2012/07/04

(هذيان) أفضل عرض في المهرجان الوطني لمسرح الشباب.
(هذيان) أفضل عرض في المهرجان الوطني لمسرح الشباب.

أحمد الخليل - تشرين

رغم ندرة الأمكنة وقلة الدعم المادي إلا أن بعض عشاق المسرح يصرون على الاستمرار في حبهم لهذا الفن وهدر أعمارهم على الخشبات التي لم يخطر على ذهن مصمميها يوما أنها ستكون فضاء لأبي الفنون فهي مبنية لغايات منبرية خطابية حماسية لكن يحولها مبدعون شباب إلى مكان لتجاربهم وهواجسهم الفنية..

من هؤلاء الشباب المخرج المسرحي فراس مقبل الفائز منذ أيام بجائزة أفضل عرض مسرحي في المهرجان الوطني لمسرح الشباب، فهو يصر منذ بداية التسعينيات من القرن الماضي في أن يكون أحد المسرحيين القلائل في مدينة درعا من الذين يبحث عن نصوص جديدة وممثلين جدد وأمكنة تحتضن بروفاته... ‏

وفراس يشارك في كل مهرجانات الشباب المسرحية منذ عام 1994 إضافة إلى مهرجانات العمال والشباب الثقافي وخلال هذه السنوات حصل على جائزة أفضل ممثل خمس مرات على مستوى سورية، فبعد عدة تجارب متنوعة سارت بخط بياني متعرج تقترب تجربة المقبل من النضوج كمخرج وكممثل لذلك نال مؤخرا جائزة أفضل عرض متكامل في المهرجان الذي احتضنته محافظته درعا ‏

أعد المقبل نصه عن قصص للروائي والكاتب خليل الرز وكتاب آخرين وأطلق عليه (هذيان) فكرة العرض تشبه إلى حد ما فكرة فيلم (صعود المطر) للمخرج المتميز عبد اللطيف عبد الحميد. ‏

لكن هنا ثمة تبادل للأدوار بين المؤلف (بكسر اللام) والمؤلف (بفتحها) فالشخصيات تخرج لتحاور وتجادل وتحاسب المؤلف ليصل الأمر إلى محاولة الشخصية الرئيسية في النص الذي يكتبه الكاتب صياغة الكاتب من جديد عبر التمرد عليه...

حكاية كاتب مسرحي

العرض يتناول قصة كاتب يحاول أن يكتب سيرته الذاتية وعندما راح ينبش في ثنايا الذاكرة عن شرارة البداية يجد نفسه أمام العديد من البدايات (البلد .. الزوجة ..الأصدقاء .. الأولاد..)، فيحاول أن يهرب من حب هذه الأشياء فيقع في فخ الأصدقاء ومن ثم إلى الزوجة التي يلقي عليها تبعات عقمه وعقده إلى ابنه الذي يريده أن يأتيه ولكن ليس الآن ...وصولا أن تبدأ الشخصية التي يحاول أن يكتبها بالتجسيد أمامه وخروجها من الورق كما مارد الفانوس السحري هذه الشخصية تصبح سيدة الموقف... ‏

إنها حالة من الهذيان تكثف حالة كاتب تتصارع الأهواء والهواجس في داخله وبين الماضي والحاضر ثمة ضياع يؤجج مخيلة تكاد تتصحر فتنقلب عليه شخصياته لتعيش تفردها وأفكارها ‏

فعلى طاولة الكتابة التي يستخدمها المخرج ذكاء كحل إخراجي يغوص الكاتب بها ويخرج منها وكأنه يبحث في أعماقها عما يرضي هواجسه فيما الشخصية تواجهه من قلب الطاولة التي تحتضن جدلا صاخبا بين الكاتب وشخصياته..ويستثمر المخرج بجمالية لافتة حقا الخزانة لتكون حماما وبابا وخزانة عبر استخدام موشوري ممتع يستعيض به عن قطع متعددة لذلك يبرع الممثل المقبل وشريكه محمد عبد القادر في تقمص الحالات المتعددة كهواجس لكاتب يعود إلى الماضي ليفهم حاضره ..إن خروج الشخصية (فراس المقبل) من أوراق الكاتب محمد عبد القادر هو بمنزلة فقدان سيطرة الكاتب على قلمه وخياله...فالواقع العياني أقوى من خيال كاتب تتناهبه الضغوطات... ‏

كرّ وفر مسرحي

في العرض ثمة لعبة مسرحية طريفة بين كاتب وإحدى شخصياته هي لعبة كر وفر هي لعبة ماض وحاضر في سياق العمل على كتابة سيرة حياته والبحث عن نقاط ارتكاز في رواية عصية على الاكتمال، فالحياة المحيطة بالكاتب تقتحم خلوة إبداعه فيتداخل الواقع المعيش مع الواقع المشتهى ليخلق وهماً تتجلى على الخشبة كهذيان لكاتب يخاتله القلم ويجنح به الخيال إلى ما يفتقده من أمان وحب واستقرار.... ‏

فراس وعبد القادر ممثلان شابان يؤديان دورهما بحيوية وفكر متقد وبعفوية وحس عال دون إتاحة الفرصة لأي شطط في الصوت أو الحركة مع تناغم كبير بين الديكور الغني وحركة الشخصيتين مع استخدام إضاءة خافتة عموما تناسب خيال المؤلف وهذيانه، أي هناك تقنية عالية في استخدام العناصر المسرحية وتوليفها لخلق سينوغرافيا معبرة شفافة لا زركشة فيها ولا مجانية ولا غموض فدلالاتها واضحة تناسب بساطة فكرة العرض وحكايته... ‏

مسرحية (هذيان) ‏

إعداد وإخراج وبطولة فراس مقبل اعتمادا على نص لخليل الرز ونصوص أخرى ‏

شارك بالتمثيل محمد عبد القادر- نضال جنازرة- يوسف أبو حمد- عمار عبد الرحمن ‏

مخرج مساعد: محمد الحفري- إشراف فني محمود أحمد عوض – اللوحة الفنية للفنان التشكيلي شاكر الحريري- تنفيذ إضاءة: حسن خليفة- تنفيذ موسيقا: حسين السالم... ‏