2016/07/14

مسلسل خاتون: البطولة للمونتاج
مسلسل خاتون: البطولة للمونتاج

خاص بوسطة - بشار عباس

هناك مهارة في تصميم مونتاج الحوار (Edit Dialogue ) لمسلسل خاتون مونتاج كنان صيدناوي-2016؛ القطع يحدث بالتناوب بين وجوه المتحاورين، سواء كانوا اثنين أو مجموعة، وذلك سرداً بين وجه الشخصيّة التي تتحدّث، وبين وجه الصامتة التي تُصغي، ثمّ عودة للمتحدّث وهكذا؛ القطع ينتقل بين الوجهين وفق أهميّة ما يُقال، فيراعي الحوار وتطوّره وتأثيره، ويُساهم بالابتعاد عن الرتابة التي يتسبب بها إذا كان طويلاً، وأيضاً يؤسس لإيقاع يراعي تطوّر وتصاعد حالة الصّراع في الحوارات العنيفة، هذا يظهر بوضوح منذ الحوار بين عكّاش ورجاله في ح1 (المشهد هنا) إذْ يبدأ الإيقاع (تراتب الطول الزمني بين ثلاثة قطْعات متعاقبة أو أكثر) هادئاً، ثمّ يتسارع مع توتّر الموقف، وهو يأخذ الحاضرين تباعاً بالقطع بين وجوههم أثناء الإصغاء، ويقترح إضافة الشخصيّة التي تظهر في الكادر، أو في المشهد للمرّة الأولى، فيقوم بتقديمها في مرحلة المنتصف، مع مراعاة التنويع إلى لقطات عريضة لإحداث مبدأ التّغطية الشّاملة، وفي حالات أُخرى يقع القطع عدداً من  اللقطات تباعاً لنفس الشخصيّة، ولكن من مواضع وأحجام مختلفة، بناءً على تقسيم الحوار وتصاعد الأهميّة فيه.

ثمّة ميزة أخرى أيضاً لمونتاج الحوار؛ وهي الاستفادة من القصد الدرامي لمشاعر الوجه (The Subtext ) سواء ضمن الحوار، أو في لحظات الصّمت، والّتي هي الأهمّ في هذا الخصوص، أحد تفاصيل هذا المفهوم  هو لغة الأعين، القطع يحدث بين شخصيّتين أثناء الصمت في الحوار، فينتقل المونتاج هنا من المساهمة في نقل الحوار، إلى صياغته بالكامل، ففي مشهد وصول رئيس المخفر الجديد تقع أكثر من خمسة قطعات متعاقبة في مرحلة الصمت، لوجهين يحدج أحدهما الآخر بنظرة تحدّي، التّصعيد الدرامي بالكامل يقوم به المونتاج، ويكون في خدمة القصّة وفق معياره التّفضيلي-الانتقائي الثاني. 

وفيما يتعلّق بمونتاج الفعل الدّرامي (Edit Action) فهناك أربعة نماذج يقدّمها هذا العمل بمهارة؛ أوّلاً : مونتاج الذروة المباغتة ضمن الحوار (Edit Sudden Climax in Dialogu )، وثانياً: مونتاج مشاهد النزال أو الصراع (Edit fight ) وثالثاً: الحركة العادية (Edit Boring Action) ،ورابعاً: مونتاج مشاهد الهجوم والاقتحام  (Edit Attack ) .

أيضاً ثمّة أربعة أمثلة تختصر كل المسلسل فيما يتعلّق بمونتاج الذروة المباغتة، القطع في حركة "الصفعة" التي يسددها عكّاش لأحد رجاله ح 13 (المشهد هنا)،وهو يقوم باستنطاقه و يضربه سائلاً ( أحكي وين الزيبق ) هُنا يأتي القطع في لحظة جيّدة، اليد تصفع، مأخوذة بلقطة من كاميرا فوق كتف الشخصيّة الذي يتعرّض للضرب، ثمّ القطع إلى الكاميرا البعيدة التي تأخذهما معاً بالحجم  العريض، فتكشفهم مع المكان، وذلك تحديداً في لحظة وصول اليد إلى أعلى نقطة في الهواء، ثم وحين تعود مع نزولها يعود القطع للقطة فوق الكتف نفسها، المهارة هنا في اختيار لحظة القطع إلى البعيدة، ولحظة العودة إلى فوق كتف الرجل، هذا يُساهم في تعزيز مشاعر المشهد، فالبعيدة تقترح طبيعة العلاقة بين الشخصيّتين، مع العلاقة بالمكان، وفوق الكتف تقترح مشاعر الذي يتعرّض للضرب، كما أنّ لحظة القطع بهذه الطريقة توحي أنّ القطع نفسه حدث بتأثير الضربة، وبذلك يراعي الانتقال إلى الكاميرا البعيدة معيارين مهمين في المونتاج، وهما: مسارات حركات الأعين، والأبعاد الثلاثة.

الوظيفة السابقة تأتي بطريقة معاكسة في هذا المثال الثّاني للحركة المباغتة، وهو القطع من كاميرا بعيدة إلى قريبة ومن من نفس الموضع (The Position) تقريباً، في ح20  غضب أبو العز وصياحه (المشهد هنا)؛هناك قطع من إيطالية إلى إلى كلوز آب، كل مرة مع انتقاله من الصمت إلى الغضب والصياح المفاجئ، هنا يحقق المونتاج  بنجاح المعيار الأوّل له، العودة إلى الإيطاليّة مع هدوئه وتماسكه المؤقّت، ولحظة الانفعال الجديد تقفز اللقطة باتجاهه، وهي الجمهور الذي يقترب دفعة واحدة منه، وقع ذلك مرّتين فشكّل حماية للمشهد من الوقوع في الرتابة كونه مألوف ومكرّر كثيراً، ومن المبالغة في الأداء، وذلك بدفع الجمهور أن يقترب أكثر بأنموذج اللقطة القفزة( Jump cut ) إلى صميم مشاعر الشخصيّة.

لكنّ المثال الثالث أكثر  بساطة وحرفيّة،؛ القطع المصاحب للحركة المباغتة في ح 26 (المشهد هنا)،سجال حواري بين حشد في الزقاق بمشهد خارجي نهاري، وعند اندفاع الشخصيّات، باتجاه بعضهم البعض، يحدث القطع إلى زاوية مرتفعة بحجم عريض، وهي في هذا المشهد تعبّر عن وجهة نظر أحد سكّان الحارة، والذي قد يحدث أنّه يراقب عن الشرفة أو من النافذة، ويدفع الجمهور للإحاطة من مكان مرتفع بمشهد يُحاكي فعل شبه وثائقي  لحظة تدافع الحشد بعضهم تجاه بعض، لتكثيف لحظة الصراع، الزاوية المرتفعة طبعاً اقتراح إخراجي، ولكنّ البراعة المونتاجية هنا في اختيار لحظة القطع، وأيضاً ساهمت في توضيح مرحلة منتصف أو ذروة المشهد، ثمّ العودة إلى الحوار بالقطع إلى كلوز لوجه أحد الشخصيّات، وهي مرحلة هدوء اضطراب الحبكة؛ هذا الإجراء يضع المونتاج في خدمة البناء القصصي، وهي من أهم وظائفه، ومعاييره في آن.

المثال الرابع للحركة المباغتة، عندما يقوم أبو العزّ بصفع (زمرد) في الحلقة 27 (المشهد هنا) ،هنا يقع قطع متعاقب سريع مرتين في أقل من ثانية، بين وجهي شخصيّتين تراقبان الحدث، وجه (نعمت) وما تشعر به من مشاهدة الصفعة، ثم فوراً على وجه (عزّ الدين) وهو يُعيد وجهه بإيماءة تماثل أنّه تلقّى الصفعة أيضاً، ليس في اللحظة التي يشيحه فيها جانباً، ولكن وهو يعيده بعد الإشاحة، كي يتمكّن الزمن المونتاجي من أخذ وجه نعمت أوّلاً، يُمكن افتراض التّالي: لو تُرك للجمهور مشاهدة وجه زمرّد فسيكون التأثّر عادي، أمّا بهذه الطريقة فقد اقترح المونتاج ردود فعل الحاضرين لتنتقل للجمهور، هنا يحقّق بجدارة ومهارة معياره الأوّل، ويدفع بالجمهور للمشاركة في المشهد، مع أنّ الفعل الدرامي نمطي جداً، تلك كانت الأمثلة الأربعة التي تختصر العمل كلّه، ولا يخرج عنها في الحالات الأخرى، في مفهوم مونتاج الحركة المباغتة .

أمّا فيما يتعلّق بمونتاج مشاهد المُنازلة، فقد أتى مختلف التّصميم وفق كلّ منازلة جديدة، أبرزها وربّما أكثرها حرفيّة كانت تلك التي يموت عكّاش في نهايتها في ح14 (المشهد هنا)؛ تبدأ بقَطْعات تراعي تماماً إيقاع الموسيقى التي تحاول تأسيس التوتّر والتحفّز، فتتناوب بين  وجوه الحاضرين  وبين حركة الشخصيّتن وهما يستعدّان للبدء، ثم  ينتقل الإيقاع إلى قَطْعات سريعة للقطات تفصيليّة (Insert) تأخذ تفاصيل حركات الأيدي أو الأقدام، وذلك عند بدء النزال بتعاقب القطع السريع بأزمنة لقطات لا يتجاوز طولها أكثر من ربع أو نصف ثانية، وعند الانتقال إلى مشهد آخر ( قطع بالتزامن لشخصيّة هارون وزوجته) والعودة إلى هذا المشهد، فيتغيّر أنموذج القطع بالكامل، المونتاج الذي هرب من ضعف الأداء إلى اللقطات القريبة السريعة، يهرب الآن منه إلى وجوه وردود أفعال المشاهدين  بلقطات أكبر بالحجم، ويعود إلى النزال في ذروات حركيّة محدّدة سرعان ما يغادرها، هنا يظهر بوضوح المعيار الرابع وهو مراعاة آثار اتجاهات العين الحركيّة في الشاشة، فينجح بمراعاتها ثلاثتها معاً في آن :اتجاه حركة أعين الجمهور، ومراعاة تسلسل وتوجّه الحركة في المشهد، ومراعاة اتجاهات حركة أعين الشخصيّات، سواء أين تنظر بأعين ثابتة، أو أين تنقّل نظرها وتحرّكه .

المنازلة السابقة كانت في مشهد نهاري،مختلفة عن تصميم منازلة سابقة عليها تقع بمشهد ليلي،وهي المنازلة (بين جندل وعكاش)  ح12( المشهد هنا)، فيقع التقطيع بين لقطات ذات أحجام عريضة،بالانتقال بين مواضع كاميرات محدودة التّوزيع في مجال ضيّق نسبة لمفهوم المحور ( The Axis)،مع قليل من الانتقال إلى  اللقطات القريبة؛ التفاصيل هنا ليست مهمة،  ما يهم هو الحركة في الظلام في مكان برّي بعيد، التقطيع بين الكاميرات البعيدة يمنح مشاعر شخص عابر وقف ليتفرّج على حدث خطير في مكان منعزل، ثمّ اقترب وهو خائف أن يلاحظه أحد، هذه المشاعر نجح المونتاج باقتراحها .  

 بخصوص مونتاج الحركة العاديّة، فهناك مهارة في اضفاء أهميّة عليها، وذلك في أفعال عاديّة مثل شخصيّة تمشي باتجاه شخصيّة فتصل وتتوقّف، أو شخصيّات تصل، أو حصان مع فارس يصل ويترجّل، هنا كثيراً ما يظهر قطع في لحظة الوصول والتوقّف، القطع يحدث قبل بلحظة أو بعد بلحظة، أو في لحظة التوقّف نفسها، وذلك من كاميرا أولى متحركة إلى ثانية ثابتة أو العكس، في تقسيم وتجزئة لفعل عادي لا يتضمّن أهميّة دراميّة ،ولكن القطع هو الذي يُضفي عليه أهمية شكلانيّة أو توتّر إضافي، القطع إلى الاستقرار المفاجئ، أو إلى الحركة المفاجئة للكاميرا الجديدة هنا يوحي بتوتّر وشيك؛ التّقطيع وظيفي، يخدم الحركة داخل المشهد، بدمجها مع الحركة داخل اللقطة، في تعامل مع المونتاج على أنّه يمكن النّظر إليه واستعماله كحركة .

من أمثلة التّعامل مع الحركة العاديّة أيضاً،هو الاعتناء ببعض التفاصيل إلى درجة ( الرفاهيّة المونتاجيّة) ما يؤكّد أنّ التقطيع في هذا المسلسل  هو من وجهة نظر فنيّة، مثل القطع من شخصيّة إلى شخصيّة ثانية وهما يجلسان، في أكثر من مشهد على امتداد الحلقات، وذلك في منتصف الحركة، في الانحناءة، ليس في بداية الانخفاض للجلوس، وإنّما لحظة انخفاض ظهر كل منهما منحنياً مع الركبتين وعلى وشك الجلوس، هنا تأتي قطعتين سريعتين من أحدهما إلى الآخر، يُمكن لفهم هكذا قَطع افتراض مؤثّر صوتي لالتقاط  صورة فوتوغرافية ثابتة، إنّ القَطْعتين تقتربان من التقاط صورتين  ثابتتين لهما في فعل عادي، ولكن التركيز عليه يعطيه أهميّة، هذا يمهّد بطريقة جيدة للتحفّز والاهتمام بطبيعة الحوار الموشك .

فيما يتعلّق بحركة الأرتال والجنود، والتي يطول زمنها أحياناً أكثر من اللازم لملئ زمن طويل ضمن الحلقة، إن قرابة الدقيقتين زمن فائض على مشهد يكفيه بضع ثواني مثل ح 30 مشهد عبور أرتال الجنود، (المشهد هنا) وفي مشاهد كثيرة غيره،ولكنّ القطع بين اللقطات البعيدة،في مواضع مختلفة،ينجح في اقتراح مفهوم ( البداية الجديدة للمشهد مع كلّ قَطْعة ) باستعمال موضع وحجم جديدين في كلّ مرّة،الأمر قريب من ذلك في مشاهد عدو الحصان،خصوصاً للشخصيّة الرئيسة ( الزيبق)،القطع يحدث إلى كاميرا أبعد،والحصان قادم باتجاهها،مع توقيت مثالي مونتاجياً لحظة ما يكون الحصان في بداية الخطوة الجديدة،وعند بداية ارتفاع جسمه عن الأرض،مما يساهم في الإيحاء بحلول وظهور الحصان بشكل مباغت يشبه القفزة،ويقترب من الإيحاء أنّه رُمي من عمق الكادر باتّجاه سطحه،فيتلافى مشكلة أنّ اللقطة كونها – حصان وفارس- من أكثر اللقطات نمطيةً – كليشيه- ،يساعد في ذلك المؤثّر الصّوتي المُضاف لوقع الحوافر،كما يؤدّي انتقاء لحظة قطع مناسبة إلى كاميرا أبعد في إعادة تأمّل اقتراب الحصان مرة جديدة،القطع يجعله كأنّه ينسحب للخلف مبتعداً،في محاكاة لإعادة فعل له أهميّة،هنا بسبب الإعادة يظهر له أهميّة،ذلك مألوف في الغريزة المونتاجية للذاكرة البشريّة،ومن أمثلتها الإعادة في مباريات كرة القدم.

 في مشاهد الهجوم والاقتحام على الثكنات، يحاول المونتاج تلافي الضعف في التّنفيذ، أكثر مما يحاول الإضافة؛ فلا يخرج عن المألوف من هذه المشاهد في أعمال البيئة، أو مشاهد المعارك المحلية المشابهة عموماً، وهناك مهارة في القطع من بندقيّة تُسدد إلى الجهة التي أطلقت عليها، أو الانتقال ب(ميديوم تو كلوز) متعاقبة بين وجوه من يقومون بالتّسديد، مع مراعاة القطع في الحركة 

 كمحدّد يساهم في تجنّب لفت الانتباه للقَطْعة نفسها، مثل لحظة تحريك اليد للتلقيم؛ في مشاهد الهجوم على المعسكرات هناك انتقال بين من يتحرّك وبين من يراقبه، وقد جاء مشهد الهجوم على القطار ح 27 (32:21د) مميزاً مع إضافة مؤثّرات مونتاجيّة مأخوذة من عالم أفلام الأكشن،مثل التّسريع ( Fast motion) وذلك ربّما للتغلّب على حركة القطار البطيء، مع مراعاة الموسيقى المصاحبة، ثم الانتقال بين القطار وبين المهاجمين، ومثلها إضافة مؤثّرات تسريع على حركات التسديد، فيعود الإيقاع المونتاجي السريع للتغطية على الضعف في تنفيذ مشاهد الحركة هذه؛هنا تظهر مهارة مونتاجية مهمّة أيضاً،وهي القطع بعد سماع الصوت بقليل إلى جهة الصوت،أي نسمع صوتاً ثمّ ننظر-القطع-  لنرى، مما يؤسّس تشويق جيّد،خصوصاً وسط اطلاق نار يخدم هذه المهارة.

يبقى ذكر أنّ المقارنة كوظيفة مونتاجيّة غير حاضرة في تصميم مونتاج هذا العمل،لأنّها تأتي من النصّ ولا تُقرّر خلال مرحلة التقطيع،ويبدو أنّ النصّ نفسه خلوٌّ منها  .