2012/07/04

فريد شوقي يكتب لبوسطة
فريد شوقي يكتب لبوسطة

امرأة خلقت مني وحشاً بقلم فريد شوقي   فريد شوقي يكتب اليوم اعترافاً بأنه عاش بعض طبيعته على الشاشة، كان يحلو له أن يعذب النساء وينشر عليهن ظلاً من كراهيته وحقده واحتقاره، إن فريد يروي لنا في اعترافاته هذه، السر الذي فرض عليه أن يصبح: غولاً بشعاً يكره النساء: أول (إنسانة) دخلت حياتي هي زوجتي الأولى، تزوجتها في عام 1945، تزوجتها وأنا أظن أن زواجي منها سيضعني على قمة مجدي الفني، فقد كانت فترة خطبتنا رائعة، تحدثنا فيها عن عملي الفني فإذا خطيبتي هذه شعلة متأججة من الحماس لهذا العمل، ومبشرة بالمستقبل المجيد الذي ينتظرني، وتصورت أن الله قد وهبني اليد الحانية التي تسدد كفاحي والقدرة الهائلة التي يمكن أن تصوغ موهبتي وتيسر لها طريق النجاح. وكنت مخدوعاً. فما أن تزوجنا وعشنا تحت سقف واحد حتى تحولت الزوجة المتحمسة لعملي الفني إلى (سجانة) تقيم حولي أسواراً لا أقوى على تخطيها. كنت في هذه الفترة أخطو أولى خطواتي في الميدان الفني، وكنت في حاجة إلى التشجيع من زوجتي، ولكن الذي حدث أنها تحولت إلى (إنسانة) قاسية تهاجمني وتهاجم عملي وتحاول تدمير مستقبلي بكل ما أوتيت من قوة، كانت تحاول تحطيم روحي المعنوية بتلك الصورة المظلمة التي ترسمها لمستقبلي، وكانت لا تنقطع عن ندب حظها الذي أوقعها في رجل مثلي، لا حاضر له ولا مستقبل إلى درجة جعلت الدنيا تظلم في وجهي وتدفعني إلى التفكير في الانتحار لأتخلص من حياتي البائسة إلى جوار هذه المرأة. وأصبحت كارهاً للحياة مع هذه الزوجة، كنت لا أنقطع عن التفكير في سر تصرفاتها هذه، كنت أتساءل: هل هي تكرهني؟! ولماذا تزوجتني إذاً؟! وإذا فرض أنها تحبني، أليس من واجبها أن ترعاني وتصور لي الحياة بصورة زاهية جميلة؟! وكم من أيام قاسية قضيتها نهب هذه الأفكار، وكم من مرة اقتربت فيها من أبواب (مستشفى المجاذيب) لحيرتي وتساؤلي الدائم حيال تصرفاتها، ولم يكن يعزيني غير شيء واحد. نجاحي الفني الذي كان يتزايد يوماً بعد يوم، وأصبح اسمي على كل لسان في الوسط الفني، وكان العاملون في الوسط المسرحي أو السينمائي يتخاطفونني للعمل معهم خاصة بعد النجاح الذي صادفته في فيلم (زهرة السوق) و(ملائكة في جهنم). كنت أبذل جهداً كبيراً في التغاضي عن تصرفات زوجتي،وأفرغ كل جهودي لكفاحي الفني ونجاحي المضطرد، وما أن أصبحت كل عوامل نجاحي السينمائي في متناول يدي، حتى بدأت أفكر في التخلص من هذه الزوجة القاسية، كنت أفكر في أن أتحرر من السجن التي تقف هي على بابه وتحاول إذلالي وإخضاعي لرغباتها لسبب لا أدريه، ربما يكون عقدة نفسية ترسبت لديها من البيئة أو التربية التي تربتها. وطلقتها فعلاً. بعد أن أجبت كل رغباتها المادية التي كانت تستهدف من ورائها أن تعيش حياة ميسرة، وساعة تم الطلاق شعرت بأنني أستعيد حريتي، وبدأت الآمال العريضة تدور في ذهني والتقيت بشلة من أصدقائي في محل (الجمال) لنحتفل بهذا الطلاق، فقد كان كل أصدقائي يعلمون تمام العلم أنني راغب في الخلاص من هذه الزوجة القاسية. وكان احتفالاً رائعاً، طفنا بكل ملاهي العاصمة وقضينا ليلة مرحة أطلقن فيها العنان لحريتي، وشعرت بدافع ملح في أن أسيئ معاملة النساء، خاصة نساء الكباريهات اللاتي حولنا في هذه الليلة، أحطتهن جميعاً باحتقاري حتى أنني رفعت قدمي اليمنى لأضع حذائي في يد واحدة منهن جاءت تسلم علي. ومنذ تلك الليلة بدأت حياتي تتغير. تغيرت نظرتي إلى النساء، وأصبحت المرأة في حياتي متعة وتسلية ولهواً لا أثر ولا أقل، كان حلو لي أن ألتقط المرأة لأصب فوقها كل كراهيتي، كنت أجد لذة ومتعة في تعذيب الواحدة منهن، كان يسعني أن أراها تبكي وأنا أصفعها وأركلها بقدمي ما شاء لي أن أركلها، وكانت هذه الرغبة المجنونة تتزايد بتزايد نجاحي الغني وتكاثرهن من حولي كالفراشات الهائمة تجذبهن شهرتي كما تجذب النار الفراشة. كنت أنتقم من تلك المرأة التي سممت حياتي وأذاقتني المرارة والألم في شخص كل امرأة أقابلها أو تضعها الصدف بين يدي. وعندا بدأت الشهرة تدين لي، اشتريت سيارة (سكندهاند)، وكان أول قرار اتخذته ألا أسمح على الإطلاق لامرأة مهما كانت مكانتها أن تركب هذه السيارة، وحدث ذات ليلة أن ذهبت لأقضي السهرة في ملهى الكيت كات بامبة، وبعد انتهاء السهرة أرادت إحدى فتيات هذا الملهى أن تركب إلى جواري في السيارة لأوصلها، بل أنها سبقتني إلى الخارج وركبت في المقعد الأمامي للسيارة، وعندما رأيتها في السيارة صرخت فيها آمراً إياها أن تغادر مكانها على الفور، وبدت عليها الدهشة لهذه الخشونة التي بدوت عليها، ولكني لم أعبأ بها وأنزلتها من السيارة، وكان أول ما فعلته في اليوم الثاني هو أن غيرت الغطاء الجلدي الذي يكسو مقاعد السيارة لأن امرأة قد دنسته بجلوسها عليه. إلى هذا الحد بلغت كراهيتي للنساء، كل النساء بلا استثناء، وقضيت فترة طويلة على هذه الحال، أصبحت (غول نساء) لا أسمح لأي منهن أن تدخل حياتي، اللهم إلا لقضاء متعة أو نيل لذة ثم ألفظها لفظ النواة، وكلما خفق قلبي كانت تطوف بذهني ذكرى الأيام السوداء التي قضيتها مع الزوجة الأولى في حياتي فأرتد عن التفكير في الزواج وأنطلق أبحث عن امرأة جديدة أعذبها وأنتقم منها وأذلها. على أن رحمة الله أدركتني. لم تكن المشيئة الإلهية لترضى لي السير في هذا الطريق، وإذا بقلبي يخفق بالحب في أجمل صورة، يوم التقيت بزوجتي هدى سلطان. لقد بدلت عقيدتي في المرأة وملأت حياتي بالأمل والحب والسعادة، إن هدى فنانة جديرة بالحب جديرة بالاحترام، ويكفيها فخراً أنها استطاعت أن تبدل من عقيدتي السوداء بالنسبة للنساء وتهبني الإيمان والإقدام والثقة، لقد جعلتني أنظر إلى المرأة على أنها تمثل أنبل المشاعر الأساسية. الموعد 1958