2016/08/07

مسلسل أحمر: خمسة عشر سبباً! (تتمة)
مسلسل أحمر: خمسة عشر سبباً! (تتمة)

لقراءة الجزء الأول من المقال اضغط هنا

 

خاص بوسطة - بشار عباس

ثامناً: الإخراج – ماذا نرى في المشهد - إدارة الممثّل.

إن كثيراً من الممثلين المُشاركين ربّما يكون العمل قد وضعهم أمام تهديد جدّي لمسيرتهم المهنيّة، فقد ظهروا بمستوى أداء ضعيف لم يظهروا فيه يوماً من قبل؛ عادةً يهتمّ كثير من المخرجين المحليين – في الفيلم والتلفزيون – بالكاميرا ويُهملون الأداء، ويتركون للممثّل إدارة نفسه وفق فهمه الذّاتي للنصّ، مما يتسبب بظاهرة تكريس ممثلين محددين لأدوار معيّنة جاهزة؛ الزوجة المخدوعة، الشاب الحالم، الأخت المضطهدة، الفتاة اللعوب، الرجل المتسلّط، الأّمّ الصّابرة، التّاجر الجشع، وغيرهم، ولذلك يقوم أولئك المخرجين في عمليّة (الكاستينغ) بالبحث ليس عن الممثل المناسب بالشّكل والهيئة والملامح والعمر، بل عن الجاهز فوراً للدور المحدد، والذي لا يحتاج إلى أيّة إدارة .

ما سبق يُضاف إليه مشكلة جديدة أيضاً، وهو أن كثيراً من الحوارات والأفعال الدراميّة يبدو أنّها أُعطيت للممثلين بالشرح السّريع، بأن يُقال لهم فكرة عامّة عن المشهد، ثم يُتركون لتدبير أمرهم أمام الكاميرا الّتي تعمل.

من ملامح ذلك أنّ الممثلين أثناء الحوارات، وبما تكشفه الأعين الهاربة إلى الأعلى يساراً، أو يميناً، يقومون بالتذكّر والتخيّل؛ التذكّر لاستجلاب توصيات عامّة عن المشهد، وليس لاستحضار كلام حواري محددّ وواضح، والتخيّل للارتجال وعدم التوقّف عن الكلام، هذا يتسبّب في ظاهرة يسمّيها ميخائيل تشيخوف ( ظاهرة الطفل المذنب) وتعني أنّ الممثّل يظهر عليه بوضوح أنّه يفكّر بما سوف يقوله للتوّ ليقوم بارتجاله، ويستعجل أكثر أو يتمهّل أكثر خشية أن ينكشف أنّه لا يحفظ الحوار إذا توقّف عن الكلام؛ إنّ معظم حوار خالد يعاني من هذه المشكلة، بالتّحديد عندما يجلس مع حليم بالمقبرة في الحلقتين الأخيرتين، أمّا في حوارات أخرى -عندما يتعرّف على شهد- فالمشكلة هذه أقل وضوحاً.

في المشهد السادس من الحلقة السّابعة، هناك حوار بين كل من ربحي وهيثم وفراس على السّطح، وهو ارتجال كامل، لا يخدم القصّة بشيء؛ ربحي يتوقّف عن الحوار ويصمت، ينظر شارداً للأسفل بحثاً عمّا سيقول، ثمّ يجد شيئاً، فيسعفه الارتجال ويقول: " أخدنالها شوكولا "، واضح أنّه لم ينس الحوار، ولكنه تعثر في الارتجال .

يمام تظهر معظم مشاهدها في مبالغة أدائيّة، على مستوى ارتفاع منسوب الصّوت، أو فائض حركات الأيدي غير المبررة، لا تنفكّ تتشاجر مع عاصي في تكرار لنفس أجواء المشاجرة السّابقة، ثم اللاحقة، دخولها السّجن لم يؤثّر على هذا الأسلوب إلّا في تقليل منسوب ارتفاع الصّوت، الأعين ومشاعر الوجه ظلّت كما هي، وحتّى في المشاجرة مع أخيها رام في الحلقة السّادسة، عندما تقتحم عليه ويطردها، فإنّه لا فرق في هذه المشاجرة بين الأخ، وبين الزوج عاصي!

عاصي يظهر بنموذجين حادّين لا ثالث لهما، منذ البداية مستهتر عنيف مندفع، وبعد تبديل القلب هادئ وعاطفي وحالم، بينما حليم يظهر كمن يتهكّم على اللهجة الدمشقيّة بافتعال إطالة الأحرف الصوتيّة، أمّا فادي وصالح فظهروا أقرب إلى أداء الفيرس(The farce)  المسرحي، الأسماء السّابقة هي للشخصيّات وليس للممثلين.

 

 

تاسعاً: الإخراج – ماذا نرى في المشهد – التّكوين المكاني الحركي للممثل.

التكوين المكاني - الحركي The Blocking  للشخصيّات منذور من أجل الكاميرا، واحد من تفاصيلها وأغراضها؛ في الحلقة الخامسة والعشرين، تظهر وصال في مشهد خارجي جالسة على حافّة، خلفها كنيسة، وعلى يمينها عند القطع إلى لقطة أقرب هناك صليب، هذه صورة جيّدة، ولكن هذه دراما وليست معرض تصوير فوتوغرافي، لماذا وصال تتصوّر ولا تؤدّي؟ يأتي فراس ويقف خلفها على الحافّة، يهدّدها ويوبّخها، يضع سكيناً على رقبتها، ثم يُحجم وينصرف، يفعل كلّ ذلك وهو واقف خلفها، يُريد أن يتصوّر معها أيضاً، حريص أن يكون وجهه مثل وجهها قبالة الكاميرا، إنّه لا يقفز أمامها لينظر في عينيها، ولا يتطوّر غضبه بما يؤثّر على وقفته، لأنّ ذلك سوف يحتاج إلى لقطة عكسيّة Reverse  من الجهة المقابلة، فتنقطع عندئذ جماليّة الصّورة، فالمهم هو برج الكنيسة والصليب والمدى خلفهما، أمّا الشخصيّات وهي جوهر الدراما- والتي يجب أن تتموضع وتتحرّك وفق السمات وطبيعة الفعل الدرامي والظرف – فأمرها تحصيل حاصل.

إنّ واحدة من محددات رسم حركة الشخصيّات هي السّمات الثقافية والمجتمعيّة للشخصيّة؛ في مسلسل بدوي سيبدو نافراً أن يبدأ صاحب المأدبة بالطّعام قبل ضيوفه، وفي دراما عربيّة ينتظر الشخصيّة أن يخرج الذي على يمينه قبله من الباب، وفي فيلم ياباني قد يجلس صاحب البيت مع ضيفه على الأرض ويصمتا لفترات طويلة، وفي دراما سوريّة سيكون من المستغرب كثيراً أن يدخل عنصران برتبة منخفضة - فادي وصالح - أثناء معظم المشاهد في مكتب العقيد حليم للوقوف والأداء خلف مكتبه، وليس بجمود وخشية أمام عقيد الأمن الجنائي، وعلى مسافة؛ حوارات طويلة تقع خلف المكتب، وخلف كرسي المكتب، وسوف ينضمّ لاحقاً إلى هذا الحيّز بعض المتّهمين، ثمّ العميد نفسه رئيس حليم في العمل، فلماذا أُقحمت الشخصيّات في ذلك المكان؟ لأنّ هناك قرار أن تؤخذ بلقطة عريضة Wide shot من موضع جهة الباب.

حليم العقيد بالأمن الجنائي يدخل إلى غرفة النظارة، ويجلس بجانب عاصي على الأرض في الحلقة العاشرة! الحصول عليهما معاً في لقطة واحدة على نفس مستوى ارتفاع الرأسين هو الأكثر أهميّة من قابليّة الفعل للتّصديق.

إنّ صالح عندما يتحدّث بالجوّال مع ورد، في مرّات عديدة، يحرص أن يبقى قبالة الكاميرا، رام ومسعود في الحلقة الرابعة يجلسان كل إلى طاولة، بمواجهة الكاميرا، مع أنّهما في حوار مهمّ لا يجلسان أحدهما قبالة الآخر، رشا مع ربحي أمام الباب في الفسحة باللقطة العريضة في مشاهد عديدة يكرران نفس الشّيء، وفي الحلقة 13 تتصل المدام نور بهيثم وفراس وربحي للتفاوض على ثمن مقطع الفيديو، أثناء الاتصال يقترب الثلاثة للوقوف قبالة الكاميرا.

 

عاشراً: الإخراج - كيف نرى المشهد؟

أحجام اللقطات تميل إلى العريض،Wide shot وهي عموما ضروريّة كفسحة لالتقاط الأنفاس من مشاعر الحصر والضيق الذي تسببها الكلوز آب، ولكشف علاقة الشخصيّة بالمكان وضرورة كشف المكان نفسه، ولكنّها في هذا المسلسل فائضة عن الحاجة، مونتاجياً يأتي الانتقال منها إلى الكلوز آب متأخّراً، ولزمن قليل، وسرعان ما تحدث العودة إليها.

لقد دخل الإكثار من استعمال الكلوز آب إلى الفيلم بعد انتشار التلفزيون في النصف الثاني من القرن الماضي،لأنّ كثير من المخرجين بعد ذلك أتوا إلى الفيلم من التلفزيون، ولأنّ العين البشريّة أخذت تألف هذا الحجم، في مسلسل أحمر مسألة عكسيّة؛ إكثار من اللقطات العريضة على الشاشة الصغيرة، في الحلقة الثالثة فلاش باك من عام 2003 يظهر فيه خالد ولبنى، حجم اللقطة العريض يعرقل رؤية الوجوه، ويتسبب بشعور بالإقصاء عن المُشاهدة والمتابعة بالنسبة للجمهور، لقد انكشف المكان وعلاقة الشخصيّات بالمكان فما الداعي للإطالة بزمن هذا الكشف؟ على الشّاشة الصّغيرة تغيب تفاصيل الوجه البعيد وتنأى عن الوضوح، وفي الحلقة الخامسة عند ظهور عباس في قاعة الصفّ جالساً، وأيضاً حليم في أكثر من حلقة في غرفة نومه، عندما يمشي رام مع قاسم في حديقة الفيلا بالحلقة الثامنة، عندما يجلسون أمام الموقد في بيت رام، عند الوقوف في الزقاق قرب أقفاص الطيور؛ إنّ الإصرار على الحجم العريض يجعل المكان وتفاصيل الدّيكور أكثر أهميّة من الوجه البشري.

مواضع الكاميرا Positions غالباً تركّز على جهة واحدة لا تبدّلها، ولا تنتقل إلى مواضع أخرى ضروريّة؛ في الحلقة التّاسعة تأتي يمام إلى سماح وتعرض عليها رشوة ومكاسب مقابل أن استمالتها، تدخلان وتجلسان، لقطة عريضة إلى متوسّطة تأخذهما معاً، وقطع إلى كلوز لسماح أو ليمام ضمن الحوار، ولكن دون تبديل للموضع، دائماً نرى الوجهين معاً جانبيّاً، أو كلوز لوجه واحد بروفايل جانبي من نفس الموضع؛ في حوار تحاول فيه فتاة من خلال الفساد استمالة صحفيّة ملتزمة بالمبادئ، ماذا يعني هذا؟ كان هناك فرصة كبيرة لمشاهدة مشاعر أداء وجه، ولغة أعين، ولكن المشهد يخسرها بسبب قرار الحفاظ على الموضع وتجنّب تغييره إلى لقطة فوق كتف، أو مفردة للوجه تكشف العينين معاً، الأمر يتكرّر في الزقاق بجانب أقفاص الطّيور، في  مكتب حليم، في كوريدور قسم الشرطة، ومشاجرات هيثم ووعد، وفي  حوارات صالح ووردة، في المطعم حيث تغنّي رشا، مما فرض على المونتاج كثيراً من أنموذج اللقطة – القفزة عند القطع من حجم إلى آخر دون تبديل الموضع.

غير ذلك فإنّ المونتاج جيّد؛ القَطعة المفردة في عيد ميلاد سماح، والتقطيع عندما يطلب حليم من عاصي أن يذهب إلى الريف، يكشفان عن مستوى مونتاجي جيّد، ولكنّ عدم تبديل الموضع يجعل المونتاج يقع في الخطأ المونتاجي الأخطر: الجمهور يشعر بالقطعة لحظة حدوثها، لماذا يشعر بها؟ لأنّ الشخصيّة التي يشاهدها كبرت أو صغرت فجأة، أمّا لو حدث القطع إليها من موضع أخر، فلن يشعر بتبدّل حجمها، لأنّه دار حولها قليلاً، فاختلف ما كان يراه.

حركات الكاميرا تنصاع غالباً لاقتراحات اللوكيشن، وهو الذي يحدّدها، فرضاً أو تفضيلاً؛ في بيت عبّاس السّطح يتّصل مع أرض الدّيار بدَرج، وهذا الدرج مستور بأجزاء منه، فسوف يكون الكرين- تحت Crane down  أو الرافعة، لشخصيّة ينزل وكاميرا تهبط معه،هي الحركة التي تتكرّر في معظم مشاهد هذا البيت الخارجية، وكثيراً ما تُضاف حركة أو شخص ينزل فقط لتصويره، دون ضرورة دراميّة.

في المطعم حيث تغنّي رشا أمام البحرة، تتكرّر في معظم المشاهد لقطة عريضة أو متوسّطة ثابتة عليها، ثمّ تراك – شاريو- يسار بحجم كبير تأخذها مع حوض الماء، في مكان اجتماع يمام وجمانة، طاولة القمار أو مقر الحزب؛ التراك يمين من دخول الباب إلى الوصول والجلوس يتكرّر أيضاً في معظم المشاهد، نفس الحركة في محلّ الألبسة حيث فراس وربحي، التراك عموماً، والتراك يسار خصوصاً هي الحركة المتكررة بإفراط في المسلسل، كما في المشاهد خارجيّة بالريف، أو في حديقة المتحف.

في الكوريدور، بقسم الشرطة، والمستشفى، وأمام ميكروفون سماح حيث تجلس في الإذاعة، تتكرّر حركة دوللي – شاريو – أمام، أو خلف، وقد يحدث خروج منها إلى لقطة ثابتة.

كل ما سبق جعل العمل يتّسم بالعشوائيّة في أنموذج حركات الكاميرا، فهي تضطرب، وتختلف وفق الحظّ الّذي يقترحه اللوكيشن، وبعد أن يقترحها اللوكيشن تعود هي لاقتراح التّكوين المكاني - الحركي للشخصيّات، والتي كثيراً ما تدخل إلى المشهد وتخرج منه بالدخول والخروج إلى الكادر نفسه عندما يكون ثابتاً.

 

الحادي عشر : الإخراج - إقحام تعديلات لا تُراعي الظروف والفعل الدّرامي:

في الحلقة الثامنة، فراس وهيثم وربحي، يقول أحدهم (ليكو وصل بهاء) مع أنّ بهاء جالس إلى طاولة في مقهى رصيف قريب، فكيف وصل؟ ربّما كان بهاء في الفعل الدرامي قادماً في بداية المشهد، ولكنّ تمّ إضافة تعديل يقضي بأن يجلس، دون مراعاة تعديل الحوار أيضاً؛ إن كلام الممثلين عن شخص يأتي " ليكو وصل" بينما هو جالس، يعني انقطاع تام للتّنسيق بين فريق التّصوير، خصوصاً مساعد المخرج والسكريبت، ويعني ذلك أن جميع الحاضرين على تصوير هذا المشهد لا يفهمون معنى الحوار الذي يسمعونه.

في الحلقة الثلاثين تقول وعد لفراس وهي تطرده، في مشهد خارجي أمام البيت، بعد مشادة كلاميّة: اطلع لبرّة! مع أنّهما يجلسان "برّة". المشهد من الحوار يبدو أنّه كان داخلي، ولكنّ هيثم سوف يأتي خلفهما ويستمع إلى جزء خطير من الحوار، ولأنّ دخوله إلى البيت صعب دون الانتباه له، فقد تمّ وضع الشخصيّتين خارجاً، وبقي الحوار على حاله.

في الحلقة الثّامنة يصل موظف شركة طرود بريديّة، معه غرض لتيم من جوى، يلتقيه في الشارع ويقول له: أنت تيم؟ فيُجيب تيم: نعم، فيقول: وقّعلي هون! كيف عرف أنّه تيم؟ ربّما المشهد كان في منزل ونفس الحوار بعد قرع على الباب، ولكن الرغبة ببدء مشهد خارجي يتطوّر إلى رقص في الشّارع، هي السبب في تأسيسه على هذا النّحو.

 

 

الثاني عشر: الإخراج - التّضحية بالظروف والحبكة لصالح جماليّة الفوتيج Footage .

أم رشا في الحلقة 12 تصل صالة السينما، تشاهد فيلم لوحدها، جالسة بين المقاعد، الموظّف يُشغّل لها جهاز العرض؛ الرغبة بتصوير هذه التّفاصيل، والتي أصبحت " كليشيه" تؤدّي إلى نسف الظروف: الموظف يشغّل لها العرض بمفردها، تبقى إلى الصّباح، الموظف يوصلها، لاحقاً يقول: عنوانها مسجّل لدينا في الصالة، قال ذلك في إضافة على الحوار في قطع طريق تبريري على سؤال سوف يطرحه الجمهور: كيف عرف بيتها؟

حليم في الحلقة السّابعة والعشرين يعطي مفتاح بيته الريفي بالضيعة لعاصي ليذهب ويرتاح، ومن لحظتها عاصي يغادر ليس قسم الشّرطة أو المدينة، وإنّما يغادر القصّة نفسها؛ الرغبة بالحصول على صور جميلة للريف، تجمع عاصي مع راديو على تل، عادت بالقصّة قرابة خمسة عشر عاماً إلى الوراء أيّام راديو البطاريّات ومسجّل الكاسيت، وهو نفس السّبب الذي دفع لإجراء تخطيط قلب لعاصي في العراء، تفحصه الطبيبة بجهاز قلب متنقّل، أيضاً للحصول على تغطية جميلة بصرياً للمكان، ثمّ عاصي مع الحصان بجانب بحيرة وقطيع مواشي، على طريقة إعلانات مارلبورو الشّهيرة، ويهوي بالفأس على الحطب، ومع سماح على الحصان؛ النقيب بالأمن الجنائي واقف مع الحصان بجانب شجرة في الحلقة 28، تأتي سماح في سكون الريف، تجتاز عشرات الأمتار إليه فلا يشعر بها ولا بوقع خطاها، تقف خلفه، تتكلم فينتبه ويلتفت، لماذا؟ هناك جماليّة للصورة وهما معاً قبالة الكاميرا، ثمّ له وهو يلتفت إليها بلقطة عكسيّة.  

 

الثالث عشر: الإخراج – إهمال توالي اللّيل والنّهار والصّيف والشّتاء ضمن الزمن الدّرامي :

بسبب الذهاب بين حاضر في عام 2016 وماضي يرجع قد يرجع إلى عام 1967، وفلاش باك يمتدّ أحياناً إلى عشر دقائق أو ربع ساعة، فإنّ العودة إلى الزمن الراهن للقصّ تقع في إشكاليّة التّرتيب والتّعاقب، منها على سبيل الذّكر وليس الحصر: في الحلقة السّابعة هناك مشهد نهاري بين رام وقاسم في حديقة الفيلا وحوار عن سحب الثقة من الحكومة، بعد ذلك يتعاقب أكثر من عشرين مشهد من الحلقة السابعة والثّامنة التّالية، ونعود إلى تكملة نفس المشهد النّهاري بين رام وقاسم، مع أنّه انقضى ثلاثة مشاهد تُشير إلى مرور يوم وليلة على الأقل في الزّمن الواقعي: ليلي عند بكاء هيثم في البحرة، وتذكّر التبرّع بالكلية، مبيت زيّاد بالمخفر، والعثور على الجثّة صباحاً، ولكنّ رام وقاسم يستكملان الحوار بمشهد نهاري دون انقطاع في الزمن الدّرامي.

رام عند الموقد ولاحقاً الموقد في بيت خالد؛ النّار موقدة بهدف الحصول على صورة جميلة، ولكن دون مراعاة للفصل في السّنة، يظهر ذلك بوضوح عندما يتصلون من جانب النّار بشخص في مشهد خارجي لا يرتدي ملابس تُشير إلى الشّتاء.

الصّيف في الريف، والشتاء بجانب الموقد، والربيع في الحدائق وأمام الأكشاك وفي الحارة وبجانب البحرة حيث تغنّي رشا، الفصول كلّها معاً هنا في هذه الدّراما، أربعة أشهر وأسبوع طول الزّمن الواقعي للقصّة لا يكفي منطقيّاً لكلّ هذه الفصول.  

 

الرابع عشر – الموسيقى:

يمكن وصف موسيقى العمل بأنّها موسيقى (السوبر ماركت) أو (معارض السيّارات)، وهي توضع خافتة عادةً لإخفاء صوت وقع الخطى، أو عجلات عربات التسوّق، وتتسم بأنّها تتراوح بين ألحان خالية المشاعر، أو أجواء فيها بعض النّشاط، هذه سمة موسيقى العمل.

البيانو المصاحب لتنغيمات الصوت البشري، رشق العود المصاحب للبيانو، نفخيّات نحاسيّة، جيتار كهربائي وآخر عادي، ساكسفون و كمانات مع صوت صياح بشري، هذا التّنويع باقتراح النماذج الصوتيّة يجعل الهوية الموسيقيّة للعمل غائبة، كما أنّ عمليّة مزج الأصوات Sound mixing  لم تراع القيام بتخفيض صوت الموسيقى عند بدء الحوار، فظلّت مرتفعة تنافس الحوار نفسه، ولم تقم بأي تنويع من قبيل الصمت المفاجئ الذي يوحي بالتوتّر، أو البدء بدرجة منخفضة ترتفع وفق الحاجة، ما ظهر عليه العمل يجعله من النّاحية الموسيقيّة غير صالح للعرض، وبحاجة لمزيد من الشّغل عليه؛ إن من يشاهد المسلسل يشعر أنّ الموسيقى لا تصدر من الشّاشة، بل من مسجّل قريب يعطّل المشاهدة.

موسيقى الكترونيّة حيناً، وموسيقى "كيبورد" أحياناً أُخرى، مشغولة على عجل، ومُدرجة على مسار الصّوت بطريقة تُشير أنّها أُدرجت للتّجريب، ولسماعها بهدف اختبارها إن كانت تصلح، ليُصار إلى الشّغل عليها لاحقاً بالمزج، ثمّ تُركت على هذه الحال، كما لو أنّ حلقات المسلسل، أُخرجت على عجل من عمليّة المزج الصّوتي، وعُرضت، قبل اتمامها، وربّما قبل لمسها والبدء بالشّغل عليها.

 

الخامس عشر : إدارة الإنتاج .

إنّ وظائف مدير الإنتاج المعروفة- كما ينبغي - عديدة، ومن أهمها مراقبة ومتابعة المشروع في عمليّات ما بعد التّصوير Post- production،من مونتاج، ومكساج، حصول على موسيقى، وإدراجها على العمل، طبعاً يكون ذلك فنيّاً وإبداعيّاً وفق رأي المخرج، ولكن الجهد التنظيمي، الإداري، واللوجيستي – وهو الجهد الأكثر صعوبة - يكون من اختصاص مدير الإنتاج .

في المسلسل أخطاء تقنيّة لا علاقة لها بالجانب الإبداعي – الفنّي، مراقبتها والتأكّد منها وظيفة إنتاجيّة أكثر من كونها وظيفة إبداعيّة، التأكّد من الغباشةOut of focus  التي تظهر في مشاهد عديدة، والتي وإن كانت من مسؤوليّة مدير التّصوير ومساعديه،ومن التّفاصيل السهلة الملاحظة للمخرج،،غير أنها عندما تكون متكرّرة إلى هذه الدرجة،فإنّها تصبح إشكاليّة إنتاجيّة،إنّها تبدو بوضوح في كثير من الحلقات عند القطع بين حجمين مختلقين للقطتين، وعند مزج الأصوات هناك فروق واضحة في المستويات عند الانتقال من لقطة إلى لقطة دون انقطاع صوت الحوار، يظهر الصّوت وقد ارتفع فجأة أو انخفض، كان يحتاج إلى لمسات طفيفة لتجنّب ذلك.