2012/07/04

هيام حموي: لست الوحيدة في القول إن إعلامنا السوري لم يتعامل بالطريقة المثلى مع الأحداث
هيام حموي: لست الوحيدة في القول إن إعلامنا السوري لم يتعامل بالطريقة المثلى مع الأحداث


دارين صالح – الوطن السورية

الطفلة الشقية ترفض أن تكبر في داخلها.. والبراءة العفوية تعكسها ضحكة هيام حموي التي باتت أحد أعمدة إذاعة شام إف أم كفيروز وزياد الرحباني تماماً..

هيام حموي تلك الياسمينة الدمشقية التي فاح عبيرها ليتعشق مع صباحات سورية..

قد يظن من يقرأ ما سبق أن في الكلام شيئاً من المبالغة في وصفها، ولكن من يعاشر هذه الإعلامية المتميزة يعرف أن الكلمات تقف عاجزة ومتواضعة أمام كبرياء انسانيتها. «الوطن »التقت الإعلامية هيام حموي وكان معها اللقاء التالي:

نشرتِ مؤخراً مقالات (تحت الياسمينة في الليل) و(نثرات من فيروز الزمان) وغيرها، في جريدة البعث، ما حكايتك مع الكتابة؟.. هل ما نشرته مؤخراً هو إعلان دخولك عالم الإعلام المكتوب؟

لا، ليس إعلان دخول إلى الإعلام المكتوب مطلقا، والأصح أنها محاولة إحياء حلم قديم في الكتابة الأدبية وربما بداية تحقيق حلم الكتابة الروائية، إذ كانت هنالك بدايات لأكثر من تجربة لم يسمح الوقت ولا ظروف العمل الإذاعي المتواصل والمكثف بإكمالها. العناوين التي ذكرتِها هي لمقالات أسبوعية تنشرها صحيفة «البعث» في زاوية «حديث الصباح»، يختلط فيها الوجداني بحالة من التأمل في أحوال الدنيا، انطلاقاً من مجموعة أغنيات شهيرة، فيروزية في أغلبيتها.

أنت ابنة دمشق وحلب، ما تأثير هاتين المدينتين في هيام حموي، وما الذي منحتك إياه مدينة حلب وماذا أخذت من دمشق؟

كما يأخذ الطفل المورثات من أمّه وأبيه، أظن أني أخذت مناصفة مورثات المدينتين: حلب منحتني اعتزاز المتنبي بانتمائه، ودمشق علمتني أبجدية الياسمين التي دوّنها نزار قباني في دفاتر العشق والشعر، كما أخذت عن المكانين الولع بالأغاني والهوس بالموسيقا.

عدت من باريس وعملت بإذاعة شام إف أم منذ أربع سنوات... وتترددين إلى فرنسا بين وقت، وآخر هل تشعرين بالندم أحياناً على العودة إلى سورية؟وما الأمر الذي تفتقدينه اليوم في سورية؟

بالتأكيد لست نادمة على العودة إلى الوطن، بخاصة في الظروف التي تمر بها سورية هذه الأيام، إذ كان يستحيل عليّ أن أتحمّل متابعة أخبار الوطن عبر ما تبثه القنوات الأجنبية، بالمقابل من الطبيعي أن اشتاق لبعض مفردات حياتي في باريس التي عشت وعملت فيها عدداً من السنوات يفوق نصف عمري... أشتاق لصالات السينما فيها، ولمسارحها، لمكتباتها، وللجلوس في مكان خاص بي بالقرب من نهر السين، بالتحديد وقت الغروب، باختصار، أشتاق لعزلتي الرومانسية فيها، فأنا محاطة هنا بأحباء وأصدقاء كثر، وكنت قد اعتدت على مساحات عزلة مع ذاتي، لا أستطيع إيجادها بسهولة في حياتي الحالية، غير أني أعتبر نفسي محظوظة بكل هذا الحب الذي يظهره لي الناس في سورية.

اليوم تشهد سورية أزمة منذ أشهر.. ما رأيك بما يحدث على الأرض؟

يؤلمني أن يكون مبدأ الحوار بين الأفراد مفقوداً إلى هذا الحد، ومع ذلك أعتقد أن ما ستثمر عنه الأزمة الحالية سيعود بالفائدة على الجميع، أنا مع فيروز وزياد بأنه «إيه فيه أمل». لا يمكن أن أتخيّل مطلقا بأن الأمور يمكن أن تنتهي إلى ما لا تُحمد عقباه، وأقول أيضاً مع فيروز: «عندي ثقة»... بالوطن وبالمواطن السوري وبفكرة المواطنة كما سنعيشها بعد انحسار الغيمة السوداء التي دأبت على الهطل وذرف الدموع في أوقات غير مألوفةّ!!!. سنعود أكثر إيمانا بقدراتنا وأكثر انفتاحا على بعضنا البعض.

كيف وجدت تعامل الإعلام السوري معها؟

لست الوحيدة في القول بأن إعلامنا السوري لم يتعامل بالطريقة المثلى مع الأحداث، فهنالك عدم الاعتياد على تسمية الأشياء بمسمياتها، وأيضاً عدم التوازن بين السلبي والإيجابي في طريقة عرض الأمور، فالمصداقية برأيي هي قول الحقيقة بكل مكوناتها، إذا كان في هذا ما يخدم المصلحة العامة، كما أن الإعلام في هذه المرحلة كان منذ البداية، ولا يزال، يعتمد خطط الدفاع بشكل عام، ونادرا ما اعتمد خطة هجوم تستبق هجمات الإعلام المضاد. من جهة ثانية، إعلامنا لا يركّز كثيراً على طريقة التقديم، فكم من القضايا العادلة التي خسرها أصحابها لعدم كفاءة المحامي المدافع عنها. طريقة عرض الأمور (الشكل) يكاد يوازي فحوى القضية (المضمون) في الأهمية، ولا أظن أن الإعلام السوري مهتم بالأسلوب بالقدر اللازم.

هل تعتقدين أن المستمع على استعداد لتقبّل الحقائق حتى إذا لم ترق له؟

سيعتاد على قبول الحقيقة وإن كانت مريرة أحياناً، مثلما اعتاد على مشاهدة أقصى درجات العنف على الشاشات، الإعلام عوّده على قبول صور العنف، وأظن أنه قادر على تعويده على قبول صور حقيقية بسلبياتها وإيجابياتها.

ما تقييمك للخطاب الإعلامي الخارجي لكونك عملت في إذاعتين فرنسيتين موجهتين ناطقتين بالعربية؟

إذاعة مونت كارلو، التي تأسست بناء على رغبة الجنرال ديغول، (وكان معروفا بمواقفه المؤيدة للقضايا العربية) هي إذاعة فرنسية ناطقة باللغة العربية، تمثل وجهة نظر السياسة الفرنسية، وقد عملتُ فيها منذ لحظة ولادتها عام 1972 وحتى عام 1992 في مرحلة عامرة بالأزمات من حرب أكتوبر/تشرين 1973، إلى الحرب الداخلية اللبنانية والحرب العراقية الإيرانية، والاجتياح الإسرائيلي لبيروت، والانتفاضة الفلسطينية، لكن نظرا لكون هذا النوع من الإذاعات يمثل سياسة بلده، فإنها كانت تبدو للمستمع العربي متوازنة، لكون السياسة الفرنسية في تلك الفترة سياسة قريبة من وجهة النظر العربية على العموم، وأذكر أننا كنا نقول إن الإذاعة البريطانية أكثر سلبية تجاه الإنسان العربي، لكن واقع الأمر، وأكررها، هذه الإذاعات تمثل وجهة نظر بلادها، اليوم نلاحظ تغييراً في الموقف الفرنسي من القضايا العربية، لذا ظن البعض أن الأمور تغيّرت بالنسبة للإذاعة الفرنسية الناطقة باللغة العربية، في حين أن الإذاعة البريطانية لم تغيّر من موقفها السلبي تجاهنا، لذا لم نستغرب مثلما استغربنا موقف إذاعة مونت كارلو التي أصبح اسمها اليوم «مونت كارلو الدولية»، ورفدتها المحطة التلفزيونية «فرانس 24»، بالسياسة ذاتها طبعاً. أما بالنسبة لإذاعة الشرق من باريس، فهي لم تكن إذاعة فرنسية بل هي إذاعة لبنانية تبث من باريس، وبالتالي الأمر مختلف، والكل يعرف تاريخ تحوّل سياستها من أقصى الإيجابية تجاه سورية إلى أقصى السلبية.

اليوم تعملين بإذاعة سورية قلباً وقالباً... كيف تعاملت إذاعة شام إف إم مع الأزمة الحالية خاصة أنها تميزت وفق رأي عدد من الصحفيين والنقاد؟

شام إف إم اعتمدت خطاً وطنياً 100%، وهذا ما احترمته فيها، مع سعيها إلى التوازن في عرض الوقائع، بالقدر الذي تسمح به الظروف المحيطة، علما بأن العمل، سواء في مجال المنوعات الذي أختص به، أم في مجال الأخبار الذي تكرس في هذه الفترة، لم يكن سهلا في ظل الاحتقان العام... لقد حاولت شخصيا أن أطبق بعضا من أفكاري المتعلقة بمفهوم التركيز على طريقة التقديم، وآمل أن نكون قد وفقنا في هذا المجال.

ماذا تقولين للشباب السوري وبهذا الوقت تحديدا؟

أنا شخصياً لا يمكن أن أسمح لنفسي بـ«التنظير» على الشباب فالزمن زمنهم والمستقبل لهم فهم أدرى الناس باحتياجاتهم، ومع ذلك إذا كان لا بد من قول شيء فإني أستعير من الأديبة الكبيرة كوليت خوري مقولتها الشهيرة «ويبقى الوطن فوق الجميع...».

ماذا تقولين للإعلاميين والمثقفين السوريين؟

وهنا أيضاً أستعير، والاستعارة هذه المرة من أجمل صرخة أطلقها، بأعلى صوت ممكن، صاحب الحنجرة الأكثر صدقا، الفنان نضال سيجري عندما قال: «الحب، الحب هو الخلاص... يا بني أمي»!