2012/07/04

«مؤكشنة» على قياس العقول الضعيفة.. أو بريئة بداعي التسلية.. الدراما مدانة..؟!
«مؤكشنة» على قياس العقول الضعيفة.. أو بريئة بداعي التسلية.. الدراما مدانة..؟!


لؤي ماجد سلمان - تشرين

لا شك أن للدراما علاقة وثيقة بالمجتمع لا سيما من خلال تأثيرهما المتبادل, فمن ناحية نستطيع التأكيد على تأثير المجتمع على الدراما, من دون أن نجزم بإمكانية تأثيره على الحركة الدرامية بشكل مباشر لاسيما بعد دخول المؤسسات الربحية التي بدأت توجه النص والكاتب حسب بوصلتها, إذ لم تعد تهتم بالتوثيق, أو معالجة أمراض المجتمع التي ينبغي عليها أن تعالجها, ما يعنيها اليوم جذب المشاهد العربي إلى دائرة الإغراء بأنواعه حتى تستطيع توجيهه فكرياً ونفسياً بقوالب جاهزة تخدم رأسماليتها, لاسيما ًبعد أن تكاثرت تلك الشركات بشكل كبير في الأعوام القليلة المنصرمة, وقفزت بالأجور عشرات الأضعاف على أقل تقدير, إذ بعد أن كان المؤلف يكتب ما تمليه عليه حاجات مجتمعه, أو ما يجعله مؤثراً على هذا المجتمع بمعالجة قضايا معينة من خلال نصوصه, بات اليوم ينتظر ما تمليه عليه شركات الإنتاج الجديدة من أفكار كي يقبض عن النص عشرات أضعاف ما كان يقبضه من المؤسسات المحلية, والشركات الهادفة, ليتحول دوره من منتج أفكار إلى سيناريست يقوم بالتوزيع على الورق ضمن سياق «الشركات المنتجة عاوزة كده» بعد أن كان الجمهور كبش الفداء لمرحلة طويلة ومداناً بأنه هو من يريد هذا النوع الدرامي, الممثل أيضاً لم يعد يعنيه الدور و مدى تأثيره على المجتمع, أو على مسيرته الفنية, الغاية, المال الذي يبرر الوسيلة, وعدد المشاهد, والأفضل طبعاً أن يكون دور بطولة, لتتحول أسرة العمل بدءاًً بمن كنا نطلق عليه مجازاً مؤلفاً ونهاية بالممثل إلى «ماريونيت» تحركها الشركات المنتجة حسب أهوائها أو ما تطلبه الجهات الممولة, هنا يمكن نفي تأثير المجتمع على الدراما, حيث يختصر دور المجتمع المسكين على ما يقدم له من وجبات بصرية جاهزة تساهم في قتل مخيلته وخلق وعي جديد بثقافة بصرية مستوردة.

أما إن عكسنا المقولة وبحثنا عن تأثير الدراما في المجتمع, فلا شك أنها مؤثرة بكل المقاييس فمن منا لم يكتب في مرحلة من مراحل حياته على زنده «باطل أبو عنتر» أو لم يعتمر «طربوش غوار» ومن هي الفتاة العربية التي لم تعتقد يوماً أنها سندريلا, ولم تجتهد أن تكون «نور» إضافة إلى الطفل الذي لبس شخصية «سوبرمان وبات مان, وغراندايزر» نهاية ببطل المسلسل التركي «مراد علم دار» الغرندايزر التركي قاهر الموت, الأسطورة التي لم تقهر على مدى ما يزيد على أربعمئة ساعة عرض تلفزيونية وما زالت مستمرة في الجزء السادس, فمن من الأطفال لم يغرم بهذه الكاريزما, إضافة إلى الكثير من المراهقين, الذين شاهدناهم في المظاهرات يقذفون رجال حفظ النظام بالحجارة وكأنهم أشعلوا الانتفاضة في فلسطين, منهم من حمل السكين والجنزير, ومنهم من حملوه أسلحة خفيفة وقنابل ليقتل فيها والده أو أحد أقربائه, الصورة التي تنطبق تماماً على ما صدرته لنا الدراما التركية من خلال «وادي الذئاب» أو غيره. المتابع للمسلسل المذكور الذي ما زال عرضه مستمراً ربما للمرة العاشرة وعلى فضائيات مختلفة, يذكر حجم القتل في كل حلقة إذ لم تمر حلقة واحدة منه لم يقتل فيه على أقل تعديل ثلاثة أو أربعة أشخاص, وفي بعض الحلقات كان حجم الضحايا يتجاوز عدد الرجال الذين دفنهم ماركيز في روايته «مائة عام من العزلة» ناهيك عن قتل رجال الأمن والشرطة, وخلق العاهات البدنية على يد «ميماتي و عبد الحي» اليد الضاربة لعلم دار, كقص الأصابع, أو الرمي من الطوابق العليا, أو ما كان يفعله البطل المطلق عند تنفيذ عمليات القتل أو العقاب «شخت على البلوعة» أو رمي عدوه بالرصاص, أو نصب مشنقة, وحرق, و تفخيخ سيارات وأماكن, كل شيء مباح في وادي الذئاب، الاغتصاب, القتل, المخدرات, السطو على البنوك, سرقة السيارات, الزنى, وفي نهاية كل عقدة يخرج علم دار ومجموعته كأبطال المسلسل الكرتوني «توم وجيري» لم يمسهم سوء, ليعاودوا حل عقدة أخرى, وحبكة جديدة. ‏

الشيء الذي جذب نسبة أكبر من المشاهدين لهذه الملحمة, التدليس الإعلامي الذي أطلقه الأتراك, و تعثر به المجتمع السوري و العربي بأن هذا المسلسل أثار حنق إسرائيل, وطالبت بوقف عرضه عدة مرات, علماً أنه لم يعرض على محطة المنار أو سورية الفضائية, بل كان الراعي والمروج قناة أبو ظبي الأولى, التي أعادت عرضه على أبو ظبي دراما عدة مرات, وتناقلته بعدها الكثير من الفضائيات المستحدثة التي لن نستطيع حفظ أسمائها, ناهيك أن الدبلجة كانت لأصوات فنانين سوريين أحببناهم وتعودت حاسة الإصغاء على أصواتهم، الأمر الذي سهل الفهم على المشاهد السوري والعربي. لكن إن بحثنا عن مضمون العمل وقبلنا بنية سليمة أنه صراع بين الخير والشر, وأن الخير يجب أن ينتصر, فلا أظن أن طريق الخير يجب أن يكون بحراً من الدماء ليعبر عليه زورق الحرية, ولو كان يمت بصدق لأي واقع لم يبق في تركيا أي ممثل أو حتى كومبارس أو جمهور بعد كل هذا القتل, لكن من يقنع المراهق العربي أن هذه السلسلة الطويلة التي بدأنا نشاهدها منذ سنوات كانت مصممة على قياس العقول الضعيفة, ضمن خطة ممنهجة, تحاصرنا عبر الشاشة الصغيرة كمثل ألعاب القتل والذبح على الكمبيوتر التي تباع لأولادنا بخمسة وعشرين ليرة سورية, وأن ما حدث فيها من مواقف درامية مؤكشنة كان بهدف. أيضاً المسلسلات التركية الاجتماعية كمسلسل «نور ومهند» الذي لم نكتشف فيه طوال فترة عرضه وحتى آخر حلقة طفلاً شرعياً واحداً, وكان محوره عن قصة عشق بين بطليه تتخللها الخيانات, لكن مجتمعنا وللأسف بات يقلد نور ومهند بكل سذاجة. ‏

هنا لا بد من التأكيد على دور الدراما في تشكيل وعي المجتمع, لا سيما الجيل الذي طلق الكتاب ووأد خياله بقوالب جاهزة حتى لغوياً فهو لن يحتاج حتى أن يكلف نفسه عناء قراءة الترجمة, وإن جزمنا أن الشركة المدبلجة لم تكن سورية, فهل نستطيع منع بقية الشركات من الجنسيات المختلفة من الدبلجة علماً أن للمسلسل المذكور دبلجة عربية مختلفة عن الدبلجة الذي انطلق فيها العمل المذكور في الوطن العربي, ومن بات يستطيع صد هجوم جحافل القنوات التي انتشرت في مجتمعنا العربي من دون أي دراية أو تفكير. هنا ندرك حجم التأثير السلبي للدراما على إدراك مجتمعاتنا الفقيرة معرفياً وفنياً, وتبقى الدراما السورية التي لا تزال تعرض حتى تاريخه ومقالبها, صح النوم, أو حمام الهنا, تنتمي إلى الدراما البريئة الصادقة, إذ لم نشاهد «أبو عنتر» يضرب حقيقة بالخنجر حتى رحيله, ولم يطلق أبو كلبشة عياراً نارياً واحداً, وهنا يجب أن نميز بين الدراما الموجهة للخير والقيم, والدراما الموجهة للشر وتكريسه عند البعض, كما ينبغي أن نفرق بين الغوريلا التي لبسها أبو عنتر , والغراب التركي الذي لبس ريش الحمامة. ‏