2012/07/04

كرة الاتهامات المتبادلة قد اهترأت...هل آن أوان وضع رؤية جديدة للسينما السورية؟
كرة الاتهامات المتبادلة قد اهترأت...هل آن أوان وضع رؤية جديدة للسينما السورية؟


محمد أمين – الوطن السورية

تحاول المؤسسة العامة للسينما دفع تهمة التقصير عنها التي لازمتها طوال مسيرتها التي بدأتها قبل أربعة عقود خلت وازدادت حدة في العقد الأخير وهي سعت إلى زيادة رأسمالها لكي تتمكن من إنتاج أكبر عدد ممكن من الأفلام وتحقيق قفزة على هذا الصعيد ظلت طوال العقود الفائتة مطمح السينمائيين السوريين، ونالت ما سعت إليه لذلك قررت إنتاج العديد من الأفلام الروائية والتسجيلية لموسم 2011 الذي بدأ بفيلم تسجيلي حمل عنوان (حكاية سورية) للمخرج الليث حجو وثلاثة أفلام وراثية طويلة هي (العاشق) للمخرج عبد اللطيف عبد الحميد وفيلم (الشراع والعاصفة) للمخرج غسان شميط وفيلم (هوى) للمخرجة واحة الراهب.

إذاً ثلاثة أفلام دفعة واحدة يأمل كثيرون أن تكون الخطوة الأوسع باتجاه النهضة السينمائية المأمولة التي تحدث عنها وتمناها وتوقعها الكثير من المخرجين والممثلين والمنتجين السوريين في العامين الأخيرين مستغربين تأخر هذه النهضة رغم توافر كل مقوماتها الفنية والإبداعية فضلاً عن رغبة جامحة تجتاح الفنانين السوريين منذ زمن لارتياد هذا الأفق الساحر وقد أجهضت عوامل شتى هذه الرغبة إلا محاولات هنا وهناك لم تكن كافية لرسم مشهد سينمائي حقيقي وأصيل وخاصة أن أزمة (فقدان ثقة) تأصلت في العقود الأخيرة بين المشاهد السوري وسينماه سببها اتفاق معلن وغير مكتوب بين المخرجين السوريين والجوائز والمهرجانات العربية والعالمية حيث شعر هذا الشاهد أن عين المخرج السوري على لجان التحكيم وليست على هذا المشاهد الذي كان ولا يزال متعطشاً لسينما سورية حقيقية تحاكي طموحه وتطلعه نحو غد أفضل وتفتش في تفاصيل حياته بكل جوانبها إلا أنه وفي كل مرة يُصاب بحالة من الخيبة وفقدان الأمل فأدمن اليأس من قيامة هذه السينما فالوعود تذهب أدراج الرياح والملايين تهدر على أفلام مبسترة و(نخبوية) تنتمي إلى الجيل الأول من السينما الذي تجاوزه العالم منذ عقود.

يدخل المخرج عبد اللطيف عبد الحميد تجربة سينمائية أخرى مستنداً إلى إرث سينمائي ربما يعد الأخصب والأثرى من نتاج أقرانه من المخرجين السوريين، فالرجل قدم منذ عام 1988 ثمانية أفلام نال بعضها جوائز النقاد ولجان التحكيم في مهرجانات عربية ودولية وجوائز الجمهور فقد قدم عبد الحميد في ذاك العام البعيد نسبياً فيلم (ليالي ابن آوى) الذي اقتحم به المشهد السينمائي السوري- إذا جاز القول إن هناك مشهداً سينمائياً سورياً أعلن من خلاله ولادته كمخرج له أسلوبه الخاص والمميز في التأليف والإخراج والرؤية السينمائية الشفافة والصادقة إلى درجة الدهشة ودعم هذا الأمر بفيلم آخر لا يقل عمقاً سينمائياً عن سابقه هو فيلم (رسائل شفهية) ولكنه عبد الحميد تعثر في فيلم (صعود المطر) الذي قدمه في منتصف عقد التسعينيات من القرن الماضي بيد أنه استطاع استعادة توازنه السينمائي من خلال فيلم ترك أصداء إيجابية في سورية والعالم وهو فيلم (نسيم الروح) ليقدم بعد ذلك عدداً من الأفلام هي (قمران وزيتونة، ما يطلبه المستمعون، خارج التغطية، أيام الضجر) لها ما لها وعليها ما عليها، حيث يؤخذ على عبد الحميد إصراره الشديد على غزل أفلامه وحده تأليفاً وإخراجاً حيث لا يدع أحداً يشاركه أفكاره كما لم يحاول أن يشارك الآخرين في أفكارهم الأمر الذي أدى إلى عدم نضج نتاجه السينمائي الأخير بما يكفي ولكنه يبقى المخرج السوري الأكثر حماسة واجتهاداً ورغبة في الاستمرار والدوام.

يتابع عبد الحميد من خلال فيلمه الجديد (العاشق) تقليب الحب على جوانبه المتنوعة للوصول إلى جوهر هذه العاطفة الإنسانية السامية فهو يتناول فيه قصة حب جارفة بين زمنين مختلفين ويرفع شخصيات الفيلم كوكبة من ممثلي الدراما التلفزيونية السورية منهم: عبد المنعم عمايري، ديمة قندلفت، قيس الشيخ نجيب، فادي صبيح وسواهم ويشارك عبد الحميد بالفيلم كممثل وهذه ليست المرة الأولى التي يجرب فيها أدواته في الأداء السينمائي حيث سبق له المشاركة في فيلم (نجوم النهار) لأسامة محمد وفيلم (مرة أخرى) لجود سعيد كما ظهر في أكثر من فيلم من أفلامه.

وكان المخرج غسان شميط قد بدأ منذ عدة أشهر تصوير تجربته السينمائية الرابعة وهي فيلم (الشراع والعاصفة) المقتبس من رواية شهيرة تحمل الاسم نفسه للراوي حنا مينة وقد قام شميط بوضع السيناريو له بالتعاون مع رفيق يوسف ويتناول شخصية (الطروسي) ذاك البحّار الذي يحمل في داخله روح الثورة، والذي يشعر أن البحر روحه وحياته وأن الدفاع عن البسطاء والمقهورين من واجبه.

وقد مر هذا الفيلم بالعديد من المطبات قبل أن يستقيم ويمشي على قدميه عندما تعاونت المؤسسة مع شركة إنتاج خاصة فتكلفة الفيلم مرتفعة كما أن تصوير مشهد العاصفة استدعى الذهاب إلى أوكرانيا، يشارك في الفيلم عدد من الفنانين منهم: جهاد سعد الذي يؤدي شخصية الطروسي وزهير رمضان وماهر صليبي، رنده، وضاح حلوم، أندريه سكاف وسواهم وسبق للمخرج غسان شميط أن قدم (شيء ما يحترق) و(الطحين الأسود) و(الهوية) فضلاً عن العديد من الأفلام الوثائقية والتسجيلية.

وبدأت المخرجة واحة الراهب منذ أيام تصوير تجربتها السينمائية الثانية (هوى) المقتبسة هي الأخرى من عمل روائي يحمل الاسم نفسه للروائية هيفاء بيطار وقام رياض نعسان آغا بوضع السيناريو لهذا الفيلم الذي تتابع به الراهب ما بدأته في عام 2003 من خلال فيلم (رؤى حالمة) وهو الدفاع عن المرأة وقد قالت الراهب قبيل تصوير فيلمها: إنه مشروع قديم متجدد وكان يفترض أن يقدم منذ فترة طويلة.

ويتناول الفيلم قصة ممرضة شابة مطلقة ولديها طفل وتواجه مصاعب وصعوبات في منزلها وعملها حيث تجد نفسها متورطة بملفات فساد، يشارك في هذا الفيلم: سلاف فواخرجي، عبد الرحمن آل رشي، طلحت حمدي، زهير رمضان، وسواهم وتعتبر واحة الراهب أول امرأة سورية تقدم على إخراج فيلم سينمائي.

وبعد: لقد سادت خلال السنوات الفائتة حالة من (العداء) الذي بدأ موضوعياً وانتهى شخصياً بين إدارة المؤسسة العامة للسينما وعدد من أبرز السينمائيين السوريين الذين حملوها مسؤولية التراجع والتردي من حيث المبنى والمعنى السينمائي وربما هذا هو الوقت المناسب للشروع في خطوات تصالحية بين كل الأطراف تفضي إلى وضع رؤية جديدة لراهن ومستقبل السينما في سورية والبدء في إعادة تشكيل مشهد سينمائي سوري وخاصة أن كرة الاتهامات المتبادلة قد اهترأت والأيادي قد تعبت من قذفها بكل اتجاه.