي الحال» و«ازرعا بهالدقن» كأننا في سوق الحميدية، ولكنّنا بعيدون عن مفهوم صناعة النجم لعمل شباك تذاكر وما إلى ذلك. العقد الذي يوقعه الممثل مع شركة الإنتاج لا يمتّ للفن بصلة، وإنما أقرب إلى الاحتلال بشروط قمعية غير إنسانية.

نحن بحاجة إلى جهة عامة مثل قطاع الإنتاج في مصر، تقوم بحماية كل آليات الإنتاج وتسهيل التوزيع والشراء من الفضائيات السورية بأسعار جيدة، بحيث نتمكن من فرض العمل على الخارج بقيمة شرائية جيدة. مؤسسة الإنتاج التي تقوم عليها السيدة ديانا جبور حالياً مهمة للغاية لخدمة الدراما السورية، وأرجو أن توفّق في مهامها.

عندما تذهب إلى اللاذقية الآن، إلى أين تذهب؟ ماذا تتفقد بالدرجة الأولى؟

أذهب أولاً إلى حارتنا القديمة في الشيخضاهر. أتفقد الزوايا والأمكنة المحفورة في ذاكرتي حتى الآن. باب الحارة، «الكندرجي» الذي اعتدتُ تصليح الأحذية عنده، باب «جول جمّال» الخلفي، الكورنيش والبحر، سينما الكندي وسينما الأهرام. هناك أماكن لم تعد قائمة الآن مثل مسبح نقابة المعلمين والعمّال والمنطقة التي غزاها إسمنت المرفأ. في اللاذقية، أحبّ أن أمشي في كل الأماكن التي تحضر في ذاكرتي.

هل ما زلتَ تذكر الحب الأول في الحارة القديمة؟

لا أعرف إن كان حباً حقيقةً. كنتُ أنتظرها لتمر، وكنّا نمارس أساليب المراهقين المعتادة من رسائل وما إلى ذلك. كانت ظواهر مراهقة ولم تكن حباً حقيقياً.

هل كانت ميولك الفنية ظاهرة في اللاذقية؟

اعتدتُ المشاركة في المسرح المدرسي والنشاطات الفنية. كنتُ أقلّد دريد ونهاد مع صديق لي يدعى ماهر حكيم، وما زلنا حتى الآن نعيد نفس المشهد (ويسكي هيوستن) من مسرح الشوك كلما التقينا. رافقتُ والدي جورج فهد، وهو مطرب الأغنية الطربية الساحلية، في حفلاته مذ كنتُ طفلاً، وعندما أصبح نقيباً للفنانين في اللاذقية كنتُ أحضر كل البروفات الموسيقية عندنا في المنزل أو في مسرح نقابات العمل والمركز الثقافي. كانت أياماً مهمة وعصراً ذهبياً في عقد السبعينيات.

بعد 1980 تركتَ اللاذقية، إلى أين؟

تركتُ اللاذقية بسبب الربو والتهاب القصبات، فلم تعد رطوبة البحر تناسبني. انتقلتُ إلى دمشق، وصرتُ أذهب إلى الإذاعة مع زوج خالتي سعيد العبد الله الذي كان رئيس دائرة المنوعات. أديتُ الخدمة العسكرية، وبقيتُ فترةً طويلةً في استديوهات الإذاعة مع الدراما الإذاعية والموسيقى والأسطوانات ومكتبة الإذاعة والتلفزيون، إلى أن انتقلتُ إلى "معكم على الهواء" مع هشام شربتجي، ثم جاء مشهد التلفزيون الأول بعنوان "الجرّة" في "تلفزيون المرح" 1982 مع ياسر العظمة، حيث لعبتُ دور حرامي في عصابته.

ما زلتُ أذكر حديثي مع الأستاذ هشام شربتجي في سيارته الفولكس فاغن «السلحفاة» ونحن متوجهان إلى الإذاعة. قلتُ له: أريد أن أمثّل، فقال: لنجرّب. وهكذا أصبحتُ عسكرياً في الصباح وممثلاً في الإذاعة مساءً. تلا ذلك "مرايا 84" و"مرايا 86" و"مرايا 88" و"مرايا 90" و"شوفوا الناس"، ثم عملتُ في سهرة تلفزيونية مع جهاد سعد بعنوان "أنصاف مجانين" إخراج سالم الكردي، كانت أول نقطة تحوّل حقيقية لي من الكوميديا إلى الدراما. بعدها قدّمنا "الجلّادون" إخراج هشام شربتجي، و"اليقظة" و"مذكرات رجل فاشل" إخراج باسل الخطيب.. وتوالت الأعمال.

إذاً، الربو سبب مهم في كونك عابد فهد الذي نحاوره الآن..

نعم، أعتقد ذلك.

كيف تتعامل مع مسألة تنقلك الدائم بين مقر إقامة العائلة في دبي ودمشق وأحياناً القاهرة؟

زوجتي الإعلامية زينة يازجي هي الحب الحقيقي في حياتي. طموحها المهني حق مشروع لها، لذلك عندما جاءها عرض العمل في قناة «العربية»، قلنا: ولمَ لا؟ وانتقلنا إلى دبي. التنقل الدائم مرهق، والبعد عن العائلة أحياناً مقلق. نضغط على أنفسنا لتحقيق معادلة ننجح فيها نحن الاثنان. نحاول تعويض الأولاد، ليونا (7 سنوات) وتيم (سنتان)، بأفضل ما يمكن. عندما أتواجد في دبي، أتفرّغ تماماً للأولاد لتخفيف الضغط الهائل عن زينة، وهكذا.

خارج التصوير والعمل، كيف تقضي وقت الفراغ؟

مع ضغط العمل والإرهاق، يكون النوم من أهم الأمور صراحةً. القراءة والواجبات الثقافية الأخرى لا بدّ منها أيضاً. الرياضة مهمة وممتعة جداً، حتى لشكل الممثل ولياقته. أحب الجري والسباحة، ولا أتوانى أبداً عن المشاركة في أية لعبة كرة قدم. المخرج أسامة محمد وأنا من أساسيي خط الوسط في فريق الفنانين.

ما هي أكبر مخاوفك؟

أخاف من الزمن لأنّه سريع جداً. أريد أن أفعل كل ما بإمكاني للأولاد، وأن أبقى في ذاكرتهم بشكل واضح ومستمر. أخاف من الخيانة وغدر الأصدقاء.

هل تشعر بأنّ الناس يحمّلون النجم فوق طاقته بنظرتهم إليه؟

بالتأكيد. يظنّون أنّ هذا الشخص بلا هموم أو مشاكل. الممثل يعيش حياته وحياة الآخرين. ينام ويستيقظ عدّة مرات في الليل قلقاً، كما الكثير من الناس.

أين ملجؤك في أوقات الضعف؟

البيت والعائلة.

كلمة أخيرة لجمهورك من خلال «بوسطة»..

أقول للجمهور: عملنا صعب جداً، وسامحونا إذا ارتكبنا بعض الأخطاء الفنية أحياناً. والحكم لكم في النهاية. شكراً لكم.