2013/05/29

في برامج دراما الطَّبْخ.. الممثّلات السوريات برتبة «شيف»
في برامج دراما الطَّبْخ.. الممثّلات السوريات برتبة «شيف»


بديع منير صنيج – تشرين

تتخلى الممثلات السوريات في برنامج «زنود الست» عن الدراسة المعمقة للشخصيات التي يؤدينها، فهن ما عدن بحاجة إلى الخوض في تفاصيلها، أو تحليلها عميقاً للوصول بها إلى مقاربة جادة لشخصيات الواقع،

بل إن مجرد استعارة بسيطة لبعض ملامح أدوارهن، أو أدوار زميلاتهن في مسلسلات البيئة الشامية من «بوجقة» و«ردح» وخلافه... يؤهلهن للخوض في غمار هذا العمل الذي تعرضه قناة «سورية دراما» من إخراج «نذير عواد»، فما سَيَقُمْنَ بتجسيده لا يتعدى دور ربة المنزل في إحدى البيوتات الدمشقية أو جاراتها أو كناتها، والأحداث يجري معظمها في المطبخ، وتتمحور حول إعداد إحدى الطبخات أو أحد أطباق الحلويات، أي أن الحدوتة البسيطة التي تسير حولها معظم حلقات البرنامج تحتوي ضمنياً على وصفات الطبخ من مقادير، وطريقة تحضير، وكيفية تزيين المائدة، وما إلى هنالك مما تتحفنا به برامج الطبخ التقليدية والمعاصرة على حد سواء, وتالياً لا تعد الحدوتة هي المُكوِّن الرئيس للبرنامج، بل على العكس إنها أكثر من ثانوية أمام طرق تقميع البامية، أو حشي الكبة، أو الاختيار المناسب لبهارات الكبسة، أو التكتيك الصحيح في تحضير داوود باشا، أو شيخ المحشي، أو أكلة «الأبو بسطي كلي وانبسطي».

هنا لا نتخذ موقفاً معارضاً لأهمية التعريف بالطبخات الشعبية، لكن ما يثير الحسرة هو اعتماد قناة «سورية دراما» على برامج للطبخ بحلة درامية لملء ساعات بثها، فإلى جانب «زنود الست» هناك برنامج «بهارات فنية» الذي يعد فيه الفنان طبقاً خاصاً في منزله، وبرنامج «نحنا ضيوفك» الذي يتضمن في جزء منه الشيء ذاته، ولا نعرف لماذا هذا الإصرار والتأكيد على وضع الفنان موضع الطَبَّاخْ، ولا أين تكمن العظمة في الدمج بين الدراما والطبخ؟ ربما يقول البعض: إن هذه البرامج مخصصة لشهر رمضان, لكن ألا يكفي الإسفاف الحاصل في تشويه صورة المرأة عبر مسلسلات البيئة الشامية وغيرها، لتقوم هذه القناة بترسيخ ذلك عبر «زنود الست» مثلاً؟ فهذا البرنامج لا يتوقف عند تنميط دور المرأة السورية عبر تدجينها للمطبخ، وسعيها الدؤوب لإرضاء معدة زوجها، بل إنه يتعدى ذلك باتجاه تسطيح دور ربة المنزل وحصره في خانة مكايدات الحماية لكناتها والعكس, بمعنى أن فن الدراما عند اقترانه بفن الطبخ لم يولّد نِتاجاً تفخر به الدراما السورية، ولا برامج التلفزيون السوري، حيث إنه بقي في إطار البرامج التلفزيونية السطحية التي لا تقدم وجبة دسمة للمشاهد حتى لو كانت الحلقة تدور حول طريقة تحضير المقادم والسجقات وغيرها, ومن هنا لم نستطع تحديد المغزى من وراء ترسيخ «دراما الطبخ والنفخ» في قناة «سورية دراما»، والأنكى من ذلك؛ هو فرد مساحات زمنية شاسعة لمثل تلك البرامج، ففي إحدى حلقات «زنود الست» مثلاً بعد أن انتهت الفنانة «وفاء موصللي» من طبخ الطبق الرئيس على الغداء، وما إن يصلها دلو فيه بعض الحليب من زوجها، نراها تهرع إلى المطبخ ثانيةً لتحضير الرز بحليب.

يبدو أن قناة «سورية دراما» باتت مهتمة بالرز بحليب أكثر من اهتمامها بإعداد برامج تلقي الضوء على الإنجازات الدرامية السورية الحقيقية، حيث أضحت حبكة الفاصولياء مع الرز مثار جدل درامي عميق خاصة عند مقارنتها مع حبكة الحرّاق بإصبعه، في حين أن النزوع إلى تحضير الكاتو باستخدام المايكروويف شَكَّلَ انعطافة قوية في مسار الدراما لم تستطع رؤى كبار المخرجين الدراميين السوريين تصورها.

حقيقةً؛ لا بد من إعادة النظر من قبل القائمين على القناة الدرامية الوحيدة في سورية فيما يتعلق ببرامجها من هذا النوع، مع عدم الاتكاء على تكرارها أو السماح باجترار الأفكار ذاتها، وإذا كان الهدف ملء ساعات البث، فليوفروا لنا بدل ذلك فرصة لمتابعة بعض مما يحفل به أرشيف الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون من آلاف الساعات الدرامية المتلفزة، أو ليقوموا بإعادة بعض المسلسلات التي لقيت استحسان الجمهور ولم يستطع الجميع متابعتها في زحمة العرض الرمضاني، لأن طعم ذلك أطيب بكثير من مذاق اللحم بعجين والأوزي اللذين تحضرهما أجمل وأمهر الممثلات السوريات فيما يشبه عزاءً متكرراً للدراما التي يعملون فيها.