2012/07/04

قدر مسلسلاتنا أن تكون 30 حلقة..!
قدر مسلسلاتنا أن تكون 30 حلقة..!


عمر محمد جمعة - البعث


ليس بمستغرب أو مستهجن أن يتندّر أحد مخرجينا المسرحيين يوماً بالقول: إنه سيجري تمديد شهر رمضان حتى يستوعب شطحات بعض المخرجين الذين تتجاوز حلقات مسلسلاتهم أحياناً عدد أيام هذا الشهر، ليردّ عليه أحد الدراميين التلفزيونيين المتذاكين بأنها (غيرة كار)، كما أن ما يصح في التلفزيون لا يصح في المسرح والعكس صحيح!.

لكن، وبعيداً عن هذا وذاك تعالوا لنفكر وبصوتٍ عالٍ، مع تقديرنا لأعمال ومسلسلات محدّدة استطاعت ولضرورات درامية وفنية بحتة أن تنجو من أن نضعها في السلّة ذاتها: لماذا يصرّ بعض مخرجينا ومنتجينا على جلدنا بأعمال يمكن اختزالها واختصارها إلى عدد حلقات أقل؟.. وهل تستدعي زيادة ساعات مترهلة، ستؤثر حتماً في بنية العمل الدرامي برمته، ولأهداف تجارية صرفة أن ندفع المشاهد إلى النفور وفقدان الثقة بالدراما المحلية؟!.. إذ ومع تمسّك الأغلب الأعم من مخرجينا ومنتجينا وتشبثهم اليوم بأن يكون كل مسلسل لهم مكوناً من 30 حلقة، بات من السذاجة المفرطة حدّ البلاهة التوهم بإقناعهم أن عدد حلقات أي مسلسل لا تعدّ عاملاً أساسياً من عوامل نجاحه، وأن "مطمطته" لن تجعله أكثر شعبية وخلوداً في أذهان الناس، وإلا ستكون المسلسلات المكسيكية ومن بعدها التركية في رأس سلم المسلسلات الأكثر نجاحاً.

لقد أُثخن المشهد الدرامي السوري خلال السنوات الأخيرة مع دخول شركات الإنتاج الخاصة والانتشار الكبير للقنوات الفضائية التي تشتري المسلسلات  الدرامية وتساهم في إنتاجها، وتسارع "الماراتون" الرمضاني السنوي، بجملة من المشكلات، لعل في مقدمتها المسلسلات الطويلة التي بدت وكأنها مفصّلة تماماً على مقياس وعدد أيام شهر رمضان المبارك، حتى صار الرقم 30 قاسماً مشتركاً لكل الإنتاجات الدرامية، بل مؤرقاً لجمهور المشاهدين الذين انساق بعضهم مع هذه اللعبة طائعاً، وندم فيما بعد حين اكتشف أن مقولات العمل بمجملها كان يكفيها عشر حلقات وتزيد، لتصل إلى وعي ووجدان المشاهد أنّى كانت سويته الثقافية والفكرية، فيما كان البعض الآخر مستمتعاً بنوبة التثاؤب التي تصيبه مع بداية كل حلقة من أعمالنا المحلية.

إن قراءة التجربة السورية في هذا المضمار ستفضي إلى يقين مطلق بأن السهرات والتمثيليات التلفزيونية التي لم تتخطَ في بعضها الساعتين، وكذا مسلسلات الـ10 حلقات وفي أحسن الأحوال 15، امتلكت الحيز والتأثير نفسه الذي يمكن أن يمتلكه أي مسلسل يقدّم حالياً عدا بعض الشروط الفنيّة التي يفرضها منطق التطوّر الطبيعي، وستظل فترتا السبعينيات والثمانينيات ذكرى شاهدة وماثلة، وقد شهدتا روائع وكلاسيكيات الدراما السورية، وسيتذكر من تابع تلك الأعمال حينئذ أنها بعدد حلقاتها وبمقولاتها البسيطة استطاعت أن تتكرّس وبقوة لدرجة الخلود في وعي وذهن المشاهد العربي عامة والسوري خاصة.

فمن منا لا يتذكر مثلاً تمثيليتي "عواء الذئب" و"العريس" اللتين قُدّمتا في سبعينيات القرن الماضي، ومسلسل "الحب والشتاء" 13 حلقة، الذي كتبه خالد حمدي وأخرجه صلاح أبو هنود عام 1977، وكذلك مسلسل "الهراس" الذي كتبه عبد النبي حجازي وأخرجه علاء الدين كوكش عام 1981، ليبدأ الإنتاج الدرامي مرحلة أخرى غزيرة ومختلفة ولاسيما في عامي 1984 و1985 حيث كانت من أبرز علاماته "الفنان والحب" إخراج رياض عصمت 3 حلقات، "وردة الصباح" إخراج لطفي لطفي 5 حلقات، "السنوات العجاف" إخراج طلحت حمدي 10 حلقات، "الولادة الجديدة" إخراج غسان باخوس حلقتان، "دموع الملائكة" إخراج غسان جبري 13 حلقة، وصولاً إلى إنتاج أول مسلسل من 15 حلقة ولأول مرة في تاريخ التلفزيون السوري هو "المجنون طليقاً" تأليف عبد العزيز هلال، وإخراج علاء الدين كوكش، ومسلسل "الطبيبة" 16 حلقة، تأليف زهير براق وإخراج فردوس أتاسي، و"الأمانة والحب" تأليف عدنان حبال وإخراج سليم موسى 9 حلقات، وكذلك "نساء بلا أجنحة" تأليف رفيق الصبان وإخراج مأمون البني، وخماسية "جسر البيت" تأليف عبد الفتاح قلعجي وإخراج سليم موسى، و"أوراق امرأة" 8 حلقات إخراج أنيسة عساف تأليف هدى الزين، سيناريو رياض عصمت.

إذاً، فإن معيار عدد الحلقات ولأي مسلسل كان هو معيار واهم وواهٍ، وقد أكد لنا أكثر من كاتب أن جميع الشركات تُحجم عن تبني أو شراء أي مسلسل تقلّ حلقاته عن 30 حلقة، حتى لو اضطرت الشركة في بعض الأحيان وبذريعة المعالجة الدرامية إلى شدّ أي فكرة وتوسيعها حتى تتطابق مع أيام شهر رمضان، هذا إن لم تقم ببناء أجزاء أخرى، والهدف واحد: «التسويق على حساب الجودة»..

إزاء كلّ ما سبق، هل نعترف أن هذه من أهم المشكلات والمآزق التي وصلت إليها الدراما السورية اليوم، ونرجع إلى التجريب وتقديم أعمال بعدد حلقات أقل ولو كانت ثلاثية، أم سنبقى نسبح في عسل الإفلاس بأن درامانا بخير "وماشية تمام التمام"؟!.