2016/07/27

مسلسل أحمر : خمسةَ عشرَ سبباً !
مسلسل أحمر : خمسةَ عشرَ سبباً !

خاص بوسطة - بشّار عبّاس

الأسباب التي جعلت مسلسل أحمر ( كتابة: علي وجيه ويامن الحجلي،إخراج:جود سعيد ) يظهر بالمستوى الذي ظهر فيه يُمكن إيجازها كالتالي :

أوّلاً : القصّة – المُصادفات :

الصّدفة هي تزامن أحداث أو ظروف واضحة أو مثيرة للاهتمام دون علاقة ارتباط سببيّة مفهومة فيما بينها؛وفي فنّ القصّ القائم على السّرد تُشكّل الصّدفة نقطة الضّعف الأكثر خطورة،لأنّ المهارة في هذا الفنّ هي أن يؤدّي حدثٌ إلى حدثٍ جديد،وأن ينجم عن تطوّر تطوّرٌ آخر؛وفي الدّراما الّتي هي قصّة مرئيّة،فإنّ الصدفة تكون على نوعين لجهة موقف الجمهور؛مقبولة وغير مقبولة؛المقبولة هي التي تُثير الحيرة والتشوّش لدى شخصيّة من داخل القصّة؛زوج يريد أن يشتري قطعة أثاث للبيت غير أنّه لا يفعل،ثمّ يعود ليجد زوجته قد اشترتها نفسها دون اتّفاق بينهما،أو رجل يحفر فيعثر على كنز،هذا النّوع يُدعى الصدفة المقبولة؛الجمهور يأخذها لمرّة واحدة فقط،أمّا إذا تكرّرت فلا يعود يقبلها.

الصّدفة غير المقبولة لا مرّة ولا أكثر هي التي يشعر بها الجمهور،ولا يشعر بها الشخصيّة؛وإذا أدّت إلى سلسلة صدف متعاقبة فإنّها تشكّل خلّل سردي يؤثّر على سلامة البناء القصصي؛في المسلسل وقعتْ – على الأقلّ - سلسلتان من الصّدف تُعتبران أنموذجاً للصّدفة غير المقبولة،( هيثم) يقوم بالحفر في ارضيّة البيت بغرض الإصلاح،فتكون الأرضيّة هشّة وتنهار تحته،ويكون هناك شبه حجرة في الأسفل يسقط فيها،يأتي واقفاً لا يتأذى ولا يقع عليه شيء،يجد كنز من الذهب،ويعثر أيضاً على القاضي (خالد) كأنّه واقف بانتظاره،هيثم يسحب عليه سكيناً ولكنّه يضحّي بالكنز ويقتنع ألّا يقتله،يكون هناك درج جانبي لبيت خالد،يصعدان معاً وهناك يحدث حوار.

السلسلة الثانية كانت كالتالي:(سماح) تقدّم حوار اذاعي عن التبرّع بالأعضاء،يسمعه (جود) فيُعجب بالفكرة،يحدث أنّ لديه مؤتمر في بيروت بعد أسبوع فيقرّر أن يتنازل عن قلبه بعد موته،العضو الذي سوف يحتاجه (عاصي) لاحقاً،العضو المرتبط بالعواطف كما تحتاج القصّة،ثمّ يتعرّض لإطلاق نار في الرأس،يُسعَف ويبقى القلب سليماً،ثمّ يحتاج عاصي لقلب جديد،يذهب إلى العلاج في المدينة التي تبرّع فيها جود،وإلى نفس الجمعيّة،فيحصل على قلبه هو تحديداً،ويزرعون قلب حبيبها في جسم عدوّها اللّدود .

السلسلتان السّابقتان ليستا كوميديا،ولو كانتا كذلك لكان الأمر مقبولاً،لأنّ الكوميديا تقبل المصادفات،ذلك أنّ الضّحك- وفق هنري برغسون - يقوم على التواطؤ بين انسان وآخر،كما أنّه ردّ فعل تجاه شخص أو شيء غريب الأطوار خارج عن المنطق؛ولذلك الكوميديا تقبل الصدفة على أنّها "تواطؤ" بين القاصّ والجمهور بهدف الإضحاك،ولأنّ الصّدفة غريبة الأطوار وخارجة عن المنطق،وهي في  جوهرها شأنٌ كوميدي .

ثانياً : القصّة – البناء السّردي :

يعتمد المسلسل تقنية الفلاش باك أساساً للسّرد،إنّ هذه التّقنيّة تحتاج إلى شرطين اثنين ضروريّين لا بدّ من توفّرهما معاً،وهُما أن يعرف الجمهور: مَن الذي يتذكّر؟ ولماذا يتذكّر؟

إنّ الفلاش باك التّالي –مثلاً - سيبدو بلا معنى: امرأة تسير في الشارع فتتذكّر حادثة تعرّضها للاغتصاب ! المشهد الطارئ سيبدو خللاً مونتاجياً نافراً،ولكنّه هكذا يُصبح له معنى: امرأة تتعرّض لتفتيش بدني مُزعج وقاسي من الشرطة فتتذكّر عندما تعرّضت للاغتصاب؛يجب أن يرتبط ذلك الذي وقع في الماضي بتفصيل من الحاضر،فهل نعلم في مسلسل أحمر ما هي دوافع الشخصيّات أن تتذكّر؟ في كلّ مرّة تتذكّر دون مبرّر،هُنا الراوي هو الذي يتذكّر ليعرض للجمهور،وليس الشخصيّة،وفي أحد المرّات ينتفي الشرطان معاً : في بداية الحلقة العاشرة يظهر مشهد من عام 1998؛خالد يدخل ويُصدم بنتائج الجامعة الظالمة،يكسر زجاج لوحة النّتائج ويتشاجر فيُعتقل،يكتب تعهّد ويخرج،يزور لبنى ليهنّئها بالرواية.. إلخ؛ هنا لا نعلم من يتذكّر ولا لماذا يتذكّر! طبعاً لا يمكن افتراض أنّ الذي يتذكّر هو

 خالد نفسه،ويفعل ذلك من المكان الذي يتوارى بانتظار الحلقة التاسعة والعشرين ليخرج،كما أنّ انتهاء نفس الفلاش بلبنى جالسة لا يفي بالغرض كإشارة أنّها هي التي تتذكّر،لو أنّ الأمر مقتصر فقط على المشهد عندما زارها ليهنّئها بالرواية،إذاً لكان مقبولاً،وهذه طريقة جيّدة فيها تشويق:أن نرى مشهد دون مقدمات ثمّ نُدرك أنّه فلاش باك وأن هذه الشخصيّة تتذكّره عندما تنتبه من شرودها،لبنى لم تكن مع خالد لحظة دخل وشاهد النتائج،ولا عندما دخل السجن وغادر،ولا عندما حذّره حليم من الارتباط بها،حتّى وإن كان خالد قد حكى لها سابقاً هذه الأحداث فليس بوسعها أن تتذكّرها،بل تتذكره هو عندما روى لها.

إنّ انتفاء دافع التذكّر أُضطر صُنّاع العمل إلى إضافتين على كلّ فلاش باك:الأوّلى على مستوى الشّكل،بجعل كل فلاش يبدأ وينتهي بطريقة الوميض المصحوب بالمؤثّر الصّوتي،وهذا يُشبه أن يقول الراوي للجمهور: انتبه هذا فلاش باك،والثانية على مستوى الزّمن،وهي كتابة تاريخ وقوعه،إمّا رقماً يُشير إلى السّنة،أو كلمات من قبيل : قبل ثلاثة أشهر،قبل أيّام،وهكذا .

ولكن هل وقع فلاش باك صحيح في العمل ؟ نعم هناك واحد على الأقل في المسلسل؛في الحلقة 29 يقول المحامي (علاء) ل (لبنى) أنّه سوف يصفّي أعماله ليلتحق بالمعهد القضائي،ثمّ يُعطيها الأوراق ومن ضمنها ورقة التّنازل الذي قام به خالد لخير عبد الكريم،لبنى تتأمّل الورقة،فتتذكّر – فلاش باك – خالد وحديث عن الأوراق والعقود،ينصرف خالد فتُمسك بورقة عليها تواقيع لخير عبد الكريم؛لقد تذكّرت تلك الورقة التي عليها الاسم بسبب مشاهدة هذه التي عليها نفس الاسم،إنّ توفّر الشرط – لماذا تتذكّر – جعل صنّاع العمل من غير حاجة إلى كتابة التّاريخ على الشاشة أثناء المشهد مع خالد،لأنّ مبرر التذكّر يجعل ذلك الماضي جزء من الحاضر،متّصل معه،ليس قائماً بذاته،بل الآن في مشاعر الشخصيّة،وهذا هو جوهر الفلاش باك: الماضي لم يزل حاضراً .

مشاهد الفلاش باك الأخرى التي بلا تاريخ،تعود لمرحلة الزمن الدرامي للقصّة نفسها،من حلقات سابقة،والمشتمل على أربعة أشهر وأسبوع تقريباً،والذي يبدأ مع المسلسل بحادثة مقتل القاضي خالد،وهي معروفة أنّها وقعت،وسبق للجمهور أن شاهدها،فلم يكن من حاجة لتزويدها بأوراق روزناما كالمشاهد التي وقعت في الماضي .

ثالثاً : القصّة – الذروة :

في كلّ حلقة تقريباً ذروة خاصّة بها،وأحياناً في كلّ مشهد،لا يرتفع خطّ الحبكة إلى ذروة واضحة مع مرور الحلقات،يُساهم في ذلك التشتت الذي يسبّبه البناء السّردي،واضطرار صنّاع العمل إلى إعادة التّذكير في بداية كلّ حلقة،على لسان راوي– سماح - بمختصر الحلقة السّابقة،والذي كثيراً ما كان يتضمّن مشاهد وتفاصيل من حلقات سابقة على الحلقة السّابقة،وذلك لحماية الجمهور من التشتت الذي أحدثه البناء .

ظهور خالد في الحلقة الأخيرة لم يشكّل ذروة،فهذا جلس واستكمل توضيح الملابسات،كما أنّ حلقات لها أهميّة كبيرة عادةً،وتكون في مستوى مرتفع من الحبكة وتصاعد الأحداث،كالحلقة 27 ،تؤسّس بالكامل على فلاش باك طويل يتذكّره حليم في المتحف،وفي الباص،وفي الكوريدور،أحداثاً معروفة من وقائع التحقيق،مما جعل هذه الحلقة تبدو من تصميم فنّي المونتاج وليس الكاتب أو المخرج،ثمّ في الحلقة 28 التي بعدها مشاهد ريف واسترخاء لعاصي،ثمّ استمرار لمشاهد الريف انتهاءً بانهيار قوس الذروة عند ظهور خالد .

إنّ الّذروة الأكثر اتّضاحاً في العمل ظهرت عند مقتل ( رام ) في الحلقة 22،وهي مرحلة مبكّرة كذروة،ومما ساهم في جعلها الذروة الأبرز هو جودة ومهارة تنفيذ مشهد الاقتحام.

رابعاً : القصّة – الحبكة :

حالة الدسائس والتّجسّس السائدة بين الشخصيّات،خصوصاً رام،عابد،رشا،وخالد تبدو باهتة،فكلّ شخصيّة لديها حياة خاصة بمعزل عن القصّة نفسها؛رشا ما أن تبتعد عن رام حتّى تنصرف للغناء،فتتحوّل حبكتها من فتاة مافيا إلى عاشقة فنانة بريئة،وحليم يهجر خطورة التّحقيق،ويفلت خيوط القضيّة حالما يظهر سلوك نافر لعاصي،أو رغبة بالإضحاك من فادي وصالح؛إنّ واحدة من أهم الحبكات في القصّة،وهي "حياكة" القاضي خالد لملابسات موته ليبدو مقنعاً،تظهر في غاية الاستسهال:خالد يقول للطبيب أن الملازم " مدبّر كلشي " و يقول قبلها لحليم في المقبرة أن الطبيب قد تكفّل بكلشي،وأخيراُ يتخلّص بسهولة مفرطة من الطبيب والملازم،كما أنّ حبكة أُخرى ظهرت بنفس الطّريقة،وهي سرقة يمام بتوجيه من خالد للأوراق من خزنة رام،لقد دخلت الفيلا وفتحت الخزنة دون مشقة وحصلت عليهم،بعد أن وافقت مع خالد على جلب أقلام الزئبق،ولكنّها لم تجدهم،ثمّ عندما يقوم خالد بتهديد رام ويطالبه بالمال،يقوم الأخير بزيارته بهدوء،لا يتفقان،فيُرسل من يقتل له الطفل في المستشفى،أيضاً رام يقول للقاتل: تصل المستشفى وتجد كل شي " متدبّر " .

كما أنّ صراعاً رائعاً،وحبكة قيّمة خسرتهما القصّة،وهو ما كان من المفترض أن ينشأ بين حليم كممثل للقانون والحكومة،وبين سماح كممثلة للسّلطة الرابعة،هذه حبكة مفقودة،على افتراض أنّهما يشتركان بنفس الهدف الرئيسي:كشف ملابسات الجريمة،وبنفس العقبات:غموض الملابسات؛عندما تشترك شخصيّتان في الهدف والعقبة فهذا يعني اشتراكهما بحبكة.

إنّ ظهور خالد في الحلقة قبل الأخيرة،أدّى إلى انقلاب وتحوّل عنيف للحبكة وفق سؤال:أين كان وما هو مبرّر ألّا تكون الأحداث كلّها من وجهة نظره ؟

خامساً : القصّة – سمات الشخصيّة:

إنّ أوّل احتمال لتحديد الشخصيّة الرئيسيّة،في هذه القصّة،وذلك عند الاطّلاع على المُختصر،هو: العقيد حليم،لأنّه هو الذي يُطارد الهدف الرئيسي:معرفة القاتل،غير أنّ حليم يظهر بعيداً عن سمات ضابط الشرطة،فهو أقرب إلى مدير مدرسة يبحث عن الطّالب الذي كسر النافذة،أو قام بسرقة دفتر التفقّد،عاصي وفادي يقاطعانه عند أي احتمال إضحاك،عاصي يتجاوزه بسهولة،لقد ظهرت سمات شخصيّته بوضوح واكتمال عندما كان الأمر متعلّقاً ب (وصال )،كعاشق قديم وليس كمحقّق.

في مرحلة الفلاش باك،يظهر خالد بشخصيتين لا علاقة لأحدهما بالأخرى: عندما يكون مع رام يبدو تابعاً،مهيض الجناح،واحداً من رجاله،وبعيداً عن رام يظهر بطلاً تامّاً للقصّة،وساحراً لا يصعب عليه شيء؛يلتقي فتاة صغيرة وجميلة – شهد – فيتزوّجها في غضون مشهدين،يطارد الكنوز،يتنكّر في زي شخصية روائية ليحوز اعجاب كاتبتها؛إنّ خالد غير محدّد السّمات جيّداً .

سماح فتاة رقيقة،رومانسيّة،جميلة،بعيدة كلّ البعد في التّفكير،والسّلوك،وردود الأفعال عن شخصيّة الصحفية الاستقصائيّة التي تلاحق قضيّة بهذه الخطورة .

عاصي بذات السمات منذ لحظة اقتحامه الإذاعة ومطالبته سماح بالصّور،،كما أنّه عندما يظهر في أكثر من مشهد وهو يعترض طريقها،بالتحرّك يميناً ويساراً وهو يتكلّم بالموبايل،يبدو أقرب إلى شخصيّة متعاطي مواد لاصقة أو كشّاش حمام منه إلى ضابط شرطة .

إنّ نقطة التحوّل الحادّة لعاصي،عندما قام باستبدال القلب،تقترحه هو شخصيّة رئيسة،ولكنّ موقعه من القصّة لا يقترح ذلك.

سادساً: القصّة – التّشويق :

لم تنجح القصّة ببناء لحظات تشويق وترقّب،مع أنّها ذات بناء بوليسي واضح،وذلك بسبب منافسة الرومانسي بقوّة للبوليسي؛حليم وعبّاس والحب القديم لوصال؛جوى وتيم،الشجار اليوميّ بين عاصي ويمام،قصة حب سماح وجود،ثمّ بين سماح وعاصي،قصّة حبّ رشا وزين،ولاحقاً مسعود وحلا،صالح وورد،ومشاكل هيثم ووعد؛زواج خالد من شهد؛لقد ظهرت القصّة البوليسيّة يتيمة بين القصص الرومانسيّة التي تحجبها وتعرقلها،بالطّبع يحدث أن تقع حبكة رومانسيّة داعمة بجانب البوليسيّة،ولكن ما حدث في المسلسل هو حبكة بوليسيّة على هامش حزمة من الحبكات الرومانسيّة،لقد كانت الشخصيّات منشغلة بالحب،وفي أوقات فراغها تعود إلى القضيّة الشائكة .

سابعاً : الإخراج – الكاستينغ ( اصطفاء الممثلين )

العقيد حليم يظهر في فلاش باك بعمر صغير – ممثل آخر – وهو يتكلّم اللهجة الدمشقيّة بطلاقة،فما الذي اعتراه مع تقدّم السنّ حتّى ذهبت عنه اللهجة ؟ طبعاً لا شيء،المشكلة في الكاستينغ،الممثل موهوب وقدير،ولكنّ حرصه على محاكاة اللهجة الدّمشقيّة طيلة العمل أثّر كثيراً على الأداء .

لقد كان دور سماح ( صحفيّة استقصائيّة في علاقة حبّ ) يحتاج إلى ممثّلة تحقّق الشّرطين،ذات جمال كونها في حبكة رومانسيّة،ولكنّه جمال صارم،حاد شيئاً،متواضع الدّرجة كونها تخوض في عالم جرائم ودسائس ومخاطر،وليس جمالاً مُفرطاً كما هي الحالة عند سلاف فواخرجي،كما أنّ عمر شخصيّة 

الصحفيّة،التي تنطوي على بعض التهوّر،كان من الأفضل أن يكون أصغر من ذلك .

تتمّة المقال تُنشر لاحقاً .