2012/07/04

هل نفتقد الكاتب الدرامي الحرّيف؟
هل نفتقد الكاتب الدرامي الحرّيف؟

  محمد أمين -الوطن  لا تعاني الدراما التلفزيونية السورية قلة نصوص وخاصة بعد دخول العديد من الكتاب الشباب ميدان الكتابة الدرامية والذين قَدِموا إليها من مهن أخرى بعضها مرتبط بها وبعضها الآخر بعيد كل البعد عنها فالكتابة لدراما التلفزيون موهبة تقويها وتعمقها الدراسة فهي مهنة لها ضوابط ومعايير وقواعد وكتابة السيناريو أصبحت علماً يدرّس في المعاهد العليا ولكن هذه الدراما تعاني أزمة كتابة وهي ثغرة ليست هيّنة وقد تحدث عنها الكثير من المخرجين السوريين الذين يؤكدون دائماً أنهم يعملون على النص كثيراً قبل الشروع في التصوير لكي يتناسب مع شروط الإخراج. وقد تجلت هذه الثغرة بشكل واضح في رمضان الراهن فأغلب المسلسلات السورية التي تعرض على الفضائيات العربية تبدو غير ناضجة بما فيه الكفاية وغير متماسكة تماسكاً درامياً مقنعاً فالخطوط مفككة وبعضها مقحم على الخط الرئيس بشكل لا يضيف إليه بل يزيده ضياعاً ويشوّش عليه إلى حد بعيد، ليس هذا فحسب فالكثير من المسلسلات قد راوحت في مكانها على مدى حلقات كثيرة حيث كَثُرت المشاهد المجانية التي لا قيمة لها والثرثرة التي لا تقدم ولا تؤخر ولا تضيف لما سبقها وكأن الغاية كتابة أكثر من ألف صفحة للوصول بالنص إلى ثلاثين حلقة تلفزيونية كي يتناسب النص مع شروط العرض الفضائي العربي وخاصة في رمضان. ما زالت الدراما السورية تفتقر للكاتب الدرامي (الحرّيف) الذي لديه القدرة على نسج خيوط عمله بإتقان شديد وبناء شخصياته بهدوء وتروٍ لكي يستطيع بعد ذلك التحكم بمصيرها جيداً بحيث تصبح (مطواعة) لمشيئته وقضائه وقدره. وما يطبق على السيناريو من ملاحظات ينسحب أيضاً على الحوار فأغلب كتّاب الدراما السورية غير مدركين لطبيعة حوار شخصياتهم فالمنطق واحد سواء كانت الشخصية متعلمة أو أمية أو بين بين وكلام الصغار مثيل لكلام الكبار وأبناء الريف يتحدثون كما يتحدث أبناء المدينة. كما أن عدداً لا بأس به من النصوص تحولت إلى مسلسلات عبثية لا تحمل في طياتها أي قيمة أو هدف. ربما لا يتحمل الكتّاب وزر كل هذا وحدهم، فكتابة عمل تلفزيوني طويل فيه عشرات وأحياناً مئات الشخصيات التي تتشابك وتتزاحم مصائرها ليس بالمهمة السهلة بل هي عملية إبداعية مجهدة فيها تشريح للروح وتبديد للطاقة الأمر الذي يوصل الكاتب إلى مرحلة الملل والبحث عن منافذ وحلول ومقترحات درامية جاهزة ونمطية وخاصة إذا اقترب موعد الشروع في التصوير ولم يكن قد انتهى من بناء نصه بعد كما هو حاصل اليوم في الدراما السورية حيث لا يبدأ رمضان إلا ونجد عدة مسلسلات ما زال مخرجوها في طور التصوير وأحياناً ينتهون مع انتهاء الشهر الكريم وهذا أمر مربك للغاية وخلل يجب تداركه لأن (سلق) الأعمال بهذه الطريقة يؤدي إلى مصير غير مقبول ومن ثم تبدّد الطاقات ويذهب التعب والسهر إلى اللاجدوى وكم من نصوص جيدة ضيّعها غياب التقاليد المهنية والاستعجال والسعي الحثيث للوصول إلى رمضان وخاصة أن هناك عقوداً قد وُقّعت وشروطاً جزائية بالانتظار. يحتاج الكاتب إلى عدة شهور لإنضاج نصه وكي يعرف قلمه طريقه الصحيح إلى الورق أو أصابعه إلى لوحة (الكيبورد) ولكن كتّاب الدراما السورية وخاصة أولئك الذين ما زالوا في مرحلة الهواية يستعجلون مصيرهم ويسعون إلى إثبات الذات بسرعة لذلك يلجؤون إلى أقصر الطرق الدرامية للانتهاء من تأليف نصوصهم وخاصة بعد أن طرأ ارتفاع مقبول على أجور كتّاب الدراما في الآونة الأخيرة. الكاتب الدرامي السوري غير مرتاح وقلق من أشياء كثيرة وخاصة لجهة مستقبل نصه ومستقبله هو وكل ذلك ينعكس على عمله. أعرف العديد من الكتّاب الشباب الذين تعبوا على مدى شهور في تأليف نصوص بعضها جيد ويستحق أن يرى النور ورغم ذلك قوبلوا بالصد والرد والتعامل غير المتحضر من شركات إنتاج ومنتجين يظنون أن كتابة عمل تلفزيوني طويل عملية سهلة وأهون من الطريقة التي جمعوا بها ملايينهم وقد انكسر حلم هؤلاء الكتّاب الواعدين وتبدد وبعضهم انسحب إلى مهن أخرى بانتظار الفرج، والمؤسف أن هناك أعمالاً أقل قيمة وجودة ترى طريقها إلى التنفيذ دون عناء ويبتلي المخرج بإصلاحها وتقويم إعوجاجها ورغم ذلك تظل عرجاء فتسقط وسط الطريق إلى المشاهدين. نعم أغلب النصوص الدرامية السورية ليست ناضجة لأن الحالة الدرامية لم تنضج بعد فالكاتب ما زال الحلقة الأضعف والبطة السوداء في (اللعبة) فهو الأقل أجراً والأقل تكريماً وحضوراً إلا بعض الكتّاب الذين صنعوا نجوميتهم وحضورهم بمفردهم. أغلب النصوص غير ناضجة لأن هناك أيادي غير خبيرة تتدخل أحياناً فتفسد أكبر مما تصلح لأن أصحابها يرون أنفسهم (أفهم) ويريدون الإحاطة بكل العملية الدرامية من تأليف وإنتاج وإخراج وتمثيل. ربما آن أوان رفع شعار (يا كتّاب الدراما السورية.. اتحدوا) من قبلهم هم وليس من قبل أحد غيرهم، وربما آن أوان الاهتمام بإنشاء معهد متخصص يعلّم كتابة السيناريو قبل أن نجد أنفسنا في ورطة.