2013/05/29

مصابيحنا الزرق... و«رامبو» المصري...لماذا لا يتعاقد حزب الله مع ناجي عطا الله؟
مصابيحنا الزرق... و«رامبو» المصري...لماذا لا يتعاقد حزب الله مع ناجي عطا الله؟


عصام داري – الوطن السورية

تحفة أديبنا الكبير حنا مينة «المصابيح الزرق» سكبها الزميل محمود عبد الكريم في سبيكة مسلسل حمل عنوان الرواية نفسه ليخرج عملاً رائعاً، ووجبة رمضانية دسمة عوضت المشاهد عن العديد من المسلسلات السورية والعربية التي كانت في أغلبها فقيرة إلى المضمون وتعتمد أسلوب التشويق الكاذب والأكشن المفتعل البعيد عن الواقع العربي، بل كان بعضها بمنزلة «أكاديمية» لتعليم أساليب السرقة واللصوصية والإجرام والإباحية!

«المصابيح الزرق» ترصد واحدة من أهم مراحل تاريخ سورية الحديث وفي فترة زمنية تلت الحرب العالمية الأولى وانتهت مع نهاية الحرب العالمية الثانية.

أهمية الرواية سياسياً أنها تلقي الضوء على فترة الاستعمار الفرنسي لسورية الذي جاء إلينا تحت عنوان مهذب هو «الانتداب» الذي جثم على صدور السوريين لربع قرن من الزمان مبحراً على سفينة سايكس- بيكو، ومشاريع اقتسام الاستعمار للمشرق العربي برمته، وليس سورية فحسب، وذلك بغية إجراء عملية قيصرية لتوليد إسرائيل، ذلك المولود الذي ظهر إلى الحياة مشوهاً ولا يزال كذلك.

في هذه الفترة المفصلية من تاريخ سورية والمشرق العربي شهدت المنطقة مؤامرات ومشاريع وخططاً جهنمية لم يكن زرع إسرائيل إحدى ذراها فقط، بل شهدت هذه الفترة عملية لصوصية دولية تمثلت باقتطاع جزء عزيز وغال من الأرض السورية، هي لواء اسكندرون، ومنحها هدية مجانية أو مدفوعة الأجر لتركيا، إضافة إلى محاولات تفكيك الجسد السوري وتحويله إلى «ممالك الطوائف».

وأهمية «المصابيح الزرق» وطنياً أنها كانت رصدا صادقاً لنبض الشارع السوري الحقيقي، ذلك الشارع الذي لا يمثله المثقف والسياسي والإعلامي والبرجوازية الوطنية فحسب، بل الطبقة الأدنى والأوسع من السوريين كافة، بدءاً من اللحام محمد الحلبي «غسان مسعود» إلى ماسح الأحذية والإسكافي والثائر الثوري اليساري إلى الصيادين وغير ذلك. لوحة اجتماعية رائعة رسمتها ريشة الكبير حنا مينة، ووضعت أنامل محمود عبد الكريم السيناريو الراقي لها، وأدار عجلة العمل المخرج فهد ميري، لنستمتع كل مساء بفيلم قصير على شكل مسلسل جعلنا نتسمر أمام شاشتنا الوطنية كل مساء.

ما قدمته الرواية- المسلسل، كان صورة بديعة لعلاقات أهلنا في اللاذقية في تلك المرحلة الحساسة من التاريخ السوري، وهي الصورة نفسها التي كانت تتكرر في دمشق وحلب وحمص وحماة وجبل العرب وحوران وفي كل بقعة من أرضنا الطيبة، وهي صورة ناصعة تظهر متانة النسيج الوطني للسوريين الذي كان سلاح سورية الأمضى في إسقاط مشروع سايكس- بيكو التقسيمي، وبعد ذلك الإرادة التي صنعت الجلاء.

ولعب اختيار رواية «المصابيح الزرق» بالذات لتكون مسلسلاً تلفزيونياً يعرض في هذه المرحلة تحديداً كان رسالة بالغة الدلالة، لأن سورية حتى اليوم تعيش تداعيات التحالفات الغربية- الاستعمارية- العربية الرجعية، إن كان لجهة تطبيقات سايكس- بيكو، أو محاولات إحياء مشروع «ممالك الطوائف» في سورية أو لجهة القضية الفلسطينية، أو أخيراً لجنة انتزاع لواء اسكندرون ومنحه لتركيا الأطلسية.

وكما ظهر تلاحم السوريين في النصف الأول من القرن العشرين الماضي، يعود هذا التلاحم ليفرض نفسه على المشهد السوري اليوم، وكأننا أمام مُثل وقيم وموروثات وطنية وثقافية وحضارية واجتماعية كنا نظن أنها اختبأت وراء ظهر أزمات يومية وخيبات سياسية وعسكرية وأخلاقية، لكنها عادت كطائر الفينيق من بين رماد تراكم عبر عقود خلت، ولتعود الروح إلى السوريين أحفاد خالد بن الوليد وصلاح الدين الأيوبي وسلطان باشا الأطرش وصالح العلي وهنانو والخراط وغيرهم.

هؤلاء الأحفاد ظهروا في «المصابيح الزرق» كأبطال من هذا الزمان: محمد الحلبي وأبو فارس (أسعد فضة) وابنه فارس وعبد القادر (سعد مينة) وزهير رمضان الذي يلعب دوراً لافتاً واستثنائياً وضحى الدبس، وجميع أبطال هذا المسلسل، الذين كانوا فعلاً نجوماً من أكبر ممثل إلى آخر كومبارس.

ولا بأس إذا كانت المصابيح الزرق تحجب النور لحماية الأهل أثناء الحروب، لان المهم أن النور لا يمكن أن يظل محجوباً إلى الأبد، ولابد للنور أن يعود ساطعاً كإنجازات السوريين عبر التاريخ، قناديل مضيئة أنارت دروب الحضارة الإنسانية.

وإذا كان الشيء يذكر بنقيضه، فإن مصابيحنا الزرق بأنوارها الخافتة ألقت ضوءاً ساطعاً على طبيعة السوريين ووطنيتهم وحسهم القوي العالي، فإن مسلسلاً آخر وجه أبشع الإساءات للسوريين وللمقاومة اللبنانية وحزب الله تحديداً، أظهر المصريين وحدهم أبطال الأمة الذين علينا تقديسهم.

المسلسل الذي أعنيه هو «فرقة ناجي عطا الله، للكوميديان عادل إمام الذي سخر من السوريين وحوّلهم إلى تجار مخدرات ومنتهزي الفرص ووصوليين وماديين وحتى جهلة سياسياً»!.

حتى الشخصية الوحيدة التي ظهرت في البداية إيجابية (عبد الحكيم قطيفان) حملها المسلسل مواقف سياسية سلبية عندما أشاد الممثل السوري بعصابة «جند الشام» الإرهابية.. فصار السوريون تجار مخدرات وانتهازيين ودعاة ورعاة الإرهاب!

بعيداً عن هذه الإساءة للسوريين التي تجعلني كسوري أدعي على الكاتب والممثل والمخرج الذي هو ابن عادل إمام، بعيداً عن ذلك فإن «حدوتة» المسلسل «ملطوشة» من أفلام هوليوود التي تمجد الفرد إلى درجة صار معها عادل إمام الممثل الكوميدي، بطلاً على غرار رامبو الأميركي.

فتصوروا أن ناجي عطا الله (عادل إمام) ومعه ستة شبان وفتاة يتسلل إلى إسرائيل ويصل تل أبيب ويقتحم أكبر بنك هناك ويسرق مئتي مليون دولار عداً ونقداً ويخرج من هناك ويسير عبر الجبال ليصل إلى لبنان ومنها إلى سورية ومن ثم العراق و... و...

كل ذلك من أجل سرقة البنك.. ليس طمعاً في ضرب إسرائيل في مقتل وإرباكها، بل لأنه ببساطة يبحث عن المال ولا شيء سوى المال.

لكن «البطولة» ليست في سرقة البنك بل في القيام «بعملية نوعية!!» إذ خطف ناجي عطا الله ومعه شاب وفتاة فقط، ثمانية إسرائيليين وسلمهم لحزب الله، و«المعجزة الكبرى» أن هذه «العملية النوعية» لم تستغرق سوى ساعات عدة، بل إن ضابطاً كبيراً في جهاز الشاباك الإسرائيلي كان من بين الأسرى وهو لم يتحمل أكثر من «نطحة واحدة» برأس محمد إمام حتى يتحول إلى أسير كخرقة بالية.

فما دام ناجي عطا الله وفرقته بهذه العبقرية الفذة والقدرة الخارقة، فأنا شخصياً أقترح على الأخوة في حزب الله التعاقد معه، وأضمن لهم أن يأسر لهم ألف إسرائيلي في فترة زمنية قصيرة جداً.

هذا المسلسل أساء إلى حزب الله بالكلام المباشر والفعل عندما صور ثمانية «ابطال» مصريين فقط قادرين وبساعات قليلة على أسر ثمانية إسرائيليين، على حين إن المقاومة وبعد تخطيط طويل وامكانيات هائلة لم تستطع أن تأسر أكثر من ثلاثة جنود إسرائيليين عام 2006. والبقية معروفة للعالم.

لست ضد المسلسلات الخيالية وفن اللامعقول، لكنني ضد أن تتحول هذه المسلسلات إلى منبر للإساءة للمواطن العربي عامة، والسوري خاصة وتشويه الرموز العربية.

أنصح الأخ عادل إمام أن يعود إلى مدرسة المشاغبين وأن يبقى «شاهداً ما شافش حاجة» وأن يحتفظ بصورته كممثل كوميدي أول أو ثان على المستوى العربي.. فعمل مثل مسلسل «فرقة ناجي عطا الله» يفقده كل رصيده الشعبي على مستوى العالم العربي.

أخيراً أهمس بإذن عادل إمام: أرجو منك أن تشاهد مصابيحنا الزرق وتطلع على تاريخنا الوطني قبل أن تصور السوريين كما فعلت في مهزلة التهريج التي سميتها مسلسل «فرقة ناجي عطا الله».