2012/07/04

ماجدة الصباحي: أخشى على السينما من الفنانين لا من الإسلاميين
ماجدة الصباحي: أخشى على السينما من الفنانين لا من الإسلاميين


زيزي شوشة – دار الخليج

قد لايعرف الكثيرون أن موهبتها الفنية وجدت طريقها إلى عالم الفن بالصدفة البحتة، من دون أن يكون لها أي اهتمامات فنية، ومن دون أن تملك شجاعة التفكير في ذلك، ربما لنشأتها في أسرة عريقة ومحافظة، ولكنه القدر الذي قادها إلى استوديو شبرا فقابلها المخرج سيف الدين شوكت الذي رأي فيها ملامح الفتاة المصرية وشخصية المرأة العربية، فصمم على أن تكون ماجدة إحدى علامات الفن المصري، ومعه بدأت أولى أعمالها . هنا وفي هذه المرحلة من حياتها الفنية كان التحدي خفياً، فكانت تمثل من دون علم أهلها وسرعان ماتحول هذا التحدي الخفي إلى إعلان واضح وصريح فأصبحت عذراء الشاشة . ولأنها تربت على النضال وحب الوطن حولت الفن إلى رسالة وقضية حتى لقبتها “جميلة بوحريد” ب”ماجدة الفدائية”، ولعشقها لقضيتها نسيت أنها امرأة .

ماجدة الصباحي من عائلة عريقة حفيدة عبدالرحمن باشا صاحب السلطة الكبيرة أثناء الحكم العثماني في مصر، ورئيس مجلس الشورى في هذه الفترة، والذي تم نفيه مع الخديو، ما دور عائلتك المناضلة في اهتمامك بالقضايا والأعمال الوطنية؟

فعلا، تم نفي جدي 7 سنوات إلى مالطا، وعائلتي كان لها دائماً رأي وموقف ولها تاريخ وطني عظيم وعدد كبير من أفراد العائلة كان لهم أدوار وطنية مهمة ووقفوا ضد الاستعمار الإنجليزي، كل هذه الأحداث تربيت على سماعها ومشاهدتها، وهذا ما خلق بداخلي حب الوطن فحملت رايتهم وحاولت بقدر ما أملك من قوة وجرأة أن أكمل مشوارهم في الكفاح والنضال من خلال ما أقدمه من أعمال فنية، فالفن عندي كان رسالة عظيمة وقضية أحارب من أجلها .

ما الذي دفعك لاختيار قصة المناضلة الجزائرية جميلة وتحويلها لعمل سينمائي، وهل تلقيت وقتها أي دعم من أي جهة وطنية مصرية أو جزائرية لإنتاج العمل بهذه الصورة؟

اعتبرت جميلة رمزاً للكفاح وللمناضلة العربية المضحية من أجل تراب بلدها، كان من الضروري أن أوصل للعالم أن في كل بلد عربي ستجدون مليون جميلة تناضل ضد العنف والاستعمار، فيلم جميلة أسهم ولو بنسبة بسيطة في تحرير الجزائر، فمن خلال الفيلم تم عرض كفاح الجزائريين بالصوت والصورة على الرأي العالمي، فقامت المظاهرات في كثير من بلدان العالم للمطالبة بتحرير الجزائر حتى روسيا حيث الشعب لم يكن يجرؤ على مجرد التفكير في عمل مظاهرة قاموا بمظاهرات حاشدة للمطالبة بحصول هذا البلد على استقلاله، ولم أتلق أي دعم من أي جهة لإنتاج هذا الفيلم باستثناء المخابرات الجزائرية التي ساعدتني في الحصول على المزيد من المعلومات .

جازفت بإنتاج العديد من الأفلام الوطنية والدينية والأعمال الجادة، إلى أي مدى نجحت ماجدة كمنتجة كما نجحت في التمثيل؟

كنت الوحيدة التي جازفت بإنتاج هذه الأعمال، خاصة الدينية منها مثل “هجرة الرسول”، ومن دون غرور أستطيع أن أقول إن مصر في تاريخها السينمائي الكبير أنتجت 11 فيلماً عظيماً، من بين هذه الأفلام أربعة لماجدة فقط من غير أي مساندة أو دعم من أي جهة، ولم أحصد من ذلك سوى الديون من البنوك والشيكات، وعانيت معاناة كبيرة حتى أسدد الديون الضخمة ولم تقف بجانبي أي مؤسسة أو مسؤول عربي أو مصري، كنت أنتظر من بلدي أن يحميني من الديون، ولكن لم يحدث ذلك، ورغم ذلك أشعر بالفخر والاعتزاز لأنني لم أقدم عملاً تافهاً أو بغرض الربح، بل كل عمل لي كان يحمل رسالة إنسانية ووطنية، وعندما كنت أقدم على إنتاج عمل وطني أو ديني بإيمان وحب وتضحية لم أكن أفكر بالربح والخسارة بل في قيمة العمل، والحمد لله فزت بحب الناس والشعوب العربية، وهذا نيشان أكبر من أي مبالغ “الفلوس تذهب، أما الأعمال الجيدة فتبقى خالدة في ذاكرة الناس”

.

من أبرز ذكرياتك مع الرؤساء السابقين تكريم الرئيس الراحل أنور السادات لك عن فيلم “العمر لحظة”، ودفاعك عن رواتب المعلمين أمام الزعيم جمال عبدالناصر لدرجة ظهور شائعة أنه غضب من جرأتك في الحديث، فهل للرئيس السابق حسني مبارك في ذاكرتك مكان؟

لم أقابل حسني مبارك سوى مرة واحدة، وكانت في الأوبرا وكنت مع بعض الزملاء الفنانين ولم يحدث أي حوار خاص بيننا، أما السادات فكان محبوباً جداً وهو رجل سياسي محنك، والزعيم عبد الناصر كان العالم العربي يحبه كثيراً لقوميته وعروبته المعهودة، وعندما طالبت برفع أجور المعلمين لم يغضب مني بل استجاب لطلبي وقام برفع أجر المعلمين .

“الفدائية ماجدة” كما لقبتها جميلة بوحريد، هل كانت من المؤيدين لثورة الشباب في 25 يناير؟

بكل تأكيد أنا مع الثورة ومع الشباب الجريء المعتدل والصادق، ومع كل مواطن شريف يطمح بالعيش الكريم والديموقراطية والعدالة الإنسانية، ولكني أرى أيضاً أن هناك مزايدة ومبالغة من جانب البعض، حيث لا يستمع إلى الرأي الآخر وأتعجب كيف ينادون بالديموقراطية ولا يطبقونها؟!

في حوار سابق وضحت رأيك في قضية التوريث، وقلت إن جمال مبارك هو الأصلح لحكم مصر، والآن تؤيدين الثورة التي قامت من أجل هدم هذا المشروع بشكل أساسي، أي الرأيين أصدق؟

لم أقل ذلك تحديداً، ولكن قلت إن جمال مبارك ولد وتربى في المطبخ السياسي وإذا أصبح رئيسا فسيحاول أن يثبت قدرته على إدارة شؤون البلاد وتحقيق التنمية وسيبذل أقصى جهده لتحقيق ذلك، وما قلته لا يعني أنني ضد الثورة أو ضد العدالة والكرامة الإنسانية، ولكن هذا رأيي .

هناك بعض الأصوات تتخوف من وصول الإسلاميين إلى دفة القيادة، باعتقادك ما مدى تأثير ذلك في الفن بشكل عام؟

الخوف من الإسلاميين في هذا الوقت وقبل أن يحدث أي شيء، خوف غير مبرر فلماذا أخاف من شيء لم يحدث بعد، ولماذا لم أعط فرصة لهذه الأحزاب لكي تعبر عن رأيها وتثبت وجودها، ولماذا الحكم من دون براهين؟ وأنا شخصياً لا أعتقد أن الإسلاميين سيغلقون السينما، وإذا كنت أخاف على السينما المصرية من شيء فالخوف عندي من الفنانين أنفسهم الذين لجأوا إلى الأعمال الرخيصة، وباعوا الفن المصري وجعلوه قبيحاً بعد أن كان رائداً، فبعد أن كانت السينما المصرية تسعى إلى تحقيق الجمال في كل شيء أصبحت تقبح كل شيء بل وتدمر الأجيال الجديدة، وهذا يرجع أيضاً إلى انعدام الرقابة وخاصة على الألفاظ والمصطلحات .

لكن هناك بعض الفنانين الذين يلقون باللوم على الجمهور ويتهمونه بعدم تقديره للأعمال الجادة، ولذلك يلجأون إلى الأعمال الهابطة؟

هذا كلام غير صحيح، الفنان هو من يصنع ثقافة المجتمع ولو كان الأمر كذلك لما خرج أكثر من نصف الشعب المصري للتصويت لمصلحة الإخوان والسلفيين، ظناً منه أنهم سيصنعون فناً راقياً، فالفنان اليوم لم تعد هناك قضية تحركه أو هَمّ يشغله سوى جمع الملايين والتنافس من أجل الحصول على دور في فيلم أو مسلسل، ومن هنا ضاعت الرسالة الفنية الحقيقية بسبب انشغال الفنان بالأجر على حساب قيمة العمل، هل تعلمين أن هناك بعض الفنانين الذين أخذوا موقف عداء من الثورة المصرية، لأنها عطلت أعمالهم فقط!

قبل الثورة كانت هناك بعض الأعمال السينمائية الجادة التي كشفت الفساد وتحدثت عن الطبقات الفقيرة وسكان العشوائيات تحديداً، وربما كانت محركة ومحرضة على الثورة، مثل أفلام خالد يوسف أليس هذا نجاحا للسينما المصرية؟

لا أحد ينكر موهبة خالد يوسف الإخراجية، ولكن فيلم مثل “حين ميسرة”، كان به مبالغة إلى حد ما وهو باعث على القبح أكثر من الإصلاح، هذا الفيلم كان يناقش مشكلة العشوائيات وأطفال الشوارع، فهل تم إيجاد حل لهذه المشكلات أم تزايدت، إذا عدنا بالذاكرة إلى الوراء فهل تذكرين فيلم “جعلوني مجرماً” الذي غير قانون الأحوال الشخصية، فلماذا لم يغير “حين ميسرة” شيئاً؟

لماذا رفضت المبالغ الفلكية التي عرضت عليك لبيع النجاتيف الخاص بأفلامك؟

أنا لا أستطيع بيع نيجاتيف أفلامي لأنها جلدي، وجلد الإنسان لايباع ولايشترى .

زواجك من الفنان إيهاب نافع فترة قصيرة وعدم خوضك التجربة مرة أخرى، هل نسيت ماجدة أنها امرأة؟

“ونسيت أني امرأة” هو عنوان أحد أفلامي وللأمانة ممكن أن يكون هذا ماحدث بالفعل، أخذني الفن والإنتاج لدرجة أن إحسان عبدالقدوس انتقدني مرة، وقال ماجدة لازم تتجوز مدير أعمالها، تزوجت إيهاب نافع بعد أن وصلت إلى 25 عاماً وكان لابد أن أتزوج لكي أتخلص من قيود أسرتي، ولم تكن هناك قصة حب مع إيهاب ولكنه النصيب، وأقنعته بالتمثيل حتى لايكون “زوج الست” .

هل ارتقت غادة نافع ابنتك لمستوى طموحاتك؟

غادة لم تأخذ الفرصة الجيدة حتى تصل إلى مستوى ماجدة فنياً، فلم تأخذ المجال ولا المساحة الكافية ليسطع نجمها، ورغم مساندتي للكثير من الفنانين إلا أنني لم أساعد غادة في أي شيء، وهذه كانت رغبتها.

لماذا رفضت طوال السنوات الماضية عروضاً بمبالغ كبيرة من مؤسسات إعلامية وأجنبية ترغب في شراء مذكراتك، والآن وافقت على كتابتها؟

بدأت في كتابة مذكراتي وأنا على قيد الحياة حتى لايتم تشويهها مثل أشياء أخرى كثيرة، وحتى تكون مرجعاً أساسياً لتاريخي وسيتم تحويلها إلى عمل سينمائي، وفضلت الشاب سيد الحراني عن غيره لإصراره على كتابة مذكراتي، وبعد أن التمست فيه الأخلاق والصدق وأيضا دراسته العميقة لتاريخي، هذه الأمور مجتمعة هي التي دفعتني للموافقة على أن أبدأ في كتابة مذكراتي، رغم العروض الكثيرة التي عرضت علي، وأنا حالياً أقوم بإنشاء متحف في أكتوبر/تشرين الأول يضم تاريخ عائلة ماجدة، وتاريخها الوطني وتاريخي منذ أول ظهوري في السينما، ومذكراتي ستكون موجودة فيه.