2013/06/21

 كاميرا نجدة اسماعيل أنزور تدور في دمشق «تحت سماء الوطن» حرب وموت وحبّ
كاميرا نجدة اسماعيل أنزور تدور في دمشق «تحت سماء الوطن» حرب وموت وحبّ


صهيب عنجريني – السفير

يعلو صوت المروحيّة عابرةً فوق أتوتستراد المزّة، فيتخلى المصوّر عن متابعة الممثلين ويلاحق الطائرة نزولاً عند تعليمات المخرج نجدة إسماعيل أنزور. ينهمك أنزور حالياً في إنجاز جديده الدرامي «تحت سماء الوطن».

عشر حكايات درامية من رحم الأزمة السورية هي قوام الثلاثيات التي تشكل جديد أنزور، الذي يقول لـ«السفير» إنّ «المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني» عرضت عليه مجموعةً من السيناريوهات ليتولى إخراج واحدٍ منها، فاقترح بدلاً من ذلك العمل على موضوعات تنتمي للراهن السوري. «بطبيعة الحال لا يمكن أن نغطي الأزمة السورية من خلال حكاية واحدة، ولا حتى عشر حكايات. لكنّ هذا الشكل يتيح لنا تسليط الضوء على ما يدور تحت سماء الوطن بشكل أكبر، وتحت شعار أن هذا بلدنا، ونحن لسنا مع تمجيد النظام ولسنا ضد المعارضة، الوطن للجميع ويجب أن نحافظ عليه. هذه هي الرسالة الأساسية للمسلسل، وهناك مواضيع جريئة جداً سيراها المشاهد للمرة الأولى على الشاشة». ولا تكتفي الثلاثيات التي تشكّل قوام «تحت سماء الوطن» بمعالجة الأزمة من بعيد، بل تغوص الكاميرا في «مناطق شديدة السخونة»، كما يقول المخرج.

عُرف صاحب أشهر الفنتازيات التاريخية بالانتصار لشعرية الصورة خلال مسيرته الإخراجية الحافلة، فهل سيقدم الواقع الغارق في الدم بالأسلوب ذاته؟ يردّ: «أحاول ان أخلص للواقع أكثر، أقدم اليومي والمُعاش بتلقائيته، بلحمه ودمه، لكن بطبيعة الحال لا أستطيع إلا أن أنتصر في بعض اللقطات لعين المخرج، خصوصاً أن بعض الثلاثيات تقدم نهايات رمزية». يضرب مثالاً على ذلك الثلاثية التي واكبنا تصويرها: «ثلاثية الصمت هذه تستعرض حال الفئة الأكبر من المجتمع السوري، الشريحة التي بقيت حتى الأمس القريب صامتةً، فيما تتلاعب الحرب بمصائر أفرادها، لكن الشخصية التي ترمز إلى هذه الشريحة تُنهي الثلاثية من فوق سطحٍ عالٍ، تُشرف عبره على دمشق، وتسمع أصوات الرصاص والانفجارات تهزها، فتطلق صرختها عاليةً، ويصمت الرصاص». ثلاثية الصمت كتبتها هالة دياب صاحبة نصّ «ما ملكت أيمانكم».

كتبت دياب لـ«تحت سماء الوطن» أيضاً ثلاثية «عزيزة على بابا عمرو». عن مشاركتها في تلك الثلاثية، تقول الفنانة رنا جمول: «ألعب دور سيدة تجبرها الأزمة على النزوح من بابا عمرو، ومن ثم من سوريا، ينتهي بها المطاف في مخيم الزعتري، حيث تسلط الثلاثية الضوء على الظروف المأساوية للسوريين داخل المخيم، بدءاً من المشاكل المعيشية: لقمة العيش، ظروف الإقامة، غياب الخدمات الصحية.. وصولاً إلى فتوى جهاد النكاح، وحالات الاستغلال الجسدي التي تتعرّض لها الفتيات، حيث يحاول بعض المتاجرين بظروف النازحين السوريين أخذ ابنتها إلى هذه الدوامة وبموافقة والدها، لكن السيدة ترفض بيع ابنتها، وتهرب من المخيم، ولا تجد خلاصها إلا بالعودة إلى سوريا». ترى جمول أن المسلسل خطوة هامة، وتأكيد على أن كل شيء في سوريا قادر على الحياة رغم كل الظروف، وهو يحاكي الراهن السوري ومنعكساته، وتأمل أن تكون النهاية القريبة للأزمة بعودة جميع أبناء سوريا إلى حضنها.

يؤكد الفنان يوسف المقبل أن «تحت سماء الوطن» تجربة مهمة، ويضيف: «أشارك حالياً في ثلاثية «عزيزة على بابا عمرو» التي تتناول قصة إحدى النازحات، ومن خلالها نتعرّف إلى الكثير من الإشكاليات المرتبطة بالأزمة السورية: حال السوريين داخل المخيمات، بيع الفتيات تحت مسمى الزواج، شبكات الدعارة المنظمة التي تتاجر بفتياتنا داخل المخيمات، معسكرات الجهاديين الذي يتم إرسالهم إلى سوريا، استخدام الدين طعماً لتحويل الشباب إلى انتحاريين». ويختم المقبل معلّقاً على الثلاثية: «لقد حصرت نفسها درامياً في إطار أزمة الشخصيات وما وصلت إليه، من دون الخوض في الأسباب، ربما نتفق أنه ليس من وظيفة الدراما أن تقترح حلولاً بالضرورة، لكن التعرّض للمسببات ضروري».

أنجز أنزور أيضاً تصوير ثلاثيات: «الحميدية» و«مرام» تأليف فادي قوشقجي، و«نزوح» تأليف نور شيشكلي. وتقول شيشكلي لـ«السفير»: «تحكي الثلاثية عن النزوح الداخلي للسوريين والذي ينتهي عادة بالنزوح الخارجي، بيوت السوريين خلال الأزمة انقسمت إلى قسمين قسم تم تدميره وتهجير أهله وقسم يستقبل هؤلاء المهجرين، في الثلاثية تناولتُ هذه الشريحة، استعرضت آلام الأشخاص الذين دمرت بيوتهم وباتوا بلا مأوى، ومأساة الأشخاص الذين تحولت منازلهم إلى ملاجئ». وحول التجربة بعمومها، ومواكبتها للأزمة السورية تقول شيشكلي: «أرى أننا متأخرون جداً عن مواكبة الأزمة السورية، لكن الكاتب لا يستطيع بسهولة أن يتناول بداية الأزمة ولا مستقبلها، لأن كل شيء ضبابي، والرأي الشخصي للكاتب لا يجب تعميمه، وبالمحصلة فليست مهمتنا توثيق ما حدث ويحدث، فنحن لا نكتب التاريخ ولا نصنعه، ما قمت به كان محاولة لتسليط الضوء على مشكلة اجتماعية وانسانية يعاني منها كل الشعب السوري».

ثمة المزيد من الثلاثيات التي تنتظر البدء بتصويرها: «اليقين» تأليف رانيا قدّورة، «لطيفة» تأليف لما إبراهيم، و«الدوامة» تأليف محمد الجعفوري. يقوم ببطولة «تحت سماء الوطن» عدد كبير من الممثلين السوريين، ومن أجيال مختلفة، منهم: تيسير إدريس، فايز قزق، فايق عرقسوسي، جهاد الزغبي، فاتن شاهين، سوسن ميخائيل، مديحة كنيفاتي، أسيمة يوسف، مهند قطيش، شادي مقرش، فيلدا سمور، سومر ديب، اسكندر عزيز، وفاء بشور، أكرم تلاوي، دينا خانكان...

تحت سماء سوريا: حرب، موت، دم، وكثير من الوجع، لكن تحت سمائها أيضاً حياة تصر على الاستمرار، حبٌّ، غناء، وفن.. وأمل لا بدّ منه.