2013/05/29

كوميديا الموقف تحت الضوء.. الست كوم بين رائحة «الكاز» وطعم «الليمون»
كوميديا الموقف تحت الضوء.. الست كوم بين رائحة «الكاز» وطعم «الليمون»


أوس داوود يعقوب – تشرين

تتوزع الأعمال الكوميدية السورية إلى ثلاثة أشكال رئيسة هي: الحلقات المنفصلة موضوعاً والمرتبطة بنيوياً والشكل الثاني هو المسلسل المتصل الحلقات والمتمحور حول فكرة واحدة وشخصيات محددة. أما الشكل الثالث فهو ما

يعرف بكوميديا الموقف أو «الست كوم»، والذي يُعدّ من أصعب الفنون. وقد أخذ هذا الشكل بالتبلور منذ عشرة أعوام تقريباً، حيث برزت ظاهرة الورشة الكتابية لتجاوز النقص في نصوص الكوميديا وضحالتها وتم التركيز على هذا الشكل الكوميدي ذي اللوحات المكثفة القصيرة، كما هو الحال في تجارب عدة مثل «بقعة ضوء»، و«على المكشوف»، و«عربيات»، و«طرة ولا نقش»، و«كل شي ماشي»، و«ما في شي»، و«فزلكة عربية»، و«بامب أكشن» وإن كان بعضها لم يحظ بالقبول والتلقي الجماهيري الذي حظي به مسلسل «بقعة ضوء».

وقد اعتمد كتَّاب هذا النمط من الأعمال على التهكُّم والسخرية من الوقائع الاجتماعية بأسلوب ناقد يذهب نحو تعرية الحقائق، ويعمل على معالجة القضايا من أزمات مادية وأزمات سكن وتقلص فرص العمل، بأسلوب نقدي لاذع، ولقد شكلت تفاصيل حياتنا الاجتماعية المعاصرة مادة جوهرية للكثير من هذه اللوحات، التي عكست في الكثير منها هموم الناس ومعاناتهم.

في جردة حساب نهائية لما أنتجته الدراما السوريّة للموسم الحالي، تبيّن أنّ الكوميديا في أحسن حالاتها، وأنها احتلت مكانة لا بأس بها من الحراك الإنتاجي، وأن أعمال «الست كوم» حجزت مكاناً مميزاً لا تمكن منافسته على خريطة الدراما السورية، ولعل في مقدمة هذه الأعمال «بقعة ضوء 9»، و مسلسل «سيت كاز»، ومسلسل «كمون وليمون».

«بقعة ضوء 9».. تجاوز الخطوط الحمر

منذ الجزء الأول لمسلسل «بقعة ضوء» تم الاعتماد على عدد كبير من الكتّاب الشباب وذوي الخبرة من المخضرمين، وتم فسح المجال للفنانين المخضرمين ولأجيال الشباب بالارتجال أثناء تصوير لوحات العمل، ما خلق حالة انسجام وحب للعمل فكانت النتائج مذهلة من زاوية التلقي والقبول الجماهيري.

وقد حقق هذا العمل عبر أجزائه الثمانية نسبة مشاهدة عالية نظراً إلى مضمون لوحاته ذات النكتة الذكية والطرح المختلف، و لاعتماده على المفارقة اللغوية الكوميدية السوداء لا المفارقة الدرامية، وخفّة ظلّه وبعده عن التصنع، وتميُّز إيقاعه بالإيجاز والتكثيف البصري الهادف.

ولعل أهم ما يميز هذا العمل في أجزائه المتعددة، أنه لم يكن محصوراً, في أي عام، بشخصيات معينة فقد شارك فيه معظم مخرجي وكتّاب وممثلي سورية، وهو ما هيأ لكسر حالة «البطل الواحد»، والارتكاز على «البطولة الجماعية» في المسلسل الكوميدي وعكس نظرة الجيل الجديد للكوميديا. ‏

هذا الجيل الذي اعتمد على حس إنساني صادق بالمفارقة الموجودة في المجتمع السوري، وتماهت أطروحاته مع هموم الناس وتسليط الضوء عليها ومعالجتها. فكانت النماذج الكوميدية وما أكثرها في المجتمع، تجسد في كاركترات جديدة ولهجات مختلفة، تؤدى بعفوية وبحب وتظهر قدرات الممثلين وإدراكهم لسر صنعتهم.

وفي كل مرة يتصدى مخرج جديد لجزء جديد من «بقعة ضوء»، يكون مسعاه هو تجاوز مهمة الإضحاك نحو إطلاق رسائل انتقادية تحاكي مشاغل وشواغل الناس في الشارع، وتكون قادرة على قراءة مشكلاتهم، وتضع الاصبع على الجرح وتمتع المشاهد في الوقت نفسه، بأداء تمثيلي عالي المستوى، وبأسلوب إخراجي يتقن صناعة المشاهد الكوميدية والومضات الذكية.

وكما كانت الأجزاء السابقة سباقة في تجاوز الخطوط الحمر، ما أعطى مصداقية للعمل جذبت إليه الجمهور، فإن القائمين على العمل هذا العام أكدوا أن (الجزء التاسع) سيحمل, بطرح جريء، حكايات الفساد وانتقاد الحكومة ومشاكسة المؤسسات الأمنية، كما سيتناول الأزمة الراهنة التي تمر بها البلاد، إيماناً منهم (أي صنّاع العمل)، وفي مقدمتهم المخرج عامر فهد، بأن الكوميديا التلفزيونية يمكن أن تحمل رسائل اجتماعية وإنسانية وسياسية من خلال الأسلوب النقدي الهادف للمعالجة والبناء لا للتجريح والهدم.

كوميدياً أنتجت شركة «سورية الدولية» هذا العام مسلسل «سيت كاز» من تأليف وإخراج زهير قنوع، عن فكرة لأيمن رضا، وشاركه الكتابة ممثلون شباب جسّدوا أدواراً في العمل أمثال: (زيد الظريف – فواز محملجي – غفران خضور- مصطفى المصطفى)، ويعتمد المسلسل على شخصيّة (أبو ليلى) التي قدمها رضا في الجزء الأول من «أبو جانتي».

والعمل ليس نسخة عن «بقعة ضوء», كما ذهب البعض، وإنما هو مسلسل ذو حلقات متصلة أحداثه وشخصياته تشارك بدءاً من الحلقة الأولى وتستمر حتى النهاية مع وجود أحداث ومواقف تبدأ وتنتهي بحلقة واحدة.

ووفقاً لتصريحات المخرج زهير قنوع فإن أحداث العمل ستدور حول شخصية (معروف)، التي يؤديها الفنان أيمن رضا، الذي يدير إحدى محطات الوقود الموجودة على طريق سفر وعن العلاقات والمواقف التي تواجهه مع الزبائن في قوالب ساخرة تعتمد على «كوميديا الموقف» إضافة إلى قصص أصدقائه العاملين في المحطة وتعاملهم اليومي مع الزبائن وقصص الناس الذين يدخلون إلى المحطة.

كذلك سيكون العمل مطعماً بخط غنائي شعبي من خلال المغنية العراقية البدوية التي جعلت خيمتها على طريق سفر العراق وتدمر استراحة للسائقين وتقع في علاقة غرامية مع (معروف) وما ينتج عنها من كوميديا وطرافة وغناء ومقولات شعبية مهمة.

ويشير مخرج العمل إلى أن مسلسل «سيت كاز» هو دمج بين (ست كوم) التي تعني «كوميديا الموقف» و(زيت كاز) التي ترمز إلى الوقود والمحروقات، أي أن العمل هو نوع من الدمج بين الموضوع والشكل مبيناً: إن فكرة العمل تنطلق من كون «كوميديا الموقف» قائمة على أماكن ذات تربة خصبة بالمواقف الكوميدية وبين الأشخاص الموجودين في العمل وبالتالي محطة الوقود هي المكان الذي يجمع ما بين الكبير والصغير من كل شرائح المجتمع، الأمر الذي يخلق تنوعاً كبيراً في المواقف.

ويشارك في هذا العمل نخبة من نجوم الكوميديا والدراما السورية منهم: سامية الجزائري، ومحمد حداقي، ومعن عبد الحق، ورواد عليو، وهبة نور، ونسرين الحكيم، وجمال العلي، وعامر سبيعي، وآخرون, إضافة إلى ضيفتي العمل سلافة معمار وشكران مرتجى، كما شارك فيه الفنان الكبير الراحل خالد تاجا.

«كمون وليمون».. تنوع البيئات

يتابع المشاهد لمسلسل كمون وليمون، عبر (250) لوحة قصيرة، مدة اللوحة الواحدة منها ثلاث دقائق تقريباً، تفاصيل قضايا مختلفة من المجتمع، تطرحها بطريقة بسيطة فكاهية وساخرة. وتتألف كل حلقة من عدة لوحات كوميدية تتناول البيئات السورية الغنية بما تحتويه من سحر الطبيعة وجمال روح أهلها (بيئة شامية، حلبية، ساحلية، بدوية، شرقية، مودرن ....) ، وكذلك عربياً من المصري والخليجي واللبناني والعراقي والمغرب العربي.

هذا ما عمل عليه المخرج محمد نصر الله في نص كتبه وأعده درامياً محمد الجمل، ومن إنتاج شركة جمانة للإنتاج والتوزيع الفني.

ويعالج العمل عبر لوحاته عدة قضايا تتحدث عن تنوع البيئات السورية وكذلك العربية مشكلة خليطاً بانورامياً متجانساً، ويتمتع بجرأة من نوع جديد، وهنالك أفكار جديدة يحملها العمل بين طياته بعيدة عن النمطية والتكرار ففي كل لوحة فكرة أو طرح جديد لم يسبق أن قُدم.

ويشارك في بطولة العمل عدد كبير من الممثلين السوريين المخضرمين والشباب، أمثال: مظهر الحكيم، وممدوح الأطرش، وأندريه سكاف، وجمال العلي، وفوزي بشارة، يحيى بيازي، ومديحة كنيفاتي, إضافة لحضور عدد كبير من الوجوه الشابة، نذكر منهم: هبة حلواني، ومروة الأطرش، وسهيل حداد، وآلاء عفاش، وسهيل حداد، ووليد سعد، ورائد مشرف، ونعمان حاج بكري، وشذى دوغان، وطارق سلامة، وفهد النجار، وأحمد عيد، ومي مرهج، وحنان حبال، وفاروق الشامي.

ويعرض في الموسم الجديد أيضاً، عمل آخر يقدّم لوحات كوميدية هو «حصان طروادة» للمخرج أسامة الحمد من كتابة ورشة كتاب شباب. كذلك تطل رنا أبيض وزهير رمضان وآخرون في مسلسل «حارة الطنابر» الكوميدي الذي يدور في أجواء البيئة الشاميّة، كتبه مروان قاووق ويخرجه المونتير فادي سليم في أولى تجاربه الإخراجية. وهو من إنتاج «غولدن لاين».