2015/08/17

كندة علوش
كندة علوش

السفير - رغد مخلوف

كنده علّوش إنسانة عفوية بالفطرة. حين تطرح عليها سؤالاً، تجيبك من دون أن تأخذ وقتاً للتفكير، تحدّثك من القلب للقلب من دون حواجز أو حسابات. انتقلت عفويتها إلى مهنتها كممثلة لتكون ربما السمة التي تمّيز أداءها، وكأنّها لا تزال تحتفظ في داخلها بكنده الطفلة، تستحضرها كلما ازدادت الحياة قسوةً. «حتى في أحلامي يكون موقع معظم الأحداث مدرستي «دار السلام». كم أحببت أيامي هناك. كلما كبرنا وازدادت مصاعب الحياة ازدادت حلاوة ذكريات الطفولة، بيتنا في دمشق والعائلة، اللعب مع أخي الصغير، حين كنّا نرتجل قصصاً لنمثلها مع الأصدقاء».
ومن الطفولة إلى الشباب والتحاقها بـ «المعهد العالي للفنون المسرحيّة» في دمشق، والذي عشقته بكلّ تفاصيله. تربطها بزملاء دراستها صداقات قوية إلى اليوم. «لم يكن المعهد يوماً مكاناً للدراسة فقط، تعلمت فيه الكثير إذ إنَّنا لم نُلَقَن المنهاج تلقيناً، بل كان قائماً على فكرة البحث، ممّا حقق لي متعة كبيرة، ودفعني للبحث عن المعلومة. المعهد علّمني أن أرى الدنيا بمنظور مختلف».

لستُ «فتاة غلاف»
بعد التخرّج وانطلاقاً من عشقها للفنّ بأنواعه كافة، تنقّلت كندة علوش من العمل في الكتابة للعمل كمساعدة مخرج، ومن ثم تجريب الإخراج والإنتاج أيضاً إلى أن احترفت التمثيل واختارته مهنة لها. كانت تجربتها في مسلسل «أشواك ناعمة» إخراج رشا شربتجي وفيه بدأت تتعلّق بالتمثيل. «وجدت في التمثيل مجالاً لأتعلّم خبرات حياتية وإنسانيّة. هناك تجارب قد لا يسمح الظرف للإنسان العادي بأن يعيشها بشكل شخصيّ، بينما الممثل يختبر أنواعاً مختلفة من التجارب، فيصبح التمثيل طريقة للعلاج النفسي، يُخرج الممثل من خلالها شحنات من الغضب والحزن وغيرها من الاضطرابات التي قد تكون موجودة في لاوعيه».
ترى علّوش في التمثيل فرصة للسفر والتعرّف على آخرين، فتكون المهنة حيناً مصدراً للمتعة وحيناً آخر مصدراً للإرهاق والتعب. «أثرتني المهنة على الصعيد الإنساني، إلّا أنّها تغدو مرهقة جداً حين تشتد المنافسة وتُنتَهَك الخصوصية وتحديداً مع الانهيار الأخلاقي الذي أصاب البعض جراء استخدامهم السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، مما يفرض على الممثل نمط حياة لا يشبهني أبداً. وهذا ما يدفعني أحياناً للتفكير بالاعتزال».

عفوية كنده علّوس كإنسانة وكممثلة ربما تتناقض مع تلك الصورة النمطية التي تفرضها مجتمعاتنا على الفنان. «لا أحبّ أن أكون طوال الوقت «فتاة غلاف»، لا تستهويني الموضة دوماً، ولا يصيبني هوس الشكل والوزن، يتعبني أن أكون طوال الوقت محطّ أنظار الآخرين، ولا يُسعدني تدخّل الغرباء بحياتي الشخصية واستسهالهم إطلاق الأحكام».

«العهد» كان تحديّاً لي
لوالدة الممثلة السوريّة النصيب الأكبر في حياتها، إذ إنّها الشخصية الأكثر تأثيراً في شخصيّتها. «ماما شخص استثنائي، كتلة عظيمة من الحنان والمحبة والقوة والصلابة غير المحسوسين. قدّمت لي كل شيء في الحياة، وأمدّتني بالقوة اللازمة دوماً للوقوف من جديد، واستطاعت الحفاظ على عائلتنا إلى جانب تحقيق مركز احترام ومحبة لها عند كل مَن عرفها، أمي هي وطني حين يغيب الوطن».
لم تخلُ مسيرة علّوش الفنية من الصعوبات فكانت مزيجاً من التعب والمتعة. أصعب مراحلها في سوريا قبل أن تنتقل إلى مصر إلا أنها تعتز بالمرحلتين. «لا يمكن لأحدنا أن يصنع شيئاً حقيقياً من دون جهد كبير، فكلّ ما يأتي بسهولة يذهب بسرعة من دون أن يترك أدنى أثر. لتحفر تاريخك عليك أن تحاول جاهداً تقديم الأفضل مهما كان مستوى العمل، فالعروض لا تكون دوماً عالية الجودة».
مسلسل «أهل كايرو» كان بوابتها المهمة والمحترمة التي دخلت منها إلى الوسط الفني المصري، شكّل لها نقلة نوعية وصنع لها مكانة مهمة هناك مما رفع من مستوى الأعمال المعروضة عليها فيما بعد.

وفي رمضان الفائت، تميّزت في مسلسل «العهد» تجربتها الوحيدة لهذه السنة من إخراج خالد مرعي ونص محمد أمين راضي. حملت التجربة من الخصوصية والنجاح ما أضاف على مسيرة علّوش الكثير، فأطلّت على المشاهد بشخصية سوسن المتسلّطة. «هو عمل مميّز ينتمي لنوع الفانتازيا، يشبه قليلاً قصص «ألف ليلة وليلة»، إذ يحكي قصّة شخصيّات في زمان ومكان غير محدّدين، كان له صدى كبير ومهم بين الناس لأنّه عمل مختلف جداً بأفكاره وطروحاته وشكله؛ عمل يُعتَبَر خارج الصندوق تماماً، وخارج الأنماط التقليدية المقدَّمة.كان صعباً جداً إلا أنه شكّل تحدياً جديداً لي كممثلة بسبب بعد الشخصية عني وعن كل ما مثلت سابقاً، أتمنى أن أكون استطعت تقديمه بشكل لطيف».

دمشق روحي

ما جرى في سوريا خلال السنوات الخمس الماضية، كان الحدث الأكثر تأثيراً في حياة كنده علّوش. وككثير من السوريين، تعيش اليوم بعيدة عن بلدها، فتختلط مشاعر الألم بالأمل. «ما يحدث في سوريا من بداية الثورة وإلى يومنا هذا ترك في قلوبنا خليطاً من مشاعر الانكسار والوجع والخوف وعدم الأمان ثم الأمل أحياناً. كانت مشاعر اختبرناها لأول مرة في حياتنا كجيل، عمّقت التجربة تعلقنا بالبلد. يؤلمني ما وصلنا إليه فأنا والكثير من أبناء جيلي لم نتمنَّ يوماً أن تصل الحال إلى ما وصلت إليه، بتنا نعيش كارثة إنسانيّة بكلّ المقاييس». تضيف: «بعد كل ما حدث في سوريا أصبح للحياة مفهوم عبثي، وأصبح التخطيط للمستقبل شبه مستحيل ومرعباً في الكثير من الأحيان». لكنّ الممثلة تحمل أمنيات بسيطة في روحها لبلدها: «أتمنى الصحة والسعادة لأهلي كما لأهل سوريا، وأتمنّى أن أستطيع دخول بلدي مجدداً».
تعيش علّوش اليوم في القاهرة، وهناك بات لها حياة وأحلام، تحتضنها تلك المدينة الصاخبة لتشعرها بأمان فقدته في بلدها. «القاهرة هي حاضري وربما مستقبلي، أنا محظوظة ففي اللحظة التي أُبعِدتُ فيها عن بلدي، كانت مصر في انتظاري بكل حنانها ودفئها. حبي لها يفوق الوصف، لم أحسّ هنا بالغربة، مصر بلدي الثاني بكل المقاييس، مصر قدّمت لي أكثر مما كنت أحلم، وسأبقى أحبها ما حييت».
الحنين لدمشق لا يفارقها فهناك الذكريات، هناك الطفولة والمراهقة والشباب. «عمرٌ بحاله» تشكّل هناك تحمله اليوم بكل تفاصيله داخل صندوق ذكرياتها. «دمشق روحي، هي أنا والجزء الأكبر من ذاكرتي، هي الأساس حتى لو ابتَعَدَت، وستبقى معي حتى في لهجتي».
كلما اشتاقت لدمشق تزور بيروت، فتشعر هناك بقربها من بلدها، وتتنفس هواءً قادماً من سوريا. «بيروت هي المتنفّس، فيها أشعر بحريتي من أطر وأفكار أشعر بصعوبتها في دمشق والقاهرة. أتمنى لها ولأهلها السلام، ولأنها الجارة الأقرب إلى سوريا أتمنى أن تكون حضناً حنوناً للسوريين من دون أي شكل من أشكال التعصّب».