2012/07/04

في تحقيق أنجز قبل اثنتي عشرة سنة ولم ينشر...إلا أن القصة لا تزال حارّة ..سينما بلا نقاد أم نقاد بلا سينما؟!  دمشق
في تحقيق أنجز قبل اثنتي عشرة سنة ولم ينشر...إلا أن القصة لا تزال حارّة ..سينما بلا نقاد أم نقاد بلا سينما؟! دمشق


تحقيق: علي سفر - تشرين

تعيش «السينما» السورية ومنذ سنوات طويلة مرحلة انحسار في الكم الإنتاجي حتى أن بعضهم أطلق عليها تسمية السينما بلا سينما…!!

وأياً كانت الأسباب التي تساق في معرض الحديث عن كوامن ومؤديات الحالة الراهنة للسينما السورية إلا أن كل ذلك لا يلغي الحقيقة / واقع الحال/ ومن هذه الزاوية توجهنا إلى عددٍ من النقاد السينمائيين السوريين وسألناهم، ومن خلال موقعهم كنقاد؛ كيف يرون دور النقد السينمائي في هذه المرحلة.. وهل يمكن له أن يكون نقداً من دون وجود السينما المحلية… وبالأحرى هل نحن في واقع (سينما بلا نقاد) أم (نقاد بلا سينما)..؟؟ ‏


المخرج الناقد السينمائي صلاح دهني أجاب: ‏

- تراودني النفس أن أبدأ بالقول اختصاراً للإجابة إننا نعيش واقعاً مراً ليس فيه سينما ولا فيه نقاد… إلا أنها إجابة جارحة ولي شخصياً منذ البداية.. فهذا العمر الذي كرسته للترويج لفن العصر والدعوة إلى احترامه ومحبته والإيمان بدوره، هل ترى انقضى عبثاً..؟ وذهب ذلك الكفاح كله على مدى نصف قرن أدراج الرياح…؟ وهل انتهت إلى عدم جهود الزملاء الرواد الآخرين..؟ ‏

لو أنني فعلت، فنسفت حقاً وجود سينما ووجود نقاد لكانت تلك إجابة عاطفية ورد فعل متسرعاً…!! سأبين لك ما أعني…: السينما كإنتاج من الناحية العملية، باتت كارثة… عدنا إلى فترة بدايات إنتاج الأفلام الطويلة في المؤسسة العامة للسينما أي إلى بداية الستينيات، بل كدتُ أقول إلى أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، حين ظهرت أفلام أحمد عرفان ونزيه الشهبندر وزهير الشوا… إنتاج متقطع يقوم به رواد متحمسون ينتهي به وبهم الأمر إلى خراب مادي. ‏

لكن مفهومي الآن للسينما أوسع من فكرة وجود إنتاج ووجود نقاد بالمعنى الأولي التخطيطي والعددي. بهذا المعنى، لو أخذنا به، تكون النتيجة كارثية، بعد الصحوة الثقافية وبعد انقضاء 36 سنة على تبني الدولة للإنتاج السينمائي.. نظرتنا للموضوع يجب أن تنطلق من مفهوم أوسع، ومن هذا المنطلق أقول: عندنا سينما وعندنا نقاد. عندنا سينما «بالقوة» –بتعبير رياضي- ونقاد «بالقوة». قوى ساكنة، صحيح، قوى في حالة الكمون، في حالة الإشتاء… لكنها قوى موجودة. ‏

يجب ألا نتعامل مع الموضوع بسطحية وإلا فإننا نضلل أنفسنا ونضلل الآخرين. محكومة السينما بظروف صعبة، والسينمائيون محكومون بظروف قاهرة، هي بالدرجة الأولى ظروف مادية، لذا ندر المبدعون وسكت النقاد.. عندنا عدد كبير نسبياً من السينمائيين والتقنيين النابهين، وعندنا بنية تحتية تقنية طيبة، وكتاب سيناريو… أولئك كلهم يشكلون ذخيرة مهمة للبلد.. في مقابل هؤلاء بات عندنا نقاد وكتبة جاهزون للتعامل والتفاعل مع أية سينما يتم إنتاجها محلياً. فكيف يمكن أن نسمح لأنفسنا من بعد أن نقول ليس عندنا سينما ولا نقاد. سنة خير تأتي على المؤسسة العامة للسينما فتراها تنتج فيلماً واثنين وأكثر، ولكن العين بصيرة واليد قصيرة في الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها البلاد.. وقد تكون أقلام النقد هاجعة – من جهة أخرى- فما إن يظهر فيلم محلي حتى تراها استيقظت وتنبهت وراحت تكتب وتحلل، وفي الأغلب تهللّ. ‏

لن نفتح ملف الأحوال المالية لمؤسسة السينما – الوحيدة المتبقية في ميدان الإنتاج بعد غياب القطاع الخاص غياباً شبه تام-، مؤسسة تنتظر من الدولة دوماً أن تضخ المال اللازم للإنتاج. ‏

لن نفتح ملف المخرجين المسؤولين جزئياً عن هذه الحال، ولماذا كانت أفلامهم لا تربح وعلى الأقل لا تستعيد كُلفها.. لن نعود مرة أخرى إلى اتهام المخرجين الذين يهمهم أن يُغنوا مواويلهم الخاصة وأن تكللهم لجان تحكم المهرجانات بالجوائز، متجاوزين رغبات الجماهير، الجماهير الطيبة التي تدفع على شبابيك التذاكر لو أن الأفلام أخذت باحتياجاتها ولم تتجاهلها. ‏

نقول: فقط لو أن أفلامنا أخذت جماهيرنا وجماهير السينما بعامة، باعتبارها، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من شح مادي. ولأمكن ألا نفرغ خزائن المؤسسة من المال ولأفسح كل مخرج لغيره فرصة إخراج أفلام أخرى، وهذا من دون التخلي عن مسؤولية الدولة وعونها. ‏

بالتالي، لما بقينا سينما بلا سينما، وسينما بلا نقاد، ونقاد بلا سينما، كما يقال.

الناقد حسين إبراهيم قال: ‏


هل نحن أمام سينما بلا نقاد أم نقاد بلا سينما؟ ‏

- هذا السؤال مشروع إذا اعتمدنا المنهج الذي يرى في النقد السينمائي مجرد تابع للحالة السينمائية، وأنا شخصياً أرفض هذا المنهج، فالنقد السينمائي برأيي –هو أساساً عملية تفاعل مع الحالة السينمائية، حتى في فترة كمونها. والناقد السينمائي هو مشروع سينمائي، تماماً كالمخرج السينمائي، هو ليس بديلاً له لكنه أيضاً ليس تابعاً بل يصنع معه حالة التكامل، انطلاقاً من اعتبار السينما حالة اجتماعية، وليست مجرد فيلم سينمائي، وبالتالي فإننا لا نستطيع القول: إن الناقد السينمائي ينحصر في الكتابة، مع أو ضد هذا الفيلم أو ذاك. ‏

الناقد السينمائي مطالب بتطوير العلاقة بين الجمهور والسينما بشكل عام، ومن ثم تطوير العلاقة بين المخرج والجمهور، وبين المخرج والسينما أيضاً، ولا تنحصر مسؤوليته في الكتابة عن السينما السورية، بل تتعداها إلى متابعة التجارب السينمائية العربية والعالمية المتميزة، وموقع السينما السورية في العالم. ‏

انطلاقاً من هذا الموقف، أشير إلى أنني شخصياً، لم أربط مهمتي السينمائية، بكتابة مقال نقدي، أو إعداد دراسة، بل سعيت - وأحياناً خلف الكواليس- كي أسهم في دفع عجلة الإنتاج السينمائي، أو في تذليل عقبات وجدت هنا أو هناك. ‏

من هنا، كانت مشاركتي في الندوات، والتي تناولت السينما بشكل عام والسينما السورية بشكل خاص، والتي أقيمت في سورية، أو في دول عربية أخرى (مصر – تونس – المغرب)، تنطلق من وجهة نظر خاصة، أقدم من خلالها نفسي، واحداً من العاملين في السينما السورية، وليس ناقداً يتحدث من خارجها، وحالة الانتماء هذه، لا تعني أني أنظر إليها بمنحى واحد، لكني أصرّ على دعمها ككيان عام، وأكون بمنزلة سفير لها، في المهرجانات واللقاءات السينمائية العربية والدولية. ‏

وحتى عندما أكتب عن المخرج الهندي (مرينال سين) مثلاً، فإني أكتب عنه إسهاماً في تطوير الحالة السينمائية، وعندما أكتب عن التوجهات الجديدة للمخرج الأمريكي سبيلبرغ، والتي غلّب فيها الرؤية السياسية، بضغط من اللوبي اليهودي، فأنا أكتب في إطار مشروعي السينمائي. ‏

وفي كتابي (ولادة السينما والخيارات المتناقضة) وبالرغم من أني لم أتحدث فيه عن السينما السورية، كنت أقدم لهذه السينما رؤية خاصة، لحركة السينما في العالم، قد تسهم في تطورها. ‏

ولعل كتابي (دليل السينما السورية) الذي أنجزته بالتعاون مع الزميلين ثائر سلوم ومحمد قاسم، والذي تطلب الكثير من الجهد، ما يوحي بأهم ملامح مشروع ناقد سينمائي. ‏

وأريد أن أقول هنا: إن الناقد السينمائي هو في النهاية، عنصر من عناصر تقويم الصورة، وإذا كانت السينما، منهجاً فنياً يعتمد الصورة، مرتكزاً أساسياً في عملية التكوين، فإن تقويم الصورة يجسد عملية إبداعية، ومن هنا فإن السينما بلا نقاد هي سينما محدودة، والنقد السينمائي هو الذي يحول مخرجاً لفيلم واحد مثل شادي عبد السلام، ويحول فيلم المدرعة بوتمكين لايزنشتاين إلى مجموعة من الأفلام، بقراءات مختلفة، ورؤى إبداعية متعددة. ‏

وكثير من المخرجين، وخاصة أولئك الذين صاروا من أعلام السينما، بالرغم من أنهم لم يقدموا سوى فيلم أو فيلمين، وصلوا إلى ما وصلوا إليه عبر النقد السينمائي، الذي قدم أفلامهم للعالم أجمع، من دون أن يكون لهم أي رصيد سابق، وكثيراً ما يفتح النقد آفاقاً واسعة أمام الفيلم، بما يلغي محدودية المشهد السينمائي. وهنا أقول: إن النقد قد يصنع نجماً، وقد يصنع الشهرة لمخرج، لكن ذلك ليس إيجابياً في كل الأحيان، فكم من مخرج كبر بالنقد، لكنه لم يكن بمستوى المسؤولية الفنية، ولم يبق من أهميته، سوى الفعل النقدي، الذي نقله إلى مرحلة الغرور، أي أن النقد هنا، كان فعلاً سلبياً. ‏

نحن لا نعيش حالة سينما بلا نقاد، ولا حالة نقاد بلا سينما، لكننا ندرك أن السينما في بلدنا، هي الأحوج إلى النقد والتقويم، بما يسهم في تطويرها ودعمها وانتشارها.


الناقد خليل صويلح أجاب: ‏


أية حالة نقدية ينبغي أن تكون مواكبة للنص على الأقل، وفي حال النقد السينمائي في سورية، تبدو المسألة أكثر إشكالية لجهة فقدان النص أولاً.. سينما تنتج عملياً، فيلماً واحداً في العام، فأية حالة نقدية وأية سينما؟. ‏

وإذا فتحنا عدسة الكاميرا أكثر فإن المشهد الآخر ليس كما يرام، أقصد العروض السينمائية التي تقدمها الصالات إذ نادراً ما يصل فيلم جديد إلى هذه الصالات التي عفا عليها الزمن، فأنت تشاهد في أحسن الأحوال حكاية الفيلم وليس جماليته في صالات كهذه، عدا صالة وحيدة، تجلب أفلاماً حديثة ولكن من نوعية محددة، نادراً ما يكون بينها أفلام كبرى بالمعنى النقدي. ‏

وأعتقد أن مشاهدة أفلام الفيديو لا تشكّل هي الأخرى علاقة نقدية لرداءة الأشرطة أولاً ولعدم مواكبتها للأحداث مما ينتج عالمياً. ‏

هذه الحالة، اعتقد أنها سورية بامتياز، إذ لو نظرنا إلى الجوار، بيروت مثلاً، لاختلف الأمر دورة كاملة!. ‏

ماذا يفعل الناقد السينمائي السوري حتى يدرّب أدواته، إنه يلجأ إلى الموضوعات غير المرهونة لليومي والطازج باتجاه قضايا يمكن الكتابة عنها في أي وقت تشاء (مؤخراً أنجزت ثلاثين حلقة من برنامج “قضايا في السينما العربية” للفضائية السورية، اعتماداً على الأرشيف وفي معظمه من مرحلة الأبيض والأسود) إنني أقرأ عن أفلام جديدة لكنني لا أستطيع مشاهدتها بشكل سليم في وقتها لرداءة وسائل العرض (سينما أو فيديو).. في قراءة المشهد السوري نقدياً، اعتقد أن النقد قدّم السينما السورية على نحو باهر لدرجة أن المخرجين وهم في معظمهم أصحاب فيلم واحد أو فيلمين صدقوا أنفسهم، أنهم عالميون وأخذ كل واحد منهم يتصرف على أنه صاحب تيار أو مدرسة!. ‏

وفي محاولاتي النقدية التي بدأت منذ مطلع الثمانينيات والتي جاءت مواكبة لظهور أفلام مهمة لمحمد ملص وأسامة محمد وسمير ذكرى وعبد اللطيف عبد الحميد ورياض شيا وريمون بطرس.. كتبت عن هؤلاء جميعاً ولكن ما إن تكتب سطراً نافراً في حق فيلم لأحدهم حتى يعدك عدوه الشخصي ويلغي «المرحبا» بينه وبينك وهذا ما حدث معي مع اثنين منهم على الأقل، والحبل على الجرّار!. ‏

ولعل في ظهور عشرات الأقلام التي استسهلت الكتابة السينمائية، أساء إلى الحالة النقدية أكثر مما أفادها، فالكتابة عن حكاية الفيلم ليست نقداً، لكن هذا النوع هو الأكثر رواجاً، لعدم قدرة هؤلاء على الخوض في المصطلح ودلالات الصورة والمشهدية عموماً. ‏

نقاد كثيرون، صنّعتهم (العلاقات العامة) وعينهم على حضور المهرجانات أكثر من اهتمامهم بتطوير أدواتهم النقدية… والمشكلة أنه ما إن تكتب ثلاث مرات في السينما حتى تصنّف ناقداً ويصدّق الآخرون الأمر، نعم هي سينما بلا نقاد وبالمقابل أيضاً: نقاد بلا سينما!..

أما رفيق أتاسي فقد حاول الإحاطة بالمشكلة: ‏

سينما بلا نقاد… أم.. نقاد بلا سينما.. ‏

هذه ليست أحجية بالتأكيد على غرار «من ظهر أولاً البيضة أم الدجاجة» ولكنه تساؤل يستحث التفكير والاستغراق في حالة السينما السورية… ‏

فإذا سلمنا جدلاً أن الفيلم السينمائي لا بد من أن يسبق النقد السينمائي في الظهور.. تماماً كما القصيدة أو الرواية تسبقان النقد الأدبي.. وكما اللوحة أو القطعة الموسيقية تسبقان النقد التشكيلي والموسيقا.. كضرورة طبيعية لأن يتكلم النقد عن شيء ملموس ومحسوس تستطيع أن تشاهده أو تسميه أو تقرأه..غير أن حكاية النقد السينمائي في سورية تخالف الطبيعة والمنطق والسائد.. فقد ظهر النقد السينمائي في الصحف والمجلات والإذاعة وقت لم يكن هناك لا سينما ولا من يحزنون.. وكان يتناول الأفلام الأجنبية التي تعرض في سورية أو يترجم عن مقالات أجنبية أو عن دراسات نظرية في الكتب السينمائية المتخصصة في شرق الأرض وغربها.. ‏

وحتى الأفلام السورية الأولى التي ظهرت بين أعوام 1927 و1963 قبل تأسيس المؤسسة العامة للسينما، وهي أفلام قليلة نسبياً، لم تظهر بالنقد السينمائي الأكاديمي بالمعنى المعروف للكلمة… وإنما نالت بضع كلمات تقريظية وتشجيعية لا تفي بالغرض وجاءت على استحياء وكانطباعات ذاتية.. فلم تترك انعكاسات أو أثراً فعالاً في الحركة السينمائية الناشئة والمتعثرة آنذاك.. ‏

لكن انطلاقة السينما السورية الجديدة في النصف الثاني من الستينيات وفورتها الانتاجية في السبعينيات فتحت الباب واسعاً أمام تشكيل نوع من الحركة النقدية السينمائية تجلى في الاهتمام الملحوظ بها في الصحافة المقروءة التي أفرد بعضها صفحات سينمائية أسبوعية خاصة، وفي الجهاز الإعلامي المرئي الأهم، وأعني التلفزيون، الذي كان، ومازال، الوسيلة الأفضل انتشاراً ووصولاً إلى ملايين المشاهدين الذين أصبحوا يعرفون فجأة وجود إنتاج سينمائي في سورية بعد أن كانت قلة متابعة فقط هي التي تعرف ذلك.. ‏

وأستطيع جازماً، القول: إن النقد السينمائي السوري لعب دوراً إيجابياً مهماً في التعرف بالسينما السورية، وتنشيطها على الساحتين الداخلية والخارجية ومن خلال اللقاءات المشتركة مع النقاد العرب والأجانب في المهرجانات السينمائية، ومن خلال ترشيحها إلى مهرجانات سينمائية دولية كبيرة مثل «كان» و«برلين» و«لندن» و«موسكو» و «قرطاج» بفضل العلاقات الخاصة للأفراد والعامة للمؤسسة ككيان ثقافي رسمي.. ‏

وعلى الرغم من مرحلة الانحسار المؤلمة في الكم الإنتاجي السوري، باختفاء القطاع الخاص في الساحة السينمائية نهائياً وباقتصار الإنتاج على مؤسسة السينما التي تكتفي بفيلم روائي طويل واحد في العام على أفضل تقدير.. فقد تابعت حركة النقد السينمائي السوري مسيرتها وبكثافة أكبر بعد أن تعددت وسائل الايصال في الصحف المحلية والعربية والقنوات التلفزيونية الأرضية والفضائية المتناثرة داخل حدود الوطن وخارجها. ‏

وهي تنتظر بلهفة ظهور فيلم سوري جديد فتبدأ الكتابة عنه منذ ولادة فكرته الأولى وحتى إنجازه.. ولو جمعنا، على سبيل المثال، ما كتب عن فيلم «نسيم الروح» الإنتاج الأخير لمؤسسة السينما منذ مشاركته في مهرجان القاهرة السينمائي وعرضه اليتيم للإعلاميين في صالة «الشام» في دمشق.. لأصابتنا الدهشة حقاً.. ‏

فهذا الفيلم الذي لم يعرض جماهيرياً إلا قبل فترة وجيزة، تناولته الصحافة المحلية والصحافة العربية عن طريق مراسليها السوريين والبرامج السينمائية والثقافية في الإذاعة والتلفزيون بقنواته الثلاث، وفي الفضائيات العربية المتعددة التي تملك مراسلين في سورية. ‏

تناولته بالنقد والتحليل والإرشاد والتفريط والانتقاد-أحياناً- فكرياً وتمثيلاً وتقنياً ومن خلال اللقاءات مع مخرجه وممثليه.. بما يكاد يفوق ما كتب عن أي فيلم عربي آخر لم ير النور إلى الصالات بعد.. وهذا دليل عملي على العطش الذي يحمله النقد السينمائي السوري إلى أي فيلم سوري، بغض النظر عن التفاوت أحياناً في مستوى الكتابة أو عن دوافع بعضهم ممن يتبنون عملاً أو يرفضون آخر لأغراض ذاتية وضيقة في نفوسهم..!! ‏

حتى إن الأسماء التي تكتب في السينما وعن السينما صارت أكثر من أن تحصى بعد أن كان عددها لا يتجاوز عدد أصابع اليد الواحدة، إلى درجة أن بعض الأدباء والمفكرين أدلوا بدلوهم في هذا المجال وفي أكثر من مناسبة.. ما يدل على أن النقد السينمائي لم يعد مهنة المتسكعين على أبواب المنتجين والفنانين كما أوحت لنا بعض المجلات “الفنية” التي ما زالت منتشرة على نطاق واسع في سوقنا العربية.. بل أصبح واقعاً جدياً له قواعده واحترامه وله مكانته عند القراء وعند المسؤولين عن حركة النشر داخل سورية وخارجها.. ‏

لهذا «التحقيق» حكاية.. حكاية غير سارة في الكثير من جوانبها، فقد تم إنجازه قبل اثنتي عشرة سنة من الآن وقد تعذر نشره لأسباب شتى، ولكنه بقي ينتظر مادام السؤال الذي يقوم عليه بقي حاراً طيلة السنوات الماضية.. ولعل أهم الجوانب غير السارة في هذا التحقيق يأتي من زاوية رحيل أحد المساهمين فيه عن عالمنا منذ سنوات طويلة و أقصد الناقد الراحل رفيق أتاسي، بينما هجر الزميل حسين الإبراهيم عالم السينما إلى عالم المعلوماتية، وذهب الصديق خليل صويلح بعيداً في مشروعه الروائي، وبقي الاستاذ صلاح دهني، أمد الله في عمره، يقارع هموم السينما السورية..الآن وفي ظل وضعٍ راسخ للسينما السورية يبقى هذا السؤال حاراً ومشوباً بالكثير من التحليلات و التفسيرات، هل نحن أمام سينما بلا نقاد أم نقاد بلا سينما..؟ ههنا ننشر الجزء الأول من هذا التحقيق ونترك الجزء الثاني لتفاعل السينمائيين السوريين (مخرجين، كتاب، نقاد) معه وتقديمهم لإجابات محتملة، ولاسيما أنهم لن يعيشوا تفاعلهم السينمائي السنوي المسمى بمهرجان دمشق السينمائي هذه السنة، وأن الكثير من الزملاء لن يمارسوا فعالية المتابعة و النقاش للمنتج السينمائي.. ‏

المحرر ‏