2012/07/04

مروان قنوع لـ «تشرين »: لعبت شخصية شارلي شابلن لمدة أربعين عاماً
مروان قنوع لـ «تشرين »: لعبت شخصية شارلي شابلن لمدة أربعين عاماً


حوار: مصطفى علوش - تشرين


كنت أشاهده دائماً في أحد غرف الإذاعة السورية، فأتذكر اسمه الإذاعي وحضوره الفني، وأتذكر أنني حضرت أحد عروضه المسرحية وضحكت يومها حتى النهاية، (مروان قنوع) تاريخ في الوفاء للإذاعة والمسرح، حيث بدأ العمل فيه عام 1958 في مسرحية صرخة دمشق في الفرقة العربية للتمثيل والغناء مع الفنان الراحل صبري عياد، وعمل في فرقة المسرح الحر لمصلحة المجهود الحربي عام 1969 عدة أعمال منها: (شركة الكل، ولف ودوران)، من أعماله أيضاً في دبابيس (بين حانا ومانا، المنافيخ، وفي مفكرته أكثر من 40 عرضاً في مسرح دبابيس)، كرّم في الدورة الرابعة عشرة لمهرجان دمشق المسرحي عام 2008 ، ولأنه جزء من تاريخنا الفني الإذاعي والمسرحي التقيناه في الإذاعة السورية وحاورناه في بعض محطات عمره الفني.

حدثنا عن البيئة العائلية التي ساهمت في تشكيل مواهبك الفنية؟ ‏


العائلة كانت خليطاً عجيباً، والدي كان عازف (ترومبيت) متميزاً وكان خيالاً ماهراً، وأذكر أن أخي محمد اشتغل في التعليم في ريف دمشق كوكيل في البداية ثم حصل على التثبيت، ومحمد نفسه عندما كبر صار له هواية في تخطيط الخط العربي، وأصبح في نهاية المطاف الخطاط الأول في الدول الإسلامية والعربية، وأقيمت له معارض كثيرة في طرابلس، إيران، تركيا، حلب وغيرها، والآن عندما أشاهد لوحة من لوحاته، وأتعمق فيها فإنني أجد فيها بحوراً لا نهائية من الجمال، بعد ذلك جاء إخوتي هاشم وعمر وأحمد، وأسسوا في بداية الخمسينيات من القرن العشرين فرقة فنية تحت اسم (الفرقة الشعبية للتمثيل والموسيقا) وكان مكانها في المزرعة في دمشق، حيث قدمت هذه الفرقة عدة أعمال، وانتقل أخي أحمد إلى تدريس اللغة الإنكليزية، أما أخي هاشم فانتقل ليؤسس المسرح العسكري مع زملائه الراحلين، (محمد شاهين، يوسف الشويري، أحمد أيوب، منى واصف، أحمد طرابيشي، هيفاء واصف، ونجوم كثر)، أسسوا المسرح العسكري في نهاية الخمسينيات، وعمل أخي أحمد بعد أن تخرج في قسم اللغة الإنكليزية مدرساً لهذه المادة، ومن ثم انتقل إلى وزارة الثقافة ليؤسس المسرح الجوال، وأخي عمر أسس المسرح المدرسي، في وزارة التربية، حيث كان مديراً له. ‏

وقدمت هذه الفرقة الشعبية للتمثيل أعمالاً كثيرة وكانت هذه الأعمال تدوم يومين أو ثلاثة، أو خمسة، إلى أن قدموا العرض المسرحي (دبابيس) حيث نجح هذا العرض، تفاؤلاً بهذا العرض أطلقوا على هذه الفرقة (مسرح دبابيس)، وأطلقوا اسم الأخوين قنوع، نسبة إلى أحمد المؤلف، وعمر المخرج، هاشم كان ممثلاً في فرقة (دبابيس) عندما كنت أنا أعمل مع طلحة حمدي والراحل أحمد قبلاوي في فرقة المسرح الطليعي، وقدمنا أعمالاً كثيرة وبعد عدة سنوات انتقلت إلى فرقة إخوتي في مطلع السبعينيات في القرن المنصرم، وإلى الآن مازلت ممثلاً في فرقة مسرح دبابيس، وانضم أخي عدنان إلى هذه الفرقة، بعد رحيل كاتب هذه الفرقة سميت الفرقة باسم فرقة أحمد قنوع، أحمد كان مؤلفاً وشاعراً ومترجماً وله في مكتبة الإذاعة والتلفزيون مئات الأغاني العاطفية والاجتماعية، كما ألف لعدد كبير من مطربي الوطن العربي، قدمت هذه الفرقة (مسرح دبابيس) بحدود الأربعين عملاً مسرحياً، على مدار ثلاثين عاماً، وكما البستان يحمل مواسم، حمل بستان هذه العائلة أجيالاً جديدة، منهم ابني محمد، الذي يعمل ممثلاً في التلفزيون والإذاعة وابن أخي أحمد زهير أحمد قنوع الذي يعمل مخرجاً تلفزيونياً ومؤلفاً تلفزيونياً وقدم عدة أعمال إخراجاً وتأليفاً. ‏

ما هي المرجعيات الفكرية التي ساهمت في تشكيل الحالة الفنية لديك؟ ‏

منذ كنا صغاراً، كان في حيّنا مكتبة غنية بمحتواها الثقافي، وكانت هواية العائلة أن تستأجر كتباً ودوريات وقصصاً ومسرحيات من أجل قراءتها، باختصار كان بيتنا بيت قراءة. ‏

ما هي أهم الكتب التي تتذكر الآن أنك قرأتها في تلك المرحلة؟ ‏

تابعت منذ البداية أمور المسرح فقرأت سان ستلافسكي، كما قرأت أصول المسرح، تاريخ المسرح، ومنذ البداية كانت هوايتي هي الاستماع للمذياع، ومن برامجه الثقافية كنت أراكم خبرتي وثقافتي، وبسبب صداقتي للمذياع بدأت العمل في إذاعة دمشق، عملت في هذه الإذاعة وما أزال، أمضيت حتى الآن أكثر من أربعين عاماً في العمل الإذاعي، بدأت مساعد مخرج وانتقلت للإخراج وكنت عضواً في لجنة البرامج الإذاعية، ورئيساً لدائرة التمثيليات، ورئيساً لدائرة المنوعات وعضواً في اللجان الفاحصة في نقابة الفنانين.. باختصار رحلتي في إذاعة دمشق حوالي خمسين عاماً، وأذكر أنني أطلقت على الإذاعة أمي الثانية، كنت مقتنعاً وما أزال بأنها أمي، والأم ترضع وتربي وتحنو وتنشئ أجيال، وبسبب انشغالي في إذاعة دمشق لساعات طويلة ابتعدت عن التلفزيون.

دعنا نتحدث عن المسرح لاسيما الدور الذي لصق بك لسنوات وهو دور شارلي شابلن؟ ‏

أحبني الناس بالمسرح في شخصية (شارلي شابلن)، وأنا بالأساس مغرم بشارلي شابلن، وأشبهه في الشكل، ولاسيما بعد أن أطلقت شارباً شبيهاً بشارب شابلن، وأذكر أنني رأيت صورة لوالدي منذ عام 1930 أي عمرها 80 سنة، فرأيت هذا التشابه بين والدي وشارلي شابلن، وقد اشتغلت هذه الشخصية طيلة أربعين عاماً في المسرح. ‏

العز للرز استمر ثمانية أشهر ‏


لنبقى في المسرح، أقصد المسرح الخاص الذي عملت فيه، حيث كانت دائماً ملاحظات نقدية من الصحافة تخص التهريج في هذا المسرح، وتخص الموضوع التجاري، كيف ترد الآن على هذه الملاحظات؟ ‏

دخلت في خضم العمل المسرحي وكنت أحزن كثيراً عندما يطلقون على هذا المسرح (المسرح التجاري)، كنت أقول لا يوجد في العالم أي عمل غير تجاري، الكل يبحث عن مردود مالي، في كل الأحوال أطلقوا عليه المسرح التجاري فليكن، ليت المسرح يرجع و ليسموه ما يشاؤون، كل عمل فيه تجارة، المسرح المصري، ظهر فيه كبار النجوم، كما ظهر هذا المسرح في الاتحاد السوفييتي، وفي إنكلترا وظهر في أماكن عديدة في العالم. ‏

أنا أريد أن أقدم شيئاً لهذا المتفرج، متفرج جاء ودفع ثمن التذكرة، فكرة اجتماعية، فكرة ضاحكة، والحال أننا قدمنا لوحات فحواها (الضحك من أجل الضحك)، قدمنا أيضا أعمالاً تلامس هم المواطن، مثل الغلاء وغيره من هموم، وأذكر أن الصحف تناولت عرض (العز للرز) حيث كتب عن هذا العمل 45 مادة صحفية بين مقال وزاوية وعمود، وكلها تقول: إن هذا العمل تجاري، فما كان من أخي أحمد المؤلف إلا أن قال لي: قصقص هذه الزوايا وضعها على واجهة المسرح بدلاً من صور العرض، وفعلنا ذلك حيث صارت واجهة المسرح كلها مقالات صحفية عن هذا العرض، ولم يبق أي صورة لهذا العرض، واستمر العرض لمدة ثمانية أشهر وعشرة أيام متواصلة من دون عطلة، وقد عرضناه في المحافظات وعدنا وعرضناه في دمشق، وأذكر أننا أوقفنا هذا العمل بسبب الملل. ‏

لم تجب على سؤالي فيما يخص تهمة التهريج، وفيما يخص توجهكم نحو السائح العربي؟ ‏

الموسم المسرحي كان يبدأ في فصل الصيف، والصيف كما تعلم في هذه البلاد الجميلة يغص بالسائح العربي القادم من الوطن العربي، هذا السائح بحاجة ماسة لحضور عمل مسرحي، بحاجة لحضور عرض فكاهي هو وعائلته وأولاده، والجمهور العربي يرتاد المسرح وإلى الآن، وأذكر أن الصالة كانت تعج بالزوار في منتصف القرن الماضي، وكلهم جاؤوا ليحصلوا على ضحكة، ومنذ كان الريال السعودي بتسعين قرشاً إلى أن صار ب13 ليرة كانت الصالة تعج بالضيوف المتفرجين العرب والسوريين، يعني كنا نقدم لوحات تعنى بالضحك من أجل الضحك، كما كنا نقدم مشكلات الناس اليومية بقالب كوميدي ضاحك. ‏

لست نادماً على شيء ‏

لماذا لم نرك على شاشة التلفزيون ؟ ‏

أقول بصراحة الإذاعة والمسرح سرقوني من أضواء التلفزيون، وأنا لست نادماً على ذلك، وعموماً أنا لست نادماً على شيء في حياتي، عندما أرى أعمال ابني الكبير في التلفزيون، وعندما أشاهد ابني الصغير(إبراهيم) في التلفزيون يعمل مساعداً للإخراج، وعندما أرى أحفادي ..لا أندم على شيء، الحياة بسيطة، أينما اتجهت في هذه الحياة كن راضياً، ولذلك نقول بالعامية (من رضي عاش)، عندما أنظر إلى مكتبتي في البيت وأشاهد الجوائز الذهبية والفضية والبرونزية وشهادات التقدير في المهرجانات الفنية في الوطن العربي أكون مرتاح البال فهذا نتاجي. ‏

أرفع رأسي عالياً ‏

ثمة سؤال متكرر في معظم الحوارات النقدية والفنية يخص الدراما التلفزيونية، نعيده عليك كيف تنظر لحاضر الدراما التلفزيونية ومستقبلها؟ ‏

ترعرعنا منذ الصغر على الأعمال المصرية واللبنانية وأقول: الحمد لله أن أولادي وأحفادي يترعرعون على الأعمال السورية، على هذه الأعمال التي ترفع الرأس عالياً إخراجاً وتمثيلاً ومضموناً، الفن السوري من أساسه يحمل مواضيع مهمة، والحمد لله عندما أشاهد الدراما السورية أرفع رأسي عالياً ولاسيما عندما أسافر خارج بلدي. ‏

أعشاب درامية ذات أشواك ‏

لكنك بذلك تعمم فثمة أعمال جيدة وأخرى ليست كذلك؟ ‏


الأعمال الدرامية مثل البستان، البستان فيه الجوري، وفيه الزنبق، وهناك أيضاً العليق والأعشاب ذات الأشواك القاسية، والأعمال الفنية تشبه هذا البستان، لذلك نتابع عملاً ولا نتابع آخر. ‏

هل استفدت فنياً من هذه الأعمال؟ ‏

أنا لم أستفد، إنما أحب عملاً أكثر من غيره، ربما أولادي يستفيدون، في الساحة مخرجون كبار عندما أرى عملاً لرشا شربتجي أتابعه من البداية لأنني واثق أنني سأرى عملاً متميزاً، وهناك مخرجون كثر وهناك أبطال، فوارس الدراما السورية. ‏

ألا تشعر بالحزن على الدراما الإذاعية لأنها لم تجار في انتشار الدراما التلفزيونية؟ ‏

الدراما الإذاعية أخذت ولاتزال تأخذ أذن المستمع، إنما الدراما التلفزيونية تأخذ سمعه وبصره، الدراما التلفزيونية تأخذ كل شيء من المشاهد، حتى إن بعض الأعمال تجعلك تنسى أو تؤجل شرب الماء. ‏

درّستني الحياة ‏

لم نتحدث عن دراستك؟ ‏

كنت أتمنى الذهاب لمصر لدراسة المعهد العالي للفنون، لكن ظروف العائلة المالية منعتني من ذلك حيث إن الأمر كان يتطلب في ذلك الوقت 80 ليرة سورية مصاريف شهرية وقد عجزت العائلة عن تأمين هذا المبلغ، أنا درّستني الحياة، كما تعلمت من مشاهداتي وقراءاتي، حيث كانت عيني تراقب ما يجري حولها دائماًَ. ‏

أمضيت سنوات طويلة في إخراج برنامج البث المباشر في إذاعة دمشق حدثنا عن هذه الفترة، ماذا تعلمت منها؟ ‏

وظيفة المخرج والمعد والمذيع في فترات البث المباشر هي متابعة أمور المواطن بشكل حثيث ودائم، والسؤال هو كيف أشدّ المستمع؟ لذلك لابد أن أقدم له أفضل ما عندي من موسيقا وأغان وترتيب مواد، لاتزال لدى إذاعة دمشق القدرة في هذه البرامج المباشرة، التي تبث على الهواء مباشرة، في فترات الصباح وفترات الليل وفي الإذاعة، كتاباً ومخرجين وإدارة تهتم بتقديم المادة الجيدة للمستمع. ‏

وأذكر أنك اشتغلت في إخراج برامج المنوعات؟ ‏

كنا نقدم البرامج الجماهيرية وعلى الهواء مباشرة (الحفلات، المطربون، الممثلون) وذلك من مسارح كثيرة، والجمهور موجود في الصالة، إنما الآن قلّت هذه البرامج، ربما يكون السبب عائداً إلى المحطات الفضائية، والتلفزة، في تلك الأيام كانوا يقولون (أضواء المدينة، نادي الهواة، مسرح المدينة)، كانت الصالة تكتظ بالمستمعين، همّ المواطن أن يستمع لإذاعة فيها المنوع والكثير مما يريد ويطلب، وإذاعة دمشق حتى الآن تقدم الزوايا الاجتماعية والصحية والتمثيلية والقانونية، ومشكلات السير وغيرها، ولها مستمعون كثر. ‏

حالياً ماذا تعمل؟ ‏

مازالت الإدارة في الإذاعة تكلفني ببعض الأعمال الإخراجية، كما أشتغل ممثلاً في الإذاعة في العديد من الأعمال. ‏

ما هي الأسماء الفنية التي تركت أثراً بك؟ ‏

من المخرجين الإذاعيين محمد صالحية، حيث علمني الصبر والسماع الجيد، علي القاسم، عاملني كأب، معن نظام الدين، محمد جومر، سعيد العبد الله، قصي معروف، هؤلاء العمالقة الذين علموني الحياة الاجتماعية وكيف يعامل الصغير الكبير، في المسرح هناك كما قلت (أنور البابا، فهد كعيكاتي، وغيرهم) الذين علموني العطاء. ‏