2012/07/04

هشام شربتجي: رشا شربتجي اخترعت الكاميرا النطاطة
هشام شربتجي: رشا شربتجي اخترعت الكاميرا النطاطة

  محمد منصور – القدس العربي رغم أن هشام شربتجي درس النقد المسرحي في مصر في سبعينيات القرن العشرين، إلا أن هذا المخرج الذي بدأ عمله اللامع في الإذاعة، استطاع أن يكون مخرجاً تلفزيونياً مهماً، برز في الكوميديا حتى صار علامة في مسيرتها، مثلما كانت له نجاحات محققة في الدراما الاجتماعية لم يتوقعها منه الآخرون. وحين قصدته لأستضيفه في هذه الحلقة من سلسلة (حوارات دراما رمضان) التي تنشرها 'القدس العربي' كل يوم سبت، لم تغب عن بالي قط خلفيته النقدية الأكاديمية، ولا تجربته الإخراجية المشحونة بالمعارك والنجاحات والمماحكات... ورغم أن هشام شربتجي الذي بدا وكأنه (مبعد) عن الساحة بشكل من الأشكال، كان يمتلئ بالمرارة في أحاديثه الجانبية التي أرادها بديلاً للقائنا من أجل إجراء هذا الحوار، إلا أنه حين قبل الكلام... قال بنفس المرارة وبكثير من السخرية المبطنة وغير المبطنة كل ما يقال وما لا يقال... وربما كي يخفف من وقع كلامه الصادم، أراد أن يبدأ أولاً برؤية (النصف الملآن من الكأس)، فتحدث عما لفته وأثار اهتمامه من مسلسلات رمضان هذا العام، فقال: * لفت نظري مسلسل (وراء الشمس) مع سحر أداء صبا مبارك وأعجبت بباسل خياط، لكن بسام كوسا كان نشازاً في المجموعة. * نشاز بأي معنى؟ * بالمعنى الإيجابي... فبسام أدهشني كما أدهش كل المشاهدين بهذه الحالة التي جسدها. وأعجبتني السيدة منى واصف في أدائها ليس لكونها النجمة الكبيرة التي مازالت في القمة منذ عقود، ولكن لأنها كانت تؤدي بتوهج هنا، رغم أنها شاركت في العديد من الأعمال في هذا الموسم. *هل أداء الممثلين فقط هو ما أثار اهتمامك في مسلسل (وراء الشمس)؟! *لا ليس اداء الممثلين فقط، فالنص فيه صياغة جميلة، فيه مشاهد تؤدي لمشاهد وتفجر دراما خطوط أخرى بعيداً عن الإثارة... لكن المشكلة التي كانت تواجه المخرج هنا برأيي: كيف تتحول المشاهد المؤثرة إلى ميلودراما بكائية لا يحتاج إليها العمل. النص ليس هكذا، النص حوار عقلي فيه مجموعة أسئلة كبيرة ألا تضيع من المتفرج من أجل اللهاث وراء مشاهد بكائية... لكن على العموم فالعمل ترفع له القبعات. * ولمن سترفع القبعة أيضاً؟! *أرفع القبعة لمخرج شاهدت له مجموعة حلقات من مسلسله (أنا القدس) وأحببت شغله، وهو باسل الخطيب. هناك مخرج قادر يطوع الكاميرا والصورة لشيء هو يعرفه. *ولكن ألا ترى معي أن (أنا القدس) الذي كتب نصه المخرج أيضاً، مسلسل مليء بالمباشرة، وبارد الإيقاع إلى درجة مضجرة؟! *أنا أحببت الإخراج بغض النظر عن النص وإيقاعه ومقولاته... الإخراج كحالة، كإدارة كاميرا وممثل والقدرة على خلق حالة. *ثمة عملان لابنتك المخرجة رشا شربتجي في هذا الموسم (أسعد الوراق) و(تخت شرقي) كيف تراهما وهل لفتا اهتمامك؟! *تابعت مسلسل (أسعد الوراق) ومن دون أي تعليق أقول: لم يعجبني على الإطلاق. لماذا من دون تعليق؟! (هيك).... وهذا الكلام ليست له علاقة بمسلسل (أسعد الوراق) القديم الذي لم أعجب به أيضاَ. *هل أعجبك أداء (أسعد الوراق) الجديد؟! *فراس إبراهيم كان جيداً فقط أما الباقون فلا... وعلى العموم تشعر بأن هناك مجموعة علاقات شخصية تقود المسألة. * وماذا عن المسلسل الثاني الذي وقعته رشا شربتجي (تخت شرقي)؟! * تابعت مسلسل (التخت النطاط) كما يروق لي أن أسميه، وأريد أن أقول: كنا بالكاميرا الهزازة... والآن صرنا بالكاميرا النطاطة، التي ينط فيها الزوم فجأة وأنت تتابع المشهد. أتمنى أن أعود لأدرس كل مدارس الإخراج من السينما الأمريكية إلى السوفييتية... ومن مدارس الإخراج الكلاسيكية إلى التجريبية إلى الموجة الفرنسية الجديدة ولولوش وحتى السينما الهندية... إلى أن أصل إلى (أفاتار) كي أفهم ما هذا الاكتشاف العبقري الذي يقف وراء (الكاميرا النطاطة) التي تقدمها لنا مخرجة (التخت النطاط)... فالفن تحكمه كلمة (لماذا؟) وليس (كيف؟!) فكلمة (كيف) هي سر المهنة... أما (لماذا) فهي القدرة على إقناعك والتأثير بك كمشاهد ومتلق.. ولكن المشكلة أنك عندما تعطي (الكومبيوتر) لعالم ذرة فيستخدمه في ابتكار علم، وعندما تعطيه لفنان فسيرسم عليه لوحات قد تسحر العالم... أما عندما تعطيه لولد صغير فهو إما أن يخربه ويفكه، أو يلعب به! وثمة مشكلة أفظع في مسلسل (التخت النطاط) (يقصد تخت شرقي) وهي إلغاء الحواجز بين ما يقال وما لا يقال.. فبحجة أننا نقدم حالة (فريش) وكأننا لا نمثل، صار مسموحاً للممثلين أن يطولوا ألسنتهم ويسمعوننا شتائم مثقفاتية وشوارعية على حد سواء! *لنذهب إلى الكوميديا وأنت من أبرز مخرجيها في الدراما السورية... كيف ترى الأعمال الكوميدية التي عرضت في هذا الموسم؟! *إذا كنت تعتبر مسلسل (صبايا) كوميديا، فسأقول أنه سحرتني صورة (صبايا) وكانت صورة رائعة لمصور يفهم خبايا الكاميرا... صحيح أن رأيي في المصور (يزن شربتجي) قد يكون مجروحاً لأنه ابني، لكن أنا قلت كلمة إنصاف لأنني لا أجامل لا أولادي ولا غيرهم... وهذا الذي لفت نظري في (صبايا) فقط، أما العمل ككل فأنا حزين جداً على هذا المستوى! وبالنسبة لمسلسل (بقعة ضوء) فأنا تابعته لأنني كنت انتظر من أيمن رضا الذي قال (إن هشام شربتجي قتل بقعة ضوء وسرق حلمي وهو مخرج أثري) كنت أنتظر أن يرد علي رداً عملياً على الشاشة، ولكن إلى الآن لم أر أي رد يستحق الاهتمام لا على صعيد الأداء ولا على صعيد إسهامه في صياغة العمل! مسلسل (أبو جانتي) لسامر المصري، تابعت عددا من حلقاته فضحكت حتى كدت أن أمرض من شدة الضحك... وكان عندي مجموعة تشاهد العمل اختلفت معي في الرأي وقالت لي: (العمل حلو) ويبدو أنهم يصنعون هذا النوع من الكوميديا لفئة محددة لا أريد أن أذكرها. أخيراً أتوقف في مجال الكوميديا عند (ضيعة ضايعة) للمخرج الليث حجو... الذي كنت أخشى على جزئه الثاني الذي يعرض حالياً من التكرار...ولكني عندما شاهدت بعض الحلقات وجدت أن العمل مازال يحتفظ بمتعته وحيويته«'وأريد أن أقول ان الحالة الكوميدية في (ضيعة ضايعة) هي مساحة عند هشام شربتجي، وكنت ألعبها بمتعة... لكن للأسف عندما لعبتها هاجمني كثير من الناس. وممدوح حمادة مؤلف (ضيعة ضايعة) هو قريني في الفن. ألا يقولون لكل إنسان قرين... أنا قريني هو ممدوح حمادة، ولو أعطيت مسودات نصوصه لمخرج ضعيف سيظهر العمل جيداً، فما بالك والمخرج هنا الليث حجو... مخرج جيد، ومتزن، وأفضل أبناء جيله... لا بد أن يظهر العمل جيداً، واعتقد أن نجاح (ضيعة ضايعة) يأتي من المراهنة على مخرج مهم، ونص فيه قدر من الذكاء، لأن الكوميديا تتطلب الذكاء. والقطب الثالث في العمل باسم ياخور ونضال سيجري وسائر الممثلين وكل الكومبارس الذين لا أعرفهم... وأذكر حين عرضت الحلقات الأولى من الجزء الأول من هذا المسلسل كنت أصور مسلسلاً، وكان بعض الفنانين يأتي إلي ليسب ويشتم (ضيعة ضايعة) ومن يعمل فيه، إما لأنه يظن أنه بذلك سيرضيني ويتقرب مني، أو لأنه لا يحب هذا النوع من الشغل الكوميدي، ولكنني وقفت أمام الجميع وقلت: هذا العمل سيصبح علامة في الكوميديا وسينتشر عبر الموبايل، وشخصياته ستصبح أهم من شخصيات (باب الحارة) وقد حدث ما توقعته. ولهذا أقول لهم: الله يعطيهم العافية. شكراً ليث، وشكراً باسم وشكراً نضال صديقي... وفادي صبيح ورواد عليو، وزهير رمضان الذي حتى إذا ظهر صامتاً في أي عمل من'أعمال الدراما السورية وحتى الباكستانية والهندية فأنا أحبه ولسببين: الأول أنه يأخذ أدواراً مقرفة لدرجة تحبه فيها... فهو عادل أدهم الدراما السورية، والثاني: أنه يحمل الكثير من الطيبة واللطافة وحب مساعدة الآخرين من زملائه، ولا يجيد أثناء التصوير سوى كلمة (حاضر بوس) وحتى الآن، لم يقع ضحية مقلب بعض النجوم الذين يدخلون موقع التصوير، وثمة من يحمل الحقيبة لهم. * إلى أي حد ترى أن مقلب النجوم هذا، سيؤثر على مستقبل الدراما السورية؟! * منذ أربع سنوات قلت: عندما تتحول الدراما السورية إلى دراما نجوم فعليه العوض ومنه العوض... وهناك نقاد يقفون لنا على الواحدة (شرواك بالخير) قالوا هشام شربتجي ينتقد النجوم لأنه ديكتاتور، وقيل إنني ضد الجيل الجديد، مع أنني من الناس الذين ساعدوا النجوم، وفي كل عمل من أعمالي كنت أكتشف وجوهاً جديدة. واليوم أقول إن رفع أجور نجوم الدراما السورية بهذا الشكل الجنوني، سيفتح قبر هذه الدراما... فالنجوم يتعاملون مع الدراما السورية باعتبارها (منسف) الشاطر فيهم من (يدق) بقطعة اللحمة الكبيرة... وأعتقد أنه إذا انهارت هذه الدراما فكثير من النجوم لديهم أموال تكفيهم لفتح مشاريع يمكن أن يشتغلوا فيها... يمكن لأحدهم أن يشتري تاكسي ويشغل من يشاء عليها، ويمكن لآخر أن يفتح بوتيك.. أو يشغل أمواله في شركة... ولكن المصيبة هي في بعض المخرجين والفنيين الذين لم يدخروا أموالاً، ولا يعرفون غير هذه المهنة. * كيف ترى مسلسلات البيئة الشامية في هذا الموسم؟! * يكفي... القصة استوت... كل فترة نلحق بموضة... من البدوي للتاريخي للفانتازيا للبيئة الشامية... (تشوّمنا) حتى شبعنا!! * ما هو وجه الاعتراض تحديداً! * فخر لنا أن يكون في الدراما السورية سحر البيت الدمشقي، ورائحة الياسمين، التي كنا نقرأ عنها في قصائد نزار قباني، لكن ما يقدم ليس له علاقة حقيقية بذاك السحر العريق، بل له علاقة باجترار مفردات حنين مصطنع، ولهذا فليس مبرراً أن تصنع كل هذه الأعمال والمسلسلات فقط من أجل أن تقول (سقا الله) إلا إذا كان صناع هذه الأعمال يريدون أن يدخلوا موسوعة غينيس للأرقام القياسية، لأنه بقدرة قادر... أصبح (باب الحارة) الأكثر مشاهدة في دمشق وسورية والوطن العربي وفي المغتربات ونيويورك وول ستريت! كفانا كذباً على الناس'وعلى الماضي في هذه الأعمال... وهذه مجموعة أعمال أنا شاركت في صنع إحداها، لكنها أرجعت الدراما السورية سنوات إلى الوراء. ولكن حين شاركت فيها كنت المربع الضعيف، وليس المخرج المنتج الذي يتحكم بالعمل ويجتر جزءاً وراء آخر، رغم أن لديه خيارات أخرى! * كان مشروع تحويل رواية (ذاكرة الجسد) لأحلام مستغانمي إلى مسلسل، بين يديك لفترة طويلة... كيف تراه الآن بعد أن ظهر بتوقيع المخرج نجدت أنزور؟' * قبل أن يظهر مسلسل (ذاكرة الجسد) إلى النور، قلت أنا متفائل بوجود الثلاثي: الساحر نجدت أنزور الذي أحترمه، وجمال سليمان الذي يحبه الناس، والكاتبة ريم حنا التي قلت عنها إن لديها قدرة على فهم ما بين السطور ونقل حساسية الكلمات والصور كأنثى بعد صدور عشرين طبعة من رواية كتبتها أنثى أيضاً. ولكن بعد أن شاهدت العمل أقول: مبروك يا أحلام مستغانمي حلمك قد تحقق. وإذا كان هذا هو حلمك، فأنا أعتذر عن كل الخلافات التي حدثت بيني وبينك لتحقيق عمل أكبر يوازي حلمك. * ما هي طبيعة الخلافات التي حدثت بينك وبين أحلام مستغانمي وحالت دون إكمالك للمشروع؟! *أولاً كنتُ أكتب السيناريو، وقد وافقت على كل ما كتبت، وكانت تكتب بخط يدها هوامش على ما كتبت تقول فيها: (أيها الساحر... أيها الأفّاق... الساعة الخامسة صباحاً، لم أنم وأنا أقرأ سحرك. يا خفيف الظل... كيف أضحكتني وأبكيتني... إلخ) ولدي هذه الكتابات بخط يدها سأصورها لك إن شئت. لكن الخلاف وقع بينها وبين الشركة المنتجة لأنها في البداية كانت تريد نور الشريف بطلاً للمسلسل، ثم قالت: جمال سليمان، لكنه كان مشغولاً بتصوير (حدائق الشيطان) أنا رشحت غسان مسعود، فاتهمتني أنني أريد غسان مسعود لأنه شبهي، مع العلم أنه لا يوجد اي شبه بيني وبينه سوى الذقن، وأنا لا أحلق ذقني ليس كي أظهر شبه غسان مسعود، بل لأنني لا أحب ملمس الشيفرة الحاد على وجهي. وقد قالت لي: (أنت جايب ممثل شبه حفار قبور) وعندما رشحت عابد فهد، شبهته بـ (مونكي). وبعد الاعتراض على غسان مسعود انسحبت من العمل لأن الشركة لم تحترم التزامها مع غسان مسعود الذي لا يجمعني معه سوى الاحترام وأنه قادر على أن يقوم بهذا الدور... وأنا أحترم غسان مسعود على الأدوار التي أداها في الدراما السورية، وليس على أدواره في هوليوود التي لم تعجبني، وأرى أنها لم تضف إليه. * وهل مازلت معترضاً على جمال سليمان كبطل لـ (ذاكرة الجسد)؟! * رغم ترشيحي لغسان مسعود، فأنا لدي الرغبة في أن يكون جمال سليمان بطلاً للعمل.. ولو استمررت في المشروع لقدمت جمال لكن بغير هذه الطريقة، وهذه الابتسامة، وهذا الوجه المشرق، فخالد طوبال رجل متعب... متعب من الداخل. وبعد انسحابي من العمل توالت هزائم هشام شربتجي، وقد قلت: (شرف المهنة أفقدني ذاكرة الجسد) لأنني كنت أحلم في هذا العمل أن أقول ما لم أقله في السينما، فقد حولت النص إلى ثلاثين فيلماً سينمائياً، رغم أن الرواية سمعية، إنها رواية لغة وليست رواية أحداث وتحولات، لكن أنا صنعت منها سينما لأنني كنت أملك حبي للمادة الموجودة، وفهمي لها... والفهم ليس ترجمة محلفة، فليست مهمة الفنان حين يستلهم عملاً أدبياً في الدراما أن يترجم... بل أن يبدع ويحرضه الورق. وعندما أنظر أخيراً إلى ما حدث أشعر بأن بعض النقاد يفهم الروايات أكثر من مبدعيها! * ماذا تقول أخيراً للمخرجين الشباب الذين وقعوا أعمالا هذا الموسم؟! * أوجه تحياتي للمخرج الليث حجو، وتهاني الحارة لرشا شربتجي أنها أصبحت من الأرقام المهمة في الدراما السورية والعربية... وقريباً العالمية، وعقبال هوليوود؟! * ولكنك انتقدتها بشدة في حوارك وسخرت من مسلسلها (تخت شرقي) ووصفته بـ (التخت النطاط)؟! *لا... لم أقس عليها، أنا تحدثت عن شيء ينط أمامي... ثم إني لا أعرف هذه الكاميرا التي تنط هل هي خيار رشا أم هو عيب في الكاميرا؟! قد يكون عطلاً في الكاميرا وهي غير قادرة على إصلاح هذا العطل الذي حدث... ثم إنني أنا قلت أحب ولا أحب... وحقي ألا أحب (أسعد الوراق) الذي قدمته وهذا ليس له علاقة بقيمة العمل.