2012/07/04

قمر الزمان علوش: أرفض أن يتحول الكاتب الروائي إلى كاميرا فوتوغرافية
قمر الزمان علوش: أرفض أن يتحول الكاتب الروائي إلى كاميرا فوتوغرافية


ميسون شباني - تشرين


هو أحد الذين وضعوا بصمتهم على مسيرة الدراما الفنية السورية، ويتعامل مع الرواية كما في العمل الفني بمخيلة مطلقة السراح، مانحاً الأحداث الإثارة والتشويق، قمر الزمان علوش الذي يُصنف ضمن المدارس الأدبية لطالما رأيناه يغرد خارج السرب، ويطير في عالم الخيال حراً عبر العديد من أعماله الدرامية التي قدمها...

بداية لنتحدث عن مشروعك مع الفنانة سلاف فواخرجي وهو مسلسل «بديعة مصابني» أين أصبح هذا المشروع؟ ‏

الحقيقة أنني كنت قد اتفقت مع السيدة سلاف فواخرجي على هذا العمل منذ منتصف العام الماضي ولكن الظروف في مصر في البداية أجلّت العمل ثم أتت الظروف السورية التي نعيشها الآن التي أجلت العمل أيضاً، لكن العمل بحد ذاته كان له رونق قبل الأحداث ولكن قد يخف هذا الرونق قليلاً الآن، وأعتقد أنه يجب فصل الدراما والفن عن الأحداث السياسية التي تجري حولنا ولكن هناك شيء ملّح أكثر وهو التعامل مع مستجدات ما يحدث في بلدنا الآن.. ولكن أقول: إن شخصية بديعة مصابني شخصية جدلية وشخصية غنية بالأحداث في فترة لها تطوراتها، ولاسيما أنها عاصرت الحرب العالمية الأولى وما تلاها، ولها فضل في تطور الأحداث في مصر ولبنان، وكانت لها شهرتها الواسعة وأجواءها الجماهيرية في زمن القحط الفني في ظل المجتمعات المحافظة، إذن أهميتها تأتي من كونها عاشت في عصور متعددة.

برأيك عند نقل أي رواية إلى مسلسل درامي كيف يتم التعامل مع الرواية درامياً من دون الإساءة لها والابتعاد عن خطوطها الرئيسة؟ ‏

عندما يتم الاتفاق على نقل الرواية إلى مسلسل تلفزيوني أصبح بحكم سيطرة وأحقية كاتب السيناريو بتعديل ما يشاء وتغيير ما يشاء، شريطة أن يتم بإطار فني للعمل وليس ضمن الإساءة للرواية لذلك مفهوم أمانة النص أو إساءة للنص كل هذا خارج إطار التقويمات، فمثلاً لدي عمل روائي لكنه لا يصلح أن ينقل بحرفيته إلى عمل درامي ولاسيما أن هناك محظورات قد تكون رقابية أو اجتماعية أو غيرها أو قد تكون مخالفة لرأي كاتب السيناريو نفسه،ومن حقه في هذه اللحظة أن يتعامل مع الرواية- ليس باستخفاف أو بعدائية –بل أن يعتمد على الخطوط الموجودة في العمل الروائي، ويستفيد من الشخصيات ورسم المكان والبيئة، وهنا تكون المشكلة أخف وطأة بين الكاتب الدرامي والسيناريست وبين عمل روائي أجنبي وعمل محلي، ويكون هناك التزام شبه أخلاقي بين كاتب الدراما والكاتب الروائي نفسه إذا كان حياً للاتفاق على ماهية القواسم المشتركة بين العملين. ‏

لماذا الاقتباس والتعريب عن الروايات العالمية وحتى العربية والمحلية في حين أن مجتمعنا السوري مملوء بالقصص والحكايا ؟ ‏

أنا أعتقد أن هناك فقراً شديداً في الأعمال الروائية التي تصلح للدراما السورية باستثناء بعض الأعمال لكاتب أو كاتبين، منها أن العمل الروائي في فترة السبعينيات وما بعدها توجه نحو السياسة بمعنى أنه تغافل عن المكان والبيئة والفكر الفلسفي فصار همّه أن يوصل رسالته السياسية والرسالة السياسية لا تصنع دراما، ونحن بحاجة إلى شخصيات حية تعيش معاناة وتتفاعل مع عالمها ومع مجتمعها وبيئتها ولها ثقافتها وكل هذا لم يتوفر في الرواية السورية، لذلك نرى أن بعض شركات الإنتاج إضافة إلى كتاب الدراما يتوجهون نحو أعمال عالمية لنقلها وتبييئها عربياً أو سورياً، وتقديم العمل ضمن شروط العمل الروائي وأي عمل روائي عربي هو بمصاف الأجنبي ،وهناك صعوبة في تحويله إلى دراما، بمعنى أن كل كاتب يكتب عن مجتمعه وبيئته وبتفاصيل نجد أن هناك اختلافاً بين البيئات صحيح أن العناوين العريضة متشابهة لكن التفاصيل غير متشابهة. ‏

ماذا عن الروايات السورية؟ ‏

أغلب الروايات السورية ضعيفة بحيث لا تصلح لبناء عمل درامي متكامل، وأي سيناريست يريد أن يأخذ بهذه الروايات لاسيما بعد أن خطفت الروايات التي كانت صالحة للعمل التلفزيوني، وأعتقد أن السينما والتلفزيون اعتمدنا بشكل كبير على أعمال الكاتب الكبير حنا مينة، وإذا تجاوزنا الكاتب حنا مينة نجد أن هناك فرقاً كبيراً في أن نضع شخصيات لكي نحملها أفكاراً وبين أن نجعلها هي التي تعبر عن نفسها، ومقتل الرواية السورية كان في السبعينيات والثمانينيات فالكاتب خلال تلك المرحلة يخلق شخصيات بمخيلته ويرسمها في ذهنه ويحملها أفكاره ويتركها تتصارع وهي أقرب إلى صنع التماثيل هي شخوص بلا روح، وأنا أريد أن أحمّلها مجموعة أفكار واتجاهات سياسية، هذا عمل هو صناعة ولكن في الرواية الأمر يختلف، لأن الرواية خالقة نفسها فالشخصية التي أريد صنعها ليس من المفترض أن أصادر لها طريقة تصرفها وأوصلها للنهاية التي يريدها الكاتب وهنا تفقد الرواية عفويتها،وبالتالي الأعمال التلفزيونية المبنية على أعمال روائية غالباً ما تقع في هذه المشكلات. ‏

كيف يمكن أن تخدم التقنية الروائية التقنية الدرامية؟ ‏

التقنية الروائية يمكن أن تخدم التقنية الدرامية والعكس صحيح، في الرواية وفي المسلسل التلفزيوني يعتمد الكاتب على رسم المشهد والحوار لبناء عالمه الأدبي والفني، وتالياً فالتقنيات هنا تخدم بعضها بعضاً، أما عن تفاصيل هذه التقنيات فهي مختلفة بشدة، في السيناريو التلفزيوني يهتم الكاتب بالتفاصيل الصغيرة؛ حيث يقوم بتجميعها وتركيبها ليعطي في النهاية الديناميكية للعمل الدرامي بما يخدم تطـــور الحــــــدث والحكاية، وهنا يستخدم الصورة والكادر والعمق وحركة الممثلين التي تُعنى بتشكيل المشهد الدرامي، بينما يمكن اختزال كل ذلك في عبارة أو إشارة سريعة في الرواية. ‏

إذن تعتقد أن للرواية مساحة أكبر و أقوى في التعبير من العمل الدرامي؟ ‏

نعم ومن الصعب جداً أن نطالب المخرج أو الممثل في العمل الدرامي بالتعبير عن الحالة النفسية للشخصية أو عن أفكارها الخفية، وهذا ما تستطيع الرواية أن تقتحمه على لسان الراوي الذي يعرف كل شيء، ففي الرواية لدى الكاتب مساحة كبيرة من الحرية ومسافات وهوامش فسيحة لاستخدام الفلسفة وعلم النفس وقوانين علم الاجتماع، بما يمتلكه الكاتب من أساليب وتقنيات تمكنه من تقديم شخصياته بصورة أوضح وأعمق مما هي في الواقع المرئي، وهذه ميزة تكون لمصلحة الأدب على حساب الدراما. ‏

إضافة إلى أن العمل الروائي هو محاولة للاقتراب من صورة العصر وروحه، أن يخرج هذا العمل بحكمة العصر والقيمة الإنسانية العامة، ويدون التاريخ الإنساني بالإحساس فكراً وفلسفة، أرفض أن يتحول الكاتب الروائي إلى كاميرا فوتوغرافية، عليه أن يخرج ما وراء الصورة إلى الرؤية، ويستوحي ما وراء هذا العالم مما هو خفي وغير مرئي ليكتشف ما لا يراه الناس، وهذا يعني الانغماس في ألم الإنسانية الواقعية ثم الخروج إلى بهاء الحالة هكذا أراه أنا على الأقل