2012/07/04

عقيد «باب الحارة» في مواجهة عقيد «باب العزيزية»
عقيد «باب الحارة» في مواجهة عقيد «باب العزيزية»

سامر محمد اسماعيل - السفير

يمكن للمشاهد العربي أن يتنقل بين قنواته المفضّلة لمتابعة مسلسلين على طرفي نقيض. لكنهما يكسران قالبا واحدا لصورة نمطية واحدة، روج

لها كلٌ من «بطلي» المسلسلين. ففي الأول يطارد المشاهد أخبار الثوار الليبيين وهم يزحفون نحو «باب العزيزية» في العاصمة طرابلس، حيث

ينتظرهم هناك العقيد القذافي بما تبقى معه من الجيش والأنصار. فيما ينتظر عقيد «باب الحارة» أبو شهاب، الممثل سامر المصري انتهاء

التحقيقات في قضية خادمته الفيليبينية التي أظهرت مقاطع فيديو بثتها مواقع «اليوتيوب» و«الفايس بوك» تعرضها للتعذيب، في بيت الممثل

السوري على يد زوجته نيفين المصري

في كلتا المتابعتين ننتظر نهاية الحكاية. ونشعر أن الصورة «العقيدية» اهتزت أخيراً. فالعقيد الليبي يقتل شعبه، مهدداً باستعمال شتى أنواع

الإبادة الجماعية، وبـتوزيع السلاح على القبائل كي تصير ليبيا ناراً حمراء. فيما يتمسك الممثل المصري بجماهيريته، نافياً في برنامج «للنشر»

على قناة «الجديد» مساء السبت الماضي، رواية «يوتيوب» التي اعتبرها محاولة للنيل من سمعته ونجوميته، وقد دبرها له أحد الخبثاء غيرةً

وبهتاناً للنيل من نجاحه، كما قال، مضيفاً: «أنا في سوريا معروف بأنني ابن البلد وتعاملت مع الخادمة الفيليبينية (ميلا) وكأنها واحدة من بناتي

ظهر النجم السوري هذه المرة بعيداً عن مرحه ونكاته المشهور بها في مقابلاته التلفزيونية. كان يعرف أنه يدافع أكثر عن صورة «العقيد أبو

شهاب» حامي حمى «حارة الضبع» في المسلسل السوري «باب الحارة»، الذي حقق له نجومية ساحقة لدى الجمهور العربي. فالعقيد الذي

تهون له الرقاب لا يمكن أن يتحول بين ليلةٍ وضحاها إلى معذب للخادمات، أو أن يسمح لزوجته باستعمال المكواة الكهربائية لكيّ جسد فتاة

مهيضة الجناح

ينكر عقيد «باب العزيزية» أن يكون قد استعمل السلاح الجويّ في قمع الاحتجاجات، ويدعو لجان تحقيق دولية للتفتيش. ويدعو العقيد أبو شهاب

الإعلاميين للذهاب إلى دمشق ومقابلة الخادمة الآسيوية للوقوف على الحقيقة. وفي الحالتين نشعر أن صورة العقيد اهتزت في مخيلة

المُشاهد. فالصورة التي روج لها القذافي بأزيائه وجلابيبه الصحراوية وحرسه النسائي الخاص ونياشينه المصفوفة على بزته الرسمية أثناء

الاستعراضات العسكرية، لوثتها دماء آلاف الليبيين من الشيوخ والنساء والأطفال. أما صورة العقيد أبو شهاب فتتابع اهتزازها عندما يتساءل

المشاهد العربي عن براءة المصري من التهمة المنسوبة اليه، متعاطفاً مع الخادمة، ومسترجعاً صورة «عقيد الحارة» في ذهنه، وتلك الحميّة

الشامية، وصورة قبضاي الحارة

طبعاً لا يمكن أن ننكر أن «الصورة العقيدية» تنوء اليوم بأحمال ثقيلة في ظل ثورات شعبية عارمة، للمطالبة بالعدالة والحريات. صورة «العقيد» على

اختلاف تجلياتها تعاني من الاهتزاز، من رعب السقوط في دراما تختلط فيها مشاهد تعذيب الخادمات بمشاهد قمع الشعوب وإبادتها. لذلك ربما

لم يعد تنفع اليوم إنتاج المزيد من هذه الصور النمطية، لا سيما في مسلسلات البيئة الشامية التي تعمل على صون هذا التصور لدى المواطن

العربي، وتعزيزه في ذاكرته البصرية وفي قيمه الاجتماعية المعاصرة. وهي صورة بطريركية مضخّمة تخفي في لبوسها الطهراني قمعاً متزايداً لدى

المشاهد. بل تذكي لديه نار فحولته وسيطرته على «أبواب الحارة» ونسائها. صورة تموّلها البورصة النفطية عن حارات وليس عن مدن معاصرة

بحجة الاحتفاء بالفولكلور وحماية الأسرة العربية من عواقب العولمة. في حين أن الأفضل لدراما اليوم أن تتعظ مما يحدث في الشارع العربي على

امتداده الفسيح والمنتوع في ديموغرافيته وطبيعة سكانه

تطمح الشعوب العربية اليوم لبناء مدنها الحديثة القائمة على تكافؤ الفرص وحرية التعبير أمام جيل الشباب والشابات. أقول مدن لا حارات مغلقة

على نفسها، مدن ليس فيه «عقداء» تستمر صورهم في الاهتزاز. ربما لهذا تطرح المصادفة اليوم صورتين متجاورتين لعقيدين يتباعدان في

الجغرافيا والعمل، ويقتربان كحراس لحرملك وهمي واحد