2012/07/04

فتحي عبد الوهاب: رحلة بين الكومبارس المفلس إلى نجم من الطراز الأول
فتحي عبد الوهاب: رحلة بين الكومبارس المفلس إلى نجم من الطراز الأول

أكثر ما أعجبني في «كليوباترا» أنّ دوري فيه غير تاريخي تماماً.

المواقع الأثرية والأماكن الجميلة عطيّة ربانية حقيقية للدراما التاريخية السورية.

الدراما السورية قدّمت منذ زمن ما يفعله الأتراك الآن.

لا أحد سيضحّي برصيده الفني من أجل عمل عائلي.

لا يوجد شيء اسمه «سينما الشباب» لأنّ السينما في العالم قائمة على الشباب.

رفضتُ نص «سهر الليالي» مرتين بسبب الشخصية.

أنا ضد نهاية فيلم «كباريه».

ما زلت أحلم بتجسيد شخصية الرئيس محمد نجيب.

أنا سعيد جداً بالإقامة في دمشق حتى أنّي أفكّر بشراء منزل قريباً.

خاص بوسطة: علي وجيه

لا شكّ أنّ فتحي عبد الوهاب من أهم الأسماء التي تمكّنت من إيجاد مكانة مميزة لها في السينما المصرية، ولفتت الأنظار إليها بعد الأدوار المتنوّعة التي قدّمها الشاب في السينما والتلفزيون، والسوية الخاصة التي يختار وفقها أعماله المختلفة.

يعرفه الجمهور السوري جيداً من أفلام مثل: «فيلم ثقافي»، «فرحان ملازم آدم»، «سهر الليالي»، «البلياتشو»، «أحلام حقيقية» و«كباريه». ويقوم حالياً بتصوير دور البطولة في مسلسل «كليوباترا» إلى جانب سلاف فواخرجي، ويشارك عادل إمام بطولة فيلمه القادم «الزهايمر».

هذا الحوار المطوّل مع النجم المصري أخذ أكثر من جلسة في أوقات متباعدة، نشر بعضه في منابر مختلفة (شرفات الشام بمشاركة الزميل سعيد محمود - تشرين دراما)، وبعضه يُنشَر لأول مرة في «بوسطة».

«في آخر كرسي، بسينما درجة تالتة، كنت قاعداً.. اتفرجت على فيلم، مرة.. مرتين.. كتييييير.. نقول حفظته! وفي يوم بصيِّت لفوق، وقعت ساعتها عينيّ على نور خارج من شباك صغير جاي منين مش عارف! بس شوفت رايح فين.. ولقيتهم خارجين من النور عشان يقفو على شاشة بيضا أو يقعدو أو يضربو أو يتخانقو، المهم إنهم كانو بيمثلو.. وسألت مخي الصغيّر وقتها، هما دول ملايكة والا بشر، لقيت عقلي بيرد عليَّ: هو في بشر يطلعو من نور؟ دول أكيد مش بشر!! !! ! ومن هنا بدأت علاقتي مع السينما».

ما قصّة هذه السطور التي كتبتها؟

كتبتُ هذه السطور لأنّي عشتها. كان جدّي يملك دار سينما في الأرياف، وكانت العائلة بأسرها تتخلّص من الأطفال وشغبهم عن طريق إرسالهم إلى سينما جدي، الذي كان يجعلنا نقف ضمن صف أمام باب السينما لنلم بقايا تذاكر رواد السينما في «عبِّنا»، وما أن تمتلئ «فانيلتي» الصغيرة بالبطاقات، كنت أجري لأفرغها في مكتب المدير وأعود للمِّ التذاكر من الداخلين مرة أخرى. بعد الانتهاء من هذه المهمة كنت أدخل لمتابعة الفيلم الذي كنت أحضره لمرات كثيرة.

في أحد الأيام، كنت جالساً في نهاية الصالة وأخذت أتأمل الضوء الخارج من صالة العرض. تأمّلته بعقلية طفل يخشى أن يمدّ يده خوفاً من أن يجرفه سيل الضوء هذا، ليأخذه إلى عوالم الفيلم فلا يستطيع العودة إلى أهله ثانية. من هنا بدأت الحكاية، وبدأ حلمي بالدخول إلى «النور» مع هؤلاء الأشخاص.

ما هو أول دور دخلتَ من خلاله عالم «النور»؟

كان شخصية سيرانو دي بيرجوراك ضمن فيلم قصير مدته 12 دقيقة. من خلال هذا الفيلم رأيتُ نفسي للمرة الأولى على الشاشة الكبيرة.

عادةً ما يكون النجم «السينمائي» حذراً عند القيام بأيّة خطوة تلفزيونية، فما بالك إذا كانت هذه الخطوة في دراما جديدة عليه من حيث النوع والذهنية. من هنا أسأل: ما الذي دفعك للاشتراك في مسلسل «كليوباترا»؟

الحذر موجود دائماً بغض النظر عن طبيعة الميديا سواءً سينما أو مسرح أو تلفزيون. الممثل يكون حذراً أيضاً عند الدخول في عمل سينمائي، وهو حذر أكبر بالمناسبة. الفكرة الأساسية هي الدور الجيد الذي يفرض نفسه على الممثل لأنّه يضيف إلى «المشروع» الذي يشتغل عليه. وبالتالي، إذا كان المشروع هو التنويع في الأدوار الجيدة أو «المدهشة»، فإنّ الميديا أو الوسيط المستخدم لهذه الغاية لا يهم.

أكثر ما أعجبني في «كليوباترا» أنّ دوري فيه غير تاريخي تماماً، فأداء شخصية غير تاريخية (الصعلوك كاري) في عمل تاريخي على خلفية شعبية أمر جاذب للغاية بالنسبة لي، لأنّه لعبة جيدة فعلاً. إضافةً إلى الشخصية الثانية «أبولودور» التي يمكن القول إنّ «كاري» تنكّر من خلالها للعودة إلى بلاط محبوبته «كليوباترا» بعد السفر والثراء.

هل يمكن اعتبار هذا الخيار جزء من إستراتيجية خاصة بك لزيادة انتشارك كنجم لدى الجمهور المتابع للدراما السورية؟

لم ألتفت لهذه الناحية حقيقةً لدى قراءة نص «كليوباترا»، لأنّ الدور هو الأساس كما قلتُ لك. أنا من المتابعين لإنتاجات الدراما السورية، وفي سورية هناك متابعون للإنتاجات المصرية، وبالتالي التفاعل موجود ومتبادل.

الفن هو «دين» واحد في كل العالم، وبالتالي لا توجد صعوبات أو معايير مختلفة للعمل في أيّ مكان.

لطالما أشاد الفنانون المصريون بالدراما التاريخية السورية. هل لمستَ اختلافاً أو تميزاً ما على أرض الواقع خلال العمل في «كليوباترا»؟

لا يوجد اختلاف من ناحية التقنيات الفنية المعروفة. ولكن هناك أمر لا يمكن إنكاره، هو كمّ المواقع الأثرية والأماكن الجميلة المفتوحة في كل أنحاء سورية. هي عطيّة ربانية حقيقية للدراما التاريخية السورية، تُضَاف إلى السوية العالية للعاملين في هذه الدراما.

زد على ذلك موضوع توظيف المكان بأسلوب معين وخاص في خدمة الصورة، فالدراما التاريخية السورية متفوّقة بمراحل في هذه الناحية على الأتراك مثلاً. مَن يتحدّث عن الصورة وسحر الأماكن في الدراما التركية ثم يشاهد عملاً مثل «أخوة التراب»، سيدرك أنّ الدراما السورية قدّمت منذ زمن ما يفعله الأتراك الآن.

ما رأيك فيما أثير حول العمل حتى الآن؟ قيل إنّ النحس يلاحق «كليوباترا» مع الإصابات المتتالية للعاملين فيه أثناء التصوير، وإنّه مسلسل عائلي كون البطلة زوجة المخرج وطفلهما من ضمن الممثلين؟

أعتقد أنّ وصف «نحس» مبالغ فيه أكثر من اللازم. ما حدث أنّ الصدفة الموضوعية أدّت إلى التصوير في قلعة الحصن. وهي مكان بديع وجميل للغاية نهاراً، إلا أنّه موحش ووعر جداً خلال الليل. ومع طاقم العمل الضخم بين مجاميع وممثلين وفنيين، من الطبيعي أن تقع بعض الحوادث  أثناء التصوير. نحمد الله أنّها اقتصرت على بعض الأمور البسيطة ولم تسفر عن نتائج خطيرة.

النقطة الثانية سئلتُ عنها في لقاء على قناة الحرة مؤخراً، وإجابتي تأتي من منظور براغماتي. بمعنى أنّي ممثل محترف، أعمل مع مخرج محترف في مسلسل جميع أبطاله محترفين، وبالتالي لا أحد سيضحّي برصيده الفني من أجل عمل «عائلي» كما وصفه البعض، خصوصاً أنّ الجمهور يقظ ويدرك مستوى المادة الموجّهة له. لذلك أقول: التقييم الحقيقي يأتي بعد عرض المسلسل، والحكم على النتيجة وليس على التفاصيل الصغيرة.

ما توقعاتك لـ «كليوباترا» بعد عرضه في رمضان القادم؟

أعتقد أنّه سيكون عملاً مثيراً للجدل.

يُعرض لك في رمضان أيضاً مسلسل «سنوات الحب والملح» للمخرج محمد فاضل. هل تقديم السينما والتلفزيون بهذا الكم خلال عام واحد يمكن أن يؤثّر على الممثل فكرياُ؟ وهل تحاول ترسيخ نفسك كنجم تلفزيوني كما فعلتَ في السينما؟

بالنسبة للشق الثاني من السؤال: لمَ لا؟ هذا من ناحية المبدأ، ولا علاقة له بما حصل. «سنوات الحب والملح» كان يُفترَض أن يُعرَض في رمضان الفائت، ولكن ظروف السفر والتصوير في عدّة دول وأماكن من بينها مقر الأمم المتحدة، أدّى إلى تأخير العمل إلى رمضان القادم.

العملان مختلفان تماماً ولا علاقة لأحدهما بالآخر نهائياً، فالأول تاريخي قديم والثاني يتناول تداعيات ثورة يوليو 1952 في مصر. لذلك لا أرى مشكلة من ناحية الظهور فيهما معاً.

بالانتقال إلى آخر أفلامك «عصافير النيل» قصة الكبير إبراهيم أصلان، وهو صاحب «الكيت كات» أيضاً، وسيناريو وإخراج مجدي أحمد علي. كيف تعاملتَ مع شخصية «عبد الرحيم»  التي تمتد لـ 23 سنة كاملة؟ وما الخصوصية التي أضافها اسم أصلان إلى العمل؟

الامتداد الزمني للشخصية بتحوّلاتها النفسية والشكلية يثير شهية أيّ ممثل. وكان أصعب ما في الموضوع هو عوارض المرض الذي يصيب «عبد الرحيم» في النهاية، فسألتُ أطباء عن التفاصيل بدقة ليبدو المرض حقيقياً على الشاشة.

إبراهيم أصلان له عالمه الخاص الذي يفرض نفسه، وهذا يدفعك لاستحضار هذا العالم بكل تفاصيله وسحره. بالنسبة لي، إبراهيم أصلان مثل تشيخوف، ينسج دنياه الخاصة في أعماله، وبصمته مميزة عن كل الكتّاب والروائيين. وكنّا سعداء جداً عندما أثنى على الفيلم بعد مشاهدته، فهو يفهم اختلاف الوسيط الأدبي (الرواية) عن الوسيط المرئي الفني (السينما).

تعرّض الفيلم لهجوم عنيف بسبب جرأته ووجود بعض المشاهد التي اعتبرها البعض فاضحة أو ساخنة أكثر من اللازم، حتى أنّ بعض الصحفيين اتهمك ببيع نفسك والتخلّي عن مبادئك، وهناك مَن رفع دعوى قضائية على الممثلة عبير صبري لأدائها تلك المشاهد. كيف تتعامل مع هذا الهجوم؟

لا ألتفتُ لمثل هذه العناوين العابرة. ليس من باب التعالي، وإنّما من مبدأ نظرتي للأمور. قل لي إنّ الشخصية أفلتت منك في هذا المشهد، وسأظلّ ألوم نفسي بقية حياتي إن كان هذا صحيحاً. ولكن لا تقل لي إنّ هذه مشاهد جريئة. ماذا تعني كلمة «جريئة»؟ هل الجرأة هي وجود مشهد حميمي في الفيلم، أم أنّها في طرح القضايا الحساسة ومناقشتها؟ لماذا نتصيّد هذه المشاهد في السينما التي تقوم بتبريرها درامياً ووضعها في إطار فني وجمالي مناسب، ونتجاهل الفجور الحقيقي الموجود في الكليبات؟

ألا تعتقد أنّ جزءاً من هذا الهجوم يعود لـ «ترايلر» (الإعلان الترويجي) الفيلم الذي أوحى بتركيزه على تلك المشاهد أنّه فيلم «مناظر» كما يُقال؟

هذا صحيح، ومَن دخل الفيلم على أنّه «مناظر» كما تقول أصيب بالإحباط في الصالة. هذه ثقافة الغلاف التي نتحدّث عنها.

لستُ مع هذا الـ «ترايلر» الذي عُرِضَ على الفضائيات، فهو تجاري ومَن أنجزه يشبه بائع بنطلونات الجينز في العتبة بمصر. أقصد هنا المنطق التجاري البحت في التعامل مع المادة الفنية.

هل يجب على المبدع العربي أن يفكّر الآن بحزمة كاملة هي: النتاج الإبداعي والرقابة الرسمية والرقابة الشعبية قبل أن يبادر إلى تنفيذ أي عمل مثير للجدل كهذا؟

طبعاً. المشكلة الأكبر في الوطن العربي هي الرقابة المجتمعية قبل الرقابة الرسمية. أية محاولة لتقديم وجهة نظر مختلفة، تصطدم مباشرةً بسلطة المجتمع الأبوي. على المبدع أن يكون ذكياً في التعامل مع المجتمع، بحيث يلفت انتباهه إلى ما يريد دون الاصطدام معه، لأنّ المجتمع في النهاية هو العائلة والأصدقاء والأقارب والجيران. إذاً: لا مصلحة لأحد بالاصطدام مع المجتمع أو معاداته.

السينما المصرية قدّمت في تاريخها الكثير من الأفلام الجريئة شكلاً وموضوعاً، من أيام هند رستم وحقبة الستينيات والسبعينيات، وكان المجتمع يتقبّلها. هل بات المجتمع العربي يرفض ما كان يقبله سابقاً مع كل التطوّر الحاصل في العالم؟

المشكلة في المجتمع وليس في السينما، فما يحصل ببساطة أننا نتراجع بدل أن نتقدّم.

الرواية الأصلية كانت تركّز على «عبد الله» الناشط السياسي الشاب. لماذا تمّ تحويل البطولة إلى «عبد الرحيم» الفلاح البسيط النازح إلى المدينة؟

وهل كان «يوسف» هو ابن «الشيخ حسني» في «الكيت كات»؟ هي حيل ووسائل فنية تستخدم للوصول إلى الرؤية التي ينوي الفيلم تقديمها عن الرواية. الأمر بهذه البساطة.

لماذا تُرِك زمن الأحداث في الفيلم مجهّلاً دون تحديد؟

ربما يكون الزمن مجهلاً على صعيد الأحداث والشخصيات، ولكن عندما ترى مشهد الشباب الملتحين الذين يضربون شخصاً عند بيته لأنّه لا يصلّي الفجر في الجامع، فهذا يعني أننا في أواخر السبعينيات أوائل الثمانينيات، حين كان ذلك المشهد يحدث فعلاً في مصر. السبب الآخر لتجهيل الزمن هو أننا نعرض لسيرة حياة رجل وليس لبلد كامل.

البعض رأى أنّ إيقاع الفيلم بطيء نوعاً ما. ما رأيك؟

أعتقد أنّ مَن اشتكى من بطء إيقاع «عصافير النيل»، سيستمتع كثيراً بأفلام الأكشن الأمريكية.

«عبد الرحيم» في «عصافير النيل» تخلّى عن المبادئ التي تربّى عليها، في حين أنّ «فرحان» في «فرحان ملازم آدم» تشبّث بها، وهما النازحان إلى المدينة. هل يمكن للممثل نفسه أن يقرأ نفس الشخصية بأوجه متعددة؟ وكيف يضمن ألا يلجأ الجمهور إلى المقارنة السلبية؟

مَن شاهد الفيلمَين لا يمكن أن يقارن بين الشخصيتين إطلاقاً مع الاختلافات الكبيرة بينهما. أنا الآن أجري حواراً صحفياً، وهو ليس حواري الأول، ولكنّه بالتأكيد يختلف عن البقية. إذاً: ليس هناك مشكلة طالما أنّ الاختلاف موجود.

هذه تجربتك الثانية مع مجدي أحمد علي بعد «خلطة فوزية» العام الماضي. الفيلمان يتناولان هموم المهمّشين والمجتمع المصري بجوّ من الواقعية السحرية. هل هي محاولة لقراءة واقع قاس بأسلوب رومانسي؟ وهل هي جزء من مشروع سينمائي أكبر أو رؤية مشتركة بينك وبين مجدي؟

عموماً أنا ضد الغلظة والخشونة في التناول الفني، فلا يمكن أن أعرض لجريمة قتل بالتفصيل وأصوّر دم الضحية يسيل على الكاميرا بحيث يشعر المتفرّج بالنفور من الفيلم. يمكن أن أحرّض مشاعر الجمهور، ولكن لا أعذّبه أو أصدمه بعنف.

مجدي وأنا نلتقي في هذه الرؤية، ولكن لا يمكن القول إنّ هناك مشروعاً مشتركاً. كلما وجدنا أنّ العمل والشخصية مناسبان لكلينا سنعمل سويةً.

ماذا عنت لك جائزة أحسن ممثل عن «عصافير النيل» في مهرجان القاهرة السينمائي، خصوصاً أنّك المصري الرابع الذي ينالها بعد أحمد زكي ومحمود عبد العزيز وعماد حمدي؟

مهرجان القاهرة مصنّف رقم 12 على مستوى العالم، وهو مهرجان عريق له سمعته وشخصيته رغم مشاكله التي تتزايد عاماً بعد الآخر. منها ما ولد معه، ومنها ما يعود لنظرة الدولة نفسها إلى السينما وما إلى ذلك من حيثيات. ولكن المحصلة أنّ الإنسان يشعر أنّ هناك مَن يقدّر عمله ومجهوده، وأنّ الخيارات الجيدة مهما كانت صعوبتها لها مردود قادر على إرضاء صاحبها وإشعاره أنّه يسير بالطريق الصحيح.

ترسم لنفسك خطاً فنياً خاصاً، وتقدّم نفسك للجمهور والنقاد بشكل ثقافي وشخصي معين بعيد عن عقد النجومية. ألا تعتقد أنّ لهذا الخيار ثمن في معايير السوق والصناعة؟

بالتأكيد، لا يوجد شيء دون ثمن. ولكن في النهاية لا أريد عمل أفلام ذات مردود آني فقط، بحيث تفقد قيمتها وضرورتها بعد مرور أسابيع على عرضها. انظر إلى «سهر الليالي» مثلاً، ما زالت نسبة مشاهدته مرتفعة حتى الآن عندما يعرض على الفضائيات.

ولكنّك دخلتَ اللعبة التجارية البحتة في بعض أفلامك..

دخلتُ اللعبة التجارية في كثير من أفلامي وليس بعضها، وهذا مهم للممثل ويدخل في إطار التنويع. أنجزتُ بعض الأفلام لأنّها تتقاطع في نقطة ما مع مشروعي، وإن كانت لا تدخل في صلبه تماماً. مراعاة السوق في بعض الأفلام ليس خطيئة، ولكن الخطيئة، من وجهة نظري، أن يبقى الممثل ملتصقاً بهذه النوعية دائماً، ولا ينظر إلى الأنواع الأخرى.

بعض أفلامك تنتقد الأصولية الدينية، ومعلوماتي عن فيلمك القادم أنّه يتابع في هذا الخط بقوة أكبر. ألا تخشى من استعداء جزء من مجتمع يعدّ المد الديني أحد وجوهه الظاهرة، أو على الأقل مَن يروّجون لهذا المد داخل المجتمع؟

لا وجود لحالة استعداء هنا. نحن نطرح أفكاراً معينة تصبّ في إطار الحوار ومناقشة قضايا موجودة أساساً في المجتمع. نحن نتحدّث عن خطاب متشدّد يُفرَض دون إتاحة أيّ مجال للنقاش، وهذا لا علاقة له بالدين نفسه. هي مجرد أفكار كما قلتُ لك.

بالنسبة للناس، أعتقد أنّ مَن يستمع للآخر دون وجهة نظر مسبقة ومواقف مبيّتة، لن يجد مشكلةً فيما تحاول هذه الأفلام قوله.

في ظروف الصناعة الحالية، هل تنظر للمستقبل القريب بتفاؤل أم تشاؤم؟

أنا متفائل. التفاؤل يأتي من أصالة صناعة السينما في مصر، فهي موجودة منذ 110 سنوات مرّت خلالها بنكسات وصحوات عديدة، ونحن نقرأ عن أزمة السينما مذ كنّا أطفالاً. إضافةً إلى وجود الكثير من الكفاءات التي تحب السينما وتخاف عليها فعلاً، وهذا من أهمّ المؤشرات الإيجابية.

التشاؤم يعود إلى بعض الأفكار المجتمعية السلبية، والأزمة الاقتصادية العالمية، والعلاقة الاعتمادية على بعض الفضائيات العربية التي كانت تموّل السينما المصرية وتوقفت منذ فترة قريبة. السينما المصرية لن تنتج هذا العام أكثر من 20 فيلماً، وهذه كارثة بكل المقاييس.

عندنا يُقال: «الشاطرة تغزل برجل حمار»، ونحن الآن بحاجة إلى هذه الشطارة. ومن هنا يأتي تفاؤلي أيضاً، لأنّي أؤمن بوجود ناس شاطرين عندنا.

أليس غريباً عدم وجود قانون ناظم لصناعة عمرها 110 سنوات في مصر؟

هذا لن يحصل طالما اقتصرت نظرة الدولة إلى السينما على أنّها من وسائل الترفيه فقط كالسيرك والملاهي. نحن بحاجة إلى حراك كامل على المستوى السياسي والقانوني، لطرح قانون متكامل وصولاً إلى إقراره في مجلس الشعب وهكذا.

تقوم بتصوير دورك في فيلم «الزهايمر» مع عادل إمام. حدّثنا عن هذا العمل.

الفيلم تأليف نادر صلاح الدين وإخراج عمرو عرفة، وهو أول عمل لي معهما، في حين أنّي التقيتُ مع عادل إمام سابقاً. أنا سعيد بتجربة البطولة مع اسم مثل عادل إمام لأنّ هذا سيسجّل في مسيرتي، مثلما أذكر المشهد الوحيد الذي جمعني بالراحل أحمد زكي في فيلم «أرض الخوف».

لأول مرّة سأضطر للتوفيق بين عملَين في نفس الوقت، وهذا يتطلّب انتقالاً مستمراً بين سورية حيث يصوّر «كليوباترا» ومصر حيث سيصوّر «زهايمر». يفترض أن ينتهي التصوير وفق الوقت المحدد للحاق بعطلة عيد الأضحى.

اسمكَ مرتبط بعدد من المشاريع المستقبلية مثل فيلم الـ 3D «ألف ليلة وليلة» و«كاريزما» و«كلام جرايد» وغيرها. هل يمكن أن نعرف تفاصيل هذه المشاريع؟

«ألف ليلة وليلة» أول فيلم 3D عربي، صوّرنا قسماً ترويجياً منه لجلب إنتاج لكامل الفيلم، لأنّ تكاليفه باهظة جداً. يوجد شركة منتجة للمسلسل الذي سيحمل نفس الاسم، وسيكون «غرافيك» بالكامل عدا الممثلين.

«كاريزما» فيلم تشويقي بوليسي مؤجّل لأسباب إنتاجية، ربما نتمكّن من إنجازه خلال الفترة القادمة.

«كلام جرايد» فيلم جاهز للعرض، أي أنّه في العلب حالياً، ولكن هناك خلافات بين جهات إنتاجية داخلة فيه حالت دون عرضه حتى الآن. هو فيلم خفيف ألعب فيه دور مذيع برامج «توك شو» يدخل في حالة منافسة مهنية مع زميلته، وتحصل بينهما قصة حب.

بالعودة إلى البدايات في فيلم «صعيدي في الجامعة الأمريكية» الذي فتحَ الباب أمام جيل بأكمله من النجوم الشباب. حدّثنا عن خصوصية هذا الفيلم.

أعتقد بأن الجمهور المصري يمارس حقه في التغيير من خلال السينما فقط. انطلاقاً من ذلك، نجد أنّ المجتمع كان جاهزاً في ذلك الحين لاستقبال جيل سينمائي جديد، ولاستقبال مصطلحات وتقنيات جديدة في السينما.

على سيرة المصطلحات، نذكر «السينما النظيفة» و«سينما الشباب» التالية لنجاح «إسماعيلية رايح جاي» و«صعيدي في الجامعة الأمريكية». هل أنت موافق على هذه المصطلحات؟

«مافيش حاجة اسمها كده». هذه مصطلحات جاهلة ومتخلفة وساذجة وعقيمة. لا يوجد شيء اسمه «سينما الشباب»، لأنّ السينما في جميع أنحاء العالم قائمة على الشباب الذين يغّيرون. من ناحية أخرى، أعتقد أنّ «السينما النظيفة» هي التي تحترم عقليتي كمتفرج، والتي تغيّر واقعي.

هنالك مَن يقول إنّ مصطلح «السينما النظيفة» هو من اختراع صنّاع السينما في العالم العربي بهدف إعادة الجمهور إلى الصالات. ما رأيك بذلك؟

هنالك شقّان لهذا الموضوع: أولاً المجتمع نفسه، وثانياً أبطال الأفلام الذين لا يصلحون لتقديم دور الفتى الأول. مشكلة السينما لدى الشعب العربي والشعوب الشرقية عموماً، هي التوجه إلى تقديم «سينما متغطية وكل حاجة من تحت الطربيزة».

من الكومبارس المفلس الذي يعود إلى المنزل سيراً على الأقدام، انتقلتَ إلى أدوار صغيرة ولافتة حتى وصلتَ إلى النجومية والبطولة المطلقة في أفلامك الأخيرة. كيف تمكنتَ من الحفاظ على هذا الخط البياني المتصاعد خلال مسيرتك؟

لا أرغب بأن أنسب لنفسي فضيلةً غير موجودة. ما يحصل هو أنني أقرأ النص في البداية، وإن لم يعجبني أرفضه. ليس من باب التعالي، ولكن من باب عدم قدرتي على تنفيذه. أكون كاذباً إن قلتُ إنني أختار سيناريو من بين عشرة سيناريوهات. الحقيقة أنني أختار نصاً من بين ثلاثة نصوص تُعرَض عليّ، ولكنّها تكون خاصّةً وليس من السهل أن ينفّذها أي ممثل. الاختيار لا يكون من قبلي أنا فقط، هنالك المخرجون والمنتجون أيضاً.

فيلم «سهر الليالي»، الذي كنتَ أحد أبطاله، أحدث إعصاراً من النجاح النقدي والجماهيري، حتى أنّه وصل إلى التصفيات ما قبل النهائية لجوائز لأوسكار. حدّثنا عن هذا الفيلم؟

في الحقيقة رفضتُ نص هذا الفيلم مرتين بسبب الشخصية التي عُرضَت عليّ. رجل يختلف مع زوجته بعد خيانته لها، ثم لا يحدث بينهما أي تطور درامي حتى نهاية الفيلم. من ناحية أخرى، لم أجد لهذه الشخصية أيّة لمعة على الورق، فحاولت إيجاد منطق لها. جعلته كالأطفال، فالطفل الذي يدخن و«ياكل علقة من أبوه» سيهرب من صديقه المدخن حتى لا تبقى رائحة الدخان عالقةً بثيابه، وهذا ما فعلته في الفيلم. بعد خيانة زوجته، جعلته يهرب من العاهرة، كما أنّه تعامل معها بشراسة وعدوانية في مشهد السيارة لاحقاً.

ننتقل إلى فيلم «كباريه» الذي لفتَ الأنظار وأحدث نجاحاً جماهيرياً هاماً. قلتَ إنك ضد نهاية الفيلم، لماذا؟

أنا ضد النهاية التي تقول إنّ مَن يبقى في هذا المكان سيتم تفجيره، ومَن يخرج منه سيهتدي وينجو. هذا نوع من التخويف والترهيب الشديدين. رفضتُ هذه النهاية لأنني أرفض القسوة والأحكام المسبقة.

لديك قدرة هائلة على التواصل مع الآخر وفق مستواه وثقافته. هل هي أحد أعباء النجومية؟

هو أمر طبيعي اكتسبته مع الخبرة والمواقف المختلفة والتواصل مع مختلف شرائح المجتمع واختبار. لا أدري إذا كان ذلك ميزة، ولكنّه بات طبيعياً بالنسبة لي.

هل ما زلتَ تطمح لتجسيد شخصية الرئيس محمد نجيب؟

بالتأكيد. هذا الرجل ظلِم كثيراً رغم كل ما قدّمه لحركة الضباط الأحرار. وضع نفسه في الواجهة، وكان المرشح الأول للإعدام لو لم تنجح الثورة. وبعد سنتين عندما طالب بالديمقراطية وبعودة الجيش إلى مكانه، نكّل به ونفي ولقي معاملة قاسية.

هذا المشروع مرشّح للسينما بالدرجة الأولى، وفي حال إنجازه سيكون إنتاجاً ضخماً وسيلقى الكثير من المحاذير نظراً لحساسيته. قد أؤدي فيه فترة الشباب، ويأتي ممثل أكبر سناً للمرحلة التالية. أتمنى أن تتحسّن ظروف الصناعة لنتمكّن من إخراج هذا المشروع إلى النور.

ما هي خلطة فتحي عبد الوهاب الخاصة بالسينما السورية؟ ولماذا يرى أنها قادمة بقوة؟

مشكلتكم الأولى تكمن في عدم وجود دور عرض، والثانية هي إحجام المنتج الخاص عن دخول السوق السينمائي واقتصار الإنتاج على المؤسسة العامة للسينما تقريباً.

حل المشكلة الأولى هو الأهم، لأنّ الباقي يأتي لوحده بعدها. بعد وجود الأرضية المناسبة، سيتجه المنتجون إلى السينما بشكل طبيعي.

كلمة أخيرة للجمهور السوري..

فعلاً وبكل صدق، لا أشعر بأيّة غربة أو أنّي في بلد آخر. أنا سعيد جداً بالإقامة في دمشق، حتى أنّي أفكّر بشراء منزل قريباً.

كما أشكر موقع بوسطة الالكتروني.