2012/07/04

لطيفة التونسية: انا متفائلة بالثورات العربية وهي لا بد ان تؤثر على الفن
لطيفة التونسية: انا متفائلة بالثورات العربية وهي لا بد ان تؤثر على الفن


فاطمة عطفة – القدس العربي

فنانة عربية متألقة بفنها وجمالها وعذوبة صوتها، انطلقت من تونس الخضراء حاملة في قلبها الكبير وطنها وشعبها منطلقة إلى مصر ولبنان والإمارات العربية، حيث تؤكد حضورها الفني المتعدد المواهب ومشاركتها في مسيرة العبقرية الرحبانية بالغناء والأداء المسرحي، كما شاركت في مصر بأعمال وإبداعات المخرج السينمائي الرائد يوسف شاهين، ولعل اختيار بعض أغانيها من كلمات الشاعر المبدع عبد الوهاب محمد دليل على ذوقها الفني والجمالي الرفيع.

وربما كان امتيازها الذي لا يقل روعة عن جمال صوتها هو محبتها لثورة الشباب والتزامها بالمشاركة في إقامة بعض مشاريع التنمية والبناء في بلدها تونس. وأول هدية قدمتها احتفالا بانطلاقة ثورة الشعب التونسي أنها قامت بتصميم ساعة يد خاصة بالشباب لتذكر دائما بوقت وتاريخ هذه الثورة. وهذا يؤكد رقة مشاعرها ومدى وعيها بضرورة المساهمة في بناء مستقبل الوطن، من خلال دعم جيل الشباب الذين يشكلون عماد الثورة. إنها الفنانة الجميلة والقريبة من القلب في حديثها وصوتها وتواضعها في لقائها مع محبيها، الفنانة المتميزة لطيفة التونسية التي تفضلت مشكورة فخصت قراء 'القدس العربي' بهذا الحديث.

* لننطلق من البدايات: البيت والتربية وتنمية الموهبة الفنية؟

* 'أنا عشت بشكل عادي مثلي مثل كل مواطنة تونسية، ولكن ربي أعطاني موهبة، تربيت في بيئة وبيت معلقة فيه صورة عبد الناصر، أبي كان رجلا قوميا جدا، وربانا مشغولين دائما بهمنا العربي والحلم العربي داخل قلوبنا وليس الهم الخاص أو مسقط الرأس، وقد درست الأدب الألماني إضافة إلى دراسة الموسيقى. أنا من عائلة تحب الفن وبنفس الوقت عندها انتماء كبير لتونس وللعالم العربي ككل'.

* دراسة الألمانية مع اللغة الفرنسية، والعيش في مصر، تأثير اللغة الألمانية وتقيد الشخصية الألمانية بالنظام؟

* 'يمكن سبب اختياري لدراسة الألمانية هو من كثرة كلام أمي عن الألمان أيام الحرب العالمية الثانية، ودخول القوات في شمال أفريقيا وفي تونس، وهذا خلاني أكره الأمريكان وأحب الألمان، لأن الألمان كانوا مع التوانسة أكثر، يمكن كذلك السلوك المنظم وشدة الانضباط عند الشخصية الألمانية كان لها تأثير بتكويني، أنا أحب التنظيم لأني تربيت في بيئة هكذا'.

* الساحة الفنية مليئة بمن هب ودب، كما يقال، وفيها مستويات مختلفة لا يخلو بعضه من إسفاف، ما السبب في ذلك وأين يقف الفن الراقي؟ أليس من حق هذا الشباب أن يشاهدوا ويستمتعوا بمستوى راق من الفن يليق بالثورة؟

'*كل شيء اليوم موجود في الساحة الفنية ولا دخل للشباب فهو بريء من أي إسفاف، بالعكس الشباب هو عمل ثورات، وهو المحرك والقائد حاليا في عالمنا العربي. لكننا نرى أن كل شيء موجود: الفن الجديد، الفن الممتاز، الفن الملتزم، والفن صاحب الرسالة موجود كذلك. ومن ناحية ثانية نجد الفن السطحي والعبثي والمسف، وعلى المتلقي أن يختار ما يريد أن يرى ويسمع، وهذا أصبح ممكنا مع الثورة المعلوماتية القوية، والأبواب الجديدة التي فتحتها ثورة الشباب. يمكن الحكومات السابقة التي كانت موجودة، كان لديها قيود على حرية التفكير والعروض الفنية في المهرجانات، كان لها توجهات والتزامات معينة تفرضها على المبدع. بعض الفنانين كانوا ممنوعين من الدخول في بعض البلدان، مثلا جاءت فترة منعوا مارسيل خليفة، أو كما كان يحصل في بعض المهرجانات، عايزة تغني لغزة أو للقدس، يقال للفنان: لا! لا نريد أغاني وطنية. الحس التجاري كان يفرض أحيانا سيطرته على الفن، أنا متفائلة بهذه الثورات وأتمنى طبعا نجاحها وانتصارها، ولا بد أن تؤثر على الفن. الثورة نجحت بتونس ومصر ومنتظرين أن تستمر في البلدان الأخرى وأن تنتصر على الثورة المضادة، وأن تنتصر على الأيدي الخفية وأن تنتصر على كل من يحاول أن يقمع هذه الثورات النبيلة، في تونس ومصر والبلدان الأخرى. أنا أعتقد أن المبدع سوف يكون حرا أكثر، سواء كان كاتبا أو مفكرا أو فنانا تشكيليا أو مطربا أو ممثلا، قمع الحريات مرفوض تماما في الأيام القادمة'.

* طبعا لطيفة عملت مع شخصيات فنية كبيرة غنت الشعر، مثلت على المسرح مع الرحابنة، هل على الفنان أن يختار أعماله؟ وكيف تختارين ما يقدم إليك؟ هل تهمك الكمية أو النوعية، بمعنى ما هي القواعد التي يجب أن يتبعها الفنان الذي يحترم فنه ليحقق النجاح؟

* 'أولا على الفنان أن لا يلتزم إلا بقواعد الجودة والانتماء والصدق والفن الراقي، أما بالنسبة لي لم تكن عندي مشكلة بالاختيار، ما أقتنع به أغنيه إن كان مع زياد الرحباني أو منصور الرحباني في 'حكم الرعيان'، أو مع يوسف شاهين، مع عبد الوهاب محمد، أنا ياما أغاني لي منعت سواء في مصر أو في تونس، لأني كنت أغني 'حبك يا دي وأنا مليتها' يعني مواضيع عاطفية لكن فيها جرأة، كذلك الأغاني الوطنية لأن في كلماتها أفكارا. لما طلعت أمريكا وأخذت الجائزة العالمية للموسيقى في مدينة لاس فيغاس الأمريكية. ورحت وتكلمت على المنبر وقلت شكرا لكم، أمريكان، لكني لم أكن سعيدة بهذه الجائزة، ولم أكن سعيدة إلا عندما تتحرر فلسطين والعراق. طبعا القنوات الأجنبية أذاعتها، لكن القنوات العربية منتجتها! خافوا، مع ذلك نزلت في بعض القنوات الأخرى. فأنا بالنسبة لي رأي أقوله في كل وقت، وبكل مكان. والمهرجان الذي يمكن أن يقول لي ما تغني أغاني وطنية حاليا، لا يعنيني، ما بطلع فيه. هناك مهرجانات عربية تمنعك من أن تغني مثلا للقدس، تقول: لا! نحن مش عاوزين أغاني وطنية. طيب، كيف إذن نعبر عن الشعب الذي يشوفك ويسمعك؟ أنا بالنسبة لي اختياراتي ستتنوع أكثر وستزيد وبنفس الطريقة والأسلوب الذي أقدمه'.

* تعاملت مع الرحابنة، لو كان لديك ملاحظات كنت تستطيعين أن تقوليها لهم ويتقبلوها منك؟

*'مليونين بالمية، هؤلاء العباقرة أسهل ناس تتعاملين معهم، يوسف شاهين كل الناس يقولون لي: ازاي تعاملت مع المجنون ده؟ أعقل إنسان وأبسط إنسان على الكرة الأرضية. زياد الرحباني نفس الشيء، أنا وزياد مثلا: عملنا أغنية اسمها ابن الحرام، أبوسك ما يكون. نفس الشيء منصور الرحباني هو من تنبأ في 'حكم الرعيان' لكل ما يحصل حاليا في العالم العربي. آخر جملة أنا أقولها في حكم الرعيان (انتبهوا على الوطن انتبهوا/ كمان الوطن بيطير!). وهذا ما يحصل، أوطان تطير من حوالينا، أمس كنت أحكي مع وزير الثقافة المصري، لأن ملف 'حكم الرعيان' قدم في مصر من ست سنين ورفض، لأنها مسرحية جريئة جدا، تتكلم عن التوريث في الحكم، وعلى قمع الحريات، وعلى عدم المساواة. كل هذا موجود في حكم الرعيان، قال لي لازم أن تقدم فورا الآن في مصر، لأن هذا وقتها. هؤلاء العباقرة لا يوجد عندهم قمع بالفكر، بالعكس من السهل التعامل معهم'.

* طالما نتحدث عن هذه النخبة المتميزة ومنهم الرحابنة، الأزمة التي حصلت بين أبناء منصور والسيدة فيروز، وأنت الصديقة القريبة منهم جميعا، هل حاولت أن تجري اتصالات للتوفيق بينهم؟.

*'أنا حكيت مع الطرفين والاثنان أصحابي وتعاملت معهم بحب وبنجاح ونجحت مع الاثنين، لكن هذه أمور شخصية لا أحب أن أتدخل فيها أبدا، وأتمنى لكل صاحب حق أن يأخذ حقه، لا نقاش أن الواحد يمسك بشعرة من فيروز، أو يمنع نوطة دوسيه فيروز الغنائي، مرفوض تماما. نفس الشيء أولاد منصور طبعا حبايب لي، أتمنى إن كانت لهم حقوق أن يأخذوها، أنا أتمنى لكل صاحب حق أن يأخذ حقه'.

*هناك حديث عن المسلسل الذي ستقدم فيه الفنانة كارول سماحة دور صباح، كيف تنظر لطيفة للتجديد في الفن القديم؟ أن تعاد أغاني الفنانة صباح بصوت فنانة أخرى؟

* 'صباح تاريخ، فيروز أيضا، وديع الصافي كذلك، التجديد وجهات نظر، هناك جمهور يحب أن يسمع القديم، من يمكن له أن يجدد القديم بطريقة تضيف له وتقدمه بشكل أفضل، ليش لا؟ لكن من عليه أن يعمل لنفسه اسما خاصا به لازم عليه أن يبدع'.

* سنعود إلى تونس، لما بدأت الثورة، أين كانت لطيفة موجودة وكيف تلقيت الخبر؟

* 'كنت موجودة في مصر، من أول يوم للثورة، في اليوم الثاني حملت حقيبتي وكنت متجهة للمطار لكن ألغيت الرحلة، طبعا استقبلتها بفرحة كبيرة وكنت على وشك انهيار، بكاء هستيري، مرضت لأني خفت على أهلي، خفت على بلادي أن تضيع، في نفس الوقت فرحت فرحا غير طبيعي لأني أنا كنت مقهورة مثل كل الناس المقهورين، لأني كنت أشعر بأن الشعب التونسي يستاهل أكثر من الخير والحياة الكريمة. الشباب التونسي ومنهم أخواتي وأخواني كلهم، الشعب التونسي يستاهل أن يعيش بكرامة وعزة، لأن الكفاءة الموجودة في المواطن التونسي كبيرة، والدليل أن كل الكفاءات تتميز بالنجاح والتفوق في أعمالها في الخارج وبشكل كبير. أنا كان عندي فرحة، وكذلك خوف وقلق، وكان عندي أمل ولا زلت في هذه الحالة. عندي أمل كبير في المواطن التونسي، ثقتي كبيرة به، المواطن التونسي متعلم وواع ومثقف ولا خوف عليه. أنا قريبا جدا رايحة تونس، سوف أعمل على تأسيس شركة في تونس، هذا تحد لكل من يقول إنه يوجد خوف على تونس. نحن عندنا أنا وأخوتي شركة في مصر، سنعمل فرعا من شركتنا في تونس، وحاليا أعتقد أننا نقدر أن نشتغل براحة وبدون ضغط علينا، لا يوجد قمع. كان عندنا ضغط كبير، ومرة أنا رفضت أن أغني في حفل فني معروف من ينظمه وهو ابن أخت حرم الرئيس السابق، وقتها منعت من أن أطلع على التلفزيون لمدة سنة ونصف السنة، هذا الحال مرفوض الآن تماما بعد الثورة'.

* 'من يعمل معك من أخوتك الشباب والبنات؟ السؤال هل ستفتحين المجال أمام الشباب التونسيين للعمل في هذه الشركة؟ بأن تخلق فرص عمل جديدة؟

* 'طبعا سوف أفتح شركتي للإنتاج وسوف أظهر مواهب تونسية، وفي كل المجالات، في الإنتاج الدرامي، في الغناء، في الموسيقى، سوف أستقطب أساتذة من مصر بكفاءات عالية، ومن كل العالم العربي، أعمل شبه أكاديمية في تونس للمواهب الجادة والصادقة، سوف أعمل المستحيل ليكون هناك كيان فني رائع وصادق وجميل، ومتاح لكل الولايات في تونس، وليس في العاصمة فقط'.

* أول ما تسافرين إلى تونس بعد الثورة، ماذا ستعملين هل فكرت بذلك؟

* 'أجتمع مع لجنة من الشخصيات التونسية المقيمة هنا في دبي، ونبحث بأن أعمل جولة خليجية لصالح بناء بعض المشاريع في مكثر، تطاوين، طليا البلدان التي شفناها، أنا شخصيا لم أكن أتخيل أنها بهذا الفقر والإهمال. أنا صحيح ساهمت في عدة أعمال خيرية - الحمد لله- وعدة حفلات لصالح ذوي الاحتياجات الخاصة في تونس، لكن ما نراه حاليا صعب جدا ولم يكن في خيالي، أن يكون هذا الكم من الفقر ومن الفساد والسرقة في تونس'.

* هل تتوقعين أن النظام الذي سيأتي في تونس بعد إجراء الانتخابات، سوف يستوعب هذه الشريحة من الفقراء التي ظهرت بعد الثورة، وهي التي بدأت بالثورة، ويحاسب أصحاب السلطة السابقة كما الحال في مصر؟

* 'أي نظام جديد ليس لديه خياران، بل خيار واحد، خيار العيش بكرامة، والشعب هو الذي سيقرر، أي أحد لن ينفذ مطالب الشعب والمواطن التونسي لا يستحق أن يكون موجودا في النظام القادم'.

* السينما العربية تقريبا شبه غائبة، وإن وجدت هي خجولة، هل تفكرين بالعمل في السينما؟ أي الأدوار أحب لك؟

* 'أنا عملت فيلما واحدا مع المبدع يوسف شاهين، عندي مشاريع كان المفروض عملها أولها مسلسل لشهر رمضان، لكن تأجل بحكم الظروف، وهذا العمل أنا أتحدى به وسيكون من أروع الأعمال. كتبه الكاتب الكبير وليد يوسف، المخرجة غادة سليم، ومعي الفنان الكبير إياد نصار، والفنانة الكبيرة رغدة، ومجموعة كبيرة من الفنانين، وعندي عمل سينمائي آخر بإذن الله قبل نهاية 2011 سنقدمه إن شاء الله'.

* سننهي حديثنا مع المرأة وهي كما يقال نصف المجتمع، لكن بالسلطة السياسية في عالمنا العربي أصبح دور المرأة كأنها هي المنتخبة، وكأنها هي من تحكم، وكل حاكم دكتاتور وراءه امرأة، وبعض الثورات يوجه لها الاتهام بالفساد مثل سوزان ثابت، ليلى الطرابلسي.. السؤال دور المرأة سواء السلبي أو الإيجابي وأهمية هذا الدور بالنسبة للسياسي وحتى المبدع وغيره؟

* 'طبعا الأجيال من يكونها ويربيها؟ تكونها امرأة، الأم. المرأة لا بد أن تكون أول شيء متعلمة وواعية ومثقفة ومتدينة ومؤمنة، وعندها انتماء حتى يتكون على يديها جيل سليم، لما تكون امرأة جشعة ومبتزة ومادية بالتأكيد ستكون نهايتها غير سليمة. لذلك نقول: المرأة هي نصف المجتمع إن لم تكن ثلاثة أرباعه، لكن هنالك في بلدان العالم العربي تعاني، المرأة مقموعة ليس لديها حرية وإثبات ذات، المرأة لا بد أن تكون موجهة بطريقة صحيحة وسليمة وصادقة، بالذات لما تكون وراء زعيم أو مبدع، لا بد أن تكون شبه زاهدة ومثقفة ومتعلمة لأنها صاحبة مسؤولية كبيرة'.

* بالنظر للمرأة القديمة، جداتنا كان لهن دور كبير في تنشئة الجيل وتكوين المجتمعات، يوم أمس ظهرت جدة كبيرة في ليبيا تقوم بعمل وجبات الطعام للثوار، هل لديك من ذكرى لمثل هؤلاء النساء في تونس؟

* 'أنا علمتني أم لا تقرأ ولا تكتب، ولكن عندها دكتوراه في الحياة، في القيم، في المبادئ، في تراث الانتماء، دكتوراه في تراث البساطة، أنا أمي لا تقرأ ولا تكتب ولكن علمتني كل هذه المبادئ، أمهاتنا اللواتي عشن الحرب العالمية الثانية واللائي شفن ألوانا من المآسي، وهن عشن تحت خيمة هؤلاء لا يستهان بهن، لأنهن مؤسسات الأجيال الصحيحة'.