2012/07/04

لوتشينو فيسكونتي سينمائي الزمن المفقود
لوتشينو فيسكونتي سينمائي الزمن المفقود

يزن الأشقر - الأخبار

من المفرح أن تكون العاصمة اللبنانية جزءاً من خريطة الاحتفالات العالميّة بالمعلّم الإيطالي في الذكرى الـ35 لرحيله.

لوتشينو فيسكونتي

(1906ــ 1976) سيحلّ ضيفاً على المدينة، إذ تحتفي «متروبوليس أمبير صوفيل» والمركز الثقافي الإيطالي، بصاحب

«موت في البندقية». 11 فيلماً بعضها طبع تاريخ الفنّ السابع يعيد اكتشافها الجمهور اللبناني بنسخ 35 ملم.

السينمائي الشهير الذي أبدع في مجالات المسرح والأوبرا، والأرستقراطي الذي بقي ماركسياً حتى رحيله

والفنّان البروستي الذي جاهر بمثليّته الجنسيّة، يخيّم طيفه تسعة أيّام على بيروت ابتداءً من الجمعة. يعدّ

فيسكونتي أحد مؤسسي تيار «الواقعية الجديدة» في السينما الإيطالية، علماً بأنّه أبحر إلى ضفاف جماليّة وفكريّة

تخصّه وحده. بعد انتشار أفلام البروباغندا في عهد الديكتاتور موسوليني الذي أولى أهمية للسينما في نشر الفكر

الفاشي، بدأت تبزغ بوادر تيار جديد في السينما الإيطالية مع «أربع خطوات في الغيوم» (1942) لأليساندرو بلاسيتي،

و«هوس» (١٩٤٣) لفيسكونتي. تحت تأثير الواقعية الشعرية الفرنسية والفكر الشيوعي والإنسانوية المسيحية،

تحددت سمات الواقعية الإيطالية الجديدة في الخمسينيات بأفلام تدور حول الطبقة العاملة في إيطاليا الخارجة من

الحرب العالمية الثانية

إحدى العلامات الفارقة في مسيرة فيسكونتي كانت استوديو Cinecittà الذي أسسه الديكتاتور الإيطالي خدمة

للبروباغاندا الفاشية. هناك تعرّف إلى روسيليني وفيلليني وجيوسيبي دي سانتيس، وكتب مع الأخير سيناريو باكورته

هوس» اقتباساً عن رواية الأميركي جايمس كاين «ساعي البريد يدق دائماً مرتين»، عن متشرّد يقيم علاقة مع

امرأة صاحب مطعم

في 1948، أنجز «الأرض تهتزّ» (5/3، س:7:00) عن معاناة صيادي الأسماك في قرية Aci Trezza في الجنوب ا

لإيطالي. وأتبعها بفيلم «رائعة الجمال» Bellissima (٦/٣

، س: 8:00) الساخر عام 1951 عن عالم السينما وأوهامها في استوديوهات «سينيتشيتا»... قبل أن يبتعد عن الواقعية الجديدة بـ Senso («

حسّ»، ١٩٥٤ ــ 7/3، س: 8:00) في اقتباس لرواية كاميلّو بواتو القصيرة بالعنوان نفسه. تدور أحداث الفيلم الذي لقي

استهجاناً نقدياً لابتعاده عن الواقعية الجديدة، عام 1866 خلال الحرب بين إيطاليا والنمسا. نحا فيسكونتي إلى

الرومانسية في تصوير قصة كونتيسة إيطالية تخون بلدها مع ضابط نمسوي. لكن فيسكونتي عاد بعدها إلى الواقعية

الجديدة وشخصياته المكافحة في «روكو وإخوته» (1960ـــــ9/3، س: 7:00). بعدها، صوّر «الفهد

Il Gattopardo (١٩٦٣ ـــ 4/3، س: 7:00) الذي نال «سعفة كان الذهبية»، وتناول الاضطرابات التي تواجه الطبقة

الأرستقراطية في صقلية في الستينيات من القرن التاسع عشر مع وصول جيش غاريبالدي. ومن خلاله ألقى المعلّم

نظرته على طبقة آفلة وزمن منته، عشيّة بروز عالم آخر بقيم وأنماط إنتاج مختلفة

أما «موت في البندقية» (1971ـــــ 10/3، س: 8:00)، أحد أشهر روائع الفن السابع، فاقتبسه عن رواية توماس مان

القصيرة. صوّر ضياع كاتب عجوز في متاهات المرض والموت والأفول، مطارداً طيف الفتى البولوني الذي يجسّد الجمال

البريء في متاهات البندقيّة على خلفيّة عالم ينهار. ويضيق المجال هنا عن تناول تفصيلي لأفلام فيسكونتي الأخرى

التي تعرضها «متروبوليس»، من «الليالي البيضاء» (1957ـــ 8/3، س: 8:00)، إلى «لودفيغ» (1972ـــ 12/3، س: 7:00)

الذي يقدّم قراءة مجازيّة من وحي حياة لويس الثاني ملك بافاريا الذي يعالج وجعه الوجودي الدفين باللهو والمجون

والفن العظيم. ونصل إلى «مشهد من جلسة عائليّة» (1974ــ 11/3، س:8:00) الذي عُدّ فيلمه الوصيّة. ذلك

البروفسور في خريف عمره وقد اقتحمت حياته عائلة متحللة تحمل صخب الأزمنة الحديثة، يحمل الكثير من ملامح

السينمائي. وهناك طبعاً «البريئة» (١٩٧٦ــ ١٣/٣، س: 8:00) الذي رحل بعيد إنجازه، ويحمل بصمات حبّه الأوّل، أي

الأوبرا

السينما عند فيسكونتي تتصف بجاذبية الصورة والمناخات البصريّة والديكور، والاهتمام بالتفاصيل. اهتمامه بالفن

وبالمسرح والأوبرا التي أخرج عدداً من أعمالها، أسهم في منح صورته جماليات متعددة. حبكاته ميلودرامية «تقع عند

نقطة التقاء بين المسرح والحياة»، بتعبيره. يحافظ على البعد السيكولوجي لشخصياته بلقطات طويلة. الواقعية

الإيطالية الجديدة جعلته يهتم بإلقاء نظرة تحليلية ماركسية على مشكلات الطبقة العاملة في أفلامه، ويبيّن صراعات

الطبقة الأرستقراطية وتناقضاتها. إنّه «سينمائي الوقت»، على حدّ تعبير جيل دولوز، وأعماله محاولة للبحث في الزمن

الضائع. كان قارئاً شغوفاً لتوماس مان ومارسيل بروست الذي مات قبل نقل رائعته إلى الشاشة. عرف كيف يجمع

الأضداد: لغة صيادي الأسماك الصقليين وجمال التراجيديا الإغريقية في «الأرض تهتزّ». كتب الناقد الفرنسي الراحل

سيرج داني مرةً: «فيسكونتي مشهور بقدر ما هو مجهول. صاحب لغة سينمائيّة مغلقة بإحكام، لا يضاهيها شيء

في تاريخ السينما