2012/07/04

  عميد الصحافة العربية يرصد السهيرة منذ خمسين عاماً   أين نســـــــهر ؟!   بقلم سعيد فريحة   أجل، أين نسهر في لبنان؟ قد يظن البعض أن الجواب على هذا السؤال شيء سهل جداً، والواقع أنه صعب وأصعب مما يظن الكثيرون! إن السهر في لبنان مشكلة اجتماعية يعاني وطأتها الجميع بما فيهم العزاب! أقول هذا بالرغم من أني أعيش في لبنان، لا في اليمن السعيدة! وأقوله بالرغم من وجود عشرات، بل مئات المقاهي والفنادق الكبرى ودور السينما وعلب الليل! ولكن كل هذا لا يحل المشكلة! وليس في جميع الملاهي والبارات والفنادق الكبرى ودور السينما، جواب على سؤالي: أين نسهر؟! أنا مثلاً أحب السهر  ولا أستطيع أن أنام باكراً إلا إذا كنت مصاباً بالحمى أو بما هو شر من الحمى، وأعني الإفلاس ... وقد يخطر لي أن أسهر وحدي، فغلى أين أذهب ؟ إني أحب السينما، ولكني أكره الإعلانات، وأكره أن أمكث ثلاث ساعات بدون تدخين! وفي دور السينما يفرض كذلك مشاهدة سلسلة طويلة مملة من الإعلانات! إذن .. فطز في السينما! ولأبحث عن مكان آخر لقضاء السهرة، فإلى أين أذهب؟ إلى الكباريه ... وهذا هو المعقول! إن الخمر والموسيقى، وسيقان الهنا .. كلها من مشوقات السهر، ولكن هل هذا يجوز؟! أين حسن السمعة؟ وأين المحافظة على حرمة السن والمقام؟ وهب إني ضربت عرض الحائط بكل هذه الاعتبارات، فشربت ورقصت وناجيت الهوى مع حسناء من فيينا أو من شاطئ الدانوب، فهل أستطيع أن أفعل ذلك كل ليلة؟ وإذا استطعت، فمن أين المال الذي يهدر في الكباريهات بسرعة وقسوة وجنون؟! قد يقول قائل دع الخمر والنساء واكتف بسماع الموسيقى ومشاهدة "النمرو" توفر النفس، ولكن ليس في الكباريه! إذن ... فطز في الكباريه !! ولأبحث عن مكان آخر، فأين؟ في الكاف دي روا .. عال جداً، ولكن هل يطيب السهر في هذا المكان بدون رفاق ونساء وخمر ورقص ونطنطة على أنغام موسيقى العبيد ؟!! لتفرض أني استطعت أن أعثر على الرفاق والنساء، فهل أستطيع أن انطنط بهيكلي الضخم وكهولتي المباركة؟ إذن ... فدعنا من الكاف دي روا، ولنبحث عن مكان آخر، فأين؟ في صالة طرب .. إن صالات الطرب في العاصمة عظيمة جداً، ورائعة جداً .. وغير ذلك لا أستطيع أن أقول لأني أشعر، وأنا أكتب هذه السطور، أني أكاد أصاب بضربة كرسي أو برصاصة طائشة! وأعود إلى السؤال: أين أسهر؟ وأين يسهر المجتمع في لبنان؟ كنا في الماضي نتبادل  الدعوات إلى السهر في المنازل، وكانت سهراتنا لا تخلو من الموسيقى والطرب، ولكن بدون أن نضطر إلى هدر المال وهدر الكرامة، أما اليوم فإن معظم الناس يفضلون السهر خارج البيوت، ولكن أين؟ هل هناك غير السينما والكباريه؟ هل عندنا أندية تلتقي فيها العائلات كما هي الحال في دمشق مثلاً؟ عندنا ناد واحد للمقامرة فقط، ناد لا يفتح فيه كتاب، ولا تلقى محاضرة، ولا يجري حديث إلا عن البوكر والكونكان وعطل الورق يا شيري .. ولذلك تجد مئات الأسر اللبنانية تبحث كل مساء عن مكان لتمضية سهرة هادئة بعيدة عن اللعب، بعيدة عن الخمر، بعيدة عن النطنطة .. سهرة نلون فيها الحياة ونعيش  جو الفكر وجو الأسرة والصداقة والغزل البريء! لقد مللنا الجو الواحد، جو السينما والكباريه، فهل هناك جماعة أو شركة تنقلنا هذا الشتاء إلى أجواء جديدة ، فتنشئ نادياً أو عدة أندية في أحياء العاصمة نلجأ إليها عندما نريد أن نستريح من حياة الخمر والموسيقى وبنات الدانوب؟!   عن مجلة الشبكة العدد 38 السنة الأولى (15 تشرين أول 1956)