2012/07/04

«منحنى خطر» مسرحية تطوع كل أشكال التعبير
«منحنى خطر» مسرحية تطوع كل أشكال التعبير

‏هند بوظو - الثورة

شباب تجمعهم صداقة (ملفقة وكاذبة) تنسجها المصالح، وتتجذر فيها الخيانة، شريحة كانت دائماً مثاراً للنقض والنفور والاتهام!.‏

عروة المعد والمخرج لم يشأ إدانة أي من الشخوص السبعة، أو تقديم أعذار لخياناتها، شخوص مغرومة وعاشقة.. لكنه العشق الممنوع حيناً، والمحرّم.. أيضاً حب مرفوض

ومرذول في أماكن أخرى.‏

(الصندوق الصغير)على الطاولة.. وعليها يلتف أصدقاء يتسامرون ويشربون ويتنادمون.. فجأة تخرج صيحة متسائلة مصدومة تريد توضيحاً عن سر وجود هذا الصندوق في هذا

المكان (العابق بالثراء الفارغ بالكامل من أي ذرة وفاء).‏

وتبدأ سلسلة من الاعترافات فاضحة زيف ونفاق وغدر هذه المجموعة لبعضها البعض.. وتتوالى الاتهامات (من قتل مامر)؟!!.‏

مامر القتيل منذ عام وأكثر (جاء وقت تصفية الحساب) هو الغائب الحاضر، الكاشف لكل هذه الخيانات.. فروحه تريد أن تستريح (رغم كل موبقاتها وآثامها) وعلى الجميع دفع

الثمن!.‏

وحده غيث (جلال الطويل) أخو مامر يدفع هذا الثمن!!.‏

لا أدري لماذا قرر المخرج هذه النهاية لغيث.. هل هي الملاحم محكومة دائماً بالفواجع.. أم إن المعرضين للخيانة (الضحايا) عليهم دفع الثمن..!.‏

رويداً رويداً راحت الشيفرة.. تُفك وتُحل.. لكن إثارة التأثيرالذهني بالمتفرج لم تطل، ولم تترك للجمهور أن يتوقع ويخمن، أيضاً لم تدع للخيال القيام بعمله.. بل بقي متلقياً

للأحداث، مراقباً لما يجري على الخشبة.. ومشغولاً بإتقان الممثلين لعملهم.‏

إحالة كل ماهو بديهي ومعروف (الشريحة الاجتماعية. المقصودة.. والمترفة والمستعدة لفعل كل شيء) لم تمر بشكل مدهش، رغم احتدام صراعها، وانكشاف زيفها أمام بعضها.. إلا أنها أوحت لنا منذ البداية أن خطأ ما (ارتكب) ويبحث الجميع عن فك لغزه لمعرفة الحقيقة التي أصر غيث وحده على معرفتها ليدفع بالنهاية الثمن (حياته)!!.‏

الإحالة لم تمر إلى المدهش من الأحداث، بل أثارت استغراباً «على الأقل في نفسي» من الحل الدرامي الذي ارتأه المخرج (الانتحار) الفاجعة.‏

أثاراختيار غيث وضع حد لحياته برصاصة..وأن يبقى واقفاً في العراء تساؤلات عدة.. منها هل نحن محكومون فعلاً باليأس والعجز وانسداد المخارج.. أم إن للمسرح شروطه

الخاصة، فمشهد النهاية (المأساوي)تزامن مع التصفيق المتواصل من الجمهور.. تصفيق للعرض بمجمله وبالذات للأداء التمثيلي المتفوق للشباب.‏

مسرحية (منحنى خطر) تجنبت الضرب على الإيهام العاطفي، لمصلحة إعمال العقل، وقدمت مستوى من التأثير البعيد عن إدماج المتفرج بالعرض وجعلت منه مراقباً لأحداث

المنصة دون ترك مساحة له ليحلل ويركب على كيفه، فقط من حقه الظن والتخمين.. والتعليق دونما حاجة لصدمه أو جعله ينتفض.‏

على مايبدو كان المطلوب فقط إبهار الجمهور بالتشكيل البصري فالضوء والظلام جاءا لتضييق دائرة التأويل وتكثيفها لدى المتلقي لاتسعفه الفواصل بين الحدث والحدث

(باستخدام هذه التقنية) للتخيل ولا للتأويل.. ففضاء العرض بشكل عام فضاء درامي وصفي، ورغم غناه بأحداث درامية، وحوارات سريعة، وغضب ترجم إلى عنف وعراك

وحالات أخرى.. أظهرت ضعفاً وخواء وذهولاً.. إلا أن الجمهور بقي على حالته.. مراقباً، فالمراد إشغال عين وأذن المتلقي.. لإبهاره واستصدار بيان إعجاب بالتشكيل

والموسيقا.. والأداء بالطبع!!.‏

«منحنىخطر» الآن وهنا... المضمون والفضاء: تلفزيون يعرض فيلماً لنيكول كيدمان، ونادين قادمة من دبي والأزياء عصرية جداً وراهنة.. المكتبة في زاوية الغرفة كانت سبباً

للفصل العاطفي الذي عانته الزوجة من اهتمام الزوج بكتبه ورواياته.. وكأنهاتحتاج لمبرر يغطي خيانتها.‏

طوع المخرج كل أشكال التعبير (المرئي والسمعي) لإنتاج عرض يبهرنا وأحضر بيانو عزف عليه (داني القصار) أكثر من موسيقا عزفاً، فعالية تخيلية للأحداث، ضارباً على أوتاره

توقع الأسوأ.. فمامر (العازف) يعرف تماماً أن (البين) الذي فرقه عن أخيه وخليلاته وصديقه (الخل) جاء صوته قوياً مدوياً مرعباً.. دفع بالجميع لتخليص أرواحهم من آثامها

(باعترافها - ربما) وبالتالي لجعل روحه تعبر (أخيراً)! السماء..باعتراف القاتل بجريمته.. وعلى مايبدو فالقتل ليس أسوأ شيء نرتكبه في الحياة..‏

لحظات الحضور الحي‏

للعرض المسرحي‏

والذي تجلى في الأداء الجميل لوسيم قزق «غيث» وجلال الطويل «مثنى» وجوان الخضر «تيم» بحضورهم الحيوي والديناميكي، فكل واحد منهم امتلك وسائله التعبيرية

ليخدم دوره، فالخفة والسرعة والانتقال بسلاسة ومرونة على الخشبة حتى كادوا أن يملؤوا كل فراغ وحيز فيها ينبئ ليس فقط عن قدرات شخصية وإنما أيضاً عن استيعاب

دروس التمرين التي يبدو أنها لم تنهكهم بقدر ما وظفت لديهم هذه القدرات وجعلتها في مكانها المناسب دون استعراض أواستجداء لرضا الجمهور.. أداء بعيد عن الانفعال

لصالح الفعل وردة الفعل بالتمام والكمال.‏

لم ينسَ المخرج عروة الاستفادة الكاملة من القامة الممشوقة للممثلة ربى الحلبي (سلمى) وإن بدا ذلك استعراضاً في هذا الحيز.‏

وتستمر علا باشا (نادين) مصرة على (اللازمة) التي رافقتها طيلة العرض- بوضع يدها على رأسها إيحاء منها على التوتر المبالغ به وغير الملعوب بإتقان.‏

لكن المفاجأة كانت أريج خضور «راما» التي عرضت امكانياتها المختمرة، فالمرأة الخائنة والمخدوعة لايمكن أن يكون رد فعلها..إلا بهذا الإتقان الذي أدته.. أريج أو راما بين

الشخوص بأزماتها وخياناتها.. وبين أداء متوازن (كثيراً) لهذه الشخوص.. نحظى بعرض غني فنياً.. ليستحق بجدارة التصفيق الحار والطويل الذي حاز عليه..‏