2012/07/04

كسرت الإحباط «المقولب» للشخصية العربية ولاقت رواجاً كبيراً..الدراما الجاسوسية المصرية «حفرت» والسورية عن الشاشة«غابت»!!
كسرت الإحباط «المقولب» للشخصية العربية ولاقت رواجاً كبيراً..الدراما الجاسوسية المصرية «حفرت» والسورية عن الشاشة«غابت»!!


علي الحسن – الوطن السورية

«رأفت الهجان» مسلسل الجاسوسية المصري الذي عرض على أجزاء في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات حصد المتابعة الكبرى على الصعيد العربي بشكل غير مسبوق ولا يزال «رأفت الهجان» المسلسل الذي أخرجه يحيى العلمي للكاتب الروائي صالح مرسي وقام بدور البطولة فيه الفنان محمود عبد العزيز يتربع على عرش حجم المتابعة في تاريخ الدراما التلفزيونية العربية وقد تناول قصة الجاسوس المصري رفعت علي سليمان الجمال (1927- 1982).

الدراما المصرية قدّمت أعمالاً كثيرة عن «القضايا الجاسوسية» على حين تفتقد الدراما السورية لهذه النوعية من الأعمال.. و«قضايا الجاسوسية» موضوع ندوة أقامتها أخيراً مديرية ثقافة السويداء في ثقافي «الغارية» بمشاركة السيناريست فايز بشير إلى جانب محور آخر تصدى له الفنان مشهور خيزران وبحث فيه العلاقة الجدلية بين الممثل والدراما وذلك بحضور فنانين وكتاب ومهتمين.

رفض.. تحفظ.. وحجج

الكاتب والسينارست فايز بشير يرى أن افتقار الدراما السورية لقضايا الجاسوسية يعود لأسباب عديدة أهمها «عدم تعاون الأجهزة الأمنية» في كشف بعض القصص الجاسوسية و«التحفظ على كل ما يمس هذا الجانب» حتى القصص التي «انتهت أحداثها وإحداثياتها» بعودة الجاسوس أو وفاته، ويعطي بشير هنا مثالاً عما حصل معه في مسلسل «رجال الحسم» فيما يخص «قضية الجاسوس كوهين» ويضيف بشير أسباباً أخرى لندرة الأعمال الجاسوسية في الدراما السورية على عكس نظيرتها المصرية منها «عدم تعاون» شركات الإنتاج في القطاع الخاص مع هذا النوع من الدراما «بحجة عدم وجود أسواق لها في فضائيات الخليج» والأفظع- تبعاً لفايز بشير- أن التلفزيون الوطني السوري وإدارة إنتاجه «ترفض» هذه النوعية من الأعمال أما الحجج فهي: «غير صالح»، «لا إمكانية للإنتاج» علماً- يعقب بشير- أنه «واجب» عليها إنتاج هذه الأعمال و«التشجيع» على كتابتها أما السبب الثالث برأي بشير «عدم وجود كتاب» لهذا النوع، ذلك أن قضايا الجاسوسية تفرض على الكاتب أن يكون «ذا ثقافة نوعية بشؤون الاستخبارات وطريقة عملها وامتلاك معلومات حقيقية عن جيوش العدو وشبكات استخباراته».

«قربان».. واجب وتفريط

للأعمال الدرامية التي تتناول وتطرح القضايا الجاسوسية وظائف عدة برأي بشير: إعلامية واجتماعية ووطنية حيث إنها «تنمّي الحس الوطني» الذي نحن «بأمس الحاجة إليه» في هذه الأيام «الصعبة» حيث إن البطل – يعقب بشير- مستعد دائماً لتقديم نفسه «قرباناً» للوطن كذلك فإن لهذا النوع من الدراما وظيفة أخلاقية هي «التسامح» مع أبناء الوطن و«الواجب» الذي يجب أن «تتلاشى» أمامه كل مفردات «الأنانية والسلبية».

أما ما تتطلبه هذه الدراما فهو – تبعاً لبشير- أن يتحلى الكاتب بـ«الجرأة» كقيمة مضافة دون «التفريط» بفنية النص، ويؤكد بشير أن النص الجيد ليس النص الذي «يتحدى» الرقابة «مخترقاً» الأعراف إنما هو النص القادر على إحداث «تحول» فيها و«انفتاح» عليها.

تحفيز.. كسر.. و«كبرياء مهدور»

بشير يشير إلى أن الدراما المصرية في طرحها لقضايا الجاسوسية في أعمال أولى كانت «خجولة» و«متواضعة» إلا أنها لاقت «رواجاً» لدى المتلقي لتنجح الدراما المصرية فيما بعد «للتصدي» لقضايا جاسوسية «حفزت» الفعل العربي و«كسرت» الإحباط المقولب للشخصية العربية، أما الأعمال التي لاقت رواجاً كبيراً مشفوعاً بـ«مصداقية» و«مهنية» فهي – تبعاً لفايز بشير- «جمعة الشوال، رأفت الهجان، العميل 1001» حيث أعادت هذه الأعمال للمواطن العربي بعضاً من «كبريائه المهدور».

ويكشف بشير خلال حديثه في الندوة أن لديه خمسة أعمال عن الجاسوسية ولم تتبنها إلى حد الآن شركات الإنتاج وأنه كتب «رجال الحسم» منذ عام 1996 و«ناضل» أكثر من عشر سنوات حتى رأى العمل النور، ووجه بشير انتقادات للآلية أو الذهنية التي تتعاطى فيها «الرقابة» والتلفزيون مع القضايا الجاسوسية ما جعل من كتاب سيناريو كتاباً على الورق داعياً إلى الانفتاح على نوعية الدراما هذه كونها تشدّ المتلقي أكثر من غيرها.

مداهنة.. وحقل ألغام

الفنان مشهور خيزران وفي حديثه عن العلاقة الجدلية بين الممثل والدراما عرّج على القضايا الجاسوسية في الدراما من حيث «تأريخها» لحالة صراعية بين دولتين مشيراً إلى أن الكاتب عندما يقترب من «الممنوعات» أو «المحظورات» فإنه كمن يسير في «حقل ألغام» ذلك أن الكاتب- يعقب خيزران- إذا استجاب للوثيقة التاريخية فإنه يجد نفسه في «مشكلة» وإذا خالف ذاته «مداهناً ومرائياً» فإنه أيضاً يجد نفسه في مشكلة ومن هنا فإن الدراما الجاسوسية برأي خيزران من «أدق الدرامات».

حواجز.. وعجلات

وأشار خيزران إلى أن الحديث هنا ليس بصدد «إدانة» الرقيب ولا «الدفاع» عنه إلا أن الرقيب يسير في خط «منظومته الأمنية» وعليه فإن الكاتب يجد بصورة أو بأخرى أن «العصا في عجلاته» ودعا خيزران صاحب شخصية «الرفيق ملحم» في «الخربة» إلى إزالة «الحواجز» بين السلطة والمبدع من أجل خلق بيئة إبداعية تمضي بالفن قدماً لتصوير مشكلات الواقع وتشخيصها بما يشير إلى الأخطاء والسلبيات سبيلاً لتجاوزها نحو واقع أفضل تسوده العدالة.

إزميل.. مطرقة.. وبيادر قمح

خيزران يصف الممثل بأنه ذلك «النحات» الذي يجعل من «إزميل» روحه و«مطرقة» قلبه «أوتاراً» إذا ما درجت عليها «أصابع النسيم» ترقرقت «أنغاماً عِذاباً» لإسعاد البشر.. وأن الممثل هو ذلك «الضوء» الذي لا ينفك «يناكف الظلام» ويرى خيزران أن فن التمثيل أكثر الفنون «تعقيداً ووعورة» لأنه يوجب على الممثل أن «يخرج من ذاته» وأن يرمي بأناه الشخصية خارج أسوار الرواية التي اقتادته إلى عوالمها وذوات شخوصها، وهنا «مكمن الصعوبة» في التمثيل عندما «يجمع الممثل بيادر قمح روحه كلها بحبة قمح واحدة ليزرعها في تربة حقل وروح الشخصية».

قاعدة واستثناء.. خيال ووثيقة

التمثيل برأي مشهور خيزران الفنان والشاعر هو إذابة «الأنا» بـ«هو» وهذه هي – من منظوره- الجدلية بعلاقات التأثير والتأثر إذ تتحقق «نفي النفي إثبات» فعندما تطمر حبة القمح بالتراب وتنبت بعد حين ثم تنضج وتصبح سنبلة فهذا إثبات، هذه هي – يعقب خيزران- جدلية العلاقة بين الحبة والتراب إذ بنفيها إثبات وتطبيق لها فيما يخص التمثيل، عندما ينفي الممثل بتمثيله لمطلق شخصية سواء وافقت أفكارها أم لم توافقها، عليه أن ينفي «أناه» بـ«هو» الآخر ليتحقق إثبات التشابه باعتمالات النفس البشرية إن كانوا طغاة مستبدين أو تكفيريين أو ظلاميين أو من الشعوب المسحوقة المغلوب على أمرها ويورد خيزران هنا أمثلة: بسام كوسا في «الكومبارس» حيث التضاد بين نجومية الفنان والدور المسند، ودور الفنانة منى واصف في «الفهد» المنحرفة أخلاقياً وهنا التعارض بين سلوك الفنان وبين الشخصية، ودور الفنان صقر المصفي في «القاعدة والاستثناء» حيث التضاد بين فكر الفنان والحمّال الجبان، وكذلك دور مشهور خيزران في مسرحية «بلا وجه» حيث العلاقة الجدلية بين الفنان والجاسوس السوفييتي «فاسيلي نيكيليوف» فالشخصية وثائقية ويجب تحقيق طرفي المعادلة: الخيال والوثيقة.