2012/07/04

غسان مسعود : السينما تصنع رأياً وسورية تصنع قرارها
غسان مسعود : السينما تصنع رأياً وسورية تصنع قرارها

زبيدة الإبراهيم - البعث

السينما تزداد حضوراً في حياتنا، إنها تشكل – من جديد – وعينا وإدراكنا للعالم من حولنا، فهي تتدخل بصناعة الرأي العام بطريقة مذهلة، وهذا يجعل منها سلاحاً فتاكاً إذا أريد بها التركيز على موضوع دون سواه أو منطقة دون غيرها..ومن ذلك مانشهده مؤخراً من تركيز السينما الأمريكية ( سينما هوليوود ) على الترويج لصورة البطل الأمريكي الذي هو جندي في الغالب وغالباً مايكون التصوير في أماكن من العالم حيث تتواجد القوات الأمريكية، إذاً فالسينما الأمريكية بهذا المعنى صارت السلاح الثاني للبنتاغون وهي الأكثر استخداماً والأكثر تأثيراً أيضاً، فالسينما ليست مجرد إنفاق كبير وتكاليف باهظة من أجل ربح أكيد ومضمون، إنها صناعة رأي وهذا مايجعلهم ينفقون بسخاء على مايرغبون ترويجه ويعتذرون عن أفلام بكلف إنتاجية بسيطة لأنها قد تخالف أو لاتتفق مع رأي يريدون الترويج له، من هنا بوسعي أن أفهم لماذا يرفضون أعمالاً لي ولسواي، مع اعترافهم بسويتها الفنية العالية..  ومشاركاتي في أعمال أنتجتها شركات ذات سمعة عالية:«والت ديزني –فوكس» تثبت أنني وكثيرين غيري نفهم طبيعة الإنتاج السينمائي، ونعرف ما الذي يجعل من هذا العمل ناجحاً أم لا ..

هكذا تتدافع كلمات الفنان غسان مسعود المسرحي بامتياز، الفنان السينمائي العالمي الذي أبدع في أداء شخصية الناصر صلاح الدين بقيادة المخرج العالمي ريدلي سكوت في فيلم مملكة الجنة أو مملكة السماء وقد شارك هو نفسه بصياغة أكثر من مشهد كإعادة وضع الصليب حيث يجب له أن يكون.

وليست السينما وحدها من يصنع الرأي بالطبع، كما يقول مسعود فالمسرح كذلك يعيد صياغة المفاهيم والرؤى السياسية والجمالية والثقافية والاجتماعية  بعامه، ومحدودية جمهوره لا تعني محدودية تأثيره وتمكن الفنان من أدواته.. وغسان مسعود له بصماته الكثيرة في أدوار شهيرة مثل دوره في مسرحية الاغتصاب (رجل مخابرات صهيوني ) ودوره في عنبر رقم6 طبيب في مصح عقلي يصبح هو نفسه نزيلاً فيه، وغير ذلك من الأدوار التي تجعله على اتصال دائم بالمسرح، فهو يستعد لعمل جديد أو يخطط لعمل أو أكثر ..(بين يدي عمل أنوي تقديمه قريباً والنص أعده المسرحي والكاتب والمخرج الدكتور رياض عصمت وزير الثقافة، وهو مأخوذ من نصين من نصوص شكسبير، مما يعني أن الدكتور عصمت يعيد قراءة النص ويعيد إنتاجه، أي أنه يقدم رأيه وموقفه ولا يكتفي بدور الناقد المحايد ..).

وفكرة (الحياد )هي التي تثير حنق الأستاذ مسعود والتي قد يفهم هو بعض أسبابها ولكنه لا يقبل بها كنتيجة..

«كنت أخالف من يعتقد أن دور الفنان هو تقديم خدمة اجتماعية ثقافية فقط،  وكثيراً ما يقتصر دوره على ذلك فقط في أماكن كثيرة من العالم ولكن حين ينتمي الفنان إلى بلد مستهدف في مواقفه الوطنية والقومية – سورية مثلاً- فإنه مطالب بأن يكون جزءاً من استراتيجية الدفاع الذاتي عن بلده الذي ينتمي إليه، وقد نعذر فناننا المحلي إذا لم يكن ضليعاً بالسياسة أو متشبعاً بها، ولكن من يصدق أن أي فنان في بلدنا ليس وطنياً بالفطرة وإنسانيا في التكوين، هنا فإن بداهة الوعي تشكل موقفاً يحمي الفنان من السقوط في فراغ الموقف أو عطالة الرؤية.

وما تتعرض له سورية اليوم ليس جديدا عليها، قد يكون مباشراً ومرئياً أكثر من أي وقت من الأوقات، لذلك علينا فَهْمُ الرسالة جيداً ومواجهتها بكل تحدٍّ وإصرار، فسورية في كل مواقفها على الدوام لطالما صقلت مواهب الفنانين والأدباء وشحنت مواقفهم بالرؤى الثاقبة وبالعزيمة والإصرار..».

ولا ينسى مسعود الإشارة إلى أن الجمهور كل الجمهور، فنانين وكتاباً ومعلمين وطلاباً وكل فئات  المجتمع، مطالبون في هذا الوقت بالذات بتحديد مواقفهم ,فليس مقبولاً ولاممكناً أن تكون محايداً في لحظة قد تقرر مصير الوطن :

ويضيف (...أريد أن أقول للناس، لمن نسميهم الجمهور وهم كل الناس في هذه المرحلة بالذات حكّموا عقولكم وضمائركم وتذكروا أن كل نقطة دم سالت من مواطن سوري هي أمانة في أعناق كل السوريين، وهي فداء لكل السوريين، هي تضحية كبرى ممن يريدون لسورية أن تصير الأجمل.. والغرب الذي يهول من حقيقة مايجري ليس حريصاً على دمائنا أكثر منا، ولا يريد لهذه الدماء أن تصير منارةً لأجيالنا القادمة، إنه يريد لها أن تستجلب المزيد من الدماء تحت مسميات كثيرة.. إن علينا جميعاً أن نفهم أن تحقيقاً نزيهاً ومحايداً وموضوعياً لايمكن أن يصدر عن أناس لهم دواعيهم الخاصة في إطلاق المسميات، ونحن نثق بكل سوري أبيٍّ ومحبٍّ لبلده بأن دماء إخوته لن تهون عليه ولن يرضى بأن تضيع هدراً

إذاً، لا مكان للمحايد بيننا، نحن مطالبون بوعي مايجري والوقوف مع سورية، التي نحب ونتمنى أن يعتز بها أبناؤنا من بعدنا.. وتذكروا أن السجال العقيم على الفضائيات – غير المحايدة – غالباً ماينتهي بحوار مقطوع، أي حوار من طرفٍ واحد .

فالحقيقة- كما يجب أن تكون – لاتحتاج إلى حوار الطرشان، فبالوعي وتأصيل الانتماء يصنع الشعب خياره، وتصنع سورية قرارها ..».

هذا هو غسان مسعود، حاد وصارم، ليس في تقاطيع وجهه القاسية والتي تغدو صفحة من الأحاسيس يعبر بها عن كل ما تتطلبه طبيعة الشخصية التي يؤديها، فهو كذلك أيضاً في مواقفه وآرائه، حاد وصارم ومستعد دائماً لأي حوار بناء ومفيد.. ترى، مالذي يشغل باله، وما هي مشاريعه الجديدة وما المعايير التي ينتقي بها أعماله ؟

(...لا أريد أن أغش الناس أو أخدعهم، أنا حقيقةً أختار أفضل السيئ مما يعرض علي، وبعد أن أقرأ العمل جيداً أحاول أن أقدّر ما هي أقل الخسائر الممكنة في تقديم شخصية ما في هذا العمل أو ذاك ، وهو ما يرجح لدي عملاً على آخر لنعترف معاً أن أعمالنا التلفزيونية، على ما حققته وتحققه من نجاح، ما تزال موسومة بصفة الاستعجال، ومن هنا تأتي طروحات الكاتب المعلنة (شعاراته إن شئت ) غير متفقة مع مضمون العمل، فالكتابة ليست بالسهولة التي يظنونها، ولو كان ممكناً كتابة ألف صفحة بشكل جيد وصحيح- وهو الحجم المتوسط لأي عمل تلفزيوني- لكان بوسع الكاتب المسرحي المتمرس أن يكتب عشر مسرحيات كل عام، وهو ما لايحصل بالطبع! فكبار المسرحيين قد لايكتبون أكثر من عشر مسرحيات طوال حياتهم التي قد تبلغ السبعين عاماً ).

أما آخر أعماله فهي..

أصور حالياً شخصية الخليفة أبو بكر الصديق في مسلسل الفاروق، إخراج حاتم علي بالإضافة إلى عمل آخر هو للأمير بدر بن عبد المحسن بعنوان «التوق» وقد أحببت كثيراً الرواية، المأخوذ عنها، حيث أعد السيناريو الكاتب عدنان عودة وهو كاتب موهوب وأنا أرى أن هذا النص مهم جداً، والإخراج لشوقي الماجري وهو مخرج مهم أيضاً وأنا متفائل جداً بهذا العمل.

أما لماذا لم تتجاوز الدراما العربية السوق العربية وتدخل في سجال مع العالم، فيقول: لعل من أهم الأسباب أن العالم ليس بحاجة لنصوصنا العربية، فلديه نصوصه المحلية.

أريد أن أضيف شيئاً: لايوجد بلد في العالم إلا فيه نظام المسلسل، ونظام (السيتي كوم) يكون كوميدياً خفيفاً، هناك أيضاً أعمال في العالم تشغل وتكون رديئة وتعرض على مستوى محلي وضيق، يبقى المطلوب أن يكون عابراً للحدود، هنا تأتي السينما بالدرجة الأولى والمسلسل التلفزيوني بحدود ضيقة جداً، أي «أن السينما هي التي نأمل، ويجب لها أن تعبر الحدود والقارات»..