2012/07/04

لعبة الفقراء تخلت عن جمهورها في   مونديال 2010
لعبة الفقراء تخلت عن جمهورها في مونديال 2010

رامـي بـاره

لعلنا نذكر الأفلام الوثائقية الكثيرة التي تناولت تاريخ كرة القدم البرازيلية، هذه اللعبة التي احترف لاعبوها في الأحياء العشوائية الفقيرة في أميركا الجنوبية، فهؤلاء الأطفال (الذين أصبحوا اليوم أبطالاً) لم يجدوا تسليةً أرخص من كرةٍ تُصنع من أي شيءٍ قابلٍ للتكوير، ومجموعةٍ من الحجارة تحدد مرميين وأزقةً متعرجة صاعدة وهابطة، ومخيلتهم الغضة وعشقهم للعبة ليصبحوا نجوماً للعالم عن غير قصد. حتى الجمهور البرازيلي الذي أنهكته الظروف المعيشية والحالة الاقتصادية وجَدَ متنفساً رحباً في متابعة اللعبة بشغفٍ كبير، ومنذ البدايات الأولى ابتسمت الحكومات البرازيلية لأقدام لاعبيها التي أبعدت، بمعجزاتها الكروية، أنظار جماهيرها عن السياسة والاقتصاد، ليلتفت الجمهور إلى عشقه الفطري بالكرة العجائبية. والجمهور البرازيلي، الذي تعلّق بمعجزات لاعبيه منذ البداية، أضاف يوم أمس معجزةً جديدة على سجله الكروي، ولم يأبه بمسألة التحقيق التي أُحيل إليها الحكم الفرنسي "ستيفان لانوي"، فلا يهم إن كان لاعب الهجوم البرازيلي قد لامس الكرة بيديه مرتين أو عشرين مرة ليسجل هدفه الثاني على ساحل العاج.. ما يهم الجمهور هو المعجزة الكروية التي نقلتها الشاشة إليه والتي صنعها "لويس فابيانو"، حتى اللقطة القريبة التي لعنها الحكم الفرنسي "لانوي" والتي أظهرته يسأل "فابيانو" عن ملامسة الكرة ليده بابتسامة متواطئة، اعتبرها البرازيليون جزءاً من المعجزة التي ذكّرتهم بالمعجزة الأرجنتينية التي سجل بها "دييغو مرادونا" هدفه (اليدوي) في مرمى الإنكليز، والتي أعترف بها مارادونا لاحقاً في أكثر من مناسبة تلفزيونية لتصبح معجزة وطنية وسياسية للأرجنتين. أما جمهورنا العربي المسكين فقد لعن المباراة التي لم يشاهدها والهدف الذي سجله "فابيانو" بعد أن انتظرها بفارغ الصبر، فبعد أن ولّف جمهورنا وضعه الاقتصادي وأجهزة الاستقبال ليتمكن من مشاهدة المباراة بشتى الطرق (القانونية وغير القانونية) أُصيب بخيبة أمل كبيرة سببها (التشويش) الذي تعرضت له قناة الجزيرة الرياضية. وسواء كانت (تهمة التشويش التقني) موجهة إلى مصر أو إحدى (القوى الغاشمة)، فالمحصلة أن عشاق الكرة من جمهورنا لم يشاهدوا المباريات التي انتظروها منذ أربع سنوات، وبغض النظر عن الاستثناءات الكثيرة للذين (لاقاهم الحظ) بحضور المباراة في أحد المطاعم، أو في البحث عن الباقة الجديدة التي قيل أن الجزيرة أطلقتها بعد (محاولات التشويش) الأولى، يبقى الاستثناء الأخطر هو توجه جمهورنا لمتابعة مباريات الكأس المنتظر عبر القمر الإسرائيلي. وإسرائيل التي استغلت الإعلام دائماً لا أظنها ستفرّط اليوم بهذه الفرصة، فخمسة عشر دقيقة بين الشوطين كافية تماماً لتوجيه الجمهور الذي أنهكته انفعالاته في تشجيع فريقه المفضل ليكون لقمة سائغة في متابعة الإعلانات والدعاية الإسرائيلية في ارتخاء سلبي تام خلال استراحة الشوطين، دون وجد أية حواجز نفسية أو سياسية...  فهو - وبنيته الطيبة - يشاهد مباراة رياضية لكأس العالم تجري في جنوب أفريقيا، بغض النظر عن الفضائية التي تعرضها... ولتُظهر إسرائيل نفسها أمام جمهورها والعالم بعرضها المجاني للمونديال مكتفية بالدقائق المعدودة في استراحة المباراة. أما جمهورنا الذي لم يتعود سابقاً على فكرة (الدفع مقابل المشاهدة) بدأ يفهم اللعبة منذ المونديال السابق (_والمقصود هنا باللعبة ليست كرة القدم وإنما اللعبة الإعلامية والاقتصادية_)، فأصبح على دراية كبيرة بأن المليارات التي تدفعها (الـ FIFA ) والمحطات الفضائية، عليها أن تحصد أرباحها خلال ثلاثين يوماً، وبأن النجوم الذين ظنهم الجمهور سابقاً نجومه المقربين، هم بالواقع نجوم (البيبسي) والمنتجات الأخرى. والمباريات التي كان يشاهدها جمهورنا سابقاً ضمن أسره وأصدقائه، عليه أن يشاهدها اليوم ضمن ظروف اقتصادية وتقنية جديدة، أما الذين لم يتغلبوا على هذه الظروف فقد أقنعوا أبناءهم بحسرة أنهم سيشاهدون أهداف المباريات في ملحقات أخبار إحدى الفضائيات (الفاضلة). أما الأطفال الأكثر تفاؤلاً فنزلوا إلى أزقتهم مجدداً ليعلبوا الكرة مع جيرانهم مؤجلين إدراكهم (للعبة)، لاعنين كأس العالم والهدف الذي سجله فابيانو في مرمى ساحل العاج ولم يشاهدوه، متأملين أن يكون أحدهم بطلاً في مونديال ما قادم.