2012/07/04

هل سيسمح بتشخيص الخلفاء الراشدين في عمل درامي؟
هل سيسمح بتشخيص الخلفاء الراشدين في عمل درامي؟

محمد أمين - الوطن

لم تجرؤ الدراما العربية على مدى عقودها الطويلة من الاقتراب من بعض الشخصيات التاريخية الإسلامية التي ظلت فترة طويلة تتمتع بحصانة درامية- إذا جاز التعبير- فهي من المقدسات التي لا يجوز إطلاقاً أن تكون في المتناول سينمائياً وتلفزيونياً وطوال تلك الفترة كان المخرجون العرب يحتالون على فتاوى العلماء باللجوء إلى عدة أساليب منها الاكتفاء بالصوت أو الظل وما شابه ذلك ولكن التطور الدرامي الكبير الذي حصل في السنوات الأخيرة حيث اشتعل العالم العربي درامياً من مشرقه إلى مغربه ولم يعد للناس من حديث إلا ما تقوم به ماكينة الصناعة الدرامية العربية من أعمال والحاجة الملحة لمقاربة فترات تاريخية حساسة كان أبطالها تلك الشخصيات المحرمة، اقتضى تعديل بعض الرؤى والفتاوى القائلة بالتحريم المطلق فجرت خلال العامين الأخيرين عملية تفكيك ذكية لهذه الفتاوى بحيث بات من الممكن النفاذ من حائط السد إلى بعض الشخصيات فقُدِّمَت أعمال تاريخية ظهر فيها بعض الصحابة المبشرين بالجنة أو بعض الصحابة الكبار وربما اعتبر مسلسل (القعقاع بن عمرو التميمي) الذي عرض في رمضان الفائت الخطوة الأوسع على هذا الصعيد حيث ظهر الخلفاء الراشدون لأول مرة من بعيد دون أن تظهر وجوه الممثلين وظهر طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام والعباس بن عبد المطلب عم الرسول صلى الله عليه وسلم.

لقد كان هذا العمل خطوة رأى فيها مراقبون نقلة باتجاهات أخرى كان من المستحيل القيام بها ولم يكد ينتهي عرض المسلسل على الفضائيات العربية حتى جاءت الأخبار المؤكدة أن النية قد عقدت لإنجاز مسلسل عن سيرة حياة الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه هذه الشخصية التي تحمل الكثير من المهابة التاريخية الإسلامية سوف تظهر للمرة الأولى في العمل الذي يعكف حالياً الكاتب الأردني وليد سيف على كتابته وسيخرجه حاتم علي وهو إنتاج مشترك بين قناتي قطر والـMBC وقد انقسمت آراء الشارع حيال هذا الأمر بين مؤيد بقوة لهذا العمل ومعارض بشدة لظهور الأنبياء والخلفاء الراشدين كما تباينت آراء العلماء والمراكز الإسلامية الكبرى حيث بقي الأزهر في مصر على موقفه الرافض لظهور الأنبياء والعشرة المبشرين بالجنة وآل النبي صلى الله عليه وسلم في أعمال درامية ويسوق عدة مبررات لموقفه المتشدد هذا فهو يرى أن المشاهدين سوف يسقطون الشخصية على الممثل الذي يجسدها ومن ثم تفقد سحرها ورمزيتها ونقاءها وخاصة أنه لا ممثل عربياً لم يقم بتجسد شخصيات تعتبر ساقطة اجتماعياً في مسلسلات وأفلام، فطبيعة مهنته تقتضي منه ذلك وقد ذكر أحد شيوخ الأزهر في ندوة تلفزيونية على قناة المحور المصرية تعرضت لهذا الأمر أن ابنه كلما رأى الفنان الراحل عبد الله غيث في فيلم الرسالة للمرحوم مصطفى العقاد وهو يقوم بلعب شخصية حمزة بن عبد المطلب يتذكره وهو يلعب شخصية طبال في أحد الأفلام السينمائية.

ولم يوافق الأزهر حتى هذه اللحظة على عرض فيلم الرسالة في مصر.

وإذا كان الأزهريون مازالوا على تشددهم إلا أن بعض العلماء الكبار في منطقة الخليج العربي اتخذوا في الآونة الأخيرة موقفاً مغايراً وأجازوا إنجاز مسلسل يظهر فيه الخلفاء الراشدون لأن المصلحة تقتضي تبيان حقائق تاريخية يلعب الإعلام دوراً في تشتيتها وخلطها الأمر الذي أدى إلى مزيد من الفرقة والتناحر الفكري والصدام الإعلامي وتدفع أجيال كاملة ضريبة ما يحصل ربما من مستقبلها.

لقد ظهر السيد المسيح عليه السلام في عشرات الأفلام السينمائية في الغرب ولكن كانت شركات الإنتاج تشترط على الممثلين الذين يؤدون هذه الشخصية عدم الاشتغال بعد ذلك بالتمثيل واللجوء إلى خيارات أخرى في الحياة حيث لا يمكن لممثل يلعب شخصية أحد أهم الأنبياء أن يؤدي شخصيات أخرى هي أقل قيمة وأقل رفعة وقد ذكرت مصادر أن المخرج العالمي الشهير ميل غيبسون اشترط على الممثل الذي أدى شخصية عيسى بن مريم عليهما السلام في الفيلم الشهير (آلام المسيح) ذلك وقَبِلَ الممثل وهو راضٍ لذا قد تكون من الخيارات التي تستحق المناقشة أن يلجأ المخرج حاتم علي إلى الاعتماد على طلاب دارسين في المعاهد العليا في التمثيل في العالم العربي لم يسبق لهم الظهور في أعمال درامية فيسند إليهم مهمة تجسيد شخصيات الخلفاء الراشدين على أن تضمن لهم الجهات المنتجة عملاً آخر يعتاشون منه بعيداً عن مهنة التمثيل أو اللجوء إلى خيار تغطية وجوه الممثلين الذين يؤدون شخصيات الخلفاء الراشدين لأن الاقتحام الدرامي المباشر لهذه الشخصيات ربما يؤدي إلى فلتان درامي لا يحمد عقباه وخاصة أن الإعلام العربي يفتقر إلى مرجعيات واضحة وموحدة وقادرة على ضبط الأمور وعدم السماح لشذاذ الآفاق الإعلامية في الوقوف عند حد معين وربما من المفيد أن نذكّر أن الراحل مصطفى العقاد قد سعى طويلاً للحصول على موافقات لإنجاز فيلم عالمي عن الفاروق رضي الله عنه ليعلم الغرب أننا نملك شخصيات عظيمة ولكن مسعاه قد خاب ولهذا قد يكون من الأولويات أمام المخرج حاتم علي إنجاز فيلم سينمائي إضافة إلى المسلسل التلفزيوني عن هذه الشخصية تُوفر له كل الإمكانيات كي يكون عملاً سينمائياً كبيراً يرقى إلى مستوى عالٍ من النواحي كافة ليعرض في صالات السينما في كل دول العالم. بين الحاجة والضرورة لظهور شخصيات الخلفاء الراشدين في أعمال درامية لتحقيق مصالح جليلة وبين الخوف من تبعات ذلك يبقى مصير مسلسل (الفاروق) والصورة التي سيظهر فيها غير واضحة ولكن المؤكد أن العمل سوف يعرض في رمضان القادم.