2012/07/04

فاطمة وروبي وما بينهما
فاطمة وروبي وما بينهما


مارلين سلوم – دار الخليج

لثلاثة أشهر أو أكثر، بقي المشاهد يضبط مواعيده على إيقاعات المسلسلين، وتتسابق القنوات على عرضهما في أوقات الذروة، وبفواصل إعلانية تفوق حجم الحلقة الواحدة، وخصوصاً “فاطمة” الذي انقلبت فيه المعادلة، وأصبحت لقطات المسلسل القصيرة هي الاستراحة التي يتنفس فيها المشاهد من طول الإعلانات وكثافتها . ويبدو أن الجمهور “لطيف جداً ومطيع”، لأنه لم يتذمر من الحلقات التي تصل ب”فاطمة” إلى الثمانين، وتمتد مع “روبي” إلى التسعين، وربما لو شاء الكاتب أن يمطهما إلى ما فوق المئة، للحق الناس بهما ليشاهدوا مصير أبطالهم المفضلين لهذا الموسم .

لن نعود إلى الوراء لنتحدث مرة أخرى عن سر انجذاب الناس إلى الدراما التركية، وعن “شطارة الأتراك” في صنع الحبكة الدرامية والإثارة وتطويع الصورة وجمال الطبيعة لتكون في خدمة المادة . سنذهب مباشرة إلى “روبي” و”فاطمة”، ومدى نجاح التجربة العربية المستقاة من الدراما التركية . لذلك نبدأ ب “روبي”، الدراما التي نجحت في خلق حالة جديدة وجريئة من الاقتباس المشروع والذي يمكن أن ينسيك أنه منسوخ عن عمل آخر، لأنه “تلبنن” و”تمصرن” فاقترب من المشاهد العربي أياً كانت هويته . وبفضل كتابة اللبنانية كلوديا مرشليان وإخراج السوري رامي حنا والأداء الرائع للأبطال اللبنانيين والمصريين والسوريين، تمكن المسلسل من تقديم “خلطة عربية” بنكهة مميزة، نتمنى تكرارها في كثير من المسلسلات، شرط الاحتفاظ بلهجات ولكنات الممثلين كما هي، دون اضطرار السوري أو اللبناني إلى التحدث بالمصرية أو العكس، كي يتم قبولهم في العمل . ومن خلال “روبي” رأينا مدى إمكانية نجاح الدراما في الوصول إلى كل متلقي عربي وبتلك الخلطة المتنوعة من اللهجات، فبدت أكثر صدقاً وتلقائية من تلك التي يتلعثم فيها الممثل خلال سعيه لإتقان لهجة غير لهجته .

السيناريو والإخراج والتمثيل تشاركوا في إنجاح “روبي”، لكن ذلك لا يعني أن العمل خال من الأخطاء المتفاوتة في حجمها . وللحق يجب التوقف عند أداء الممثلين الذين أثبتوا أن المسلسل هو بطولة جماعية وإن حمل اسم شخصية واحدة، بل يمكنك أن تطلق عليه اسم أي من الشخصيات التي تفضلها والتي لا تقل شأناً وحجماً وتأثيراً بالأحداث من البطلة روبي . يمكنك أن تسميه “عمر” الطبيب الرومانسي الذي لعب دوره الفنان مكسيم خليل بشكل مختلف فبرزت قدرته على التلوّن في التمثيل، وبدا مختلفاً وبعيداً كل البعد عن “علاّم” الشاب الفاسد الذي رأيناه العام الماضي في “الولادة من الخاصرة” . وهو حكاية “شيرين” التي لا تقل بطولة عن روبي، وقد أجادت دورها ديامان بو عبود . و”تامر” الذي جسده أمير كرارة بلونين مختلفين ينقلب فيهما من حالة الطيبة الزائدة إلى الشر وحب الانتقام . وهو “عليا” التي أدت دورها ببراعة فائقة تقلا شمعون، فجعلتها الأم الطيبة الحنون التي بقي طيفها حاضراً في المسلسل حتى بعد وفاتها المبكرة . أما “روبي”، التي أدتها سيرين عبد النور، فلم تدخل مباشرة إلى قلوب المشاهدين لأسباب عدة، منها المبالغة في ارتداء الملابس العارية والقصيرة بلا داعي، حتى شعرنا أن سيرين تمثل بجسدها وتحرك شفتيها، وأعتقد أن طول مدة التصوير وعدد الحلقات التسعين أفاد سيرين فشعرنا بالفارق الكبير في أدائها ما بين الحلقات الأولى ومنتصف المسلسل حتى آخره، حيث تمكنت مع الممارسة على ما يبدو من التقاط مفاتيح الشخصية والتحرر من التركيز على المفاتن فقط .

من الانعكاسات الإيجابية للدراما التركية على العربية، أنها دفعت المخرج رامي حنا إلى التركيز على جمال الطبيعة والصورة، ونشكره لأنه ذهب إلى أحياء لبنانية بسيطة ليصور فيها “بيت عليا”، ويمكننا القول إنه بيت لبناني حقيقي لم نره في مسلسلات لبنانية من قبل، حتى سكانه والجيران “حقيقيين” بملابسهم وألفاظهم و”صبحياتهم” . شخصيات لا نعرف لماذا غابت عن الدراما اللبنانية كلياً حتى اليوم، لتظهر على حسابها الصورة المرفهة جداً والملابس “الأوفر” جداً؟

ما ليس لبنانياً ولا سورياً ولا مصرياً في “روبي” هو ذلك “التحرر” في العلاقات خارج الزواج . صحيح أنها موجودة في كل المجتمعات، لكنها في “روبي” شملت كل الفتيات باستثناء شيرين وروبي وغادة، حتى الأمهات لم تسلمن في ماضيهن منها . والأنكى أن تقول امرأة عجوز لنسيبتها “أحبيه وليس من الضروري أن تتزوجيه”، وهذه من المستحيل أن تنطق بها امرأة عجوز في أي من بلادنا العربية . أما الرجال، فكلهم خائنون باستثناء الدكتور عمر المخلص للمرأة التي يحبها أو يتزوجها .

في هذا الجانب، يبدو مسلسل “فاطمة” أكثر التصاقاً بمجتمعه وبيئته، بل هو أكثر قرباً من “روبي” إلى مجتمعاتنا . المسلسل تناول قصة حقيقية وحوَّلها إلى دراما تلفزيونية، وما أسهم في حب المشاهدين له هو تطابق الرواية مع ملامح بطلته بران سآت التي أجادت لعب دور فتاة يتم اغتصابها، وتتحمل عواقب “الجريمة” فتنقلب حياتها . بران تجسد البراءة بالشكل وبلا ماكياج، كما تتفاعل بالأداء مع المضمون . قد لا تجوز المقارنة بين العملين، لأن “روبي” يتضمن قصصاً كثيرة متشعبة بينما “فاطمة” يتركز طوال الحلقات حول قصة الاغتصاب وكل من له علاقة بها، ولأن “روبي” سنة أولى دراما عربية بملامح تركية، لكن لا بد من الاعتراف بأن توقيت عرض المسلسلين في موسم واحد وعلى نفس القنوات وفي توقيت متتال، أخذ المشاهدين إلى المقارنة . كما لا بد من الاعتراف بأن “فاطمة” ممكن اختصاره بسهولة في 30 حلقة، وبأن كثيراً من حلقاته تطول بلا داعي، ويكتفي بتمرير مشهد واحد مثير ليشد المشاهدين إليه، بينما أحداث روبي أكثر تشعباً وأغنى من حيث الإثارة .

ما يسعدنا، أن تتكرر تجربة الدراما العربية المشتركة، لأنها ناجحة بامتياز، على أن تكون أكثر واقعية ومنطقية في مجرياتها، وأن تخرج الدراما اللبنانية من صفوف الطبقة البرجوازية التي اعتلتها خلال السنوات الأخيرة، وأن تتحرر من الإطار الضيق الذي عاشت فيه طويلاً أكثر من تحرر ممثلاتها في ملابسهن، لتنطلق عربياً لأنها تستحق.