2012/07/04

عندما يتحول الإعلام إلى شريك في صناعة الحدث
عندما يتحول الإعلام إلى شريك في صناعة الحدث

سعدى علوه - السفير

شكّل أمس الأول، الأحد، اليوم السادس على بدء الاحتجاجات الجماهيرية والتظاهرات الشعبية المطالبة بـ«سقوط الرئيس المصري حسني مبارك ونظامه». ستة أيام تمخضت عن اتخاذ النظام المترنح ثلاثة قرارات رئاسية يحاول عبرها امتصاص نقمة المحتجين: تعيين عمر سليمان نائباً للرئيس، وإقالة الحكومة وتكليف احمد شفيق بتشكيل أخرى... وإقفال مكاتب «الجزيرة» وسحب اعتمادات مراسليها! طبعاً، بالإضافة إلى قرار سحب القوى الأمنية من الساحات، وإطلاق نزلاء السجون من المحكومين بجنايات، وترك البلاد للفوضى من دون إعلان رسمي عن تلك القرارات كإجراءات.

بذلك، يساوي النظام المصري إسكات «الجزيرة»، إن لم يكن بأهمية تعيين نائب للرئيس والتغيير الحكومي، فبأكبر منها. أهمية القناة لا تأتي فقط من تغطيتها للأحداث بل من المصريين أنفسهم، فانهالت الاتصالات على «الجزيرة» من المحتجين المؤكدين انه سيكون للقناة «ثمانون مليون مراسل»، هم عديد الشعب المصري.

ويؤكد القرار المصري الآراء التي تعتبر «الجزيرة» لاعباً أساسيا على الساحة المصرية، وتنطحها لأداء الدور نفسه الذي أدته خلال الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى إسقاط النظام التونسي قبل المصري. آراء لم تسقط التوقف عند «الأجندة السياسية المفترضة» للقناة.

ويمكن للمتابع لكيفية تعاطي «الجزيرة» مع ما يحصل في مصر أن يدرك أهميتها في إيصال صوت الشباب المصري الذي ينام في الشوارع، والأهم في رد التهم التي تطال المحتجين في التخريب والنهب والسلب.

ويمكن للعودة إلى بداية الاحتجاجات المصرية أن تشير إلى أن القناة القطرية لم تتخذ المنحى التصاعدي المواكب لنبض الشارع منذ اليوم الأول لاندلاعها في 25 كانون الثاني المنصرم، بل هي لحقت به بالمواكبة الفورية والتحليلية في اليومين اللذين تليا بداياته.

ففي اتصال للقناة مع أحد فعاليات منطقة السويس يوم الثلاثاء الماضي، حاول الرجل أن يوجه نداء إلى الرأي العام العالمي وإلى جمعيات حقوق الإنسان «عبر الجزيرة» كما قال، يشرح فيه عمليات قتل المتظاهرين التي تنفذها القوى الأمنية، فما كان من احد المذيعين في الحصاد المسائي إلاَّ أن قاطعه وانتقل إلى منطقة مصرية أخرى.

وطبعاً، لم تكتف «الجزيرة»، على عادتها، بنقل الخبر. فتدخلت القناة في تحليل ما يجري عبر توجيه الأسئلة إلى ضيوفها الآتين في معظمهم من خلفيات معارضة. ومع تعيين عمر سليمان نائباً للرئيس وتكليف احمد شفيق بتشكيل الحكومة الجديدة، قدمت المحطة لجمهورها «بروفيل» شخصياً لكل منهما كوجهين من السلطة نفسها، مع إبراز آراء المحتجين الرافضة للقرارين والتشديد على المطلب الأساسي والوحيد: «الشعب يريد إسقاط النظام»، و«رحيل مبارك».

ولكن «الجزيرة» لم تخترع الكلام، ولم تقوِّل المتظاهرين والشباب المصري غير ما يقولونه. هي أفسحت في المجال أمامهم للتعبير، تركت لهم الصوت والصورة ولم تتركهم حتى بعد انتصاف لياليهم. في المقابل، ركزت قنوات أخرى، كـ«العربية» والتلفزيون المصري، على السلبيات التي ترافق محاولات التغيير في مصر. وتردد وصف «البلطجية» الذين يسيطرون على الأحياء والشوارع في أكثر من تقرير، وتركت الكاميرا التجمعات الحاشدة في ميدان التحرير لتبين آثار التخريب والحرق في مصر، ولتستضيف أشخاصاً مقربين من النظام، أو على الأقل متحفظين تجاه ما يجري، إلى درجة بدا معها مذيعو «العربية» أحيانا متحمسين لبقاء النظام المصري ومبارك أكثر مما تقتضي المعايير المهنية في «نقل الخبر». ودفع إقفال مكتب «الجزيرة»، وتعذر تنقل مراسليها في مصر وخروجهم برسائل مباشرة، بالمصريين والشعوب العربية التي تتابع ما يجري على ارض»أم الدنيا» بحماسة، أن تعتمد على الـ«بي بي سي» العربية في محاولة لرؤية الصورة بشكل أفضل. وعدّل التلفزيون المصري بعض الشيء من أدائه بعد ظهور الإعلامية منى الشاذلي على شاشته لتدعو القيمين على الإعلام المصري إلى التعامل بمهنية أكبر مع ما يجري في مصر، «بلدنا»، مؤكدة أنه إذا لم ينقل التلفزيون المصري الصورة «فهذا لا يعني أنها لم تحدث»، ولتنتقل بعدها إلى صورة ميدان التحرير حيث يتجمهر المحتجون، ومن هنا «يبدأ الخبر».

ومع إيقاف بث «الجزيرة»، وسّعت «العربية» بعض الشيء من تغطيتها لنبض المحتجين، في محاولة لحصد نسبة مشاهدين اكبر نظراً للمتابعة المليونية التي تحظى بها أحداث مصر.

ولكن، عادت «الجزيرة» وردت «الصاع صاعين» للسلطات المصرية، ففي الوقت الذي كانت «العربية» تبث صور عودة رجال الشرطة إلى المدن، بعد سحبها من دون مسوغ واضح سوى تعميم المزيد من الفلتان، والتركيز على علاقتهم الودية مع الناس، بثت «الجزيرة» شريطاً مصوراً يركز على دهس عربات الشرطة والقوى الأمنية، وبتعمد، للمحتجين على احد جسور النيل في جمعة الغضب.

قد يكون أداء «الجزيرة» محكوماً بـ«أجندة سياسية معينة» كما يقولون، ولكن من يمكنه أن يناقش أنها لا تلبي تطلعات وطموحات الشارع العربي الطامح للتغيير، وإلا فكيف يفسرون نسبة المشاهدين التي تتفوق بها على أعتى المحطات العالمية؟.