2012/07/04

للحارة باب واحد وللغيم أبواب كثيرة
للحارة باب واحد وللغيم أبواب كثيرة

  محمد امين - الوطن لم تستطع دراما البيئة الشامية والدراما البدوية حتى الآن إقناع معظم النقاد والمتابعين للشأن الدرامي السوري أنه بات لهما شأن كبير وأن القول إنهما «إعادة إنتاج التخلف» يدخل من أذان المشاهد العربي اليسرى ليخرج من اليمنى دون تأثير يذكر. ويبدو أن إجراء «مصالحة» بين الطرفين بات في حكم المستحيل وخاصة أن كل طرف ما زال متمسكاً برأيه ونظرته للآخر فكل سهام النقد التي وجهت إلى صدر الدراما الشامية على وجه التحديد لم تستطع النفاذ إلى قلبها ربما لأن المشاهد نفسه قد ألبسها درعاً مضاداً للأقلام كما أن هذه الدراما ما زالت متمسكة برأيها ولم تتخل عن عنادها ولم تحاول ولو مرة إرضاء من يفلسفون كل شيء ولا يأخذون الأمور على بساطتها ويبدو أن موقفهم هذا نابع من كونهم يشعرون بألم شديد لأن هذه الدراما قد وصلت إلى المشاهدين العرب في كل مكان بكل بساطة على حين نتاجهم الإبداعي من رواية وشعر ونثر أصبح غريب الوجه واللسان في هذا الزمان فهم يرفضون فكرة أن نعيش زمن (الدراما) ليس على صعيد الفن فحسب بل على كل الصعد. أعتقد أن من يصل إلى الجمهور ويقنعه بما يريد وبجدوى ما يطرحه هو من يملك أوراق (اللعبة) كاملة فالحق ليس على هذا الجمهور ولا يحق لأحد أن يعيب الزمان والعيب فيه «وما لزماننا عيب سوانا». وأعتقد أن الدراما الشامية تملك نقاط قوة كثيرة فهي ليست إطلاقاً- كما يظن البعض- مجرد أداة لإعادة إنتاج التخلف وخاصة أننا لسنا في زمن تقدم، فكل النظريات والروايات والزوايا الصحفية الخشبية لم تستطع تحريك عجلة التطور في العالم العربي ليس لأن «الجمهور عاوز كدا» بل لأننا لم نتعامل مع القارئ بصدق وما زال لدينا إصرار مسبق على أنه (قاصر) لا يعرف ما يريد ولا يملك الأهلية لتحديد وجهته ومراده ومن أهم أوراق القوة التي تملكها الدراما الشامية هي العزف على أوتار قيم ومبادئ وتقاليد نبيلة (كما يعتقد معظم المشاهدين العرب ويرون أنها من صميم ثقافتنا» على حين أن أغلب (النخبويين) يبشرون بقيم دخيلة ونافرة عن ثقافتنا وهي وصفة متقنة لضياع وتيه ثقافي وفكري ومعرفي ووصفة لتفتيت ما لو تمسكنا به لن نضيع ابداً وأعني بقية ما تبقى من عادات ومبادئ الحامل والحاضن لها هي الأسرة. هذا لا يعني أن الدراما الشامية هي المبتغى ومنتهى آمالنا الدرامية فالمآخذ كثيرة عليها وربما قد ملّ القارئ من تكرارها وربما أيضاً إن الحق والمسؤولية ليست عليها كفكرة بل على الأشخاص الذين يحاولون السيطرة عليها واتخاذها مطية لتحقيق غايات شخصية بحتة وهذا الأمر أفقدها (عذريتها) و(فطرتها). وفي رمضان الذي بات على الأبواب ستعرض ثلاثة مسلسلات شامية هي الجزء الخامس من المسلسل الشهير (باب الحارة) للكاتب كمال مرة والمخرج مؤمن الملا حيث فضّل بسام الملا المراقبة والإشراف فاسحاً المجال أمام شقيقه ليأخذ فرصته وهناك الجزء الثاني من (أهل الراية) للكاتب أحمد حامد والمخرج سيف سبيعي وبطل جديد هو الفنان عباس النوري، وهناك عمل آخر يحاول أن ينافس العملين السابقين وهو (عش الدبور) للكاتب مروان قاووق والمخرج تامر إسحاق الذي استطاع إقناع لاعب مهم في الدراما الشامية وهو الفنان سامر المصري بلعب بطولة هذا العمل المكون من جزأين أي إن موسم 2011 سيكون على موعد مع جزء ثان منه وعلى موعد مع عملين آخرين هما (السبع طوالع) وهو من تأليف الفنان عباس النوري وزوج الكاتبة عنود خالد وهناك عمل ثالث من تأليف الفنان وفيق الزعيم ومن المفترض أن يخرجه بسام الملا أي إن الدراما الشامية باقية لأعوام أخرى وربما ستشهد تجليات جديدة لها. أبواب الغيم يحاول السوريون تغيير معادلات الدراما البدوية من خلال نفض الغبار عن تاريخ القبائل العربية الكبرى التي كانت وما زالت لاعباً أساسياً في صنع ما يجري في المجتمع العربي وخاصة الشرقي منه ولكن بعض المراقبين ما زالوا يشككون بهذه الدراما وبالجدوى من ورائها وينظرون إليها بعين الشك ويرون فيها خطوة إلى الوراء وتلبية رغبات قادمة من وراء الحدود وقد علق أحد أهم العاملين بهذه الدراما على هذه التحليلات بالقول: إنها مجرد مراهقة فكرية. لقد عانت الدراما البدوية على مدى أعوام عديدة من السطحية في التناول والطرح والرؤية الإخراجية وقد قُدمت عشرات الأعمال التي لم تشبه البدو العرب ولم تستطع ملامسة جلد تاريخهم أو الاقتراب من زوايا توضح بشكل حقيقي حياة هؤلاء والأدوار التاريخية التي قاموا بها. إن البدو مكون أساسي من مكونات المجتمع العربي وأجد الاقتراب منهم درامياً حقاً لهم وواجب على الدراميين العرب وقد شكل مسلسل (فنجان الدم) الذي عرض العام الفائت خطوة في هذا الاتجاه ونأمل أن يكون (أبواب الغيم) للكاتب عدنان عودة والمخرج حاتم علي والذي سيعرض في رمضان المقبل خطوة أوسع تتلوها خطوات، فالعمل التاريخي ليس بالضرورة أن يكون حوار شخصياته باللغة الفصحى. أعتقد أن الدراما الشامية والبدوية أصحبت أمراً واقعاً من الصعب نفيه وإقصاؤه مهما اجتهد المجتهدون لذا فإن التعامل مع هذا الواقع ومحاولة تطويره من داخله أجدى وأنفع