2012/07/04

موسيقى العمل الدرامي السوري حساسية التجريب في مكاشفة الحكاية
موسيقى العمل الدرامي السوري حساسية التجريب في مكاشفة الحكاية

عمر الشيخ - البعث

لا تقل صناعة الهوية السمعية لأنغام المسلسل التلفزيوني أهمية عن تركيبة الخصوصية في قصته أو في بصمة إخراجه، وبقدر ما تتدخل في التقاط عاطفة المشاهد فإنها تساهم في تحريك بوصلة التصعيد الدرامي وتصادم الأحداث من حيث الفراغ السمعي الذي يتركه وقع الكلمات الأخيرة في الحوارات، وكي لا تتحول تلك المشهدية إلى مسرحة جافة تأتي موسيقى الشارة بالتحديد شارة المسلسل (بداية – نهاية) التي تكون عادة بمثابة شريك أساسي في إنشاء علاقة بين المشاهد والعمل، تأتي لتشكل ملخصاً حول حكاية المسلسل بطريقة ما، الأمر الذي يجعل أجواءه مشحونة بشيء من الترحال المؤقت والسريع بين دهشة الحدث وردّة فعل احتمالات القدر، بمعنى آخر قد تتحول شارة المسلسل إلى خلاصة حسية تتآلف بقوة إيقاعها مع سمع وعيني وعاطفة المشاهد كلما كانت أحداث مسلسله المفضل تغوص في الغرابة والمفاجأة.

من هنا يمكننا تناول نماذج من شارات المسلسلات السورية حيث كانت بمثابة علامة فارقة تكونت من خلال مقدماتها الغنائية التي تحولت فيما بعد إلى أغان مستقلة يمكن عزلها أحياناً عن المسلسلات والتمتع بالاستماع لها، وما ذلك إلا تجربة تسجل لصناع موسيقى شارات المسلسلات السورية لعل أبرزهما الآن (طاهر مامللي و رضوان نصري) إذ يتفرد كل منهما بلمسة خاصة تقوم ضمن حساسية سمعية مختلفة التفكير والنتائج والتعاطي مع المسلسل الدرامي المعاصر خصوصاً، فمامللي يمتاز تصميم موسيقى شارته باعتماده الشديد على صوت المطرب أو على الآلة الرئيسية التي تقوم بالتنقل فوق سلم الموسيقى لتحرك وتير النغم والإيقاع بين مساحات وقطعات منوعة بالإضافة إلى اعتماده اللهجة المحكية في معظم كلمات شارته مثلاً (طريق النحل-2009) التي تؤدي مقدمتها المطربة السورية الشابة شهد برمدا (تاهت هالدنيا فينا/ ولما خلص العمر التقينا/ وافترقنا و ماحكينا/ شو تذكرنا وشو مانسينا/ وتمنينا يا هالأمل من زمان تطل علينا/ ع دروب الدنيا مشينا ندور ع الحب يلي ناسينا..إلخ) على الرغم من بساطة الكلمات، لكن موسيقى مامللي رفعت من سويتها السمعية وأفسحت لهذا العمل رغم الملاحظات الكثيرة حوله إلى hلدخول إلى قائمة الأعمال المحببة بسبب شارته إلى جانب طابع الحزن والصراع الحياتي الذي حمله مامللي لألحانه، سكنت تلك المقدمة ذاكرة المشاهد إلى جانب موسيقى سلسلة اللوحات الكوميدية المشهورة (بقعة ضوء) الذي حافظ على هويته السمعية موسيقياً باختلاف التوزيع الموسيقي كل عام بلغة تقنية مختلفة عن العام الذي قبله، إذاً تدخل تيمة مامللي كثيراً في مختبر التجريب السمعي فهو مرة يعتمد الموسيقى بلا أداء مغن بإيقاع أوبرالي كما في مقدمة مسلسل (الدوامة-2009) ومرة يحمل صخب الشارة للصوت ضاج حسب طقوس المسلسل كما في مقدمة مسلسل (صبايا 1و2).

بالنسبة للموسيقار رضوان نصري فإن الكلمات عادة تأتي بمثابة حامل فعال بنفس أهمية اللحن، ففي تجربة مقدمة مسلسل (تخت شرقي 2010) نجده قدم نموذجين للشارة بصوتين مختلفين وكلمات مختلفة ولكن باللحن نفسه لعله نجح في الأول حيث قدم المطرب اللبناني (آدم) شارة (تخت شرقي) وأخفق قليلاً في الثاني حيث قدمت الشارة باللحن نفسه بصوت المطرب السوري (ريبال الخضري) لكن الكلمات اختلفت قليلاً وبقي المعنى رغم تشاركها بأجواء النقد الساخرة من حوارات المسلسل المعاصر الذي حصد نصه جائزة أفضل نص في أدونيا، في مقدمة أغنية ريبال الخضري: (متل الموسيقا/ كل شي حلو ما دام بعده بأولو/ لا تسألوا شو بدك ولا كيف الطريقة/ الرفقة انكتبوا من وقت غير مطرحو / قولكون فيهون يفرحوا وجروحون غميقة)  على عكس كلمات مقدمة الشارة التي قدمها آدم ولكن بامتلاء إيقاعي وصوتي أكبر وأشد إقناعاً: (كذبة وحقيقة/ حبنا شتي ووراق ودموع مشتتة/ شفتوا شو قسيت الدنيا يلي كانت رقيقة/ كيف العيون بيغرقوا ما لحقوا اتهنوا اتفرقوا/ غفوة من النوم بيسرقوا تايهدا بريقا) تتشابه أجواء كلتا الأغنيتين ولكن هذا أضعف من ذاكرة المشاهد إذ ان لكل عمل شارة خاصة، هذه اللعبة أفقدت شارة تخت شرقي خصوصيته وبقي اللحن مشتتاً، على عكس ما فعل نصري في مسلسل (نزار قباني-2005) إذ طوع ألحانه لقوة الكلمات الشعرية وهنا اجتاحت التعابير موسيقاه: (هذي دمشق وهذي الكأس والراح إني أحب وبعض الحب ذباح/ أنا الدمشقي لو شرحتم جسدي لسال منه عناقيد وتفاح) مساحة كبيرة من مقدمة المسلسل كانت بمثابة بلاغة لغوية احتاجت صوتاً بارعاً في الغناء العربي الفصيح كصوت السورية أصالة نصري، حتى أصبحت تلك الأغنية تيمة دائما لنزار قباني الشاعر والمسلسل.. هكذا تتفاوت تجربة نصري بين توزيعه اللحن على أكثر من نص ومؤد مرافق، فهو كثيراً ما يقف عند أجواء العمل وتفحص حكايته ليلبي له أكثر من احتمال موسيقي ليتقاطع مع موسيقاه التصويرية وشارة مقدمته وخاتمته، كذلك الأمر بالنسبة لمامللي، فهذان الموسيقيان أسهما في تغيرات مختلفة للشارات التي كانت تعتمد على نوع من الموسيقى المستهلك أو المألوف، إذاً يمكننا تلمس هذا الاختلاف في الهوية السمعية خلال السنوات العشر الماضية التي جعلت شارات المسلسلات السورية مكاشفة حسية تضع المشاهد أمام أسئلة الموسيقى الدرامية وارتباطها بواقعه الذاتي مع الشاشة والحكاية المتلفزة.