2012/07/04

عشّاق عبداللطيف عبدالحميد مجانين
عشّاق عبداللطيف عبدالحميد مجانين

دارالخليج - فنون

العشّاق في أفلام عبداللطيف عبدالحميد مجانين حب . متيّمون به لدرجة السذاجة . لا تجد حكيماً في الحب ولا حكمة مسداة، ربما لأن الوقوع في الحب منافٍ للحكمة .

عاشقوه يركضون لمسافات ويحملون الورود وينظرون والكلمات في عيونهم . ما هو مختلف، هو أن المانع الحائل في أفلام عبدالحميد الريفية هو غيره المانع هنا . في تلك

هناك الأب والتقاليد والأسرة التي تتدخل لتحد من الحرية وتشيع قدراً من الاستبداد السُلطوي . في المدينة، هناك آخرون يقومون بذلك ليس من بينهم ذلك الأب، فالأب عاشق مثله مثل أولاده، ومثلهم يكبته وضع يحول دون سعادته . هنا الهم أكبر والمانع أشمل وهو خارجي يضع الجميع تحت ضغط جناحه الداكن .

ما يتحدّث عنه فيلم عبدالحميد الجديد “مطر أيلول” هو القمع الآتي، في إحدى أهم صوره، من ترتيب الأشياء المدنية بين القوي والضعيف . هناك عائلة مؤلفة من أب وستة

أبناء كلهم شباب والجميع في قلق ما . نتعرّف أولاً إلى الأب (أيمن زيدان) الذي يعاني من واقعة تؤرقه . لقد ضرب رجلاً نافذاً (قاسم ملحو) ويخاف من أن يؤذيه ذلك الرجل

على نحو أو آخر، أو كما يقول له أحد العارفين محذّراً من أن ذلك الرجل قد يلفّق له قضية ما هو بغنى عنها . وحين يتقدم الأب للاعتذار يدّعي خصمه أنه لا يذكر الحادثة .

وإمعاناً في الإهانة يدّعي أيضاً أنه لا يذكره . لكنه يذكره جيّداً ويحاول تأليب صاحب المطعم الذي يستأجر خدمات أولاده الأربعة لكي يصرفهم . يذكره جيّداً ويلتقطه المخرج دوماً وهو يحاول الدوس على ينابيع الحب ليهدمه .

المسألة بالنسبة للأب هي جرح نازف يحول دون أن يطمئن على نفسه وأولاده . يدرك أن مكروهاً لابد أن يقع ويحاول الحؤول دونه، لكنه عاجز عن فعل شيء . والمخرج

يعلّق على هذا الجرح بطريقة تحمل رمزياتها بسهولة ويسر، فهذه العائلة التي تحب على نحو شامل، تعيش حالة خوف من خطر مضاد للحب (وأمثال ذلك الموظف

المحسوب على السُلطة على نحو أو آخر هم أعداء الحب) بذلك يصيح “مطر أيلول” حول الضغط الذي يشعر به الإنسان العادي في وطنه ضد التبعيات الناتجة عن

المحسوبية والفساد والعلاقات السُلطوية وحول القمع الذي يمارسه الناس على بعضهم بعضاً حتى وإن لم يتعرّفوا إليه على هذا النحو . هناك ذلك المشهد الذي يحاول فيه

جار للعائلة معرفة ما يدور داخل البيت بفضول مرفوض، وعلى هذا النحو لم يختلف هذا الفيلم عن أعمال المخرج السابقة، فكلّها دارت عن تلك السُلطة الكامنة داخل شخص

ضد الآخرين . عادة، وفي أعماله الريفية، وهي أغلبية ما حققه لليوم، هي شخصية الأب التي قد تعكس شخصية السياسي أو تماثلها . لكننا هنا مع أب مختلف هو بدوره ضحية الوضع الجاثم ذاته .

ما لا يستطيع الفيلم تفادي الوقوع فيه هو ما قد يخرج المرء به وهو أن كل ذلك القدر من الحب سيقود إلى كل ذلك القدر من البؤس ما يشي برسالة قد تكون مختلفة عن

المقصود في جوهر العمل . لدى المخرج أفكار نيرة وتأطير جيد للمشاهد ومدلولاتها، لكن رسالته قد تكون إدانة مبطّنة للعاشق كونه ساذجاً وليس ضد الحب كحاجة إنسانية أساسية .

لعل من أهم ميزات “مطر أيلول” خروج المخرج عن سياقه السابق، ليس فقط في المكان المدني عوض المكان الريفي (ولو أنه سابقاً ما حقق أفلاماً في المدينة)، بل أيضاً

لناحية توظيف المكان وخلق الحركة فيه . بالنسبة لاختلاف المكان، حقق المخرج حتى الآن ثلاثة أفلام تدور أحداثها في المدينة، مقابل ستة ريفية، هي “صعود المطر”

(1995) و”خارج التغطية” (2007) ثم هذا الفيلم، وهي بدورها الأفضل بين كل أفلامه باستثناء “ليالي ابن آوى”، فيلمه الأول، سنة 1989 ما يعكس حالة يواجه فيها المخرج

الرغبة في التعبير الأكثر تعقيداً من حكايات الريف الذي يعرفه المخرج ككف يده . دائماً هناك جديد إضافي في الكيفية التي يمزج بها المخرج عالم المدينة بجوانيات رجالها

وبذلك الغطاء الداكن الذي ترزح المدينة وأبطاله تحتها . غطاء ليس موجوداً في أفلامه الأخرى، حتى ولو دارت، إلى حد، حول السُلطوية الأبوية . في الريف هو الأب من

يمارس القمع، ولو بحب . في المدينة، الأب (في “خارج التغطية” و”مطر أيلول” على الأقل) هو مُمارس عليه . في الريف هو ظرف (أو ظرف داخل ظرف) . في المدينة هو ضحية الظرف (مباشرة) .