2012/07/04

مدير الإنتاج عاصم العوا.. حزين على المهنة
مدير الإنتاج عاصم العوا.. حزين على المهنة

يوسف رزق الذي كان أول من اعترف بي كمدير إنتاج. هذه المهنة برأيي تسير نحو الأسوأ. اليوم نفاجأ أن أشخاصاً بدون أسماء في الفن أو خبرة وتاريخ في العمل الدرامي أصبحوا مدراء إنتاج. لا أحب تسمية مدير إدارة إنتاج. قيل لنا أن قبر أسعد الوراق في لواء اسكندرون. أسعد الوراق فيه شيء رباني ومرتبط بالله. شركات الإنتاج دون استثناء لا تهتم بالفنيين.   خاص بوسطة - يارا صالح لا يقبل أن يكون مدير إدارة إنتاج، فهو مدير إنتاج على الأرض، يهتم بكل تفاصيل العمل لأن الإنجاز الحقيقي والصعوبة الفعلية هي في تحويل عمل من نص ورقي إلى فيلم مصور، إنه مدير الإنتاج عاصم العوا.. الذي، وبعد خمسة وعشرين عاماً من الاجتهاد، ما زال يحمل الكثير من الألم المتعلق بمهنته.. عاصم العوا الذي التقيناه على هامش تصوير مسلسل أسعد الوراق، تحدث لبوسطة بكل شفافية عن همومه، آلامه، وطموحاته.. أستاذ عاصم، كيف كانت البدايات؟ القصة شيقة، فقد استدعاني أحد الأصدقاء إلى مكتب السيد نبيل لبنية للإنتاج والذي كانت تديره وقتها زوجته السيدة أميرة خطاب، وكانوا وقتها في ورطة نوعاً ما نظراً لوجود سهرة تلفزيونية للكاتب ياسر علي ديب بحاجة إلى الطباعة على الآلة الكاتبة، ونظراً لأنني أجيد الأمر، فقد طبعتها خلال يومين وكانت وقتها على خمسين أو ستين صفحة. أثناء عملي في المكتب رأيت الراحل هاني الروماني يتدرب في نفس المكتب على سهرة تلفزيونية سيقوم بها، وأعجبني الجو. كان لدي القليل من المال وقتها جمعته من عملي في التعهدات، فقمت بالسؤال عن التكاليف ثم أنتجت ثلاثية "الحقيبة" التي أخرجها يوسف رزق وقام ببطولتها الراحل نذير سرحان وجهاد سعد ونسيمة الظاهر، ثم أنتجت مع يوسف رزق ثلاثية "المواجهة" بطولة سلوم حداد وعباس النوري وجيانا عيد ونجاح حفيظ، ثم كرت السبحة في مسلسلات "درب التبَّان" و"تنين بتنين" وغيرها مع المخرج يوسف رزق. بعد ذلك عملت مع يوسف في إدارة الأستوديو الذي أسسه في سورية، وإلى الآن أنا مع يوسف رزق الذي كان أول من اعترف بي كمدير إنتاج، وساعدني في معرفة طبيعة العمل والمهام التي يقوم بها مدير الإنتاج من تأمين الأماكن إلى الاتفاق مع الممثلين، وبمساعدة من خبرتي في المناورة والتي اكتسبتها من عملي القديم في البناء، تمكنت من خوض غمار هذا الموضوع. وبعد أن تعرفت إلى المهنة، ما هو أول عمل قمت به وأنت مدرك تماماً لأبعاد هذه المهنة؟ الحقيقة أنني منذ البداية لم يكن أحسست بشيء جميل باتجاه هذه المهنة، وقد أعجب يوسف رزق، الذي كان مخرج البدايات، بنشاطي الذي اكتسبته من عملي السابق، فدخلت معه في مسلسل "درب التبانة" الذي ضم معظم نجوم البلد وكان أول مسلسل ليوسف رزق بعد ثلاث سهرات تلفزيونية، ثم عملت مع الأستاذ مظهر الحكيم في خمس سهرات وبعدها عدت لأعمل مع يوسف وبقيت معه أربع سنوات قدمنا خلاله عدداً كبيراً من الأعمال. وكنت موجوداً أيضاً في أعماله الأخيرة "حاجز الصمت" بجزأيه، و"الخط الأحمر", و"أسياد المال" وغيرها. وكيف ترى تعاملك مع الأستاذ يوسف؟ الأستاذ يوسف لا يعرفه إلا من يعاشره، فهو إنسان عصبي جداً ولديه خطوط حمراء لا يجوز لأحد أن يقترب منها وخاصة إذا انتقد أحد ما عمله. إنه أستاذ بكل معنى الكلمة، فهو أول من أسس أستوديو تصوير تلفزيوني في سورية، وأول من أدخل كاميرات إلى البلد، كما أنه درس في مصر وعمل كمخرج منفذ في أعمال سينمائية في مصر، أنا ضده في خلافاته الحالية مع نجدت أنزور أو مازن طه، والسبب الرئيسي أن يوسف رزق لا يستطيع أن يسكت على حق، وهو مستعد أن يقول للخطأ خطأً مهما كان الثمن. بالعودة إلى مهنة مدير الإنتاج، في أي اتجاه تسير المهنة اليوم؟ هذه المهنة برأيي تسير نحو الأسوأ، للأسف، فمثلاً في الشارات التلفزيونية، هناك العديد من الأشخاص أصبح اسمهم يكتب كمدير إدارة إنتاج. في أحد المرات نفذنا عملاً أسميناه خلف الكاميرا وكانت فكرتي أن يطرح من خلاله على الجمهور أسماء الفنيين ومهامهم لأنهم هم المظلومون، وفي حلقة مدير الإنتاج نزلنا إلى الشارع وسألنا بعض من يتابعون شارات الدراما، على ندرتهم، من هو مدير الإنتاج وكانت إجابات الكثيرين أنه الشخص الذي يحضر الطعام. للأسف هناك جهل كبير بعمل مدير الإنتاج، لكن لو أردنا أن نشرح ببساطة فيمكننا القول أنه الشخص الذي يمسك النص ورقياً ويسلمه للمنتج شريطاً مصوراً، فتخيل كم هذا صعب، وكم يحتاج إلى عمل من قراءة أولى إلى قراءة ثانية إلى تفريغ إخراجي وإنتاجي، فمدير الإنتاج عليه أن يُلم بكل تفاصيل المشهد ليعرف ما له وما عليه. اليوم نفاجأ أن أشخاصاً بدون أسماء في الفن أو خبرة وتاريخ في العمل الدرامي أصبحوا مدراء إنتاج، والخطأ من شركات الإنتاج الذين يختارونه لأنه يعمل بأجرة قليلة ولا يخالفهم في الرأي، لكنهم ينسون بأنه ليس فناناً، فمثلاً لو كانت أجرة مدير الإنتاج المحترف ضعفي أجرة المدير غير المحترف فإن إضافة يوم تصوير بسبب غباء مدير الإنتاج غير المحترف فإن كل فرق الأجرة ستدفعه الشركة في هذا اليوم. أنا لا مشكلة لدي في العمل لأنني أعمل دائماً ولكن مشكلتي وحزني على هذه التسمية كيف صارت للحابل والنابل. وما الفرق بين مدير الإنتاج ومدير إدارة الإنتاج؟ التسميات المختلفة جاءت من الخليج، فهناك يوجد مؤسسات ضخمة قائمة بذاتها وفيه العديد من الأقسام الخاصة بالمونتاج والإنتاج وغيرها، ولكل غرفة مدير إنتاج يعمل تحت يد مدير إدارة إنتاج. هذا الأمر في الشركات الكبيرة فقط وهو الوحيد الذي يمكن تسميته بهذا الاسم فمثلاً هناك مدير إدارة إنتاج في التلفزيون السوري يقرر العمل ويوزعه إلى مدراء إنتاج يعملون لديه. ومدير إدارة الإنتاج لا يتواجد في الموقع بل يعطي توجيهاته لمدير الإنتاج الذي يعمل لديه، وقد عرض علي أن أعمل في شركة صدف تحديداً كمدير إدارة إنتاج لكنني لا أحب هذه التسمية لأن المفهوم العام والعالمي لمدير إدارة الإنتاج أنه يجلس دائماً وراء مكتبه ولديه سكرتيرة ويعمل على الهاتف مع مدراء الإنتاج وعمله توقيع التقارير فقط. هناك من يقبلون بذلك وبالمناسبة الأجور عالية جداً في مهنة مدير إدارة الإنتاج. ما هو الهامش الذي تعطيك إياه الشركة؟ شركة عاج التي أعمل فيها اليوم لم تضع لي حدوداً بمعنى أنني أنا مدير إنتاج موقع أستطيع أن أفرض على الشركة ضمن الميزانية التي وضعتها الشركة، خاصة إذا كان للشركة تجارب سابقة. والأستاذ هاني عشي لديه نظرية مهمة أنك إذا تمكنت من التوفير في أي بند من البنود الإنتاجية فضع المبلغ الذي وفرته لخدمة العمل ولصالحه، فأنا لا أريد أن أوفر إلى خزينتي بل أريد أن أرتقي بالعمل. أنت مدير إنتاج في أسعد الوراق، فكيف ترى هذه التجربة الخاصة؟ قاسية جداً جداً، بعكس أعمال البيئة كلها، فأسعد الوراق عندما عُرض في السبعينات تابعته الناس جميعاً، وكان الناس غير مهتمين بشخصية أسعد الوراق بل كان همهم قصة الولي، وكانت العقلية مختلفة، فالولي إنسان له قيمة روحية وأخلاقية عند المجتمع، التحدي اليوم كيف تستطيع إيصال فكرة إلى المشاهد بأن هذا الشخص ولي حقيقةً بنفس القصة والأحداث السابقة، ولكن بإمكانيات تصوير أعلى، وهذا الأمر صعب جداً. في أعمال البيئة الأخرى أنت تتحدث عن حقبة كان فيها الزعيم والعقيد، أما في أسعد الوراق فأنت تتحدث عن شخص مُخترع والناس تابعته سابقاً في سباعية، وتحويلها اليوم إلى ثلاثين حلقة استلزم إضافة خطوط جديدة إلى العمل، ولكن الاهتمام الأول في العمل كان بأسعد الوراق حتى أن قصة الثوار وغيرها لا تأخذ حيزاً أكبر من 8 % من العمل، والعمل يتحدث بين 1920 و1925، ولا يوجد أي توثيق يتعلق في هذا الشخص فمثلاً هل أسعد الوراق حقيقي أم لا؟ وإذا كان حقيقياً فأين قبره؟ يجوز أن الكاتب الأستاذ صدقي إسماعيل اخترعه من وحي الحياة. نحن نبحث الآن عن حقيقة هذا الموضوع، وأنا أوكلت مهمة لبعض الأشخاص ليسألوا كبار السن عن أسعد الوراق، وأنا شخصياً سألت شخصاً عمره 84 عاماً من هو أسعد الوراق فقال لي أنه ولي، وقيل لنا أن قبره في لواء اسكندرون وقد أرسلنا أشخاص إلى اللواء ليتأكد من أهل المنطقة، وهنا تكمن المشكلة والتحدي، فهذا الشخص إذاً كان موجوداً وكان شخصاً مهماً في زمنه، مع أن البعض اليوم للأسف لا يؤمنون بهذه القصص. أنا شخصياً شهدت وقائع لكرامات البعض من المؤمنين، و السؤال هنا كيف سنتمكن من إقناع عقول الــ 2010 بفكرة أن أسعد الوراق فيه شيء رباني ومرتبط بالله، ومستسلم لقضاء الله وقدره"، وأنت هنا أمام تحدي كبير لإقناع الجمهور، وتستطيع أن تتجاوزه بالحوار الجميل والممثلين المحبوبين، وأداء المخرجة. إضافة إلى ذلك نحن نصور في ظروف سيئة جداً وغير مضمونة... في مجال مهنتك، ما هو الشيء الذي تتمنى أن تحققه؟ هناك الكثير من الطموحات، أتمنى أن يهتم الإعلام بنا كفنيين، وأن لا يهتم فقط بأشخاص معينين، فالفنيون هم الذين يعطون المقدمات لنجاح الفنان والنجم، والفكرة أن نعطي كل ذي حق حقه من عامل الديكور إلى أكبر نقاط التحضير. الأمنية هي الاهتمام بالأشخاص الذين وراء الكاميرا، فأنا أخشى أن نصل إلى يوم يحتج فيه الفنيون ويضربون عن العمل، بمعنى إذا لم تحترمني فلن أعمل، فالإعلام لا يهتم بالفنيين، شركات الإنتاج كذلك دون استثناء لا تهتم بالفنيين, فصاحب الشركة لا يكلف نفسه عناء شكر الأشخاص الذين وقفوا أكثر من 17 ساعة متواصلة لإنجاز أحد تفاصيل العمل، بل يتجه فوراً إلى النجم، المهم أن يفهم الجميع أن العمل هو نتاج تعاون كبير، الأمر أن الأشخاص الذين يعملون في الإنتاج لا ينامون فمن الظلم أن لا نقدر لهم هذا التعب. ونحن أيضاً نتمنى أن يصل صوتك إلى جميع من يهمهم الأمر.. أستاذ عاصم شكراً جزيلاً..