2015/07/08

من العمل
من العمل

السفير - علاء حلبي

في زحمة الأعمال الرمضانيّة، وفي وقت استسلم بعض صنّاع الدراما السوريّة إلى لعبة الإبهار الفارغ على حساب المضمون، يقدّم مسلسل «في ظروف غامضة» تجربة متفرّدة، من خلال قصّة بسيطة تغوص في أعماق الحياة الإنسانية والعلاقات المتشابكة في زمن الحرب.
العمل من تأليف فادي قوشقجي، وإخراج المثنى صبح، وبطولة سلوم حداد، ونسرين طافش، ونادين خوري، وميلاد يوسف، وندين تحسين بيك، ووفاء موصللي، وسحر فوزي ، وجلال شموط.
يعيدنا العمل إلى ما يمكن وصفه بزمن الدراما السوريّة الجميل، على وقع هادئ ومتزن، وضمن قالب تشويقي افتقدته الدراما السورية بعد اندلاع الحرب، ولجوء الكثير من صنّاعها إلى مواكبة الحدث والآثار الناجمة عنه.
كان من المقرر تأجيل المسلسل إلى ما بعد السباق الرمضاني، قبل أن تقرِّر شركة «سما الفن» الخوض به في السباق، ويحكي قصة دارين (نسرين طافش) التي فقدت عائلتها إثر جريمة بشعة، مع قيام شقيقها بقتل أهله قبل الانتحار. تبحث دارين عن أسباب الجريمة ودوافعها، ما يكشف لها الكثير من خبايا عائلتها وعلاقاتها. تعيد البطلة تركيب المشاهد تدريجيّاً، وفق نسق درامي متشابك ومترابط.
النضج الفنّي الذي يقدّم فيه العمل من جهة، وخروجه عن مألوف رمضان هذا العام من جهة ثانية، عاملان مهمان ساهما بتفرد العمل، خصوصاً أن نجمته نسرين طافش أتقنت دورها بشكل كبير، وابتعدت بأدائها عن الإسفاف، واقتربت بشكل كبير من تقديم صورة متكاملة لفتاة يفتتح العمل بها مصابة بمرض نفسي، تبدأ بالشفاء منه تدريجياً مع استمرار الحلقات وتكشّف الحقائق.
العمل ممتلئ بالأبعاد الإنسانية، ومنكّه بنقاشات وحوارات عميقة يتولى زمامها الفنان القدير سلوم حداد (عمّ دارين في المسلسل)، وذلك ما يتقنه كاتب العمل فادي قوشقجي صاحب و «تعب المشوار» (2011؛ سيف الدين السبيعي)، و«عن الخوف والعزلة» (2009؛ سيف الدين السبيعي)، و«على طول الأيّام» (2006؛ حاتم علي).
مخرج العمل المثنى صبح، الذي كان له تعاون سابق مع قوشقجي في مسلسل «ليس سرابا» في العام 2008، يخوض في هذا العمل تحديّاً جديداً، لناحية أنه يقيم عملا كلاسيكيا بنجم منفرد، إلا أنه تمكن من إعادة تشريح العمل وإبعاد شبح «الستار» الوحيد، عن طريق خلق مزيج توزعت خلاله أدوار البطولة بين مختلف نجوم العمل.
لم يحظَ «في ظروف غامضة» بعملية تسويق ضخمة، ولم يعتمد على شارة لمغن مشهور، كذلك انشغلت الشركة المنتجة بشكل كبير في تسويق عملها الآخر «العراب»، ما أبعد المسلسل بالرغم من جودته، عن خريطة التسويق. وبالرغم من ذلك، نجح العمل في حجز مساحة كبيرة له بين المشاهدين، ما يؤكد أن قماشة الدراما السورية الأصليّة التي شيّدت منذ أواخر التسعينيات وحتى ما قبل الأزمة، ما زالت تحظى بإعجاب المتلقي، خصوصا إن اقترنت هذه الأعمال بأداء ناضج، وتضمنت حوارات تحاكي العقل، بعيدة عن الخطابة، على وقع إخراج يحفظ إيقاع العمل.