2012/07/04

مسرح داخل مسرح يكتشف الواقع على حقيقته
مسرح داخل مسرح يكتشف الواقع على حقيقته

أنس زرزر - البعث

في تجربته الإخراجية العاشرة، ينطلق المخرج المسرحي الشاب مأمون الخطيب من النص المسرحي «ليلة القتلة» البعيد تماماً عن طبيعة وبنية المجتمع السوري، كتبه الكوبي خوسيه ترييانا عام 1965م، محاولاً عبره تقديم قراءته الخاصة، لمسألة تسلط الأهل على أبنائهم، وتحديدهم لطموحاتهم ومستقبلهم، وما يمكن أن تسفر عنه هذه السلطة من ردود أفعال ، وآثار سلبية، على البنية النفسية للأبناء.

تبدو حكاية العرض بسيطة للوهلة الأولى، أدارها على الخشبة ثلاثة أشقاء أكبرهم بلال «لعب الدور الممثل الشاب يامن سليمان» وهبة «ندى العبد الله» وصبا «علا الباشا» في محاولتهم التنفيس عن كبتهم وسحق إرادتهم، بمسرحة معاناتهم بهدف البحث عن مساحة حرية ولو عن طريق لعبة لها قوانينها وأدواتها. كل واحد يروي الحكاية التي يتخيلها على طريقته بشكل متناوب، بينما ينصاع البقية إلى ما يريده.

الليلة التي شهدناها في العرض كان دور بلال في تحديد شروط اللعبة، الذي عانى طويلاً من قمع والديه، ليتحول إلى شاب خانع، غابت عنه صفات الرجولة وملامحها، بعد أن اتهمته أمه بسرقة مال العائلة المدخر، التي اشترت به ما كانت تحلم وتشتهيه دائماً. يختم بلال حكايته بقتل افتراضي لوالديه، مما يثير حفيظة أختيه على هذه النهاية غير المتفق عليها وإلا خروجه عن السياق المحدد. بعدها ترفض صبا متابعة اللعبة، إلا في حال تنازل بلال عن دوره لها، لتتابع الحكاية حسب رؤيتها. تستمر اللعبة وفق معطيات جديدة، حددتها صبا، الشابة المراهقة التي عاشت عمرها خاضعة لإرادة أمها، التي حولتها إلى خادمة تقوم بأعمال البيت، أما الشقيقة الصغرى هبة، فقد تعرضت إلى الضرب كثيراً عندما كانت صغيرة، لأنها كانت تلعب مع الصبية دون إذن الوالدين. إنها حالات إنسانية مختلفة جسدت على الخشبة، مدى القهر والألم الذي يعانيه الأبناء، جراء التربية القاسية التي يفرضها آباءهم الذين يبررون ممارساتهم تلك، بتفانيهم في العمل، من أجل أبنائهم، الذين يتحولون بشكل تدريجي، إلى ما يشبه المسوخ أو الآلات، دون إحساس أو إرادة. نهاية العرض بقيت مفتوحة، في إشارة واضحة إلى كونها لعبة مستمرة، لن تتوقف طالما بقي الآباء متمسكين بأساليب تربيتهم القاسية.

اعتمدت بنية العمل الدرامية، على تقنية «المسرح داخل المسرح» التي سبق أن استخدمها كتاب كثيرون، مثل الفرنسي جان جينيه في «الخادمات» والإيطالي ليوجي بيرانديلو في «ست شخصيات تبحث عن مؤلف» لكن بعكس التجارب المسرحية السابقة، لعب كل ممثل في «ليلة القتلة» العديد من الشخصيات في مشاهد مختلفة، مما وضع الممثلين المشاركين في العمل، أمام امتحان صعب، لتداخل مستويات السرد والأحداث، ولاختلاف طبيعة الشخصيات التي قدمت على الخشبة، وبشكل خاص عندما لعبت الممثلتان شخصيات ذكورية، مثل الأب والأخ والجار وغيرها.. لكن النتيجة في النهاية جاءت مقنعة ومبشرة من حيث الأداء التمثيلي وتفهم طبيعة النص والفكرة، التي قدمها ثلاثة ممثلين من الخريجين الجدد، كسب الخطيب الرهان عندما اختارهم وشاركهم في تجربته الجديدة.

بدوره أخضع الخطيب النص الأصلي لعملية إعداد طويلة، مستفيداً من فكرته الأساسية، التي تتقاطع إلى حد كبير جداً، مع واقعنا المحلي، لكنه حافظ على تسلسل المشاهد وتقطيع الفصول التي وضعها الكاتب، مكتفياً بإعداد دراماتورجي القائم على تحويل النص إلى العامية، وإضافة بعض التفاصيل ليتماشى العرض مع الشرط المسرحي «الآن وهنا» كما فتح الخطيب باب الارتجال لممثليه، ضمن شروط محددة مسبقاً، حدد بوصلتها مخرج متفهم لطبيعة العمل مع ممثلين شباب، بهدف الاستفادة من كامل طاقاتهم وإمكانياتهم.