2012/07/04

من الذكريات : عندما قابلتُ محمـّد عبد الوهاب في دمشق
من الذكريات : عندما قابلتُ محمـّد عبد الوهاب في دمشق

من الذكريات : عندما قابلتُ محمـّد عبد الوهاب في دمشق       ...آراؤه في الحياة و في الموسيقى و في تهجِّـم الفنّانين المبتدئين عليه   من الذكريات القديمة: ذكرى مقابلتي لعبد الوهاب. صلعته التي غزت أكبر مدى من رأسه .. تنبئ أنه شارف الستين. على عينيه نظارة سميكة جداً ومقعرة من الداخل. يضع منديلاً أبيض في كمه، تنبعث منه راثحة عطرية جميلة.   إنه ((محمد عبد الوهاب)) المطرب والموسيقار المعروف. طربوش الأستاذ  عندما قابلت محمد عبد الوهاب.. لم أجد أمامي أكثر من إنسان، إنسان يعيش للموسيقى، ولأنه يعيش لها فهو يكيف حياته كي تستفيد منه الموسيقى أكبر قدر ممكن.. ويستفيد منها بالقدر نفسه. كان هذا عبد الوهاب الذي قابلته: لم أجد مزاجاً خارقاً غير مألوف، لم أر ملاكاً أو شيطاناً، لم ألق شذوذاً.. على نحو ما تصوره الصحافة في عجلتها وحبها لإرضاء جمهورها الواسع الانتشار. كان الصالون الذي جلسنا فيه لطيفاً وذا إضاءة مريحة، وكان على المكتب سلة فواكه فيها عدة تفاحات  وبرتقالة واحدة..وطربوش "الأستاذ" ومغلف مليء بالاسطوانات وبرقية من العاصمة اللبنانية تفيد أنهم ((بانتظار الأستاذ في بيروت..)). وتحدثنا: تتقدم في فوضى ! _ قلت لأحد الصحفيين ذات يوم أن المستمع العربي لا يستسيغ الاستماع إلى ما يسمى بـ ((الموسيقى الصامتة))  ويفضل عليها الموسيقى المصحوبة بالأغاني.. فما رأيك؟ _ أبداً. لم أقل هذا الكلام.. المستمع العربي يفتتن بالجمال سواء أكان موسيقى أو غناء، والشعوب تهتم بالنوع عادة . _ وقلت مرة أخرى في حديث لك أذيع من القاهرة أن الموسيقى العربية تتطور قي قلق، وأن أساس التلحين.. كان العرض الصوتي في حين أصبحت الفواصل والمقدمات التي تسبق الأغاني هي الأساس الآن، وأصبحت الأغاني تأتي  في المرتبة الثانية.. وهذا الرأي يخالف إنتاجك الأخير.. _ مثل أي أغنية؟                         _ ((كل ده كان ليه)) و ((آه منك يا جارحني)).. فهما مليئان بالعرض الصوتي. _ ..أنا لم أقل أن الموسيقى العربية تتقدم في قلق. إنها تتقدم في فوضى.. والفوضى شيء مختلف، فالفوضى هي حتمية للتطور وللحركة، أما القلق.. فيجعل الإنسان يدور في دوامة دون أن يتقدم. جانب مهم كان محمد عبد الوهاب في إجابته هذه ذكياً وحسن الإدراك للسؤال الخطر ولبقاً في الإجابة، فلقد تخلص تخلصاً رائعاً من قوله الذي سمعته بنفسي، وربما كان استخدام في حديث الإذاعة كلمة ((قلق)) وهو يعني ((فوضى))، وهذا جانب مهم في شخصية عبد الوهاب.. قلت : _وقضية العرض الصوتي؟ _ الزمن يفرض عليك أن تتطور معه. وأغنياتي لا تلتزم العرض الصوتي، لكن ما أغنيه قي الحفلات العامة يجب أن يخضع للعرض لأن الحفلات تمتاز بالطول الزمني. _ لماذا يهاجمك الفنانون المبتدئون.. دائماً؟ _ عندما هوجم برناردشو واتهم بأنه سارق وناقل ومقتبس، رد على مهاجميه بثلاث جمل هي: ((هم يقولون.. ماذا يقولون.. دعهم يقولوا.))  أنا أتبنى هذه الجمل الثلاث عادة!  _ وأنت ألا تقتبس؟ _ القضية أنك فنان تعيش قي وسط معين، وسترى نفسك على الرغم منك تتأثر بالحياة التي حولك.. دون أن تدري. أنا رجل موسيقي ولست بقالاً أو مهندساً، وهمي الأوحد أن أعيش في المستقبل. لا أقف في الحاضر ولا أعود إلى الماضي، والدنيا تتقدم.. ومن واجبنا أن نتقدم معها . _ ما رأيك. هل في الإمكان أن تطرب موسيقانا العربية الشعوب الأخرى، الأوربية مثلاً ؟ _ هذا يتطلب مدارس للموسيقى ومخرجين يسايرون روح العصر وينتجون موسيقى إنسانية للعالم كله. _ ألم تسمع أو ينقل  إليك أن موسيقاك قد عزفت مرة قي أوروبا؟ - سمعت بنفسي موسيقى ((عاشق الروح)) تعزف في أحد المحال بجنيف . حصيلة اللقاء اجتمعت بمحمد عبد الوهاب ساعة أو أكثر قليلاً ولم أكن قد اجتمعت به من قبل، ولقد كانت الصورة التي تملأ ذهني عنه.. غير واضحة في الصحف والمجلات، وهي صورة، آمنت بعد اجتماعي بعبد الوهاب، أنها تجنح نحو الخيال جنوحاً كبيراً، وأنها تؤلهه أكثر مما تحبب الناس فيه. المضحك المبكي 25/8/1963